تحقيق في مسألة إرضاع الكبير وتفنيد الشبهات حولها

أولًا: حقيقة المسألة في الفقه الإسلامي

إرضاع الكبير مسألة فقهية تتعلق بأثر الرضاع في التحريم، وقد ثبت حديثها عن النبي ﷺ في قصة سالم مولى أبي حذيفة، حيث أمر النبي ﷺ سهلة بنت سهيل أن تُرضع سالمًا ليدخل عليها دون حرج، وكان سالم قد تبنّاه أبو حذيفة في الجاهلية، فلما نُسخ التبني، احتاجت سهلة لحلّ شرعي يسمح له بالدخول عليها.
الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه:
عن عائشة رضي الله عنها أن سهلة بنت سهيل قالت:
"يا رسول الله، إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم وهو حليفه".
فقال النبي ﷺ: "أرضعيه تحرمي عليه".
فقالت: "وكيف أرضعه وهو رجل كبير؟"
فقال: "قد علمت أنه رجل كبير".
ثانيًا: أقوال العلماء في المسألة

جمهور الفقهاء (المالكية، الشافعية، الحنفية، والحنابلة)

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن إرضاع الكبير لا يحرم، وأن الرضاع المؤثر في التحريم يجب أن يكون في الحولين الأولين فقط، استنادًا لحديث النبي ﷺ:
"لا رضاعة إلا ما كان في الحولين" (رواه الترمذي وصححه الألباني).
واعتبروا أن حديث سالم واقعة عين خاصة به، ولا يُقاس عليه غيره.
مذهب عائشة رضي الله عنها ومن وافقها

ثبت أن عائشة رضي الله عنها كانت تأخذ بحديث سالم، وترى أن إرضاع الكبير يحرم، واستندت إلى فعل النبي ﷺ.
لكن سائر أمهات المؤمنين خالفنها، كما جاء في صحيح مسلم:
"كانت عائشة تأمر أختها أم كلثوم وبنات أخيها أن يرضعن من أحبت أن يراها ويدخل عليها، وإن كان كبيرًا".
"فأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي ﷺ أن يُدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس".
ثالثًا: تفنيد الشبهات حول المسألة

شبهة: هل يعني الحديث جواز رضاعة الكبير لكل أحد؟

لا، بل الحديث حالة خاصة بسالم، كما فهم ذلك الصحابة، وذهب إليه جمهور الفقهاء.
والدليل على خصوصية الحادثة أن أزواج النبي ﷺ رفضن العمل به، ولم يُنقل عن الصحابة تعميمه.
شبهة: هل يمكن تطبيق هذا الحكم اليوم؟

لا يمكن ذلك، لأن الرضاعة المؤثرة في التحريم محصورة في الصغر، كما نصت عليه الأحاديث الصحيحة.
حتى عائشة رضي الله عنها التي أخذت بجوازه، لم يكن قصدها الرضاعة المباشرة، بل كان اللبن يحلب ثم يشربه الكبير.
شبهة: هل في المسألة تعارض مع الأخلاق والحياء؟

المسألة كانت ضرورة شرعية خاصة بحالة سالم، وليست تشريعًا عامًا.
كما أن الفقهاء مجمعون على أن إرضاع الكبير لا يكون بالمباشرة، بل بحلب اللبن في إناء ثم شربه.
الخلاصة

إرضاع الكبير لا يحرم به، وهو رأي الجمهور.
حديث سالم واقعة خاصة به ولا يقاس عليها.
أمهات المؤمنين خالفن عائشة في الأخذ بهذا الحكم.
لا يوجد أي دليل صحيح على جواز إرضاع الكبير بشكل عام، والمسألة غير قابلة للتطبيق اليوم.
بهذا يظهر أن الشبهات المثارة حول الموضوع مردودة، وأن الحديث لا يفتح بابًا لمحظور شرعي أو أخلاقي، وإنما كان حلاً استثنائيًا لمشكلة شرعية انتهت بانتهاء ظروفها.
___________________
كتبه:فضيلة الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني