﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ ۚ وَٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٤٥﴾] حمد الله نفسه على أن قطع دابرهم؛ لأنه نعمة على الرسل، فذكر الحمد لله تعليماً لهم ولمن آمن بهم أن يحمدوا الله على كفايته شر الظالمين. البغوي:2/22.
﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ ۚ وَٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٤٥﴾] وفي ذلك كله تنبيه على أنه يحق الحمد لله عند هلاك الظلمة؛ لأن هلاكهم صلاح للناس، والصلاح أعظم النعم، وشكر النعمة واجب، وهذا الحمد شكر؛ لأنه مقابل نعمة. ابن عاشور:7/232.
﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ ۚ وَٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٤٥﴾] والحمد لله رب العالمين على ما قضاه وقدره من هلاك المكذبين؛ فإن بذلك تتبين آياته، وإكرامه لأوليائه، وإهانته لأعدائه، وصدق ما جاءت به المرسلون. السعدي:256.
﴿ وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَآ إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٥٩﴾] (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها) أي: من ورقة الشجر إلا يعلم متى تسقط، وأين تسقط، وكم تدور في الهواء، ولا حبة إلا يعلم متى تنبت، وكم تنبت، ومن يأكلها؟ القرطبي:8/405.
﴿ قُل لَّوْ أَنَّ عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِۦ لَقُضِىَ ٱلْأَمْرُ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ ۗ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٥٨﴾] فأوقعته بكم، ولا خير لكم في ذلك، ولكن الأمر عند الحليم الصبور، الذي يعصيه العاصون، ويتجرأ عليه المتجرؤون، وهو يعافيهم ويرزقهم، ويسدي عليهم نعمه الظاهرة والباطنة. السعدي:259.
﴿ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٥٥﴾] فإن سبيل المجرمين إذا استبانت واتضحت أمكن اجتنابها والبعد منها، بخلاف ما لو كانت مشتبهة ملتبسة؛ فإنه لا يحصل هذا المقصود الجليل. السعدي:258.
﴿ وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلْءَايَٰتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٥٥﴾] وإذا بان سبيل المجرمين فقد بان سبيل المؤمنين. القرطبي:8/396.
﴿ وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـَٔايَٰتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ ۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ ۖ أَنَّهُۥ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوٓءًۢا بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنۢ بَعْدِهِۦ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُۥ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٥٤﴾] وإذا جاءك المؤمنون فحَيِّهم، ورَحِّب بهم، ولقِّهِم منك تحية وسلاماً، وبشرهم بما ينشط عزائمهم وهممهم من رحمة الله، وسعة جوده، وإحسانه، وحُثَّهم على كل سبب وطريق يوصل لذلك، ورَهِّبهم من الإقامة على الذنوب، وأْمُرهم بالتوبة من المعاصي لينالوا مغفرة ربهم وجوده. السعدي:258.
﴿ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٥٣﴾] هم الذين يعرفون قدر نعمة الإيمان، ويشكرون الله عليها. ابن تيمية:3/28.
﴿ وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوٓا۟ أَهَٰٓؤُلَآءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنۢ بَيْنِنَآ ۗ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٥٣﴾] (وكذلك فتنا بعضهم ببعض) أي: ابتلينا الكفار بالمؤمنين؛ وذلك أن الكفار كانوا يقولون: أهؤلاء العبيد والفقراء منّ الله عليهم بالتوفيق للحق والسعادة دوننا، ونحن أشراف أغنياء، وكان هذا الكلام منهم على وجه الاستبعاد بذلك. (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ): ردّ على الكفار في قولهم المتقدّم. ابن جزي:1/271.
﴿ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَٰنُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٦٨﴾] نسيان الخير يكون من الشيطان؛ كما قال تعالى: (وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين). ابن تيمية:3/32.
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِىٓ ءَايَٰتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا۟ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِۦ ۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَٰنُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٦٨﴾] من خاض في آيات الله تُركت مجالسته، وهُجر؛ مؤمنا كان، أو كافراً. القرطبي:8/419.
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِىٓ ءَايَٰتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا۟ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِۦ ۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَٰنُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٦٨﴾] إن أنساك الشيطان النهي عن مجالستهم فلا تقعد بعد أن تذكر النهي. ابن جزي:1/274.
﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٦٥﴾] (أو يلبسكم شيعاً): قيل: يجعلكم فرقا يقاتل بعضكم بعضا؛ وذلك بتخليط أمرهم، وافتراق أمرائهم على طلب الدنيا، وهو معنى قوله: (ويذيق بعضكم بأس بعض) أي: بالحرب، والقتل في الفتنة. القرطبي:8/414.
﴿ قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ تَدْعُونَهُۥ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَىٰنَا مِنْ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّٰكِرِينَ ﴿٦٣﴾ قُلِ ٱللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٦٣﴾] فوبخهم الله في دعائهم إياه عند الشدائد، وهم يدعون معه في حال الرخاء غيره. القرطبي:8/412.
﴿ قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ تَدْعُونَهُۥ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَىٰنَا مِنْ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّٰكِرِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٦٤﴾] (لنكونن من الشاكرين): والشكر هو معرفة النعمة مع القيام بحقها. البغوي:2/30.
﴿ وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَٰسِبِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٦٢﴾] لكمال علمه، وحفظه لأعمالهم، بما أثبته في اللوح المحفوظ، ثم أثبتته ملائكته في الكتاب الذي بأيديهم. السعدي:259.
﴿ كَٱلَّذِى ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَٰطِينُ فِى ٱلْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُۥٓ أَصْحَٰبٌ يَدْعُونَهُۥٓ إِلَى ٱلْهُدَى ٱئْتِنَا ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ ۖ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٧١﴾] (له أصحاب): وهم رفقة يدعونه إلى الهدى، أي: إلى أن يهدوه إلى الطريق، يقولون له: ائتنا، وهو قد تاه وبعد عنهم فلا يجيبهم، وهذا كله تمثيل لمن ضل في الدين عن الهدى، وهو يدعى إلى الإسلام فلا يجيب. ابن جزي:1/275.
﴿ قُلْ أَنَدْعُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰٓ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ كَٱلَّذِى ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَٰطِينُ فِى ٱلْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُۥٓ أَصْحَٰبٌ يَدْعُونَهُۥٓ إِلَى ٱلْهُدَى ٱئْتِنَا ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٧١﴾] فمن الناس من يكون مع داعي الهدى في أموره كلها أو أغلبها، ومنهم من بالعكس من ذلك، ومنهم من يتساوى لديه الداعيان، ويتعارض عنده الجاذبان، وفي هذا الموضع تعرف أهل السعادة من أهل الشقاوة. السعدي:261-262.
﴿ وَذَكِّرْ بِهِۦٓ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌۢ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٧٠﴾] أي: تحتبس عما فيه نجاتها في الدنيا والآخرة؛ فإن المعاصي قيد لصاحبها وحبس له، ومانع له من الجولان في فضاء التوحيد، وحائل بينه وبين أن يجني من ثمار الأعمال الصالحة؛ فهو محبوس ها هنا، وهناك في الآخرة. السعدي:261.
﴿ وَذَكِّرْ بِهِۦٓ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٧٠﴾] أي: ذَكِّر بالقرآن ما ينفع العباد أمراً وتفصيلاً، وتحسيناً له بذكر ما فيه من أوصاف الحسن، وما يضر العباد نهياً عنه، وتفصيلاً لأنواعه. السعدي:261.
﴿ وَذَرِ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُوا۟ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا ۚ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٧٠﴾] وذكر الحياة هنا له موقع عظيم؛ وهو أن همهم من هذه الدنيا هو الحياة فيها؛ لا ما يتكسب فيها من الخيرات التي تكون بها سعادة الحياة في الآخرة؛ أي: غرتهم الحياة الدنيا فأوهمتهم أن لا حياة بعدها. ابن عاشور:7/296.
﴿ وَذَرِ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُوا۟ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا ۚ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٧٠﴾] أي: لا تعلق قلبك بهم؛ فإنهم أهل تعنت إن كنت مأمورا بوعظهم... ومعنى (لعباً ولهواً) أي: استهزاء بالدين الذي دعوتهم إليه، وقيل: استهزءوا بالدين الذي هم عليه؛ فلم يعملوا به، والاستهزاء ليس مسوغا في دين. القرطبي:8/423.
﴿ وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَىْءٍ وَلَٰكِن ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٦٩﴾] وفي هذا دليل على أنه ينبغي أن يستعمل الْمُذَكِّرُ من الكلام ما يكون أقربَ إلى حصول مقصود التقوى. السعدي:261.
﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِۦ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰنًا ۚ فَأَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٨١﴾ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَلَمْ يَلْبِسُوٓا۟ إِيمَٰنَهُم بِظُلْمٍ أُو۟لَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٨١﴾] أي كيف أخاف أمواتا وأنتم لا تخافون الله القادر على كل شيء... (فأي الفريقين أحق بالأمن) أي: من عذاب الله: الموحد أم المشرك؟ فقال الله قاضيا بينهم: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) أي بشرك. القرطبي:8/444.
﴿ إِنِّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٧٩﴾] إني وجهت وجهي في عبادتي إلى الذي خلق السماوات والأرض، الدائم الذي يبقى ولا يفنى، ويحيي ويميت، لا إلى الذي يفنى ولا يبقى، ويزول ولا يدوم، ولا يضر ولا ينفع. الطبري:11/487.
﴿ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِى رَبِّى لَأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّآلِّينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٧٧﴾] الأنبياء لم يزالوا يسألون الله تعالى الثبات على الإيمان، وكان إبراهيم يقول: (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) [إبراهيم: 35]. البغوي:2/41.
﴿ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَآ أُحِبُّ ٱلْءَافِلِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٧٦﴾] أي: الذي يغيب ويختفي عَمَّن عبده؛ فإن المعبود لا بُدَّ أن يكون قائماً بمصالح من عبده، وَمُدَبِّرًا له في جميع شؤونه، فأما الذي يمضي وقتٌ كثيرٌ وهو غائبٌ فمن أين يستحق العبادة؟! وهل اتخاذه إلهاً إلا من أَسْفَهِ السَّفَهِ، وأبطل الباطل؟! السعدي:262.
﴿ ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّى ۖ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٧٦﴾] أي: على وجه التَنَزُّل مع الخصم؛ أي: هذا ربي، فهَلُمَّ ننظر هل يستحق الربوبية؟ وهل يقوم لنا دليلٌ على ذلك؟ فإنه لا ينبغي لعاقل أن يتخذ إلهه هواه بغير حجة ولا برهان. السعدي:262.
﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلَّيْلُ رَءَا كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّى ۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَآ أُحِبُّ ٱلْءَافِلِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٧٦﴾] ... ذلك أن أصل العبادة هي المحبة، وأن الشرك فيها أصل الشرك؛ كما ذكره الله في قصة إمام الحنفاء إبراهيم الخليل؛ حيث قال: (فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين). ابن تيمية:3/34.
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ ءَازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا ءَالِهَةً ۖ إِنِّىٓ أَرَىٰكَ وَقَوْمَكَ فِى ضَلَٰلٍ مُّبِي ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٧٤﴾] وليس في ذلك ما ينافـي البرور به؛ لأن المجاهرة بالحق دون سب ولا اعتداء لا ينافـي البرور. ابن عاشور:7/314.
﴿ أُو۟لَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ ۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقْتَدِهْ ۗ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٩٠﴾] أي: امش أيها الرسول الكريم خلف هؤلاء الأنبياء الأخيار، واتبع ملتهم، وقد امتثل صلى الله عليه وسلم؛ فاهتدى بهدي الرسل قبله، وجمع كل كمال فيهم؛ فاجتمعت لديه فضائل وخصائص فاق بها جميع العالمين، وكان سيد المرسلين وإمام المتقين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين. السعدي:264.
﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا۟ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٨٨﴾] أي: لو عبدوا غيري لحبطت أعمالهم، ولكني عصمتهم. القرطبي:8/451.
﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا۟ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٨٦﴾] (ولو أشركوا) على الفرض والتقدير (لحبط عنهم ما كانوا يعملون)؛ فإن الشرك محبط للعمل، موجب للخلود في النار، فإذا كان هؤلاء الصفوة الأخيار لو أشركوا -وحاشاهم- لحبطت أعمالهم، فغيرهم أولى. السعدي:264.
﴿ وَوَهَبْنَا لَهُۥٓ إِسْحَٰقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِۦ دَاوُۥدَ وَسُلَيْمَٰنَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَٰرُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٨٤﴾] وكان هذا مجازاة لإبراهيم- عليه السلام- حين اعتزل قومه وتركهم، ونزح عنهم، وهاجر من بلادهم ذاهباً إلى عبادة الله في الأرض، فعوضه الله -عز وجل- عن قومه وعشيرته بأولاد صالحين من صلبه على دينه؛ لتقر بهم عينه. ابن كثير:2/147.
﴿ نَرْفَعُ دَرَجَٰتٍ مَّن نَّشَآءُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٨٣﴾] أي: نرفع درجات من نشاء بالعلم، والفهم، والفضيلة، والعقل؛ كما رفعنا درجات إبراهيم حتى اهتدى، وحاج قومه في التوحيد. البغوي:2/41.
﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِۦ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَٰتٍ مَّن نَّشَآءُ ۗ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٨٣﴾] فإن العلم يرفع الله به صاحبه فوق العباد درجات؛ خصوصاً العالم العامل المعلم؛ فإنه يجعله الله إماماً للناس بحسب حاله؛ تُرْمَقُ أفعاله، وتقتفى آثاره، ويستضاء بنوره، ويمشى بعلمه. السعدي:263.
﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِۦ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَٰتٍ مَّن نَّشَآءُ ۗ ﴾ [سورة الأنعام آية:﴿٨٣﴾] فجزينا إبراهيم ﷺ على طاعته إيانا، وإخلاصه توحيد ربه، ومفارقته دين قومه المشركين بالله، بأن رفعنا درجته في عليين، وآتيناه أجره في الدنيا، ووهبنا له أولادا خصصناهم بالنبوة، وذرية شرفناهم منا بالكرامة، وفضلناهم على العالمين. الطبري:11/507.
يتبع