تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: سليمان بن عبدالملك

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي سليمان بن عبدالملك

    سليمان بن عبدالملك

    د. خالد النجار


    يمكن اعتبار عصر سليمان بن عبدالملك مقدمةً لعصر عمر بن عبدالعزيز في التدين وتطبيق الشرع.

    قال عنه السيوطي: "سليمان بن عبدالملك، أبو أيوب، كان من خيار ملوك بني أمية، وكان فصيحًا مفوَّهًا مؤثِرًا للعدل، محبًّا للغزو، ومن محاسنه: أن عمر بن عبدالعزيز كان له كالوزير؛ فكان يمتثل أوامره في الخير، فعزل عمال الحجاج، وأخرج من كان في سجن العراق، وأحيا الصلاة لأول مواقيتها، وكان بنو أمية أماتوها بالتأخير".

    قال ابن سيرين: "يرحم الله سليمان؛ افتتح خلافته بإحيائه الصلاة لمواقيتها، واختتمها باستخلافه عمر بن عبدالعزيز".

    كان سليمان محبًّا للحياة حبًّا جمًّا، مقبلًا عليها، مغرورًا بها ومغرورًا بنفسه، وكان فتى من فتيان قريش بل سُمِّي "فتى العرب"، وكان جميل الصورة يقف أمام المرآة ويقول: "أنا فتى بني أمية"، وكان في نفس الوقت متدينًا، وكان ينهى عن الغناء.

    قال يحيى الغساني: "نظر سليمان في المرآة فأعجبه شبابه وجماله، فقال: "كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا، وكان أبو بكر صدِّيقًا، وكان عمر فاروقًا، وكان عثمان حييًّا، وكان معاوية حليمًا، وكان يزيد صبورًا، وكان عبدالملك سائسًا، وكان الوليد جبارًا، وأنا الملك الشاب... فما دار الشهر حتى مات".

    وكان من الأكَلَةِ المذكورين، أكل في مجلس سبعين رمانة وخروفًا وست دجاجات، ومكوك زبيب طائفي.

    ولفَهمِ عصره يجب أن نرى اتجاه الوليد في سياسته نحو الخصوم؛ فقد كان يتنازع الوليد في سياسته عاملان:
    سياسة الحجاج العنيفة التي تريد قهر الخصوم وإذلالهم والجبروت عليهم.
    وسياسة عمر بن عبدالعزيز التي كانت تريد ائتلاف الناس والعدل والسيرة الحسنة.
    وقد أرسل الوليدُ عمر بن عبدالعزيز واليًا على المدينة، فجمع عمر فقهاء المدينة العشرة، وجعلهم مجلس شوراه، وقال لهم: "الأمر لكم فأعينوني على ما أنا فيه"، فسُرُّوا به وساعدوه، وسارت الأمور سيرًا حسنًا، وساد العدل.

    وكان يأتي من العراق هاربون من جَور الحجاج متوارون منه، يلجؤون إلى عمر بن عبدالعزيز وعدله، فكان يجيرهم ويتقون به شر الحجاج، فضاق به الحجاج ذرعًا، وشدد الطلب على الوليد بأن يقيله من المدينة، واحتجَّ بأنه يثير الناس على سياسته في العراق، وألحَّ حتى أجاب الوليد إجابة ظاهرها في صالح عمر بن عبدالعزيز، فقد استحضره إلى دمشق مستشارًا له، وكان المستشار في ذلك الوقت بمثابة وزير، وأرسل بدلًا منه خالد بن عبدالله القسري، فسار خالد على السياسة التي يتطلبها الحجاج، أما عمر بن عبدالعزيز فكان يجتمع بالخليفة الوليد، ويهدِّئ من جبروته، ويصلح من توجيهه، لكن الحجاج كان له بالمرصاد.

    إن أثر الأشخاص في التاريخ لا يعادل أثر الجماعات، لكن الحجاج من الأفراد النادرين في التاريخ الذين كانوا ذوي أثر لا يقل كثيرًا عن أثر الجماعات، وإنا نستطيع أن نضعه في كِفَّة مقابلة لكفة عمر بن الخطاب، فعمر بعدله أسس للعرب ملكًا عضودًا، وجعل الأعاجم يقبلون على العروبة ويدخلون في قبائلها، أما الحجاج فبظلمه وضع قنبلة تحت البنيان العربي، أسهمت في إطاحته ونقضه.

    ومن حسن حظ عمر بن عبدالعزيز أن الحجاج وقف ضد سليمان بن عبدالملك في عهد الوليد، وكان سليمان وليًّا للعهد، فحضَّ الحجاج الوليدَ على خلعه وتولية ابنه مكانه، وحفظها سليمان على الحجاج، ومات الوليد قبل أن تُنتزع الولاية من سليمان.

    وهكذا أفضت الخلافة إلى سليمان، ونفسه مضطرمة على الحجاج، فوجد عمر سندًا له في مخالفته لسياسة الحجاج، وزاد حقد سليمان على الحجاج أن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة – وكان واليًا للحجاج على خراسان - على خلاف مع الحجاج؛ إذ عزله هذا عن ولايته وتتبَّعَه، فلجأ يزيد إلى سليمان، وأثاره أكثر فأكثر على الحجاج، فاضطرم الخلاف بين الاثنين، لكن الحجاج توفي قبل أن يتولى سليمان، وكان يدعو الله تعالى بذلك، فاستجاب دعاءه.

    أقبل سليمان منذ أول يوم من خلافته على عمر بن عبدالعزيز وقال له: "يا أبا حفص، إنا قد وُلِّينا ما ترى، ولم يكن لنا بتدبيره علم، فما رأيت من مصلحة العامة فمُرْ به".

    أُطلقت يد عمر بن عبدالعزيز؛ فقام بإصلاحات؛ منها أنه أطلق الأسرى في العراق، وأخلى السجون، وأعاد الصلاة إلى أوقاتها، وكان بنو أمية يؤخرونها بعض التأخير عن أوقاتها، وأحسن معاملة عامة الناس، وتتبع الفساق.

    حدث – إذًا - اتجاه جديد في السياسة الأموية مع سليمان بن عبدالملك بأثرٍ من عمر بن عبدالعزيز، ذلك الاتجاه الذي سيأخذ حده الأقصى مع عمر نفسه.

    قال عبدالرحمن بن حسان الكناني: "مات سليمان غازيًا بدابق، فلما مرض، قال لرجاء بن حيوة: من لهذا الأمر بعدي؟ أستخلف ابني؟ قال: ابنك غائب، قال: فابني الآخر؟ قال: صغير، قال: فمن ترى؟ قال: أرى أن تستخلف عمر بن عبدالعزيز، قال: أتخوَّف إخوتي لا يرضَون، قال: تُولِّي عمر، ومن بعده يزيد بن عبدالملك، وتكتب كتابًا، وتختم عليه وتدعوهم إلى بيعته مختومًا، قال: لقد رأيت، فدعا بقِرطاس، فكتب فيه العهد ودفعه إلى رجاء، وقال: اخرج إلى الناس فليبايعوا على ما فيه مختومًا، فخرج، فقال: إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا لمن في هذا الكتاب، قالوا: ومن فيه؟ قال: هو مختوم، لا تخبروا بمن فيه حتى يموت، قالوا: لا نبايع، فرجع إليه فأخبره، فقال: انطلق إلى صاحب الشُّرط والحرس، فاجمع الناس، ومُرْهم بالبيعة، فمن أبى، فاضرب عنقه، فبايعوا، قال رجاء: فبينما أنا راجع إذا هشام بن عبدالملك، فقال لي: يا رجاء، قد علمت موقعك منا، وأن أمير المؤمنين قد صنع شيئًا ما أدري ما هو، وإني تخوفت أن يكون قد أزالها عني، فإن يكن قد عدلها عني، فأعلمني، ما دام في الأمر نفس، حتى أنظر، فقلت: سبحان الله! يستكتمني أمير المؤمنين أمرًا أطلعك عليه؟ لا يكون ذلك أبدًا، ثم لقيت عمر بن عبدالعزيز، فقال لي: يا رجاء، إنه قد وقع في نفسي أمر كبير من هذا الرجل، أتخوَّف أن يكون قد جعلها إليَّ، ولست أقوم بهذا الشأن، فأعلمني ما دام في الأمر نفس؛ لعلي أتخلص منه ما دام حيًّا، قلت: سبحان الله! يستكتمني أمير المؤمنين أمرًا أطلعك عليه؟ ثم مات سليمان وفُتح الكتاب، فإذا فيه العهد لعمر بن عبدالعزيز، فتغيرت وجوه بني عبدالملك، فلما سمعوا: (وبعده يزيد بن عبدالملك)، تراجعوا، فأتوا عمر فسلموا عليه بالخلافة، فعُقر به، فلم يستطع النهوض حتى أخذوا بضبعيه، فدنَوا به إلى المنبر وأصعدوه، فجلس طويلًا لا يتكلم، فقال لهم رجاء: ألا تقومون إلى أمير المؤمنين فتبايعوه؟ فبايعوه ومد يده إليهم، ثم قام فحمِد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إني لست بفارض ولكني منفذ، ولست بمبتدع ولكني متبع، وإن من حولكم من الأمصار والمدن إن هم أطاعوا كما أطعتم، فأنا واليكم، وإن هم أبَوا فلست لكم بوالٍ، ثم نزل فأتاه صاحب المراكب فقال: ما هذا؟ قال: مركب الخليفة، قال: لا حاجة لي فيه، ائتوني بدابتي، فأتوه بدابته، وانطلق إلى منزله، ثم دعا بدواة وكتب بيده إلى عمال الأمصار، قال رجاء: كنت أظن أنه سيضعف، فلما رأيت صنعه في الكتاب علمت أنه سيقوى.

    يُروى أن مروان بن عبدالملك وقع بينه وبين سليمان في خلافته كلام، فقال له سليمان: يا ابن اللخناء، ففتح مروان فاه ليجيبه، فأمسك عمر بن عبدالعزيز بفيه، وقال: أنشدك الله، إمامك وأخوك، وله السن، فسكت وقال: قتلتني والله، لقد زدت في جوفي أحر من النار، فما أمسى حتى مات.

    وأخرج ابن أبي الدنيا عن زياد بن عثمان أنه دخل على سليمان بن عبدالملك لما مات ابنه أيوب، فقال: يا أمير المؤمنين، إن عبدالرحمن بن أبي بكر كان يقول: من أحب البقاء، فليوطِّن نفسه على المصائب.
    ======================
    المصادر:
    الدولة الأموية؛ يوسف العش.
    تاريخ الخلفاء؛ للسيوطي.




  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    الدولة
    المملكة العربية السعودية حرسها الله
    المشاركات
    1,782

    افتراضي رد: سليمان بن عبدالملك

    بارك الله فيك ...

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •