2626 - " أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم ، فإذا هبطت الأكمة فمرها فلتحرم ، فإنها
عمرة متقبلة " .


قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 255 :


أخرجه الحاكم ( 3 / 477 ) من طريق داود بن عبد الرحمن العطار : حدثني عبد الله
بن عثمان بن خثيم عن يوسف بن ماهك عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر عن
أبيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : فذكره . و سكت عنه . و قال الذهبي
: " قلت : سنده قوي " . قلت : و قد أخرجه أحمد أيضا ( 1 / 198 ) : حدثنا داود
بن مهران الدباغ : حدثنا داود - يعني العطار - به . و أخرجه أبو داود أيضا و
غيره و هو في " صحيح أبي داود " برقم ( 1569 ) . و قد أخرجه البخاري ( 3 / 478
) و مسلم ( 4 / 35 ) من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن أبي بكر مختصرا . و كذلك
أخرجاه من حديث عائشة نفسها ، و في رواية لهما عنها قالت : فاعتمرت ، فقال :
" هذه مكان عمرتك " . و في أخرى : بنحوه قال : " مكان عمرتي التي أدركني الحج و
لم أحصل منها " . و في أخرى : " مكان عمرتي التي أمسكت عنها " . و في أخرى : "
جزاء بعمرة الناس التي اعتمروا " . رواها مسلم . و في ذلك إشارة إلى سبب أمره
صلى الله عليه وسلم لها بهذه العمرة بعد الحج . و بيان ذلك : أنها كانت أهلت
بالعمرة في حجتها مع النبي صلى الله عليه وسلم ، إما ابتداء أو فسخا للحج إلى
العمرة ( على الخلاف المعروف ) <1> ، فلما قدمت ( سرف ) . مكان قريب من مكة - ،
حاضت ، فلم تتمكن من إتمام عمرتها و التحلل منها بالطواف حول البيت ، لقوله صلى
الله عليه وسلم لها - و قد قالت له : إني كنت أهللت بعمرة فكيف أصنع بحجتي ؟
قال : - " انقضي رأسك و امتشطي و أمسكي عن العمرة و أهلي بالحج ، و اصنعي ما
يصنع الحاج غير أن لا تطوفي و لا تصلي حتى تطهري . ( و في رواية : فكوني في حجك
، فعسى الله أن يرزقكيها ) " ، ففعلت ، و وقفت المواقف ، حتى إذا طهرت طافت
بالكعبة و الصفا و المرة ، و قال لها صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر : "
قد حللت من حجك و عمرتك جميعا " ، فقالت : يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم
أطف بالبيت حتى حججت ، و ذلك يوم النفر ، فأبت ، و قالت : أيرجع الناس بأجرين و
أرجع بأجر ؟ و في رواية عنها : يصدر الناس بنسكين و أصدر بنسك واحد ؟ و في أخرى
: يرجع الناس ( و عند أحمد ( 6 / 219 ) : صواحبي ، و في أخرى له ( 6 / 165 و
266 ) : نساؤك ) بعمرة و حجة ، و أرجع أنا بحجة ؟ و كان صلى الله عليه وسلم
رجلا سهلا إذا هويت الشيء تابعها عليه ، فأرسلها مع أخيها عبد الرحمن ، فأهلت
بعمرة من التنعيم <2> . فقد تبين مما ذكرنا من هذه الروايات - و كلها صحيحة -
أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرها بالعمرة عقب الحج بديل ما فاتها من
عمرة التمتع بسبب حيضها ، و لذلك قال العلماء في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم
المتقدم : " هذه مكان عمرتك " أي : العمرة المنفردة التي حصل لغيرها التحلل
منها بمكة ، ثم أنشأوا الحج مفردا <3> . إذا عرفت هذا ، ظهر لك جليا أن هذه
العمرة خاصة بالحائض التي لم تتمكن من إتمام عمرة الحج ، فلا تشرع لغيرها من
النساء الطاهرات ، فضلا عن الرجال . و من هنا يظهر السر في إعراض السلف عنها ،
و تصريح بعضهم بكراهتها ، بل إن عائشة نفسها لم يصح عنها العمل بها ، فقد كانت
إذا حجت تمكث إلى أن يهل المحرم ثم تخرج إلى الجحفة فتحرم منها بعمرة ، كما في
" مجموع الفتاوى " لابن تيمية ( 26 / 92 ) . و قد أخرجه البيهقي في " السنن
الكبرى " ( 4 / 344 ) بمعناه عن سعيد بن المسيب أن عائشة رضي الله عنها كانت
تعتمر في آخر ذي الحجة من الجحفة . و إسناده صحيح . و أما ما رواه مسلم ( 4 /
36 ) من طريق مطر : قال أبو الزبير : فكانت عائشة إذا حجت صنعت كما صنعت مع نبي
الله صلى الله عليه وسلم . ففي ثبوته نظر ، لأن مطرا هذا هو الوراق فيه ضعف من
قبل حفظه ، لاسيما و قد خالفه الليث بن سعد و ابن جريج كلاهما عن أبي الزبير عن
جابر بقصة عائشة ، و لم يذكرا فيها هذا الذي رواه مطر ، فهو شاذ أو منكر ، فإن
صح ذلك فينبغي أن يحمل على ما رواه سعيد بن المسيب ، و لذلك قال شيخ الإسلام
ابن تيمية في " الاختيارات العلمية " ( ص 119 ) : " يكره الخروج من مكة لعمرة
تطوع ، و ذلك بدعة لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ، و لا أصحابه على عهده ،
لا في رمضان و لا في غيره ، و لم يأمر عائشة بها ، بل أذن لها بعد المراجعة
تطييبا لقلبها ، و طوافه بالبيت أفضل من الخروج اتفاقا ، و يخرج عند من لم
يكرهه على سبيل الجواز " . و هذا خلاصة ما جاء في بعض أجوبته المذكورة في "
مجموع الفتاوى " ( 26 / 252 - 263 ) ، ثم قال ( 26 / 264 ) : " و لهذا كان
السلف و الأئمة ينهون عن ذلك ، فروى سعيد بن منصور في " سننه " عن طاووس - أجل
أصحاب ابن عباس - قال : " الذين يعتمرون من التنعيم ما أدري أيؤجرون عليها أم
يعذبون ؟ قيل : فلم يعذبون ؟ قال : لأنه يدع الطواف بالبيت ، و يخرج إلى أربعة
أميال و يجيء ، و إلى أن يجيء من أربعة أميال [ يكون ] قد طاف مائتي طواف ، و
كلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غير شيء " . و أقره الإمام أحمد . و
قال عطاء بن السائب : " اعتمرنا بعد الحج ، فعاب ذلك علينا سعيد بن جبير " . و
قد أجازها آخرون ، لكن لم يفعلوها ... " . و قال ابن القيم رحمه الله في " زاد
المعاد " ( 1 / 243 ) : " و لم يكن صلى الله عليه وسلم في عمره عمرة واحدة
خارجا من مكة كما يفعل كثير من الناس اليوم ، و إنما كانت عمره كلها داخلا إلى
مكة ، و قد أقام بعد الوحي بمكة ثلاث عشرة سنة ، لم ينقل عنه أنه اعتمر خارجا
من مكة في تلك المدة أصلا ، فالعمرة التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم و
شرعها فهي عمرة الداخل إلى مكة ، لا عمرة من كان بها فيخرج إلى الحل ليعتمر ، و
لم يفعل هذا على عهده أحد قط إلا عائشة وحدها من بين سائر من كان معه ، لأنها
كانت قد أهلت بالعمرة فحاضت ، فأمرها فأدخلت الحج على العمرة و صارت قارنة ، و
أخبرها أن طوافها بالبيت و بين الصفا و المروة قد وقع عن حجتها و عمرتها ،
فوجدت في نفسها أن ترجع صواحباتها بحج و عمرة مستقلين فإنهن كن متمتعات و لم
يحضن و لم يقرن ، و ترجع هي بعمرة في ضمن حجتها ، فأمر أخاها أن يعمرها من
التنعيم تطييبا لقلبها ، و لم يعتمر هو من التنعيم في تلك الحجة و لا أحد ممن
كان معه " أهـ . قلت : و قد يشكل على نفيه في آخر كلامه ، ما في رواية للبخاري
( 3 / 483 - 484 ) من طريق أبي نعيم : حدثنا أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة ،
فذكر القصة - ، و فيه : " فدعا عبد الرحمن فقال : اخرج بأختك الحرم فلتهل بعمرة
، ثم افرغا من طوافكما " . لكن أخرجه مسلم ( 4 / 31 - 32 ) من طريق إسحاق بن
سليمان عن أفلح به ، إلا أنه لم يذكر : " ثم افرغا من طوافكما " . و إنما قال :
" ثم لتطف بالبيت " . فأخشى أن يكون تثنية الطواف خطأ من أبي نعيم ، فقد وجدت
له مخالفا آخر عند أبي داود ( 1 / 313 - 314 ) من رواية خالد - و هو الحذاء -
عن أفلح به نحو رواية مسلم ، فهذه التثنية شاذة في نقدي لمخالفة أبي نعيم و
تفرده بها دون إسحاق بن سليمان و خالد الحذاء و هما ثقتان حجتان . ثم وجدت لهما
متابعا آخر و هو أبو بكر الحنفي عند البخاري ( 3 / 328 ) و أبي داود . و يؤيد
ذلك أنها لم ترد لفظا و لا معنى في شيء من طرق الحديث عن عائشة ، و ما أكثرها
في " مسند أحمد " ( 6 / 43 و 78 و 113 و 122 و 124 و 163 و 165 و 177 و 191 و
219 و 233 و 245 و 266 و 273 ) و بعضها في " صحيح البخاري " ( 3 / 297 و 324 و
464 و 477 - 478 و 482 و 4 / 99 و 8 / 84 ) و مسلم ( 4 / 27 - 34 ) و كذا لم
ترد في حديث جابر عند البخاري ( 3 / 478 - 480 ) و مسلم ( 4 / 35 - 36 ) و أحمد
( 3 / 309 و 366 ) و كذلك لم ترد في حديث الترجمة لا من الوجه المذكور أولا ، و
لا من الطريق الأخرى عند الشيخين و غيرهما . نعم في رواية لأحمد ( 1 / 198 ) من
طريق ابن أبي نجيح أن أباه حدثه أنه أخبره من سمع عبد الرحمن بن أبي بكر يقول :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره نحوه . إلا أنه قال : " فأهلا و
أقبلا ، و ذلك ليلة الصدر " ، لكن الواسطة بين أبي نجيح و عبد الرحمن لم يسم ،
فهو مجهول ، فزيادته منكرة ، و إن سكت الحافظ في " الفتح " ( 3 / 479 ) على
زيادته التي في آخره : " و ذلك ليلة الصدر " ، و لعل ذلك لشواهدها . و الله
أعلم . و جملة القول أنه لا يوجد ما ينفي قول ابن القيم المتقدم أنه لم يعتمر
بعد الحج أحد ممن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم سوى عائشة ، و لذلك لما نقل
كلامه مختصرا الحافظ في " الفتح " لم يتعقبه إلا بقوله ( 3 / 478 ) : " و بعد
أن فعلته عائشة بأمره دل على مشروعيته " ! و من تأمل ما سقناه من الروايات
الصحيحة ، و ما فيها من بيان سبب أمره صلى الله عليه وسلم إياها بذلك تجلى له
يقينا أنه ليس فيه تشريع عام لجميع الحجاج ، و لو كان كما توهم الحافظ لبادر
الصحابة إلى الإتيان بهذه العمرة في حجته صلى الله عليه وسلم و بعدها ، فعدم
تعبدهم بها ، مع كراهة من نص على كراهتها من السلف كما تقدم لأكبر دليل على عدم
شرعيتها . اللهم إلا من أصابها ما أصاب السيدة عائشة رضي الله عنها من المانع
من إتمام عمرتها . و الله تعالى ولي التوفيق . و إن مما ينبغي التنبه له أن قول
ابن القيم المتقدم : " إنما كانت عمره كلها داخلا إلى مكة " ، لا ينافيه
اعتماره صلى الله عليه وسلم من ( الجعرانة ) ، كما توهم البعض لأنها كانت مرجعه
من الطائف ، فنزلها ، ثم قسم غنائم حنين بها ، ثم اعتمر منها .


-----------------------------------------------------------
[1] قلت : و الأول أرجح ، و هو الذي اختاره ابن القيم ، و يؤيده قول عائشة في
رواية لأحمد ( 6 / 245 ) في رواية عنها : " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في حجة الوداع ، فنزلنا الشجرة ، فقال : من شاء فليهل بعمرة ... قالت : و
كنت أنا ممن أهل بعمرة " . فهذا صريح فيما رجحنا ، لأن الشجرة شجرة ذي الحليفة
ميقات أهل المدينة و مبتدأ الإحرام .
[2] انظر " حجة النبي صلى الله عليه وسلم " ( 92 / 111 - 114 ) .
[3] انظر " زاد المعاد " ( 1 / 280 - 281 ) و " فتح الباري " . اهـ .