تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: السيدة عائشة أم المؤمنين وحبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي السيدة عائشة أم المؤمنين وحبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

    السيدة عائشة أم المؤمنين وحبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم (١)

    عبدالله بن ميزر الحداد السلفي الأثري

    سُئل النبي صلى الله عليه وسلم يومًا: (من أحب الناس إليك)، فكان أول ما أجاب أن قال: (عائشة)، نعم بهذه الطريقة عبَّر النبي صلى الله عليه وسلم عن حبه لزوجته الطاهرة عائشة بنت صاحبه الوفي أبي بكر الصديق رضي الله عنه، لم تكن عائشة زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم فحسب، بل كانت سيدة عظيمة اصطفاها الله لتكون مصدرَ إسعادٍ دائمٍ لنبيِّه الكريم صلى الله عليه وسلم، ولتحفظ للمسلمين أمرَ دينهم، فيأخذوا عنها شطره كما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    لقد كانت عائشة أم المؤمنين هي تلك المرأة التي جمعت بين سَعة العلم ووفور العقل والحزم مع الرفق، وأهم من ذلك محبة المصطفى لها، فاستحقَّت ما وصفها به الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما قال: (لو كانت المرأة تصبح خليفة لكانت عائشة خليفة)، وحسبُك بشهادة أبي الحسن فلا تحتاج بعدها إلى شهادة.

    حظِيت عائشة رضي الله عنها بعناية ربانية كيف لا وقد بشَّر بها جبريل الأمين محمدًا صلى الله عليه وسلم في منامه، وستأتي القصة.

    لقد كانت عائشة مدرسة متكاملة جمعت علوم الشريعة، فلم يفُتْها شيءٌ، وكانت مرشدة للمسلمين تدلُّهم على ما فيه خيرهم وصلاحُهم وفلاحهم ورشادُهم.

    ولأن الله أحب عائشة، ولأن الابتلاء دليلٌ على محبة الله للعبد، ابتليت السيدة عائشة بلاءً شديدًا، فاتَّهمها المنافقون مطايا إبليس في عرضها وهي الحَصان الرَّزان الطاهرة الشريفة العفيفة، فبرَّأها الله العليم الحكيم من فوق سبع سماوات في آيات تتلى إلى يوم القيامة، فتكون شهادة لأم المؤمنين على مكانتها الرفيعة عند رب الأرض والسماوات الذي برَّأها بوحي يوحى وآيات تتلى، وعندما اتُّهمت مريم وهي السيدة الطاهرة برَّأها الله بلسان ابنها السيد المسيح، وعندما اتُّهم يوسف وهو النبي ابن النبي، برأه الله بإنطاق طفل في المهد.

    ولكن الله لم يرض أن يبرئ عائشة الصديقة بنت الصديق إلا بوحي مقدس وشيءٍ خالد إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها.

    ومرَّت عائشة بمراحل كثيرة في حياتها بقيت خلالها كلها منارة هدى ونور، وشعاع علمٍ وفقه وإيمان، واجتهدت في مواقفَ كانت تستدعي الاجتهاد بعد استشهاد عثمان، وما كان اجتهادها إلا في سبيل الإصلاح وإرادة الخير، واجتهد علي وهو خليفة المسلمين، والله يعلم أنه أيضًا ما أراد إلا الخير والرشاد، وكلهم صحابة مرضيون وسادة مهديون رضي الله عنهم وأرضاهم.

    وفي هذه السلسلة من المقالات أدوِّن سيرة هذه السيدة الطاهرة والأم العظيمة التي هي أم لخير أُمةٍ أُخرجت للناس، سائلًا الله التوفيق والسداد والإعانة والرشاد.

    اسمها ونسبها:
    هي السيدة الجليلة العظيمة والعالمة العابدة الزاهدة أم المؤمنين، وقدوة نساء المؤمنين، أم عبدالله عائشة الصديقة بنت الإمام الأكبر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق بن أبي قحافة بن عامر التيمية القرشية رضي الله عنها وعن أبيها.

    أسرتها:
    وُلدت عائشة في أسرة إيمان وتقوى وهداية وعفاف، فوالدها هو الصديق الأكبر أبو بكر، وكفى بالاسم شرفًا، وأمها أم رومان من السابقات إلى الإسلام، كما يدل عليه كلام السيدة عائشة: (لم أعقِل إلا وأبواي يدينان بهذا الدين).

    وأختها أسماء من سيدات الإسلام اللواتي صرنَ بإخلاصهن قدوة لكل مسلمة، وأختها أم كلثوم صغرى بنات الصديق، وحسبُها من الفخر أنها زوجة الصحابي الجليل طلحة بن عبيدالله المبشر بجنات النعيم، وإخوتها عبدالرحمن وعبدالله ومحمد إخوة خير وإسلام وتقوى وإيمان، ففي هذه العائلة العظيمة المؤمنة وُلدت عائشة ونشأت، فكان لتربيتها الصالحة ومنبتها الطيب أعظم الأثر في حياتها وسلوكها، حتى صارت قدوة للنساء المؤمنات وعَلَمًا للسيدات الصالحات.

    والدها:
    هو الصديق الأكبر والإمام الأعظم والصحابي الأجل السيد العظيم خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبيبه وخليله أبو بكر عبدالله بن أبي قحافة رضي الله عنه وأرضاه.

    يغني ذكر اسمه عن سرد مناقبه أو عَدِّ فضائله، ويكفيه شرفًا أنه أبو بكر، وحسبُك بها شرفًا.

    ولقد أجمع أهل الحق والهدى أن أبا بكر الصديق هو خير خلق الله قاطبةً بعد الأنبياء، وهو سيد الصحابة وأفضلهم، وإمام الأمة بعد محمد صلى الله عليه وسلم.

    وهو الخليفة الأول والإمام الأعظم، ومَن مِن المسلمين لا يعرف فصائل الصديق أو مناقبه، وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كنت متخذًا خليلًا لاتَّخذت أبا بكر خليلًا).

    ولو أردت استقصاء سيرة أبي بكر الصديق وفضائله لطال المقام، والمراد هنا هو بيان سيرة عائشة رضي الله عنها، ولعل الله أن ييسِّر لي نشر ترجمة مفصَّلة للصديق رضي الله عنه في الفترة المقبلة.

    والدتها:
    وأما والدتها فهي السيدة أم رومان بنت عامر من بني فراس بن غنم، أسلمت قديمًا وهاجرت بعد استقرار زوجها في المدينة.

    واختلف في تاريخ وفاتها، فذهب بعضهم إلى أنها توفيت في السنة السادسة من الهجرة، وذهب بعضهم إلى أنها توفيت في خلافة عثمان رضي الله عنه، وأيَّد هذا الرأي الإمام البخاري، ورجَّحه ابن حجر كما في الفتح.

    وحتى لا أُطيل في هذه المقالة الأولى التي هي بمنزلة المقدمة لهذه السلسلة التعريفية بالسيدة عائشة الصديقة، أكتفي بهذا القدر، ولنا عودة إلى سيرة الصديقة في مقالة قادمة، سائلًا الله أن يمن علينا بفتح من عنده، وأن يجعل عملنا خالصًا لوجهه الكريم، وأن يتقبَّله منا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، والحمد لله رب العالمين.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: السيدة عائشة أم المؤمنين وحبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

    السيدة عائشة أم المؤمنين وحبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)

    عبدالله بن ميزر الحداد السلفي الأثري

    ولادة السيدة عائشة:
    في بيت العفاف والطهارة، والتقوى والإيمان؛ بيت الصديق الأكبر، وُلدت سيدة الطهر عائشة رضي الله عنها، وكانت ولادة عائشة بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم قطعًا؛ فقد صح عنها أنها قالت: ((لم أعقل إلا وأبواي يدينان بهذا الدين))؛ فهي ممن وُلد في الإسلام، وفي ظل أسرة مؤمنة مسلمة، فلم تعبد إلا الله، ولم تسجد إلا له سبحانه، وقد اختُلف في ميلاد السيدة عائشة رضي الله عنها؛ فذهب الحافظ ابن حجر في كتابه (الإصابة) إلى أنها وُلدت بعد البعثة بأربع سنين أو بخمس، إلا أن الحديث الصحيح الذي رُويَ عن عائشة رضي الله عنها؛ وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((تزوجها وهي بنت تسع، ومات عنها وهي بنت ثماني عشرة سنة))، يجعل تاريخ مولدها قبل الهجرة بسبع سنين؛ لأنه معلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى بالسيدة عائشة في شوال من السنة الثانية للهجرة، وهي بنت تسع كما قالت هي رضي الله عنها، ومات وهي بنت ثماني عشرة سنة، فعُلِم بهذا أن الراجح أنها وُلدت في السنة السابعة قبل الهجرة، والله أعلم.

    نشأة السيدة عائشة:
    عاشت عائشة رضي الله عنها سِنِيَّ طفولتها الأولى، والظروف في مكة مضطربة، والمحن والشدائد هي الغالبة؛ فلقد كانت تلك السنوات من أصعب السنوات على الإسلام وعلى الدعوة؛ من حيث الاضطهاد والتعذيب الذي نتج عنه هجرتا الحبشة الأولى والثانية، وحصار بني هاشم، ولا ريب أن آل أبي بكر- وأعظمهم عائشة - كانوا يشعرون بتلك الشدائد والمحن باعتبار مكانة أبي بكر في الدعوة والإسلام، وقد بلغت الشدة مبلغًا دفعت أبا بكر للتوجه نحو الحبشة مهاجرًا فارًّا بدينه، لولا أن ثَنَاه بعض سادات قريش، وأعاده إلى مكة؛ لمكانة الصديق في قبيلته.

    وفي ظل هذه الأجواء نشأت السيدة عائشة، وتفتحت مداركها، وبدأت تنضج في ظروف قاسية، وأحوال عاتية، ومن خلال تتبع الروايات، نرى أن طفولة السيدة عائشة كانت جميلة؛ فقد كانت رضي الله عنها تحب اللعب، ولها صواحب تلعب معهن، ولها أرجوحة تلعب عليها، ولا عجب؛ فقد تربَّت في بيت رجل رؤوف رحيم، أسِيف بكَّاء، وحتى بعد زواجها من النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم استمرت باللعب مدة من الزمن مع أترابها اللواتي كان يسمح لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدخول إلى السيدة عائشة، ثم يخرج، ويبدأن باللعب؛ وتروي لنا هذا السيدة عائشة فتقول كما في سنن أبي داود: ((كنت ألعب بالبنات وأنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يسرب إليَّ صواحباتي يلاعبنني))، وكان يمازحها رسول الله صلى الله عليه وسلم أحيانًا حين يراها تلعب؛ فقد سألها مرة عن اسم لعبة بيدها، فقالت له: ((خيل سليمان ولها أجنحة))، فضحك صلى الله عليه وسلم، وقد استفادت عائشة رضي الله عنها من هذا النهج النبوي الرحيم فيما بعد؛ فكانت تعلِّم الناس فتقول: "فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن تسمع اللهو"؛ كما في سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي.

    زواج الحبيب المصطفى من السيدة عائشة:
    كتب الله لعائشة رضي الله عنها السعادة الأبدية، والنعيم السرمدي في الدنيا والآخرة؛ فهي في الدنيا من الصالحات، وفي الآخرة من سيدات أهل الجنة، وحتى تتم هذه السعادة وحتى تنال السيدة عائشة شرف الدنيا والآخرة، شاء الله بحكمته أن تتزوج من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويلحق اسمها باسمه، وتصبح من سيدات البيت النبوي الكريم، ولم يكن زواج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة صدفة أو بلا سبب، بل كانت العناية الإلهية تدفع باتجاه هذا الزواج الميمون المبارك، وكانت بداية الخِطبة بوحيٍ من الله العليم الخبير؛ فقد أخرج الشيخان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة رضي الله عنها: ((أُريتُكِ في المنام ثلاث ليالٍ، جاءني بك الملك في سَرَقة من حرير، فيقول: هذه امرأتك، فأكشف عن وجهها، فإذا أنت هي، فأقول: إن يكُ هذا من عند الله، يُمْضِه)),

    وفي حديث حسن أخرجه الترمذي وفيه: ((أن جبريل جاء بصورة السيدة عائشة في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة)).

    ومعلوم أن رؤيا الأنبياء وحي، ويتضح مما سبق مكانة السيدة عائشة الرفيعة، وجلالة قدرها عند ربها، وكيف لا وقد تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بوحي من الله، والله لا يختار لنبيه وخليله إلا الخير العظيم؟ وأي خير أعظم من السيدة الجليلة عائشة رضي الله عنها؟

    لقد كانت السيدة عائشة رضي الله عنها قد تكلم فيها المطعم بن عدي يريدها لابنه، ولكن الله أرادها أن تكون زوجة وحبيبة للمصطفى صلوات ربي وسلامه عليه، وأمًّا للمؤمنين، وكفى به شرفًا، ولنسرد الآن شيئًا من تفاصيل الخِطبة والزواج.

    ١-الخطبة الميمونة:
    توفيت السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها في السنة العاشرة للبعثة، وهي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم الأولى، وأم أولاده، ما عدا إبراهيم، وبعدها بمدة شاء الله أن تتم هذه الخِطبة وهذا الزواج، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة، وهي بنت ست سنين، ثم بنى بها وهي بنت تسع سنين؛ كما ثبت ذلك في الصحيح من عدة روايات؛ تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: ((لما ماتت خديجة جاءت خولة بنت حكيم فقالت: يا رسول الله ألا تتزوج؟ قال: ومن؟ قالت: إن شئت بكرًا، وإن شئت ثيبًا، قال: من البكر؟ ومن الثيب؟ قالت: أما البكر، فعائشة ابنة أحب خلق الله إليك، وأما الثيب فسودة بنت زمعة، قد آمنت بك واتبعتك، قال: اذكريهما عليَّ، قالت: فأتيت أم رومان - والدة السيدة عائشة - فقلت: يا أم رومان، ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة؟ قالت: ماذا؟ قلت: رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر عائشة، قالت: انتظري؛ فإن أبا بكر آتٍ، فجاء أبو بكر فذكرت له ذلك، فقال: أتصلح له وهي ابنة أخيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أخوه وهو أخي، وابنته تصلح لي، فقام أبو بكر، فقالت لي أم رومان: إن المطعم بن عدي كان قد ذكرها على ابنه، والله ما أخلف وعدًا قط، قالت: فأتى أبو بكر المطعم، قال: ما تقول في أمر هذه الجارية؟ قال: فأقبل على امرأته فقال: ما تقولين؟ فأقبلت على أبي بكر فقالت: لعلنا إن أنكحنا هذا الفتى إليك تدخله في دينك، فأقبل عليه أبو بكر فقال: ما تقول أنت؟ قال: إنها لتقول ما تسمع، فقام أبو بكر وليس في نفسه من الموعد شيء، فقال لها: قولي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فليأتِ فجاء فملكها))؛ [حسَّن الذهبي إسناد هذا الحديث في كتابه (تاريخ الإسلام)].

    وبعد الخطبة لم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة مباشرة، بل بنى بها بعد الخطبة بنحو ثلاث سنين، عندما نضجت رضي الله عنها، واستراح رسول الله صلى الله عليه وسلم قليلًا بعد انتصار بدر العظيم.

    وفي مدة الخِطبة هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق والمسلمون إلى يثرب التي أصبحت تسمى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسمى "طيبة"، زادها الله طيبًا، وكانت السيدة عائشة في بيت أبيها، وقد تخلفت مع آل أبي بكر وبنات النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرن أن يرسل لهن النبي صلى الله عليه وسلم من يأخذهن إلى طيبة الخير، وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وأبو رافع ليقوما بهذه المهمة، وبعث أبو بكر الصديق معهما عبدالله بن أريقط الليثي؛ دليل الهجرة.

    وعندما دخلوا إلى مكة وجدوا الصحابي الجليل طلحة بن عبيدالله يريد أن يصطحب معه آل أبي بكر فصادف خروجهم جميعًا، وكان المهاجرون في هذه القافلة هم: السيدة عائشة، والسيدة فاطمة الزهراء، والسيدة سودة، والسيدة أم كلثوم، والسيدة أم رومان، والسيدة أسماء، بالإضافة إلى عبدالله بن أبي بكر، وطلحة بن عبيدالله؛ [انظر سير أعلام النبلاء؛ ففيه التفصيل الكافي].

    ٢-الزواج العظيم:
    بعد الانتصار الكبير في غزوة بدر الكبرى التي كانت فرقانًا بين الحق والباطل، وبين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، تلك المعركة العظيمة التي ابتلعت فيها سيوف عمر وعلي وحمزة رؤوس عتبة وأبي جهل وأمية بن خلف، بعد هذه المعركة عمَّت في المدينة المنورة أجواء الفرح والسرور والبهجة، وكيف لا؛ وقد قال تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾ [يونس: 58]؟ وعندها رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن الوقت صار مناسبًا للبناء بأحب خلق الله إليه، وأكرم زوجاته عنده، وفي شهر شوال من السنة الثانية للهجرة تم هذا الزواج المبارك، فأحبت عائشة رضي الله عنها هذا الشهر الذي أصبح شاهدًا على أعظم حدث في تاريخ السيدة، وأصبح شاهدًا على اقتران عائشة بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ ليتم الله ما أوحاه إلى نبيه عليه الصلاة والسلام؛ حين أرسل له جبريل قائلًا: ((هي زوجتك في الدنيا والآخرة)).

    وكان مهر السيدة عائشة رضي الله عنها خمسمائة درهم؛ كما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي سلمة بن عبدالرحمن، وكان وليمة العرس وليمة لطيفة، ليس فيها تكلف ولا بذخ، واشتركت نساء الأنصار والمهاجرين في تجهيز عائشة رضي الله عنها لإدخالها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان فيمن جهزها أسماء بنت يزيد الأنصارية، وأُدخلت السيدة عائشة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتم هذا الزواج العظيم في شهر شوال من السنة الثانية للهجرة قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بتسع سنين، وعمر السيدة عائشة رضي الله عنها تسع سنوات، وعاشت أكرم سيدة في خير بيت عند أفضل خلق الله كلهم، وأحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصارت أحب الخلق إليه، ونهلت من الصفاء النبوي، فأصبحت سيدة عالمات الإسلام بلا منازع، تم هذا الزواج فكان أحسن زواج عرفه التاريخ، جمع الله فيه بين أكرم رجل وأطيب امرأة، وقد مدح الله هذا الزواج فيما بعد فقال: ﴿ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ﴾ [النور: 26]، تم هذا الزواج فاستحقت عائشة رضي الله عنها أن تكون أمًّا للمؤمنين، وسيدة للبيت النبوي، وجميعنا نفتخر ونتباهى بأن عائشة أمُّنا، وأكرِم بها من أمٍّ رضي الله عنها وأرضاها!

    حجرة عائشة منبع الفضل ومهبِط الوحي:
    أسكن النبي صلى الله عليه وسلم زوجته الجليلة السيدة عائشة في حجرة ملاصقة للمسجد، وكان بابها باتجاه المسجد، وقد أصبحت هذه الحجرة تعرف باسم (مهبط الوحي)؛ لكثرة ما نزل فيها الوحي على قلب النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، وما كان ينزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في فراش واحدة من زوجاته الطاهرات، إلا وهو في فراش عائشة الطاهرة رضي الله عنها، وهذا مما فضَّل الله به عائشة التي جمع الله فيها ما لم يجمع في غيرها.

    ردود على أباطيل:
    وبعد أن تحدثنا عن زواج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة رضي الله عنها، لا بد من التعريج قليلًا للرد على بعض السفهاء ممن لا دين لهم، ولا خَلاق، ولا ثقافة، ولا فَهم، ﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 44]، من العلمانيين والتنويريين والمتخلفين عقليًّا، الذين يطعنون في سن زواج عائشة رضي الله عنها، فتارة يكذبون الروايات الصحيحة التي قدمناها، بحجة أن عقولهم لا تقبلها، وهل لهم عقول أصلًا؟ وتارة يطعنون في النبي صلى الله عليه وسلم - والعياذ بالله من ذلك - ويتوصلون إلى الطعن في الإسلام، وهذا مبتغاهم، أخزاهم الله، ويتجاهل هؤلاء السفلة اختلاف الزمان، وطبيعة المكان؛ فالأماكن الحارة تنمو فيها المرأة بسرعة، وكان من عادة العرب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تزويج بناتهم في هذه السن؛ لأنها سن البلوغ في جزيرة العرب؛ فهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه قد زوَّج ابنته أم كلثوم - حفيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم - من عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي ابنة عشر سنين، والأمثلة كثيرة لا تُحصى؛ فهذه عادة العرب آنذاك، ومعلوم عن السيدة عائشة أنها قالت: ((تحيض المرأة لتسع سنين))، فسن التاسعة في جزيرة العرب يومها هو سن البلوغ، وعنده تتزوج البكر، وتنتقل إلى حياة جديدة، والحق أن هؤلاء السفهاء أقل من أن ينشغل الإنسان بالرد عليهم، فما هم إلا ذباب وقع على جبل، ولكن أقول هذا تتمة لبحث هذا الزواج المبارك.

    وفي مقالة قادمة نكمل ما تبقى من سيرة السيدة عائشة رضي الله عنها، ونتحدث عن حياتها في المدينة، وحادثة الإفك، ووفاة زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك.

    وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، والحمد لله رب العالمين.
    ============================== ==
    المصادر والمراجع:
    ١- كتاب السيدة عائشة أم المؤمنين وعالمة نساء الإسلام؛ عبدالحميد طهماز.
    ٢- صحيح البخاري؛ الإمام محمد بن إسماعيل البخاري.
    ٣- صحيح مسلم؛ الإمام مسلم بن الحجاج.
    ٤- سنن أبي داود؛ الإمام سليمان بن الأشعث.
    ٥- سنن الترمذي؛ الإمام الترمذي.
    ٦- سنن ابن ماجه؛ الإمام محمد بن يزيد.
    ٧- صحيح سنن النسائي؛ الإمام الألباني.
    ٨- صحيح سنن ابن ماجه؛ الإمام الألباني.
    ٩- سير أعلام النبلاء؛ الحافظ الذهبي.
    ١٠- تاريخ الإسلام؛ الحافظ الذهبي.
    ١١- الإصابة في تمييز الصحابة؛ الحافظ ابن حجر العسقلاني.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    الدولة
    المملكة العربية السعودية حرسها الله
    المشاركات
    1,729

    افتراضي رد: السيدة عائشة أم المؤمنين وحبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

    جزاك الله خيراً ...

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •