السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول العلامة الشوكاني رحمه الله في كتابه الماتع ( البدر الطالع ) عند ترجمة علي بن يعقوب بن جبريل نور الدين المصري الشافعي ولــد سنة (643 هــ ) ثلاث وسبعين وستمائة واشتغل بالفقه والأصول وقـرأ بنفسه على ست الوزراء وجرت له محنة بسبب القبط ، وهي أنه لما كان في النصف من محرم سنة (714 هـ ) بلغه أن النصارى قد استعاروا من قناديل جامع عمرو بن العاص بمصر شيئاً وعلقوه بكنيسة فأخذ معه طائفة كثيرة من الناس ، وهاجم الكنيسة ، ونكل النصارى ، وبلغ منهم مبلغاً عظيماً وعاد إلى الجامع وأهان من فعل ذلك وكثرمن الوقيعة في خطيبه فبلغ السلطان ، فأمر بإحضار القضاة وفيهم ابن الوكيل وأحضر صاحب الترجمة فتكلم ووعظ وذكر آيات من القرآن وأحاديث واتفق أنه أغلظ في عبارة السلطان . ثم قال : أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر
فاشتد غضب السلطان وقال له : أنا جائر قال : نعم أنت سلطت الأقباط على المسلمين وقويت أمرهم ، فلم يتمالك السلطان أن أخذ السيف وهمّ بالقيام ليضربه ، فبادر بعض الأمراء ، وأمسك يده فالتفت إلى قاضي المالكية وقال : يا قاضي تجرأ عليّ هذا ما الذي يجب عليه فقال القاضي لم يقل شيئاً يوجب العقوبة فصاح السلطان بصاحب الترجمة وقال أخرج عني فقام وخرج فقال ابن جماعة : قد تجرأ وما بقي إلا أن يزاحم السلطان فانزعج السلطان . وقال : اقطعوا لسانه فبادر الأمراء ليفعلوا به ذلك وأحضروا صاحب الترجمة فارتعد ، وصاح واستغاث بالأمراء ، فرقوا له وألحوا على السلطان في الشفاعة ودخل ابن الوكيل وهو ينتحب ويبكي فظن السلطان أنه أصابه شئ فقال له : خير خير ؟ .
فقال : هــذا رجل عالم صالح لكنه ناشف الدماغ . قال : صدقت وسكن غضبـه .
فانظـر ما فعله ابن جماعة بكلمته الحمقاء وما فعله صدر الدين بن الوكيل رحمه الله من التوصل إلى سلامة هذا المسكين ، وهكذا ينبغي لمن كان له قبول عند السلطان أن يتحيل عليهم في منافع المسلمين وحقن دمائهم بما أمكنه ، فإن صاحب الترجمة لم يكن ناشف الدماغ ولكنه كان في هذه الوسيلة سلامته من تلك البلية ومات في شهر ربيع الآخر سنة (743 هــ ) أربع وعشرين وسبعمائة ) إهــ كتاب البدر الطالع (1/343) .