تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: التحقيق في ملحمة الصديق

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي التحقيق في ملحمة الصديق

    التحقيق في ملحمة الصدِّيق (1)

    دلالات وعِبر

    محمد صادق عبدالعال


    سبحان من تلا على عباده من أنباء الغيب ما هو قائم وحصيد؛ فأما القائم فهو ما ركدت به الريح وغدا إلى الرمس كأن لم يغن بالأمس، حتى بقيت آثارهم جد صامدة وشاهدة عليهم، تُحدِّث بأخبارهم، وتنمُّ عن أسرارهم، ولا يُنبئك مثل خبير؛ وأما الحصيد فهو ما انقلع انقلاع النخل المنقعر، وانقطع به الأثر، وامَّحى رسمهم واندثر، وصار من بعد عينٍ أثرًا؛ فهل ترى لهم من باقية تُنبئ عن أنهم قد أصبحوا وأمسوا وسكنوا البيوت والقصور حتى تهالَكَتْ قبلهم، فعمدوا لجديد بعمر مديد، فسبحان من عنده كل علم، وإليه تُردُّ كل خافية وظاهرة، سبحانه العزيز العليم، ونصلي ونُسلِّم على خير مَن أُنزِل عليه الكتاب، وحدَّث بالصدق في قرآنه المجيد عن أنباء السابقين، فكشف الظنون، وأزاح عن الحقائق ستائر الكذب والفِرى، فما كان حديثًا يُفترى ولكن تصديقًا وتحقيقًا، وسبحان العزيز العليم، وبعد:
    فقصة يوسف الصدِّيق عليه وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة وأتم التسليم من القصص القرآني العظيم، والتي نزلت جملةً واحدةً بما يعدها المعاصرون شكلًا قَيِّمًا من أشكال الرواية أو القصة الطويلة؛ لاشتمالها على عناصر القصص الطويل التي اتفقوا عليها، غير أنها تسمو سمُوَّ الثُّريَّا على الثرى، وقطر الندى على أفنان الشجر، أو كأوشال المطر على الجبال، فتعم الوديان والسهول، فتربو عن أي شبيه أو نظير، فقصص القرآن أحسن القصص على الإطلاق من كافة الرؤى الحديثة والقديمة، ما اتفق عليه وما اختلف لأجله، ولقد حاولتُ بنظرة طيبة وكُلِّي ترقُّبٌ وإشفاق من معرَّة الإخفاق أو أن أتريَّض فيما لا ينبغي لي التريُّض فيه، فأخطئ المسير في روضات القصة وأكناف بيانها الأسمى، فالمتكلم هو اللهُ ربُّ العالمين، والمخصوص بالخطاب سيد الخلق أجمعين، ولقد عاهدتُ نفسي ومن قبلي القلم الذي سوف أُسْأل عمَّا يخُطُّه وما يستنزفه من أحبار ألا أتجرَّأ بما لا أعلم وإن اجتهدت فبحجَّة دامغة، وحكمة بالغة؛ رجاءَ الوصول بهذا الحديث إلى ما قد يليق، فإن لم يكن كذلك فلا يحيق بي مكرُ أخطائه أن أخوض فيما لا أعرف، والله المستعان؛ ولقد كانت تلك التحقيقات في نقاط أرجو أن تسير بمسارات طيبة وريح ليِّنة لا تعصف بالقلم عصْفَ من ضاعتْ منه أشرعةُ الهُدى، فيذهب المطلوب سُدى، فنسأل اللهَ الهدايةَ والهُدَى.

    التحقيق الأول:
    لما وردت قصة يوسف عليه السلام جملةً واحدةً ولم تأتِ متواترةً كباقي قصص القرآن! ولا جرم أن ما تطرقت إليه قد ذهب إليه وآب أعلامٌ وأولو ألبابٍ، منهم المجتهدون، ومنهم مَن تحرَّوا رُشْدًا، كلهم قاصدٌ فتْحَ الكريم والإفاءة عليه بأنوار الحكمة التي لا تتكشف إلا لمَن شاء له اللهُ نورًا بذلك، فأقول اجتهادًا وعلى الله قصد السبيل: فكل تأويل أو تفسير فهو اجتهاد! وللاجتهاد في هذا الاستفسار شِقَّانِ: أحدهما شرعي عقائدي، والآخر بياني بلاغي.

    فأما العقائدي:
    1- أنَّ يُوسُفَ عليه السلام كان نبيًّا ولم يكن رسولًا نبيًّا وكذلك أبوه يعقوب وأخوته أسباط بني إسرائيل، ومعلوم "أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسول"، فالرسالة من التكليفات المكتوبة والمنزَّلة على رسل الله من لدن ربهم بواسطة رُوح القدس جبريل عليه السلام؛ كالصُّحُف الأولى لإبراهيم وموسى، والإنجيل لعيسى بن مريم، والزبور على سيدنا داود، والقرآن الفرقان على سيدنا محمد عليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام، وأمَّا النبوَّة فهي ما تأتي على فترة من انقطاع الرُّسُل ليُحيُونَ مكارمَ الأخلاق، ويرفعون من ران وركام طام ببحر يعج بالظلمات بعضها تِلْوَ بعض، فتُستحَل الرذائل بعد نبذٍ، والكبائر بعد مَقْتٍ، ويُمسي المعروف منكرًا، والمنكر مألوفًا.

    وقد ذهب اجتهاد علماء الأمة لتأويل قوله تعالى: ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 54]، فالقول في تأويل قوله: ﴿ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ﴾ كما بيَّنه بوصف النبوة بالمُلك العظيم، "قال أبو جعفر: يعني بذلك جلَّ ثناؤه: أم يحسد هؤلاءِ اليهودُ - الذين وصف صفتهم في هذه الآيات - الناسَ على ما آتاهم الله من فضله، من أجل أنهم ليسوا منهم؟ فكيف لا يحسدون آل إبراهيم، فقد آتيناهم الكتاب = ويعني بقوله: ﴿ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ ﴾، فقد أعطينا آل إبراهيم، يعني: أهله وأتباعه على دينه ﴿ الْكِتَابَ ﴾ يعني: كتاب الله الذي أوحاه إليهم، وذلك كصُحُف إبراهيم وموسى والزَّبُور، وسائر ما آتاهم من الكتب = وأما "الحكمة"، فما أوحى إليهم مما لم يكن كتابًا مقروءًا ﴿ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ﴾، واختلف أهل التأويل في معنى "الملك العظيم" الذي عناه الله في هذه الآية، وقال بعضهم: هو النبوَّة؛ تفسير الطبري رحمه الله.

    وأيضًا في قوله تعالى: ﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 84] ذكر أبناء الخليل إبراهيم للعرب والعجم، وكذلك ذكر الأسباط الاثني عشر جملةً واحدةً بمن فيهم نبي الله يوسف عليه السلام، وأيضًا في سورة الأنعام يمُنُّ على إبراهيم عليه السلام بنعمه "الإنجاب على كبر وشيخوخة ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأنعام: 84]، جاء في تفسير الميسر "ومننَّا على إبراهيم عليه السلام بأن رزقناه إسحاق ابنًا ويعقوب حفيدًا، ووفَّقنا كلًّا منهما لسبيل الرشاد، وكذلك وفَّقنا للحق نوحًا - من قبل إبراهيم وإسحاق ويعقوب- وكذلك وفَّقنا للحق من ذرية نوح داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون عليهم السلام، وكما جزينا هؤلاء الأنبياء لإحسانهم نجزي كل محسن"؛ تفسير الميسر.

    وآخر موضع بسورة غافر في قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ ﴾ [غافر: 34]، والخطاب في تلك الآيات كما ذهب تفسير ابن كثير رحمه الله والإعلام "موجه لأهل مصر القبط: ﴿ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ يعني: أهل مصر، قد بعث الله فيهم رسولًا من قبل موسى، وهو يوسف عليه السلام كان عزيز أهل مصر، وكان رسولًا يدعو إلى الله أمته القبط، فما أطاعوه تلك الساعة إلا لمجرد الوزارة والجاه الدنيوي; ولهذا قال: ﴿ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا ﴾ [غافر: 34]؛ أي: يئستم فقلتم طامعين: ﴿ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا ﴾ وذلك لكفرهم وتكذيبهم ﴿ كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ ﴾ [غافر: 34]؛ أي: كحالكم هذا.

    وبرغم التصريح باسم نبي الله "يوسف" في ثلاث سور قرآنية أكثرها ذكرًا سورة يوسف ذاتها ثم الأنعام، وذكر إنعام الله على نبيِّه إبراهيم عليه السلام بالذراري الصالحة رحمة من عنده سبحانه، وكذلك في سورة غافر وهو يبكت بني إسرائيل في عهد موسى بنبوة يوسف من قبله ودعوته للتوحيد وارتيابهم من بعد ما رأوا الآيات ألا يبعث الله من بعد يوسف نبيًّا آخر فيهم، فتتالى انبعاثهم من بني إسرائيل، فلما جاء من العرب (محمد الخاتم صلى الله عليه وسلم) كذبتموه! وبرغم هذا التصريح والتلميح والإشارة لنبي الله يوسف في قوله تعالى: ﴿ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 54]، فنبوة يوسف أرسلته للملك ولحكم مصر ولتمكين بني إسرائيل في الأرض؛ لكن لم يتطرق القرآن لذكر حدث واحد من أحداث القصة سواء مرحلة صباه والصغر والرؤيا التي تحققت في رشده وكبره ولا مكر إخوته به، ولا مراودة امرأة العزيز له، ولا مرحلة الجُبِّ ولا السجن؛ بل ذكر فقط في تتالي الأنبياء على بني إسرائيل، وكأنه يدعو الناس للالتفاف حول تلك القصة في نورانية واحدة من أنوار القصص القرآني العظيم.

    2- ومثل قصة نبي الله يوسف عليه السلام في القرآن قصة ابني آدم هابيل وقابيل والتي وردت مرةً واحدةً ولم يتحدَّث عنها القرآن الكريم بعدها أبدًا، مع العلم أن تلك القصة ليست لنبي يقتله أخوه؛ لكنه ولدٌ من ولدي آدم عليه السلام، والقضية في القصتين تكاد تكون متشابهة إلى حدٍّ كبيرٍ فيما يطفئ من وهج الأخوة والدفء العائلي الكريم؛ فجُرم قابيل ناتج عن غِلٍّ وحسَدٍ أفضيا إلى وقوع أول جريمة أرضية، وقد ندم جراء فعلته التي فعلها، وكذلك أخوة يوسف من نفس المنظور المغرور بتروا كل ذي ظل من شجرة عائلة يعقوب، وقد ظنُّوا أنهم بإبعاد يوسف سوف يجمعهم من حوله يعقوب؛ لكن ما حدث أركسهم في شقيقة وتندَّم أكثر من نيف وأربعين سنة وإلى يوم أن قال لهم يوسف الكريم: ﴿ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 92].

    3- وكذلك مما يجعل أن قصة يوسف عليه السلام لم يتم التذكير بأحداثها مرة أخرى لسبب آخر وهو - والله تعالى أعلى وأعلم - أن نبي الله يوسف عليه السلام لم يجد كثيرًا من المصاعب في نشر عقيدة التوحيد بأهل مصر مثلما هو الحال مع سيدنا موسى عليه السلام فيما بعد، فقصة نبي الله موسى عليه السلام قد ذكرت في مواضع كثيرة بالقرآن الكريم، وبأحداث متواترة، والحدث الواحد ورد بأكثر من صيغة بيانية وبلاغية تبيانًا وتحقيقًا لمراد الله من كل واحدة منها بسور ذكرًا وليس حصرًا (القصص وطه – الشعراء – الأعراف – يونس – النمل النازعات المؤمنون هود إبراهيم... فدعوة يوسف عليه السلام قد وجدت قبولًا بمصر لما لمسوه فيه من صدق في التنبُّؤ بما يرون وما يدخرون وما يحطاطون له مخافة الجوع والمخمصة والآيات التي تحققت بالسبع العجاف والسبع الفياضة بعطاءات السماء للخصب والنماء، فضلًا عن مراقبة أخلاقه وأفعاله ونبوغه وحضوره، وكما ذكرنا بعاليه أن الله تعالى وبَّخ اليهود في عهد موسى بتصديق القبط ليوسف لا لأجل الملك والوزارة مثلكم، ولقد كان الأمر على أفئدة المصريين كنسائم الصيف الناعمة التي تخلو من قهر السلطة وإرغام العبودية والتسخير، والله تعالى أعلى، وقد أحاط بكل شيء علمًا!

    4- أن كل نبي أو رسول يأتي وله معجزات مؤيدات له تدعمه بين قومه، وتأتي تلك المعجزات أو الآيات بما فاق فيه القوم وتميَّزوا، أو أن تأتي لتُذهب عنهم البلاء أو تُخفِّف من وطأة المصاعب الإنسانية والاجتماعية، وهذا ما كان من آيات نبي الله يوسف عليه السلام في تأويل الرؤيا والإعلام المسبق بإذن الله عما سوف يقع، فضلًا عن تفسير رؤيا الملك والتي لم تكن تخصُّه لذاته؛ إذ هو رمز لبلاده ولم يكن اختصاص الله له بتلك الرؤيا إلا لعمله أنه أمين على شعب مصر، ولو لم يكن كذلك لبعث بها من حوله، وربما كان علم تفسير الأحلام والرؤى والتنبُّؤ بما سوف يحدث من الغيبيات والتي لم يرد الله لعباده أن يتَّبعوا كثيرًا ممن يدعون ذلك أخذًا بأسباب العلم والعمل، وها نحن نرى من مهازل وانحدار لمنازل تافهة ممن يُنبئ بالغيب ويدَّعي كذبًا بما لا يطيق، والله تعالى أعلى وأعلم!

    5- وآخر اجتهاد نسأل الله ألا نخفق في استنباطه أو أن نسام من ألسنة النقد سهام الفقد لمحبة الاطلاع على ما يمُنُّ به الله علينا هو أن "علم تأويل الأحاديث" وكذلك تفسير الرؤى ليس سهلًا ليُتَّخذ سبيلًا! ولقد بيَّن المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف ما يتوجب على المؤمن اتِّباعه إذا رأى في منامه ما يفزعه وما يستبشر به رجاء تحققه؛ لكن معجزات العصا والحية والآيات السبع لبني إسرائيل مع نبي الله موسى آيات مبينات لجرم اليهود وبغيهم وبطرهم على إنعام الله وإكرامه، وهذا لا يقلل أبدًا وحاشانا أن نقصد ذلك في شأن تأويل الرؤيا، وسوف نتطرق لما أفاء به الله على أنبياء ورسل برؤيا كانت ولا تزال مضاربَ للحكمة والموعظة الحسنة، والله تعالى أعلى وأعلم.

    وأما الشق البياني:
    أو ما يخص أهل البلاغة وما أعذبها إن أخذت من معينها الذي لا ينضب! ومن بستانها الذي لا يعرفه الخريف! ومن مستقرها ومستودعها الذي يَرِدُه المبدعون أشتاتًا، فمنهم مُحسنٌ محتسب ومكتسب، ومنهم راكب لصهوة الكبر والإلحاد مدعيًا أنه من أبان وأجاد! واستبشر حين يقع في براثن الشيطان وهو لا يدري؛ فيُلقي في أُمنيته "أنَّ ثمةَ أخطاءً في بيان القرآن الكريم في تصريفه وتعريفه أو لإيراده القصص لأمم قد خلت وعروش قد قُوِّضت وأنبياء ورسل أيَّدهم بنصره بآيات ومعجزات، فيتبع سبل الشك والمماراة، ولو أنه تأدَّب حين يرِدُ الحوض وصلى وسلم على أشرف الخلق رسول الحق؛ لعلم أن كلام الله لا تشوبه شائبة، ولا تطاله ناقصة، وأن الله إن أحبَّ عبدًا يفقَّه في الدين، فلا يزال بمواقع نورانية وفيوضات ربانية، وله عقل راشد وقلب مطمئن، ونفس بالخوف تئنُّ من أن تصيب مواضع الخطر ومناقب البطر، فيرجع خاسئ البصر حسيرًا فيخرج من روضة الإفاءة والفتح كخروج آدم من جنة الرحمن قبل، ولعل الجوانب البيانية في ورود القصة كاملة بأحداثها القوية والتي أشار إليها القرآن في تتالي الأحداث والوصول بالعقدة لمنتهاها وجمع كافة خيوطها في نهاية المطاف الغيبيِّ النوراني واتِّكاء القصة على محوريها المعلومين وهما السرد والحوار، وسوف نُحلِّق الآن تحليقًا، ونتخذ من بساط الريح اللينة الطيبة مصاحبًا رفيقًا، نجوب أرض مِصْر الكِنانة ونطوِّف بفلسطين الحرة وكنعان التي شهدت أول ابتلاء لصفي الله يوسف الصديق في أمه "راحيل" التي رحلت وأصبح فؤاد يعقوب النبي موجوعًا على يوسف وأخيه وأكثر إشفاقًا وحبًّا، فصادف في صدور الأسباط حسدًا وحقدًا ومكروا المكر السيئ، فحاق بهم ما حاق، وحلَّق يوسف بعنان السماء بروعة وبهاء الأتقياء، وظل بدرهم يدنو من المحاق، وكذلك نجزي المحسنين.

    ولأن بلغاء العرب كانوا أرباب فصاحة وأصحاب صنعة وديباجة، يقصون القصص في الشعر والسرد والنثر، لا يلزمون الأقلام بمعايير العصر من مقومات القص، ورغم ذلك فقد أجادوا وأفادوا من مستهام القص عبرةً وإرشادًا، فأراد الله وهو أعلى وأعلم أن يشكِّل لهم من بيان القرآن الكريم في إيراد قصصه الأعلى ما يضاعف من عجزهم عن مشابهة إعجازه وإنجازه في قصصه ومجازه، ويجعل من قصص القرآن الكريم هيئات تختلف لتأتلف، فيتعدد إيراد الحدث بحسب مراد الحكمة الشرعية والبلاغية فيها، فمنها ما هو مقصوص بأكثر من بيان، ولكل اختلاف منه تبيان، ومنها ما هو تصريح، ومنها تلميح، ومنها ما هو إشارة وإعارة لأسماع وأفهام حتى كانت قصة يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام ملحمة في الصبر والتقوى، وتمكين في الأرض لأصحاب السرائر الطيبة على من أسروا النجوى مع الشيطان، وجمع لعناصر البناء القصصي دون نقصان أو فقدان، هذا والله تعالى أعلى وأعلم.

    التحقيق الثاني:
    الحروف المقطَّعة: ﴿ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف: 1، 2]، خمس سور قرآنية كريمات استهلَّها المولى تباركت أسماؤه بالحروف على القطع لا الوصل "الر" منها ثلاثة متتاليات: "يونس" و"هود" و"يوسف" والرابعة "إبراهيم" و"الحج" يفصلهما "سورة الرعد" وإن كانت تبدأ بـ "المر" أليس في ذلكم الأمر العظيم حكمة عالية وبالغة لمن كانت له قريحة وأذن واعية!

    والحروف المقطَّعة بشكل عام عكف عليها جمهور من العلماء عظيمٌ سواء اللغويون وصُنَّاع المعاجم، ومن قبلهم علماء التفسير والتأويل، فلم يُعْطِ واحدٌ منهم رأيًا قاطعًا مانعًا في تفسير الحروف المقطعة في بدايات السور القرآنية بداية من الزهراوين "البقرة، وآل عمران" أو ما كان على نفس المنوال والحواميم أو (ص - ن - ق) غاية ما عَرَّج إليه اجتهادهم المحمود (أنها حروف مُقطَّعة ذات سرٍّ عظيم؛ بل إن أكثرهم قالوا: الله أعلم بمراده) مخافة أن يخوضوا فيما لا يعلمون فيخطئون بالذكر العظيم عن جهالة وضحالة! ولربما كشف الله من أنوار حكمته فيه لعبد من عباده يومًا، والمدهش في الأمر ذلك أنه لم يَرِد على خاطر المشركين بمكة وقريش أن يسألوا عنها وهم مَن كانوا يتربصون بالنص القرآني الدوائر، ويسترقون السمع من الصحابة، ثم يكررونه وهم مندهشون من إعجازه وإن كانوا يخفون ذلك؛ لكنهم يعلمون أنه تمام البيان، وكثيرًا ما نقلت نسخًا تلك القصة المأثورة التي تقول بالحوار الذي دار بين النبي صلى الله عليه وسلم و"قس بن ساعدة" أسَنَّ رجالات العرب حينها، وأعلمهم بالبلاغة ذلك لما وصل النبي زعمٌ منهم بأن القرآن الكريم يأتي بكلماتٍ لا تمت للعربية بذات صلة برغم التأكيد بقوله دائمًا: ﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف: 2]، و ﴿ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ﴾ [النحل: 103]، و﴿ غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ﴾ [الزمر: 28]...... إلى ما شاء الله مما ورد في التأكيد على عربية النص القرآني وشرف العربية بنزول القرآن على حروفها، والقصة معروفة، والكلمات كانت (قسورة - وكبارًا – وعُجاب) وذكره تعالى ﴿ قُرْآنًا ﴾ للتنبيه للقراءة واستماعه من النبي وصَحْبه، والكتاب المبين هو كل مخطوط بيد من عهد الصحابة حتى يومنا هذا، ومتعلم القرآن ملزم بأن يسمع من غيره حتى لا يختلط عليه شأن واستهجاء تلك الحروف المقطعة: (الر - الم - المر - المص - عسق - حم...) إلى آخره من متقطعات حروف القرآن الكريم كما بيَّن العلَّامة الشيخ الشعراوي رحمه الله.

    الشاهد أن العرب التي كانت تتصيَّد وتتربَّص بكلام القرآن الكريم الدوائر لإحداث الشك في عَربيَّته الصميمة حسدًا من عند أنفسهم وغَيْرةً أَن يُنزَّل هذا البيان العظيم على "محمد "وهم الأشراف والأعراف والأنساب والأرباب لم يفكروا ذات مرة أو يخطر ببالهم أن يسألوا عن معانيها؟! ولقد ذهب لهذا الرأي السديد فضيلة "الشيخ الشعراوي رحمه الله" في تفسير ماهية تلك الحروف وهو يفسر اجتهادًا لصدر سورة البقرة ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 1، 2]، فأفاد قائلًا: "لقد استقبلها المؤمنون بسرِّ الله فيها، وعلموا يقينًا أنها بلاغة وبيان من لدن رب العالمين، وضرب مثلًا بأمر الله ليوكابد أم النبي موسى عليه السلام في شأن إنجائه من بطش فرعون ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 7]، ولو أُخِذ هذا الأمر على محمل العقل والفرض لاختل المطلوب مع المبتغى؛ لكنه أُخِذ على محمل الإيمان والطمأنينة القلبية لمراد الله منه؛ ومجمل قوله أن ما كان من أمر الله ووحيه لا يحتمل المجادلة أو النقاش، وأما ما كان من شأن الشيطان فحريٌّ بنا الريبة والإمعان فيه ببطلانه قبل تصديقه.

    وأؤيده في هذا الرأي تأييدًا، فنبيُّ الله نوح بنى السفينة في الجبال حيث لا بحر يدنو ولا خلجان؛ لكنه اليقين التام من ربِّ العالمين بأنه ناجٍ ومَنْ معه! وأما المشركون فلم يخطر ببال واحد منهم كاره أو حاسد أو ناقم أن يسأل حتى أو يثير في ذلك إشكالية تدابر بين العقل المصدق لجارحة القلب بالإيمان المطلق بكلام القرآن وبين الصلة بين الحروف المقطعة وما يليها.

    رأي اجتهادي:
    إن المقتفي أنوار وإشراقات القرآن الكريم والتدبُّر بيقين تام يجد أنَّه معين البلاغة ومفيض البيان دون أدنى شك ليجد أن بعد الحروف المقطعة تلك يأتي الحديث غالبًا عن ثلاثة من ثوابت العقيدة؛ وهي:
    عربية القرآن والكتاب المنزَّل، والحديث عن النبي محمد صاحب الرسالة، فأمَّا عربية القرآن فقد وردت بمفتتح سور كثيرة، منها سورة يوسف تلك التي بين أيدينا التحقيق في قصصها العظيم، وأما الكتاب المنزَّل فهو الإحكام بعد التفصيل والهدى، وقطع مجازاة الشك في آياته، وأما عن النبي محمد قوله: ﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ ﴾ [يونس: 2] والأمر مع غالب الحروف المقطعة في مفتتح السور القرآنية.

    ولنخلص لمفاد عظيم، وهو أن بعد تلك الحروف المُقَطَّعة ذات السر الرباني العظيم الحديث عن الكتاب وهو القرآن استهلالًا وحسن استقبال، وكأنه يقول لنا: انتبهوا، فهذا الكتاب ليس كأيِّ كتابٍ سبق أن نظرتم فيه، أو آخر لم تنظروا فيه؛ حتى نلتزم بآداب شرعية وخُلُقية حين نعتدل لنقرأ فيه أو نتواضع ونخشع ونقرأ بأعيننا في تدبُّر لتتحرك الجوارح كافة له، وفي سورة يوسف تلك تنبيه عظيم ﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾ [يوسف: 1].

    هذا اجتهاد وعند الله جوامع العلم والإحاطة والله المستعان.

    التحقيق الثالث: أَحْسَن الْقَصَصِ!
    ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [يوسف: 3]، وفي هذا التحقيق وقفة سبق أن وقفنا على أنوارها وأطياف هداها في أربع مقالات شرفتُ بأن تكون" شبكة الألوكة" الطيبة موقع / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / علوم القرآن/ راعيةً لها، وهي المراد الأسمى من القصص الأعلى، وحتى لا نطيل ونكون كما عاهدنا ربنا أن ندحض الأباطيل، فالحديث عن أحسن القصص يسترعي منا وقفة جادة لصد هجمات مضادة لا تضر ولا تنفع، ولا يشفع لها القوانين الوضعية من أدباء العصر أو من سبق، فحينما ينبئ ربنا عزَّ وجلَّ أنه أحسن القصص، فلا يجوز لأحد أن يستنبط أو يستخرج نظرية تخالف المنصوص عليه من رب العباد، ولنطوِّف سريعًا في قوله: ﴿ أَحْسَنَ الْقَصَصِ فنقول بعد الحمد لله رب العالمين:
    إن من مقومات القصص هي الفكرة مع الحبك السردي القصصي والحوارية وعناصرها من شخوص وزمان ومكان، وأن المقوم القياسي لإبداع نص قصصي هو اكتمال تلك المقومات وتمَاهي عناصرها في بوتقة السردية، فلا يحدث انفصام أو ما يسمى بالفجوة القصصية بين عناصرها التي تربط على نسق القصة، وهذا من شأن النصوص الأرضية، أما قصص القرآن فله مقومات عليا ربما لا نستطيع لها جمعًا؛ لكننا قد نستدل عليها من كلام ربنا نفسه في قوله تعالى في ختام قصة وملحمة الصبر لنبي الله يوسف أو أبيه يعقوب عليهما السلام: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111].

    ومن نسخ للجزء الثاني من رباعية المراد الأسمى من القصص الأعلى فيما يخص خصائص القصص القرآني العليا نقلت هذا القول لي بفضل الله وتوفيقه (ما كان حديثًا يُفتَرَى: - ولنضع تحت تلك المفردة القرآنية الكريمة ألفَ خطٍّ وخط، ونتدبر معًا الفارق الشاسع والبَوْنَ الواسع بين النصوص الأرضية التي يخطُّها بشرٌ يصيب ويخطئ، وتتمايز عنده الأحداث في قيمتها حسب مدركاته، وطبائع مجتمعاته، ومعطيات الثقافة المحدودة عنده - وبين هذا الكلام الفَصْلِ المترفِّع عن كل افتراء وهَزْلٍ، المُمَجَّدِ بلسان الحق، وبالتأكيد لن ترى أية مفاضلة؛ فشتان شتان بين الثرى والثريا!

    إن من مقومات جودة القصة الحديثة إحداث الإدهاش والتأثير، حتى ولو بشيء من الافتراء، وإقحام وقائع داخل الأعمال القصصية ربما لم يكن لها وجود أصلًا، فضلًا عن الخيال الممزوج بالواقع لأحداث ما سبق الإشارة إليها، وإن النصوص الأرضية التي تُكتَبُ على تنوُّع واختلاف أجناسها يتفنَّن كلُّ سارد أو قاصٍّ أن يعطيَها ملاحةً من الخيال المتوقَّع، أو الخيال نفسه غير محتمل الحدوث؛ لكي يُكسِبَ عناصر القصِّ عنده ما يسمى "بالدراما القوية"، التي هي من مستلزمات القص والمسرحية هذه الأيام، فيزيد على الأحداث بالمبالغة أو الولوج في أعماق إنسانية؛ لجذب الانتباه واستدراك أكبر عدد من المؤيدين لنصوصه[1].

    إذن يمكننا القول إن مقومات القصص القرآني تماهت في عناصره وفي فوائده، فجمعت بين العِبرة من سرده بقوله: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي ﴾ [يوسف: 111]) وأن خصائصه العليا وسماته التي لا يُدانيها قصص آخر هي أنه حديث صادق لا يستند لفرية أبدًا، وأنه تصديق لما سبق من كتب سماوية، والحديث لقريش كما أوضحتْ تفاسير السير، وفي هذا القص حكمة بالغة لمن أراد الاعتبار والزجر لمن لم يَرْعَوِ عن الاستهانة برسالة محمد بن عبدالله الخاتمة الجامعة، وذكره وتفصيل كل شيء ما يقصد به اتباع التعليمات ومناط التكليف وتجنيب المسلم المحرمات والفتن فضلًا عن تفصيل الأحداث التي مارى فيها أرباب الكتب السالفة من ادعاءات وافتراءات كاذبة على أنبياء الله وخلصائه الكرام.

    ها هي مقومات القصص القرآني العظيم، فهل من مبارز أو معارض، ومن يتطاول حين يعارض فكأنما يحارب طواحين الهواء فتصفعه ريحها السموم وتصيب عينيه التي تجرَّأت على عظيم القول بالرَّمَد، فإما أن يلج البيان من بابه، وإما أن يطيش في صفحة البلاغة فلا يستطيع استعذابًا لها.

    فحاذر أن تشتري الشهرة والصيت بالتطاول على قصص القرآن، فتكون كالذي استهوته شياطين الإنس والجِنة يدعونه الجهبذ الذي استدرك ما لم ما يستنبطه السابقون، وسبحان من هذا كلامه، فقصة نبي الله موسى عليه السلام التي تحدَّث عنها القرآن الكريم في مواضع كثيرة تبدأ من ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ﴾ [القصص: 7] ثم تمتد أطراف القصة وتتماهى عناصرها لتصل بنا لإظهار حكمة ربِّ الأرباب أن يعيش ويترعرع بقصر العدو نفسه الذي أمرها الله بأن تبعده عن جنوده باليم ثم خروجه من مصر ومقصده نبي الله شعيبًا، ثم العودة لنجدة بني إسرائيل ثم معجزاته التي أيَّده الله بها، ثم إنجائه وقومه من بطش الجبار فرعون وهلاكه وهمان والجنود كلها تواترت وتشعبت، وفي كل ذكر لحدث من أحداثها تذكرة وذكرى لكل عبد منيب، والله تعالى أعلى وأعلم.
    ============================== ======
    [1] المراد الأسمى من القصص الأعلى (2).


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: التحقيق في ملحمة الصديق

    التحقيق في ملحمة الصدِّيق (1)

    دلالات وعِبر

    محمد صادق عبدالعال



    التحقيق الرابع: مفتتح القصة والحوار:
    ﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [يوسف: 4- 6].

    ومن هنا تبدأ خيوط الرواية العظيمة تنسدل، وأريج سردها ينجدل في ضفائر البيان، فيرف بنسائم طيبة على قلوب وأفئدة تستعذب العربية، وتستكثر الجمع لجمال البديع وحسن الصياغة؛ فيستنكف الغَرِير أن يقول في قصص القرآن قولًا غير محمود، أو يُشيع في قَصصه مقالةً غير مسنودة على أركان من الصدق، وإن قصص القرآن كله صدقٌ وعِبَر، وحقيق خبر، وعظيم نبأ، وما عداه إما استزادة رجاء التشويق والإثارة، أو إحداث حالة من التلفيق لإشعال غارة ما تلبث أن تغور في جوف الأرض غورًا، ومن أحسن من الله قولًا؟! وتبدأ القصة بأول حوار بين بطليها الصابرين القانتين الرائعين "يوسف الصِّدِّيق وأبيه يعقوب النبي عليهما السلام"؛ حيث يصحو الصغير يوسف الصدِّيق على رؤيا عجيبة رائعة، لم يتخيل أن الشمس مليكة السماء ذات الجبروت من نور ونار سوف تسجد له، أو أن القمر ذلك القريب النظر البعيد المْستقر، والذي لا يرى إلا بليل، ينير الدجى وضوءه من الشمس مقتص ومكتسب، سوف يكون له من الساجدين والمعَظِّمين، فضلًا عن أحد عشر كوكبًا نزلوا نزول الخضوع كما نزلت من قبل بنت الصبح والقمر!

    ولو فتح الله علينا فتح أولي التأويل والتفسير لعلمنا أن اختيار الله لتلك النواميس العظيمة والكائنة خارج نطاق الكوكب الأرضي من شمس تفوق الأرض آلاف المرات إحاطةً، والقمر الذي لم يتوصل العنصر البشري لطبيعته وتقدير مسافة ابتعاده عن الأرض إلا قريبًا وبنسب تقديرية وليست حقيقية، وكذلك الشمس، وأيضًا الكواكب التي نُكِّرت دون تسمية لها غير هيئتها؛ لتفاوتها في أحجامها وتباين مداراتها، كل أولئك بمثابة إِرهاص لمكانة عالية سامقة تنتظر ذلك الغلام لتكون نبراسًا له في ظلمات وحنادس الظلم والفراق، فتهوِّن عليه ما سوف تحيكه وتخيطه له الأيام من جور الأخوة وكيد النسوة! ولو نظرنا لتلك العناصر المسيرة للحياة اليومية- أعني الشمس والقمر والكواكب السيَّارة- للجنس البشري من إنسان وحيوان ونبات، لعلمنا أن كل عنصر من أولئك الثلاثة رمزٌ للحياة، فالشمس والقمر هما عنصرا الهداية على مدار اليوم المنجدل عنه الزمان كله، ولعل اختيار الشمس ثم القمر والكواكب تفاوت في مكانة الساجدين أنفسهم، وكأن الله قد قد أنزلهم مقاديرهم بها إنفاذًا لما ينتظر يوسف الصديق عليه السلام وتحقيقًا لمراده سبحانه قَيُّوم السماوات والأرض.

    وجديرٌ بيعقوب الأب أن يبتهج لأجل هذا التكريم والانتخاب العظيم برفع شأن واحد من ولده، ولك أن تندهش كيف لم تكتمل فرحته إذ قال ليوسف محذرًا: ﴿ قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [يوسف: 5]، كما لا عَجب في استباق يعقوب النبي عليه السلام بالتحذير قبل التبشير بسموِّ المكانة وعلو الشأن لولده يوسف، لكنه يعلم أن الاجتباء وتمام النعمة سوف يحسه يوسف بفضل الله، لكنه بدأ بالتحذير والترقُّب المعتصرين بأسى الأب المشفق على صغير من بطش كبير، أو المحروم من صدر أم حانية ممن لهم أمهات تدفعهم للتحديق بعين استنكارِ للرعاية التي ينالها "يوسف أو بنيامين" دفعًا يجلب على العداوة، ويحرك نوازع الشر تحريكًا يؤرق صفاء تلك اللحظة التي يجدر بأخوة يوسف أن يسعدوا لأجلها! وإن كان ميراث يوسف من النبوة والحكمة عِزًّا لهم ولكنهم لا يعلمون!

    ولأن يعقوب عليه السلام نبيٌّ ومؤيد من قبل الله بالحكمة والصبر، فلم يرد أن يلقي في صدر يوسف عليه السلام الغض بعض كراهية من مغَبَّة تفضيل الله واصطفائه دون باقي الأسباط، فأزاح عن أخوته جُلَّ التهمة وإن كانوا غارمين فيها حتى احرزوا خطئًا كبيرًا، فقال: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾، والقرآن الكريم في إيراد تلك القصة كاملة لم يتحدث عن سبب كامن في صدر يعقوب النبي، ولكن كُتُب التاريخ نسخت وصورت لنا حين عَرج يعقوب النبي لأبيه إسحاق عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام "يشكو إليه جحود أخيه "عِيصو" وتجبُّره عليه بماله وولده، وإذ بنبيِّ الله إسحاق وقد فكَّر له ودبَّر في الخلاص من هذا الاضطهاد والجفاء المعلن دون رفق بشيبة إسحاق النبي التي ألمت به حين مسَّه الكبر، وانحنت قناته، وما عاد له في شأن اتخاذ القرار من كثير، فأشار عليه بالانتقال إلى "فَدان بآرام العراق" حيث خاله "لابان بن بتويل" ناصحًا له: فابْنِ على إحدى بناته؛ فإنك تنال العز والشرف والمجد والمَنَعَة، ثم عد بعدها لهذه الأرض، وإني لأرجو لك عيشًا خفيضًا عن أخيك، ونسلًا طاهرًا خيرًا من نسله وولده، والله يكلؤك بعينه، ويحفظك ويرعاك"[1].

    ياله من ابتلاء موروث مرَّ على ثلاثة هم صفوة الصفوة من جد وولد وحفيد وكأنها كأس البلاء تدور وما على المجتبى المبتلى غير مكابدة الصبر لمثابرة القلب على ألا يحيد عن الاطمئنان بأن نصر الله قريب! فلم يكن بالهيِّن السهل أن يحار الوالد بين فلذات أكباده وهم يكنُّون العداوة والجفاء لصغيريه كالذي يتقطع بين الثلج والنار، فلا هو بقادر على إذابة الثلج بالنار، ولا بقادر على إطفاء النار ببرد الثلج.

    إن مشاعر الوالدية سجية فطرية لا ريب فيها، فقبل أن يفكر يعقوب في سبيل للخلاص مما يلاقي من أخيه كان أبوه المراقب المتابع عن وَصب في البدن ونَصب في ميدان الفكر يستعين بالله على سبيل ومناص لإنجائه! وحتى لا يقول قائل ممن يحركون الغوائل تجاه قصص القرآن يقولون ولو في أنفسهم: هل مجرد الرؤيا وقصِّها على الأب كفيلةٌ بأن يحذر الأبُ ولدَه من عاقبة تنامي العداوة مع إخوته؛ لكنها تجارب الحياة التي تعرك الكبير المخضرم فيسلك سبلًا فجاجًا لاتقاء وقوع الشقيقة، فيجد في البُعْد راحةً وكأننا بحال شاعرنا العربي:


    حبك الأوطان عجز ظاهر
    فاغترب تلق عن الأهل بدل










    وحال إسحاق مع يعقوب كوالد يخشى على فلذة كبده من أخيه كحال يعقوب مع يوسف وإن اختلفت الأدوار؛ فإسحاق من عَرَض على يعقوب الاغتراب بيد أن يعقوب من أرَّقه الفراق، واكتوى حتى تجرَّع جزع الفراق من عينيه التي ابيضَّت من الحزن وهو كظيم! وكأن الله سبحانه يسوق للعباد أمثلة وإن اختلفت مداولةً لكنها تفضي لكرمه في اللطف بعباده ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً ﴾ [الأنعام: 61] سبحانه وتعالى!

    وفي هذا البيان درس لمن أراد التفكر، فسواء كان اغترابك بظلم جبرًا أو اختيارًا، فثمَّة مشيئة ربانية لا يطَّلِع عليها إلا ذو الفراسة. وإن كان يعقوب قد ابتلاه الله سلفًا بأخٍ واحدٍ لا يبره، فها هو سوف يلاقي عشرة يكيدون لصغيريه كيدًا، فسبحان من هذا ملكه وتلك إرادته!

    التحقيق الخامس الأفعال المضارعة والأمر:
    درج استخدامنا للأفعال المضارعة على نحو الاستمرارية، وأَن الفعل ما زال قائمًا بالأمر (لا تقصص- فيكيدوا) نهي ونتيجة، في قضية التحذير والإشفاق عليه، ثم ما يلبث يعقوب عليه السلام أن يُثلج صدر الصغير يوسف بعدما حذَّره وأنذره مما يخشى وقوعه، ومراعاة لسِنِّ يوسف الغَضِّ، وأَن الصغار لهم حبائل من الأمل معقودة بحبال السماء، فيفتح له يعقوب سِجِلًّا للتشريفات والتكريمات الإلهية لفرع شريف من نسل خليل الرحمن إبراهيم عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام فيقول: ﴿ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [يوسف: 6]، وقوله: ﴿ وَكَذَلِكَ ﴾: صرَّفها "أبو البقاء عبدالله بن الحسين بن عبدلله العكبري في كتابه "إملاء ما منَّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن"/ راجعه وعلق عليه/ نجيب الماجدي، بأن الكاف في موضع نصب ونعت لمصدر محذوف تقديره: أي اجتباء! أي أعظم اجتباء[2].

    فانظر للأفعال كيف تتصاعد وتتسامى وبخاصة الفعل المضارع القائم (يَجْتَبِيكَ – وَيُعَلِّمُكَ- وَيُتِمُّ) لتصل لذروة مراده سبحانه بأن يذكره بأنك يا يوسف سوف تُجتبى وتُبتلى وتتعلم لتصبح كامل الأهلية الدينية والدنيوية كأبويك إبراهيم وإسحاق، وكأن يعقوب عليه السلام يضع قاعدة للتعلم القويم بين الطالب ومن يؤدبه، وهنا تحقيق رائع بعد استخدام أفعال المضارعة والأمر، فنبيُّ الله يعقوب ذكر ليوسف في سجل التشريفات النبوية إسحاق وإبراهيم ولم يذكر نفسه، وهو حلقة الوصل بين الجد والحفيد؛ لكنه آثر أن يذكر له نبي الله إبراهيم تعظيمًا وتشريفًا بنبيٍّ قال الله في شأنه: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 120]، وما زلنا بقضية الأفعال، ففي الأولى التي ساقها القرآن الكريم على لسان نبيه يعقوب عليه السلام من أمر وتبشير واستشراف لمستقبل طيب دليل على أن الحَدث وشيك الوقوع، لا يحجبه غير مشيئة الله المؤجلة، وفي الثانية تصوير لمشهدية المؤامرة وأفعال مضارعة لا تنبئ عن ضالعين ذوي خبرة في الشر؛ لكنهم مندفعون بجهالية الفكر.

    التحقيق السادس: ﴿لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ﴾ [يوسف: 8]، المبتدأ والخبر ولام الابتداء وكأنها لام الجحود!

    ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ﴾ [يوسف: 7 - 9] تلك هي حيثيات المؤامرة.

    (إذ) اسم ظرفي في محل نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره (اذكر)، وقالوا: فعل ماضٍ لكون الأمر يؤرقهم من زمن وهم الآن على حافة الانتقام ووضع حد لهذا الأمر. وفي تفسير الجلالين الآية الثامنة "يضع إخوة يوسف العشرة الحجة على تبرير التخلص من يوسف الصغير بقولهم: ﴿ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ﴾ وقد صرفها الجلالين على أَن ﴿ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ ﴾ مبتدأ و﴿ أَحَبُّ ﴾ خبر اسم تفضيل"[3].

    والقضية كلها تنطلق من هذا الموضع أن أخوة يوسف قد أجمعوا على أن يوسف وبنيامين أخويهما من الأب أَحبٌّ لنبي الله يعقوب منهم وهم عُصْبَةٌ بإقرارهم؛ مما جعلهم يعتبرون ذلك ضلالًا كبيرًا من الوالد الذي ينظر بعين الرحمة والعطف أكثر إلى يوسف وبنيامين الصغيرين اليتيمين!

    وهنا تحقيق واجب الانتباه إليه، فمن يتابع عن تحرٍّ وتدقيق في أكناف المؤامرة يجد أن أخوة يوسف قالوا في بداية وطرح مبررات الانتقام إن يوسف وأخاه- والقصد بنيامين- أحبُّ إلى أبينا، ثم حينما حثَّ بعضُهم بعضًا على التخلص مما يؤرقهم قالوا: ﴿ اقْتُلُوا يُوسُفَ ﴾، ولم يذكروا بنيامين، وكأن الجمع بين ابني راحيل كان سببًا لإقناع أنفسهم بانصراف يعقوب عنهم وإن كان يوسف هو المقصود والمرصود، ويعد هذا القول منهم أول إرهاص تحقيق لبُشْريات أبيه يعقوب بالابتلاء والاجتباء، والله تعالى أعلى وأعلم.

    ومفردة الضلال نَعت بها أخوةُ يوسفَ الأسباطُ أباهم في أكثر من موضع في السورة، ففي الأولى القول في تأويل قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ قال أبو جعفر: "يقول تعالى ذكره: لقد كان في يوسف وإخوته آيات لمن سأل عن شأنهم حين قال إخوة يوسف: ﴿ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ ﴾ من أُمِّه ﴿ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ﴾، يقولون: ونحن جماعة ذوُو عدد، أحد عشر رجلًا ﴿ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾"؛ (تفسير الطبري، سورة يوسف، الآية: 8).

    وفي الثانية لما قال لهم أبوهم: إن يوسف ما زال على قيد الحياة ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ ﴾ [يوسف: 95]، وفي تفسير الطبري أيضًا: "حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ ﴾؛ أي: من حب يوسف لا تنساه ولا تسلاه. قالوا لوالدهم كلمةً غليظةً، لم يكن ينبغي لهم أن يقولوها لوالدهم، ولا لنبيِّ الله صلى الله عليه وسلم"؛ (تفسير الطبري، سورة يوسف، الآية: 95)[4].

    ومفردة الضلال في العربية متعددة المعارف والمذاهب، أشدها قسوة ضلال الاعتقاد وظلمة الصراط المسلوك بعيدًا عن أمر الله، فمن معانيها الغياب والهلاك والباطل والنسيان، والعدول عن الطريق المستقيم، ولعل الأخيرة هي ما ذهب إليها فكر أخوة يوسف المحدود، أما في الثانية وبعد مرور ردح من الزمن طويل، وظنهم أن يوسف قد هَلك أو تاه في مجاهل النسيان، فيقصدون بها النسيان والغياب، وذِكْرُ صفة القديم تأكيدٌ على مراد تعبيرهم القاسي، والله تعالى أعلى وأعلم.

    ومن عظمة القصص القرآني وسُمُوِّه أنه في تلك الآيات المعدودات قد جمع لنا المشهد العام لما تُكِنُّه صدور عشرة كواكب هم أسباط بني إسرائيل وأخوة يوسف وبنيامين لأبيهما، والمبررات الواهية والحجج الفارغة الخالية من البرهان الصادق، والواقعة في بِئار الظلمة والظلم في إيثار نبي الله يعقوب ليوسف وقد شهدوا على أنفسهم بقولهم: ﴿ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ﴾، ثم أظهر لنا المولى العظيم تدرُّجات المؤامرة بعد تداعياتها غير المنصفة بقولهم في بادئ الاجتماع: "اقتلوا – اطرحوه – لا تقتلوه – وألقوه – ثم انتهاءً بتهوين الجُرم وإقناع أنفسهم وإخماد ضمائرهم من حمى التأنيب والتأديب بفرضهم النتائج المرجوة ﴿ يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ﴾ [يوسف: 9]، ويدلُّنا القرآن على الشروع الجاد في تنفيذ المؤامرة بالتعقيب في قولهم: ﴿ قَالُوا يَاأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [يوسف: 11، 12].

    وهنا وقفة استرعت انتباه "العلَّامة الشعراوي رحمه الله" في خواطره الطيبة حيث قال: "ولأنهم أبناء نبي، وحفدة أنبياء، فالمكر في صدورهم محدود بحدود الغيظ مما يزعمون من تفضيل ليوسف، ومثَّل رحمه الله تدرج المؤامرة على عكس ما ينتهجه الأشرار من سائر البشر، فالكاره المدبر لمكيدة يبدأ بالأصغر ويجرُّه شيطانه للأكبر جرمًا، لكن سرد القرآن من مؤامرة أخوة يوسف هو البدء بالأكبر وهو القتل ثم الانتهاء بعد أخذ ورد ودفع وصد ﴿ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ ﴾ [يوسف: 9]، وأخوة يوسف جميعًا شخوص أولية وأساسية في بنيان القصة القرآنية فلم ينتهِ دورهم بمجرد العودة ليعقوب يبكون بحجة أن الذئب أكله! بل واكب القرآن العظيم سيرهم وتحركاتهم، ودلَّل على أنهم لم يجدوا حيلة أو ادعاء من شأنه أن يصدق يعقوب بأنهم أبرياء من مؤامرة الإطاحة بيوسف الصغير، فقالوا في محاجتهم يعقوب نفس ما حذَّرهم منه من أن يأكله الذئب، وذلك لسببين، والله بكل شيء عليم:
    الأول أن هؤلاء سوف يصبح منهم فيما بعد أنبياء ومن ذراريهم رسلًا من بني إسرائيل، فلم يستطع الشيطان أن يدلهم على طوية أو فكرة شيطانية تشين من نسل النبوة حتى ينتهوا بها عند يعقوب النبي ليُصدِّقهم.

    والثانية أن لهفتهم على العودة بما ينهي الأمر لم تجعلهم يفكرون في كذبة غير التي حَذَّرهم منها أبوهم، ولا أجد ثمَّة تعارض بين الاجتهادين، فقول الإمام الشعراوي باختلاف طبائع الأنبياء عن البشر حتى حين يخطئون ليعزز القول بأن الله لم يَهْدِهم لكذبة تخالف ما جاءوا به أباهم عشاءً يبكون، والله تعالى أعلى وأعلم.

    ولقد ذهبت تفاسير الأعلام في شأن قوله: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ ﴾ [يوسف: 7] مذاهب بلاغية وبيانية تواكب بنية العمل القصصي العظيم. "قوله تعالى: ﴿ آيَاتٌ ﴾ تقرأ على الجمع؛ لأن كل خصلة مما جرى آية، وتقرأ على الإفراد؛ لأن جميعها يجري مجرى الشيء الواحد، وقيل: وضع الواحد موضع الجمع"[5].

    ونبي الله يوسف ليس له من أخ شقيق غير "بنيامين" الذي يصغره، وبميلاده ماتت أمهما "راحيل" كما ذكرت كتب التاريخ، فالأسباط هم: "رأوبين، وشمعون، ولاوي، ويهوذا، ويساكر، وزبولون، وهؤلاء من "ليا"، ويوسف وبنيامين من "راحيل"، ودان ونفتالي من "بلهة" جارية "راحيل"، وجاد وأشير من "زلفة" جارية "ليل"، وقد ولدوا جميعًا في فدان آرام إلا بنيامين، فإنه ولد في أرض كنعان؛ (البداية والنهاية 1- 195) قصص الأنبياء/ تأليف محمد جاد المولى وآخرين/ دار الجيل بيروت/ ط/13/ ص/ 71)[6].

    وهنا لفتة سريعة أن غالب الكتب ذكرت أن من حاول منعهم من قتل يوسف أو إلقاء حجر عليه وهو بالبئر هو "يهوذا" الأخ الأكبر لهم وليس "لاوي" على أرجح الأقوال كما جاء في تفسير الجلالين (قال قائل منهم: "لا تقتلو يوسف" وهو يهوذا)؛ (194)، و(كتاب قَصص القرآن لمحمد أحمد جاد المولى وآخرين، ص 73). "قال يهوذا- وكان من أشدهم رأيًا، وأرجحهم حلمًا-: نحن أبناء يعقوب الرسول وأحفاد إبراهيم الخليل، ولنا عقل ودين، والقتل لا يقره العقل ويأباه الدين، ويوسف غلام بريء لم يجنِ إثمًا ولم يرتكب جرمًا..."[7].

    ويعقوب الوالد حائر ما بين أسباطه وصغيريه اللذين فقدا الأم ولم يعد لهما غير صدر يعقوب العافي ليحول ويدفع عنهما كل ضرر أو إحساس بنقص الرعاية والعناية! فيتوافد عليه الأبناء يخفضون له جناح الذل من الرحمة رجاء أن يوافقهم الرأي في خروج يوسف معهم، ويستجدون منه الموافقة على مرافقته ليرتع ويلعب كما يزعمون. وقد ألقوا على أبيهم لائمة عدم الثقة بهم بقولهم: ﴿ قَالُوا يَاأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ﴾ [يوسف: 11]، ثم إلحاق هذا اللوم العائلي بطلب ﴿ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [يوسف: 12] وفي الطلب واللوم تحريك لمشاعر الوالد ليتم لهم ما يرجونه وما يدبرون له.

    لكن فراسة المؤمن الذي يرى بنور الله قد جعلته يفضي لهم: ﴿ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ﴾ [يوسف: 13]، منبهًا إياهم لوقوع كارثة من شأنها ضياع يوسف أو هلاكه؛ لكنهم قد جهزوا منطق الحجة ودليل الحفاظ على صغيرهم يوسف بقولهم استنكارًا: ﴿ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ﴾ [يوسف: 13].

    وكأننا بتلك الآيات حين نقرؤها نستشعر ونتصور المشهد ويعقوب عليه السلام قد وافق الأبناء لرجائهم كابحًا في صدره خيول المخاوف والهواجس وعاديات الفراق المتوقع، ونازعات الأمل من عودة يوسف سالمًا دون إضرار متمنيًا أن تذوب تلك السدة بين يوسف وأخوته في صحراء كنعان القائظ حرها ببرد وسلام وهو معهم؛ آملًا في عطف الأخوة وإشفاقهم من أن ينال أخاهم يوسف أذى لكن هيهات، فالنيَّة مبيَّتة والأخوة قد تأبطوا شرًّا، والله المستعان على ما يصفون!

    وكأننا بذلك الشاعر قد صادف حال يعقوب حين حذَّر بنيه وهو يقول:


    لا تُتبع النفسَ الهوى
    ودع التعرُّض للمحن




    إبليس حيٌّ لم يمت
    والعين باب للفتن



    (منقول).

    وما حذَّر منه يعقوب وقع، وما أكله الذئب ولا فتك به، فثيابه لم تنبش، والدم الكذب لم يشفع لهم مع البكاء، وقول ربنا عز وجل: ﴿ وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ ﴾ [يوسف: 16]، ولنسأل أنفسنا سؤالًا:
    التحقيق السابع:
    لمَ لمْ يقل القرآن: "وَجَاءوا أَبَاهُمْ عِشَاء يتباكون" بدلًا عن ﴿ يَبْكُونَ ﴾؟ وهي حال جملة فعلية، فالعقل يفرض أن المخطئ عن عَمد قد يدعي البكاء فيتباكى، أو يستجدي البكاء وإسبال الدمع رجاء تصديقه، والإفلات من عين لائمة توبخه أو تدينه فنقول- والله تعالى أعلى وأعلم-: إن إخوة يوسف وعلى رأسهم "يهوذا" قد أحزنهم ما فعلوا، وحين قصدوا عريش أبيهم بدون يوسف كانوا قد توقعوا ردة فعله، وحال قلبه الأسيف على فقدان يوسف، فكان البكاء حقيقًا وليس مصطنعًا؛ والدليل أيضًا بعد أن قصوا على أبيهم هلاك يوسف وهم يبكون ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18]، وإن نصيحة أبيهم في مَعرض الطلب بإنفاذه معهم ﴿ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي ﴾ [يوسف: 13] توكيد بالاختصاص وضمير المتكلم ذاته.. فأخوة يوسف لم يريدوا ليعقوب أي أذى أو حزن لكنهم قد استنتجوا ناتج ما فعلوه عليه وعاقبة فعلتهم النكراء على صدر الوالد والنبي، والله أعلى وأعلم.

    التحقيق الثامن ﴿ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾ [البلد: 3]:
    ها هي الأقدار حالت بين بطلي القصة، وألقت بسهام القطع والبين بعد الوصال، فما أشد وجع الفراق! إذا كان ذلك الحب سجية وفطرة لا محدثة أو صنيعة ساعة؛ إذ أقسم المولي عز وجل بالوالد وما ولد! دلالة من تلك السجايا، فيوسف الآن قد فَقد الجميع الأم والأب والأخوة، وإن اختلف هيئات البعد، ويا ليته في مأمن من غوائل الدهر أو غدرات الصحراء، إنه الآن في جُبٍّ وبئر، فمن له سوى مولاه يكفله ويرعاه، وفي الوقت ذاته قلب يعقوب النبي ينضح جُل ما فيه من دمع وبكاء على فقده، وإن مساورة الشك بصدره من مكر الأخوة في إقصائه له أشد وأعتى على نبيِّ الله يعقوب، وهنا لنا وقفة أراد الله أن تمر على أفئدة المؤمنين من عباده قبل الأسماع، فقد تعتريك المِحن لأقصى صورها، وأشنع تقلُّباتها، لكن القلوب المؤمنة موقنة تمام اليقين أنها كلما ضاقت أوشكت على الانفراج، وسبحان الله فقد أصاب الشافعي مواضع الحكمة حين قال:


    ضاقَتْ ولما استحكَمَتْ حلقاتُها
    فُرِجَتْ وكنْتُ أظنُّها لا تُفرَج










    ولم يصرح القرآن الكريم بشيء عن نزول جبريل عليه السلام أو أي ملك ليوسف أو شيء عن القميص الذي ألبسه إياه وهو إرث جده إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ولا كيف جيء ليوسف به! وكأن الله يريد بمن يقرأ أو يستمع للآيات أن يستشعر عاقبة الصبر والتقى، ويتحَسَّس تلك النواتج المشرقة دعمًا ليوسف عليه السلام، ولقد قالها القرآن نفسه على لسان يوسف الصديق حين منَّ الله عليه وجمع بينه وبين أخيه بنيامين ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90].

    وفي كتاب قصص الأنبياء فيما يخص تلك المحنة الأولى لنبي الله يوسف عليه السلام وهو بالبئر يعاني الوحدة والخوف "أن ألله قد أوحى إليه أن تجَمَّل بالصبر واعتصم بالعزاء؛ فإني جاعل لك من كل ضيق مخرجًا، ومن همك فرجًا، وإني مظهرك على أخوتك ولكن بعد حين![8].

    وكأن الشاعر لحال الطمأنينة ليوسف الصغير يقول له:


    وإذا العناية راقبتك عيونُها
    نم فالمخاوف كلهُنَّ أمان










    ومن الجدير ذكره فيما يخص كرامات الوحي بصوره الربانية؛ فقابيل لما طغت سخيمة الكراهية على قلبه سوَّدت وجهه، فقتل أخاه هابيل حسدًا وغلًّا لم يشأ الله عز وجل أن يوليه كرامة من تلك الكرامات بوحي أو نداء أو إلهام إنما بعث له غرابَيْنِ يقتتلان ليعلمانه كيف يواري سوأة أخيه، وسبحان الله العظيم!

    وهنا تذكرة بكل شبيهة وغائبة عن الأخلاد، وحاضرة حين التذكير بقرينة لها؛ فمحنة يوسف الصديق في غيابات الجُبِّ أو السجن كمحمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق في الغار، ويونس في بطن الحوت، وموسى في التابوت، والخليل إبراهيم في نار النمرود، أو الذبيح إسماعيل عليه السلام تحت شفرة سكين الخليل المبتلى في فلذة كبده عليهم جميعًا أفضل الصلاة وأتم التسليم،كلها ابتلاءات ومعارض للفتن والأشد بلاءً فيها ضيق المكان وشموله إما على ظلمة وقَفر، أو نيران عظيمة اللهب، أو مخاوف الجب من حيات وهوام تتعطَّش لدماء غضة أو لبطن حوت في قعر الماء، ورغم تلك الابتلاءات على تنوِّعها واختلاف كل واحدة عن الأخرى في مادة الابتلاء وسبب البلاء ومسالك النجاة أو الإنجاء لكنها جميعًا صادفت قلوبًا لها عيون ترى ما لا يراه الناظرون إن هم ظنوا مجرد الظن أنهم هالكون وإنا الله على نصرهم لقدير، فسبحانه القائل: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51].

    ويوسف كباقي أصفياء الله وأنقيائه لم يزغ قلبه عن يقين النجاة والإنجاء على الرغم من تفَرُّده بالبلاء، فهو ما زال غلامًا لم يشاطر الأكابر المناصب، أو ينازع الإخوة في ميراث أو مودة، فضلًا عن أنَّ القائمين على المؤامرة ذوات دم وآصرة أرحام؛ وإن الملتاع بمؤامرة الفراق والد للمظلوم والظالمين، فهو بلاء مزدوج متشعب الألم، فسبحان من يبتلي أصفياءه بما يدهش الخَلْق ممن يتفكرون كيف تكون النجاة مع الجزاء الأوفى؛ وما على يوسف ويعقوب الآن سوى الصبر والرضا بما اختصهما به الله من بلاء، وأوقع في سويداء قلبيهما من نقع الفراق ومرارة التباعد! وسبحان من هذا مراده!


    وترى النائبات كأنها فِتنٌ
    وفي جوفها اللطف والكرم






    وللمقال بقية بإذن الله تعالى.
    ============================== ======

    [1] قصص القرآن/ تأليف محمد جاد المولى وآخرين/ دار الجيل بيروت / ط/13/ ص 66.

    [2] إملاء ما منَّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن/ أبو البقاء عبدالله بن الحسين بن عبدالله العكبري/ راجعه وعلق عليه نجيب الماجدي.

    [3] تفسير الإمامين الجلالين: جلال الدين السيوطي، وجلال الدين المحلي/ حققه ونسقه/ الشيخ محمد الصادق القمحاوي بالأزهر الشريف/ مطبعة الأنوار المحمدية ص 194.

    [4] تفسير الطبري، سورة يوسف، الآية: 95، موقع تقني.

    [5] إملاء ما منَّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن/ أبو البقاء عبدالله بن الحسين بن عبدالله العكبري/ راجعه وعلق عليه/نجيب الماجدي/ المكتبة العصرية/ ص 302، إعراب سورة يوسف.

    [6] البداية والنهاية (1- 195) / قصص القرآن/ تأليف محمد جاد المولى وآخرين/ دار الجيل بيروت/ ط13/ ص 71).

    [7] قصص القرآن/ تأليف محمد جاد المولى وآخرين/ دار الجيل بيروت/ ط 13/ ص 73.

    [8] قصص القرآن/ تأليف محمد جاد المولى وآخرين/ دار الجيل بيروت/ ط 13/ ص 77.


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •