تعطيل الوظائف !



مدار الحواس على ثلاثة أعضاء: القلوب: ووظيفتها الفهم. والأعين: ووظيفتها البصر. والآذان: ووظيفتها السمع، وبهذه الحواس الثلاث تكون المعرفة والعلم، وتعطيلها قد يكون أمرا محمودا وقد يكون مذموما.
وفي الأمر المذموم، قال - تعالى-: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (الاعراف: 179)؛ فهؤلاء أعرضوا عن الحق، وتعطلت وظائفهم عن التفكر في آيات الله، وتدبر عظم الخالق ووحدانيته، بل قد يتمادون في الباطل فيقولون: {لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}، (فصلت: 26)؛ وذلك لأنهم: {(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} (البقرة: 171)، وهم بذلك أضل من البهائم التي لا اختيار لها ولا تمييز، ولا تفقه ما يقال.
فعدم الانتفاع بنعم الله التي أنعم بها على الخلق من أدوات وحواس، خسارة عظيمة يقع فيها أهل الباطل؛ فهم يصمّون آذانهم عن سماع الحق، كما فعل قوم نوح -عليه السلام-؛ فقد دعا قومه 950 عاما ولم يؤمن معه إلا قليل، قال - تعالى- عنه: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} (نوح: 7).
وفي المقابل يدعو الله المسلمين إلى تعطيل هذه الوظائف إزاء الحرام؛ فغض البصر مما جاء الأمر به في القرآن والسنة، قال الله -تعالى-: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} (النور: 30)، وقال الله -عزَّ وجلَّ-: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} (النور: 31). عن جرير بن عبدالله قال: «سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظرة الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري» (رواه مسلم). وقال: «العينان تزنيان، وزناهما النظر» (متفق عليه).
يقول الله -عزَّ وجلَّ في محكم تنزيله-: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (الإسراء: 36). والله -عزوجل- الذي وهبنا هذه النعم، سيسألنا عنها يوم القيامة، فيم استخدمناها؟
ومنه قول الله -تعالى- فيما يصف به المؤمنين: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} (القصص: 55). وهذا من إعجاز القرآن وبلاغته، وكلمة اللغو، تشمل المحرمات، والمكروهات من المسموعات؛ ولذلك كان من الأمور المحرمة سماع الكذب، والتصديق به، وكذلك سماع الغيبة، والنميمة.
ومن المسموعات المحرمة: ما ذم الله -تعالى- في كتابه نفراً، فقال: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} (سورة التوبة: 47)، ومعنى سمّاعون لهم: مستجيبون لهم.
وهكذا نخلص إلى أن الإنسان قد يسلب عقله بإرادته وكذلك بصره وسمعه، وهذا من أخطر الأمور في الدنيا، ووباله عليه عظيم يوم القيامة، حين يُسأل المرء عن سمعه وبصره وجوارحه وعقله وإرادة قلبه ومكنونات صدره، {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ}. وحينها لا ينفع الندم، ولا يقبل الله {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}.

اعداد: سالم الناشي