بين إمام وخطيب, قصيدة بعنوان إلى الله بثي
بين إمام وخطيب, خصومة سجلت شعرا، لا يقتصر الغرض من تسجيلها شعرا ونشرها على جذب التعاطف مع طرف ضد آخر، ولا الانتقاصا من الطرفين جميعا بأن يقال: كيف يختلف إمام وخطيب؟ والخصومات تقع وتنجلي، لكن, ... إلى أين وصلت بنا في واقعنا المعاصر المجاملات؟ ومتى يكون التدخل بين الخصمين من إخوانهما مجاملة؟ ومتى يكون إصلاحا لذات البين؟
التدخل بين طرفين دون وضع النقاط على الحروف من أجل أن تسير المركب فقط مجاملة، قد تهدئ الخصومات فتؤجلها ولا تحلها، وهكذا نهج كثير من المتدخلين بين طرفين في خصومة، فبعض منهم يسكت تحرجا، وبعض منهم يلوم الطرفين، ويتجاهل سوء الشعور بالظلم، الذي يضاعف منه الأسف من قلة القائلين بالحق، وغياب المنصفين، ولا شك أن النية في كثير من مواقف التدخل خير، بينما وجود الناصحين القائلين بالحق في حكمة مع السعي في إصلاح ذات البين هو المسلك الحق.
وهذا هو الهدف من نشر هذه القصيدة لا الإزراء على أحد الطرفين، فالخصومة لا يحكم فيها بالتعاطف، بل بسماع الطرفين والنظر في الدعاوى والبينات، والله من وراء القصد.
--نص القصيدة:
** فوضت أمري إلى رب البريات* ومن سواه يناجى في الملمات **
إشكو إليك ولي سلوى إذا أشكو* فأنت أعلم بي، خفف معاناتي*
وأنت بيني وبين الخصم تعلم ما * أجني عليه ويجني من ظلاماتي**
رباه غاب من الإخوان منصفهم* وأنت تنصفني منه ومن ذاتي**
أرضى له العدل في نفسي بحكمك إن* كنت المسيء، وفيه العدل مرضاتي**
تكلّف الخصم أني كنت أطعنه* وتلك في عرفه أقسى خياناتي**
أبدى بذا عذره، لو كان ينفعه* في ترك فضل به نيل المثوبات**
وهل تجنب أمر ليس ينفعه* مني المشورة ركن في الجنايات **
حتى تناوَشَنا من كل مشربة* رامٍ بسهم له توقٌ لصولات**
ما راعه أن ينال القوم بغيتهم* فالذنب غدري، فويلي من غواياتي**
وبانتقاص وهزءٍ رام ينصحني* نعم النصيحة، في وكر الزرايات**
لمز وهزء وضِحْكات على مضض* في نصحه, عسلٌ مرٌ بآفات**
وحين أبديت عذري قال في حنَقٍ* أوتيتَ صبرا على طول الكتابات**
يا ليت شعريَ، ذا من كنت أسمعه* تلك اللياليَ في عذب التلاوات؟!**
أم خنتها لانتصار النفس موعظتي* فبالخيانة قد عمرتُ أوقاتي؟!**
وحولنا الصحب والإخوان قد سمعوا* فكان منهم صمات زاد مأساتي**
قالوا صغار، فما يشقيك من لَمَمٍ؟* كذاك كنا، وما نبرات أصوات؟**
يا ليت لي مثلهم إذ كنت في صغري* لا عذر لي وقتها إبان صبواتي**
واليوم في كبري والضعف في بدني* يرمي صغيرهمُ بالغدر شيباتي*
وبعضهم قال: يا شيخان، ويحكما* قد كان منك ومنه بعض إفلات**
يا ليتهم حين ساووا بيننا نطقوا* بحق كُلٍّ ولا كتمَ الشهادات**
ولست أفضُله قدرا ومنزلة* بصوته في صلاة الليل إخباتي**
لو كنت أصدق ربي وهو يسمعنا* فلي حنين إلى دار المسرات** وليتهم عرفوا للسن مكرمة* وللأسنِّ لجهل نزغ نوبات**
وليتهم عرفوا للسِنِّ مكرمة** وللأَسَنِّ بجهل نزغ نوبات*
كذاك كنا نراعي معْ أكابرنا* يا لهف نفسي على تلك المزيات**
قولوا مبالغة، هاتوا ملامتكم* عشت الحياة أسيرا للملامات**
فالظلم صعب على نفسي، وحالفه* منكم سكوت، فقولوا بعض لوثاتي**
يا أيها الخصم لا تفزع لمظلمتي* كذاك فعلك نحوي من ظلاماتي*
عذري وعذرك مقبولان ليس لنا* إلا التمهل في فصل القضيات**
يوم الجزاء أو التقوى تحللنا* من إصر جرم بعفو عن إساءات***
ما دام لا قائم بالحق ينفعنا* بقول صدق به قطع النزاعات**
إلا مجاملة من ذا وذا، دخن* به تطول عهود من عداوات**
يا رب تلك شكاتي، حرها بدمي* فالطف بفصل قضاء في شكاياتي**