(تابع...)
(3)
* الصفحة (1/105)
_ في المتن: "لا سيما وثوبُ الشباب قَشيب(1)، ورِدْنُ الحـَداثةِ بمائها خَصيب"
_ في الهامش رقم 1: "قشيب: مَجْلُوٌّ، وصدىءٌ، ضِدٌّ. القاموس المحيط ص 160."
وهذه طريقة أخرى أيضا تميز بها المحقق في شرح ألفاظ الكتاب. فهو عندما يطالع معجما من المعاجم، وتكون مادة الكلمة كثيرة أومتشعبة أو متعددة، يأتي بأول ما يخاله شرحا لها ويلصقه بالهامش! فقد فتح "القاموس المحيط" فوجد: " وسَيْفٌ قَشِيبٌ : مَجْلُوٌّ، وصَدِىءٌ: ضِدٌّ." فحذف كلمة "سيف"، لأنها لا توفي بالغرض، وراح ينقل ما فهم... وعندما نقل ما ابتسره، وضع له رقماً يدع الحليم حيران! فالقارئ عندما يقرأ هذه الجملة بهذا الشكل: "قشيب: مَجْلُوٌّ، وصدىءٌ، ضِدٌّ"، يختلط عليه الأمر؛ لأن الفاصلة بين "صدئ" و"ضد" توهم بأن صدئ مرادف لـ "مَجْلُوّ"!
ولو تأنّى وواصل القراءة، لوجد بعد ذلك مباشرة: "والقَشِيبُ : قَصْرٌ باليَمنِ؛ والجَديدُ، والخَلَقُ ضِدٌّ؛ والأبيضُ؛ والنَّظِيفُ". ولعلم عندئذ أن المراد بالقشيب في نص الشوكاني هو: الجديد، أي أنه حديث عهد بالشباب. جاء في "لسان العرب": " وكلُّ شيءٍ جديدٍ قَشيبٌ". وأشار إلى أنه من الأضداد.
وعلى أية حال، نحمد الله على أنه لم يلتفت إلى "قصر باليمن"! فمن يدري؟ أليس الشوكاني يمنيا؟!
====
(4)
* الصفحة (1/105)
_ في المتن: "لا سيما وثوبُ الشباب قَشيب، ورِدْنُ (2) الحـَداثةِ بمائها خَصيب"
_ في الهامش رقم 2: "الرَّدَن: القَزّ، وقيل: الخزّ، وقيل: الحرير. "لسان العرب" (5/193)".
1_ الملاحظة الأولى هي أن الكلمة نفسها مضبوطة في المتن بشكل مغاير لما في الهامش. وهذا مما تفرد به المحقق!
2_ والملاحظة الثانية هي أن المحقق -كعادته- يغترف من مادة الكلمة التي بحث عن معناها أوّل غرفة تتمكن منها يده، ويهديها للقارئ، ليغرقه في بحر الحيرة... فما هو "الردن"؟ هل هو "الرِّدْن"؟ أم "الرَّدَن"؟ ولماذا ليس "الرُّدْن"، أي الكُمّ؟ ثم هل هو القزّ؟ أم الخزّ؟ أم الحرير؟ لماذا ليس وقْعُ صوت السلاح بعضه على بعض، أو التدخين، أو نَضْد المتاع؟ فكل هذه المعاني أوردها ابن منظور! ثم لماذا لم يحاول المحقق أن ينزِّل المعاني التي اعتقد أنها شارحة للكلمة على سياق الكلام ليتأكّد إن كانت منسجمة معه أم لا؟
ولو أعمل المحقق عقله في مادة "ر د ن" من لسان ابن منظور، لخلُص إلى أن الضبط الصحيح للكلمة هو "الرَّدَن". والرَّدَن هو: الغِرْسُ الذي يخرج مع الولد من بطن أمه. والغِرْس هو: المَشِيمَة، وهي جلدة رقيقة تخرج مع الولد إِذا خرج من بطن أُمه. فيكون مراد الشوكاني في هذه الجملة أيضا أنه لم يتجاوز زمن الحداثة إلا مِن زمن قصير، وأن بعض سماتها ما زالت عالقةً به كما يعلق بعض الغِرس بجسم المولود الجديد.
وقد يراد بالردن أيضا النسب والأصل، وكذا الثوب بمعنى الخلُق توسُّعاً. ومنه ما يروى عن عبد المطلب من أنه قال عند ولادة الرسول صلّى الله عليه وسلم:
الحمد لله الذي أعطاني ----- هذا الغلامَ الطيِّبَ الأردان
وكذا قول شيخ المعرة:
وما أُبالي -وأرْداني مُبَرّأةٌ --- من العيوبِ- إذا ما الحتفُ أرداني
ومن أمثالهم: "كن طيب الأردان، وإن لم تلبس الأردان". والمراد بالثانية هو الخز أو الحرير.
3_ الملاحظة الثالثة هي أنَّ كلمة "خصيب" أربكتني. وقد تثبَّتُّ منها في صورة الصفحة الأولى من المخطوط "أ" (1/73) فوجدتها "الخضيب"، كذا في صورة الورقة الأولى من المخطوط (جـ). وهذا هو الأشبه. والخضيب: كل ما غيِّر لونه بحمرة أو بصفرة. وجاء في لسان العرب: "وفي الحديث: "بكَى حتى خضَبَ دَمْعُه الحصى". قال ابن الأثير: "أي بَلَّها؛ من طريق الاستعارة".
=======