{وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} [الإنسان : 26]
حديث صحيح رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء
وروى مسلم في صحيحه أيضًا عن ابن عباس عن النبي ﷺ أنه قال: (ألا إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم )يعني فحري أن يستجاب لكم.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ رواه البخاري (1145) ، ومسلم (758).
فالمتقرر أن السؤال والاستغفار داخلان في عموم لفظ الدعاء؛ فالسؤال غالبا ما يطلق على طلب النفع سواء كان نفعا دينيا أو دنيويا؛ والاستغفار يطلق على طلب دفع شر الذنب وآثاره السيّئة؛ وإنما خصّا بالذكر من باب عطف الخاص على العام.
تواترت الأحاديث عن رسول الله ﷺ في الصحيحين وغيرهما؛ أن الله -جل وعلا-: ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة يقول النبي ﷺ: ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فينادي، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له أخبر عن نفسه أنه ينزل، لكن لا يعلم كيف النزول إلا هو، كما لا يعلم كيف الاستواء إلا هو ، ينزل كما يشاء، وكما يليق بجلاله، لا يعلم كيف نزوله إلا هو، فنقول: ينزل، ولا نكيف، ولا نمثل، ولا نزيد، ولا ننقص، بل نقول: ينزل ربنا، كما قال: ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له وفي اللفظ الآخر: هل من سائل فيعطى سؤله؟ هل من داعٍ فيستجاب له؟ هل من مستغفر فيغفر له؟ وفي اللفظ الآخر: هل من تائب، فيتاب عليه؟.
يجب على كل مسلم أن يؤمنوا بهذا النزول إيمانًا قاطعًا، يقينًا، على الوجه اللائق بالله، لا يكيف، كما نقول في الاستواء: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، فهكذا نقول: النزول معلوم، والكيف مجهول، هكذا قال أئمة السلف، كـمالك، وربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخه، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وغيرهم من أئمة الإسلام، قالوا في الاستواء -وهكذا في النزول-: استوى كما يليق بجلاله، استوى بلا كيف، الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال -يعني: عن الكيف- بدعة.
فهكذا نقول: يغضب، ويرضى ، غضبًا يليق بجلاله، لا يشابه غضب المخلوقين، وهكذا يسمع ويبصر، لا كسمع المخلوقين، ولا كبصر المخلوقين، سمعًا يليق بجلاله، وبصرًا يليق بجلاله، لا يشبه صفات المخلوقين، وهكذا بقية الصفات، بابها واحد، نثبتها لله على الوجه اللائق بجلال الله، لا يشابه خلقه في شيءٍ من صفاته، قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] سبحانه!
هذا قول أهل السنة والجماعة، وهم أصحاب النبي ﷺ وأتباعهم بإحسان إلى يوم القيامة، نعم.
{وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} [الإنسان : 26]
أجمل مافي ظلمة الليل سجدة لرب العالمين تراق فيها دموع الخشوع والتوبة ..
في آخر الليل تفتح أبواب السماء ... مدوا أكفكم وأكثروا من الدعاء والرجاء ، فإن الله الكريم لايرد السائلين .
هناك فرق بين من يقضي ليله لآخرته ، وبين من يقضيه لدنياه {إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا} قف بين يديه ، صل له ، اسجد ، اخشع .. تب إليه ..ابك على بابه ..
:
اشتملت الآية على عبادة تعرج فيها الروح بمناجاة ربها فتعيش روحانيتها ، وتسمو لمنازلها عند ربها ..
تلك هي عبادة قيام الليل .. جعلنا الله من أهلها ..