المقدمة
الحمد لله الذي أنزل القرآن هدىً للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان، وأفاض على عباده نور الحكمة والبيان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة والكلمة الحاسمة، حوى في طياته كل ما يحتاج إليه الإنسان في دينه ودنياه، وكان من أبرز أساليبه وأدواته البيانية أسلوب الجدل الذي جاء ليقيم الحجة، ويدحض الباطل، وينير السبيل أمام العقول الباحثة عن الحق.
إن الجدل في القرآن الكريم ليس مجرد مواجهة فكرية أو استعراض حجج، بل هو منهج متكامل يقوم على الحكمة والبيان، يسعى إلى مخاطبة الفطرة الإنسانية، وتفنيد الشبهات، ودعوة المخالفين إلى الحق بأسلوب راقٍ يعكس عظمة هذا الكتاب العظيم.
وفي هذا الكتاب، سعيتُ -بفضل الله وتوفيقه- إلى تناول موضوع الجدل في القرآن الكريم من جوانب متعددة، مبينًا أنواعه، وأهدافه، وأساليبه، وكيف وظفه القرآن لإقامة الحجة وإظهار الحق. كما تناولتُ الفرق بين الجدل المذموم الذي يؤدي إلى النزاع والتناحر، والجدل المحمود الذي يسعى إلى الوصول إلى الحق واليقين.
وقد حرصت في هذا العمل على استحضار الأمثلة القرآنية وتحليلها بدقة، مع بيان ما تضمنته من لطائف بلاغية ودروس تربوية وأبعاد دعوية، لتكون هذه الدراسة زادًا للمشتغلين بعلوم القرآن الكريم، ونبراسًا للدعاة، ومنهجًا للمفكرين في مواجهة الأفكار والنظريات المتباينة.
أسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به المسلمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والحمد لله أولًا وآخرًا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
فضيلة الشيخ
حذيفة بن حسين القحطاني
مسؤول افتاء محافظة صلاح الدين