2988 - " يا جد هل لك في جلاد بني الأصفر ؟ " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 1225 :
أخرجه ابن أبي حاتم في " التفسير " ( 4 / 51 / 1 ) من طريق محمد بن إسحاق :
أخبرني سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت عن جابر بن عبد الله قال : سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره ، قال جد : أو تأذن لي يا رسول الله
، فإني رجل أحب النساء ، و إني أخشى إن أنا رأيت بنات بني الأصفر أن أفتن ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - و هو معرض عنه - : " قد أذنت لك " . فعند
ذلك أنزل الله : *( و منهم من يقول ائذن لي و لا تفتني ألا في الفتنة سقطوا )*
. قلت : و هذا إسناد حسن ، رجاله ثقات معروفون من رجال " التهذيب " غير سعيد بن
عبد الرحمن هذا ، فأورده ابن أبي حاتم في " الجرح و التعديل " ( 2 / 1 / 39 )
برواية ابن إسحاق هذا ، و بيض له ، و ذكره ابن حبان في " الثقات " ( 6 / 249 )
و قال : " روى عنه أهل المدينة ، و كان شاعرا " . قلت : فهو إذن معروف و تابعي
، و لذلك حسنته ، و قد ذكره ابن إسحاق في " السيرة " ( 4 / 169 - 170 ) بأتم
منه من تحديثه عن الزهري و يزيد بن رومان و عبد الله بن أبي بكر و عاصم بن عمر
بن قتادة و غيرهم من العلماء ، الأمر الذي يشعر بأن الحديث كان مشهورا عندهم .
و من طريق ابن إسحاق أخرجه الطبري في " التفسير " ( 10 / 104 ) و البيهقي في "
دلائل النبوة " ( 5 / 213 - 214 ) . و له شاهد من حديث ابن عباس ، و مرسل مجاهد
. أما حديث ابن عباس ، فله طريقان : أحدهما : يرويه بشر بن عمارة عن أبي ورق عن
الضحاك بن مزاحم عنه قال : لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة ( تبوك
) ، قال لجد بن قيس : " هل لك في بنات الأصفر ؟ " . فقال : ائذن لي و لا تفتني
! فأنزل الله عز وجل : *( و منهم من يقول ائذن لي و لا تفتني )* . أخرجه
الطبراني في " المعجم الكبير " ( 2 / 308 / 2154 و 12 / 122 / 12954 ) و "
الأوسط " ( 2 / 42 / 2 / 5734 - بترقيمي ) من طريق يحيى بن عبد الحميد : حدثنا
بشر بن عمارة به . و قال : " لم يروه عن أبي روق إلا بشر بن عمارة " . قلت : و
هو ضعيف كما في " التقريب " ، و نحوه الراوي عنه يحيى بن عبد الحميد ، و هو
الحماني ، و به فقط أعله الهيثمي فقال في " المجمع " ( 7 / 30 ) : " رواه
الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " ، و فيه يحيى الحماني ، و هو ضعيف " . و
قلده مضعف الأحاديث الصحيحة في تعليقه على " إغاثة اللهفان " ( 2 / 195 ) و لا
وجه لإعلاله به ، لأنه لم يتفرد به ، كما أشار إلى ذلك الطبراني في قوله
المذكور ، فقد تابعه محمد بن عمران عند أبي نعيم في " المعرفة " ( 1 / 142 / 1
) . و ابن عمران هو ابن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري ، و هو ثقة .
و فيه علة أخرى و هي الانقطاع بين الضحاك و ابن عباس ، فإنه لم يلقه . لكن يشهد
له الطريق الآتية ، و لاسيما و قد قال فيه الذهبي في " المغني " : " و هو قوي
في التفسير " . و الطريق الآخر : يرويه جبارة بن المغلس : حدثنا أبو شيبة
إبراهيم بن عثمان عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا : " اغزوا تغنموا بنات
الأصفر " . فقال ناس من المنافقين : إنه ليفتنكم بالنساء ! فأنزل الله عز وجل
*( و منهم من يقول ائذن لي و لا تفتني )* . أخرجه الطبراني أيضا في " الكبير "
( 11 / 63 / 11052 ) ، و أعله الهيثمي بقوله : " و فيه أبو شيبة إبراهيم بن
عثمان ، و هو ضعيف " . قلت : و قلده الهدام ، و هذا منه على خلاف عادته و هدمه
، فإنه ينطلق فيه إلى تبني أسوأ ما قيل في الراوي ، و لو كان مرجوحا ، و ما هنا
على العكس تماما ، فإن الراجح في أبي شيبة هذا أنه متروك ، كما في " الكاشف " و
" التقريب " و غيرهما ، فما هو السبب يا ترى ؟ و الجواب : هو التقليد حين لا
يهمه الأمر ، و إلا اجتهد ، و لو خالف الأئمة الأوتاد ! و إن مما يؤكد ما ذكرت
أنه فاته أن الراوي عنه جبارة بن المغلس ضعيف أيضا كما قال الذهبي و العسقلاني
، بل كذبه بعضهم . فالإسناد شديد الضعف لا يستشهد به . و إن مما يؤكد ذلك أن
المحفوظ عن مجاهد مرسل ، أخرجه ابن جرير في " تفسيره " ( 10 / 104 ) من طريق
عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله : *( ائذن لي و لا تفتني )* . قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اغزوا تبوك تغنموا بنات الأصفر و نساء
الروم " . فقال الجد : ائذن لنا ، و لا تفتنا بالنساء . قلت : و هذا إسناد صحيح
مرسل عن مجاهد ، و هو شاهد قوي لحديث ابن عباس ، فإنه من تلامذته ، ممن تلقوا
التفسير عنه ، و ابن أبي نجيح اسمه عبد الله ، قال الذهبي في " الميزان " : "
صاحب التفسير ، أخذ عن مجاهد و عطاء ، و هو من الأئمة الأثبات . و قال يحيى
القطان : لم يسمع التفسير كله من مجاهد ، بل كله عن القاسم بن أبي بزة " . قلت
: و القاسم هذا ثقة احتج به الشيخان . و ذكر المزي في ترجمة ابن أبي نجيح أن
الشيخين أخرجا له عن مجاهد . و تابعه ابن جريج عن مجاهد . أخرجه ابن جرير أيضا
. و هو في " تفسير مجاهد " المطبوع على نفقة الشيخ خليفة أمير دولة قطر ( ص 281
) من الطريق الأولى عن مجاهد ، لكن في السند إليه متهم فهو - ككتاب - بحاجة إلى
دعم ، لكن هذا الحديث منه مدعم برواية ابن جرير هذه ، فتنبه . ( تنبيه ) : أخرج
عبد الرزاق في " تفسيره " ( 1 / 2 / 277 ) من طريق الكلبي في تفسير الآية
المتقدمة *( ائذن لي .. )* نحو حديث الضحاك عن ابن عباس ، و الكلبي متهم بالكذب
، و ما كنت لأذكره هنا إلا لأنبه على مصيبة من المصائب التي لا يعرفها المسلمون
، و بخاصة المثقفين منهم ، و ذلك لغلبة المادة عليهم سمعة أو مالا أو نحو ذلك ،
فقد علق على هذا الحديث محققه الدكتور ( مصطفى مسلم محمد ) ، فقال ، و بئس ما
قال : " رواه أحمد ج6 ص 22 ، ج5 ص 25 ، و ابن ماجه في الفتن 25 " ! و هذا
التخريج لا يصلح لهذا الحديث البتة ، و إنما هو لحديث آخر من رواية عوف ابن
مالك رضي الله عنه في أشراط الساعة ، و فيه قوله صلى الله عليه وسلم : " ثم
يأتيكم بنو الأصفر .. " ! فكيف وقع هذا الخلط من مثل هذا الدكتور ؟ و ليس هذا
خطأ مطبعيا كما يقع أحيانا ، و إنما هو - و الله أعلم - أن الدكتور رجع إلى بعض
الفهارس الحديثة ، فوجد فيه لفظ " الأصفر " معزوا إلى أحمد و ابن ماجه ، فعزاه
إليهما ! و هذه والله مصيبة الدهر ، و مما زاد في الطين بلة أن الرقم الثاني (
5 / 25 ) ليس فيه حتى هذا اللفظ ! و هذا مما يؤكد أنه نقله من ( الفهرس ) كما
وجده ، و لم يكلف نفسه أن يرجع إلى مكان الحديث المشار إليه بالرقم : هل هو
الحديث الذي أشير إليه بالرقم الأول ، أم غيره ؟ و الله المستعان ، و إنا لله و
إنا إليه راجعون . ثم رأيت الحافظ في " الإصابة " عزا حديث الضحاك لأبي نعيم و
ابن مردويه ، ثم قال : " و رواه ابن مردويه من حديث عائشة بسند ضعيف أيضا ، و
من حديث جابر بسند فيه مبهم " . قلت : فالظاهر أن إسناده عن جابر غير إسناده
عند ابن أبي حاتم ، لأنه ليس فيه - كما رأيت - المبهم . و الله أعلم .