تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الظلم في المنظور القرآني

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي الظلم في المنظور القرآني

    الظلم في المنظور القرآني (1/ 2)

    بو عصيدة الخير


    الحمدُ لله رب العالمين وبه نستعين.
    إنَّ الدارسَ الفاحصَ للقرآن الكريم يَلْمَسُ المساحةَ الواسعة التي خُصِّصت للظواهر السلوكية الفردية والاجتماعيَّة، وبخاصَّة التي تفرز وتنتج آثارًا مُدمِّرة على مُستوى النفس والمجتمع الإقليمي والدَّولي، وأكثر هذه الظواهر جلاءً ووضوحًا وانبثاثًا في آي الكتاب الكريم: ظاهرةُ الظلم.

    ولسوف - بإذن الله تعالى - نكشفُ عن التناوُل القرآني لظاهرة الظُّلم من خلال نماذج من آيات الله - تعالى - المقروءة.

    ومما يَجدر ذكره في أوَّل حديثنا: الكمُّ الهائل لمفردات واشتقاقات لفظة الظُّلم المبثوثة في القرآن الكريم؛ إذ يتجاوز العدد 256 موضعًا.
    النموذج الأول:﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: ٥٤].

    المتأمل المتبصر في هذه الآية الكريمة يقف على تقريرات وحقائق:
    1- إنَّ من ضحايا ظاهرة الظُّلم نفسَ وذات الظَّالم.
    2- من تجليات ظُلم النفس اتِّخاذ غير البارئ الخالق إلهًا يُعبد.
    فالنفس البشريَّة مَفطورة ومَجبولة على العبودية لخالقها وبارئها الحق، فمِنْه وجودها، وبأمره بقاؤها؛ فهو القيِّم عليها في كل حين وعلى كل حال، فإذا صرفها صاحبُها عن ربِّها، وأخضعها لغير مولاها، فيكون قد صدَّها عن سبيل الرب الحقيقي كَرْهًا، وحرمها مُقتضى فطرتها الأصليَّة، فتصبح النفس في هذا الوضع الشاذ مَظلومة.
    3- التوبة والأوبة بالنفس إلى بارئها المسلكُ الصحيحُ والرَّئيس لرَفع الظُّلم عنها، وتَمكينها من التناغم مع فطرتها السوية.
    4- النبي موسى - عليه السلام - يدعو إلى إعطاء هذه التوبة مظهرًا ماديًّا، وسلوكًا مشاهدًا، وهو قتل الأنفس؛ للإشارة إلى أنَّ عبوديةَ واستسلامَ النفس لربِّها هو حياتها وغاية وجودها، فإذا انعدمتْ وغابت هذه الغاية الكُبرى، فما الجدوى من الحياة في دُنيا الناس؟! إذ جعل قتل النفس العابدة للعجل كَفَّارة لهذا الأمر الذي يدل على عظم الجرم والظُّلم في حق الله - تعالى - فكانت الكفارة جسيمة، وعزيزة على النفس؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، ولا يعني هذا أنَّ في شريعتنا الإسلامية قتلَ النفس سبيل التوبة والبراءة من الشِّرك، فما كان لبني إسرائيل، فهو شرع لهم، وليس ملزمًا لنا، ولكن نحن نستفيد قيمةَ الحياة مع التوحيد، وهوانَها وخِسَّتها مع الشرك.
    5- واستصحابًا لهذا المعنى العزيز يكون ظُلم وأد الحياة أدنى وأخف ضررًا من ظلم النفس بالشرك؛ لذا مِن صُور الجهاد كان السَّيف والرصاص؛ إذ نُلقي بالأنفس في أتُّون الحرب؛ حفاظًا على قدسية التوحيد، وحرية مُمارسته في واقع الحياة، وشرع قتْل أنفُس المشركين الصادِّين عن سبيل الله؛ تأمينًا للتوحيد.




  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: الظلم في المنظور القرآني

    الظلم في المنظور القرآني (2/ 2)

    بو عصيدة الخير

    الحمدُ لله رب العالمين وبه نستعين.

    النموذج2:
    ﴿ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ [البقرة: ٥٩].
    هذه الآية الكريمة تفتح آفاقًا وتزيدنا يقظة، ونحن نقاومُ الظلمَ وأهله؛ إذ رب العالمين يكشفُ لنا أنَّ ساحات حركة الظُّلم ليست حبيسةَ السلطة وغرفات الحكومات، بل تتَّسع فتهيمن على مواقعَ أخرى، وهذا ما سنبيِّنه ونكشفه:
    1- إنَّ الظلم صفة نفسية تنطبع بالشخص أو المجتمع، وتظهرُ تجليَاتها على سلوكه، فالآية حددت وصفًا خاصًّا لقوم موسى - عليه السَّلام - إذ بدلوا وغيروا الصيغة الربَّانية للقول الموحى إليهم، فهم الظالمون الذين لم يحفظوا أمانة الله لهم، وهذه الصفات السالفة الذِّكر (التبديل والتحريف) تُمثل صورًا لسلوك الظُّلمة؛ إذْ هي اعتداءٌ على ما اختصَّ الله ربُّ العالمين بالتوجيه والتشريع الملزم.

    2- المتبصر في هذا النَّموذج القرآني يُوقن أنَّ كلَّ تبديل وتغيير وتحريف لثوابت الشَّرع وقطعياته هو ظُلم واضح لحق رب العالمين بالألوهية دون سواه، ولا ننسى أنْ ندرج ضمن الصُّور السابقة الابتداع في الدِّين.
    ومما سبق وبرويَّة ندرك أنَّ نشاط الظلم يتجاوز دوائرَ الحكم والسياسة إلى أسوار العقيدة والشريعة والأخلاق.

    هذا التجاوز الظَّالم قابله ربُّ العالمين برِجْزٍ يتنزل من السماء على أجساد وأرواح القوم الظالمين، وهكذا يقتضي منا عند كلِّ اعتداء على حقوق الله - تعالى - أنْ نقابله بالرَّفض والرد والنقد، ولا نجامله مهما كان مصدره، بل يستوجب على أهلِ الإيمان في مراحل الطُّغيان وظلم حقوق الله أنْ يلجؤوا إلى اليد لاستئصال الظالمين، فنأخذ على أيديهم، فإذا عجزنا حقًّا وصدقًا، كفانا الله قتالَهم بعذابٍ مِن عندِه يُسلطه عليهم في الوقت الذي يُقدِّره، وبالصورة التي تكشف نِقمته.

    فالآية توجب ردَّ الظلم بإيجابية، وألَّا نركنَ إلى جبرية قاتلة، ولا نستسلم أبدًا للمعتدين ظلمًا على شِرعة الله تعالى.
    لطيفة: التبديل والتغيير والابتداع مسالك الظالمين:
    النموذج3:
    ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة: ١١٤].

    قرَّرنا في النموذج القرآني (2):
    أنَّ ساحاتِ الظلم تتجاوز السياسات والحكومات إلى العقائد والشرائع، فالنَّموذج (3) يكشف تنوُّع وتعدُّد ضحايا الظَّالمين مِن نوع البشرية والأحياء إلى الجمادات والأموات.
    فالآية التي أمامنا تذكُر صِنفًا جمادًا لا رُوحَ له يتعرَّض إلى ظُلم عظيم، واعتداءٍ سافرٍ على سرِّ وجوده، وهذا الصِّنف هو بيوتُ الله - تعالى -: "مساجد الله - تعالى - وليس البيت العتيق الوحيد المقصود في الآية"، وتجلَّى ظلمُها في حرمانها من أداءِ وظيفتها الطبيعيَّة الشرعية بحرمانِها مِن روَّادها، وصدِّ عُمَّارها عنها.

    وهذا حالُ كل الطغاة يظلمون مساجدَ الله فتُجرَّد مِن بُعدها الإيماني المشروع، وتفرَّغ مِن رصيدها البشري بشكل مُمنهج ترهيبًا وإغواءً وإلهاءً، وتَواصُل هذا التفريغ والتجريد المقصود يَدفع إلى تبنِّي الظَّالمين لخيارات استئصاليَّة عنيفة بهدم هذه البيوت الربانية إذا ما وجدوا ردودَ أفعال رَخوة، ونَجد هذه السنوات دُوَلًا تنتهج هذا المسلك الظَّالم باعتمادهم إستراتيجيَّات تجفيف منابع التديُّن في أوساط أهل التوحيد الحق.

    ولكن مكرَ أولئك يَبُور، وسينقلب سِحْرُهم عليهم، وسيُصيبُهم الخزي والهوان في دُنيا الناس قبل يوم الجزاء العادل.

    لطيفة: ويتجلَّى الخزي في الحياة أنْ يُمكِّن الله - تعالى - لدعوة الحقِّ في القلوب، وعلى أرض الناس، فتُبنَى المساجد المهدمة، ويُعبد فيها اللهُ - تعالى - وحْدَه، ويعمرها أهلُ الإيمان، فتدور دورة الزَّمن، فيضطر الظلمة إلى ارتيادها خوفًا مِن لسان الناس الغَيَارى على الدِّين، أو حذرًا مِن عدل المظلوم ونقمته.
    لطيفة: الآية تُقَرِّر صورة أخرى للظلم: "الظلم التعبُّدي الشعائري".



الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •