﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴿١٦﴾ ﴾ [الإسراء آية:١٦]
القرية إذا اتسعت تسمى مدينة في اللغة، القرية أصلاً واسعة تشمل الضيعة وتشمل المدينة في اللغة. القرية لا تناقض المدينة قد تكون صغيرة قد تكون ضيعة صغيرة وقد تكون مدينة كلها في اللغة يمكن أن يسمى قرية. مدينة من مَدَن يعني أقام. الإشتقاق اللغوي لمدينة من مَدَن يعني أقام بالمكان، مدني يعني أقام بالمكان. ولهذا ربنا لما يذكر الهلاك يذكرها بلفظ قرية (وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ (4) الحجر) لم يقل مدينة لأنها ليست دار إقامة، قرية تطلق حتى وإن كانت خاوية (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا (45) الحج). فلما يذكر الهلاك يذكر القرية لأنها لم تعد دار إقامة (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) الإسراء) (وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا (58) الإسراء) يذكر القرية.
*(وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) الإسراء) فيها قراءتان أمرنا وأمّرنا فما الفرق بينهما؟(د.فاضل السامرائى)
أمرناهم بالطاعة (قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء (28) الأعراف) ففسقوا كما تقول أمرتك فعصيت لا تعني أمرتك بالمعصية. أمرتك فعصيت أي أمرتك بالطاعة فعصيت. (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) (مترفيها يعني علية القوم) أمرنا مترفيها بالطاعة ففسقوا فيها مثل أمرتك فعصيت. (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) (أمر) في اللغة فيها معنى آخر وهو كثّر، أمر القوم كثُروا وأمرت القوم كثّرتهم. وعلى هذا المعنى تسير الآية أيضاً كثر المترفين ففسقوا فيها وفي قراءة ليست متواترة (أمّرنا) ليست من القراءات المتواترة.
الله تعالى أمرهم بطاعته فعصوا كما يقال في اللغة أمرتك بالطاعة فعصيت ليس فيها إشكال وتحتمل في اللغة كثّرنا فيها المترفين ففسقوا فيها.
*ربما كانت هذه الآية مشكلة في فهمها بدليل (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) هنالك إرادة من الله بإهلاك قرية ما فأمر المترفين، يعني كثير يفهم كيف يأمر الله الأغنياء والمترفين فيفسقوا فيها؟
هو لم يأمرهم بالفسق. (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) فيها ناس مفسدين مترفين فهؤلاء كيف يهلكهم الله؟ أن ينزل عليهم أوامر يخالفوه فمخالفته استحقت لأنه إذا كان جاهلاً أو غير عالم بالأمر ليس عليه حجة لكن حتى يقيم عليه الحجة في الهلاك يأمر هؤلاء، هؤلاء هم فاسقين فيها ينهاهم عن ذلك، يأمرهم بالطاعة فيزدادوا فسقاً فيهلكهم.

﴿مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴿١٥﴾ ﴾ [الإسراء آية:١٥]
* ما الفرق بين البعث والإرسال (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء) (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا (44) المؤمنون) ؟ ( د.فاضل السامرائى)
بعث فيه معنى الإرسال تقول بعثت شخصاً فيه معنى الإرسال لكن في بعث أيضاً معاني غير الإرسال. الإرسال أن ترسل رسولاً تحمّله رسالة لطرف آخر. البعث قد يكون فيه إرسال وفيه معاني أخرى غير الإرسال أي فيه إرسال وزيادة. تبعث بارِك أي الجمل، تبعث الموتى ليس بمعنى إرسال ولكن يقيمهم، فيه إثارة وإقامتهم (إن للفتنة بعثات) أي إثارات، فيها تهييج. (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا (247) البقرة) أي أقامه منكم. ولذلك عموماً أن البعث يستعمل فيما هو أشد. حتى لما يتكلم عن الرسول (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2) الجمعة) (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) التوبة) لم يذكر شيئاً آخر الله تعالى يظهر على الدين كله، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28) الفتح) انتهت، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) الصف) أما آية(2)(الجمعة) فيها عمل للرسول .
فالبعث هو أشد وفيه حركة أما الإرسال فلا، فالبعث هو الإرسال وزيادة ولهذا قال تعالى (فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً (5) الإسراء)) فيه قوة وقسوة وعمل.

﴿لَّا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولًا ﴿٢٢﴾ ﴾ [الإسراء آية:٢٢]
* في سورة الإسراء الآية 22 (لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً) وبعدها قال في الاية 39 (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا) ما الفرق بين خاتمة الآيتين؟ ولمن الخطاب في الآيات؟(د.فاضل السامرائى)
أولاً الفرق بين الخذلان والدحر، الدحر هو الطرد والإبعاد (مَلُومًا مَّدْحُورًا) يعني مطرود، الخذلان هو أن تترك نصرته، خذلته اي لم تنصره (وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ (160) آل عمران) ربنا ترك نصرتكم فمن ينصركم؟
خذله في اللغة معناه ترك نصرته، دحره أي طرده. نضع كل واحدة في آيتها قال (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا (18)) أي مطروداً مبعداً من رحمة الله، هذا مدحور وليس هذا خذلان. الأخرى (لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً (22)) هذا ضعيف كيف تنتصر به؟ تجعله مع الله وتتصور أن ينصرك؟! هذا سيترك نصرتك، هذا يخذلك، هذا مخذول.
تدارس القرآن الكريم