2622 - " أصبت السنة ، قاله عمر لعقبة و قد مسح من الجمعة إلى الجمعة على خفيه و هو
مسافر " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 239 :
أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " ( 1 / 48 ) و الدارقطني في " السنن " ( ص 72
) و الحاكم ( 1 / 180 - 181 ) و عنه البيهقي في " السنن " ( 1 / 280 ) من طريق
بشر بن بكر : حدثنا موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر الجهني قال :
خرجت من الشام إلى المدينة يوم الجمعة ، فدخلت على عمر بن الخطاب ، فقال :
متى أولجت خفيك في رجليك ؟ قلت : يوم الجمعة ، قال : فهل نزعتهما ؟ قلت : لا ،
قال : فذكره . و قال الدارقطني : " و هو صحيح الإسناد " . و قال الحاكم : "
حديث صحيح على شرط مسلم " . و وافقه الذهبي . قلت : و هو كما قالوا . و تابعه
عبد الله بن الحكم البلوي عن علي بن رباح به مثله . أخرجه الطحاوي و الدارقطني
و الحاكم و البيهقي من طريق المفضل بن فضالة ، و الدارقطني أيضا ( ص 73 ) و عنه
الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " ( رقم 240 - بتحقيقي ) عن حيوة ،
كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب : أخبرني عبد الله ابن الحكم البلوي به . لكن
البلوي هذا مجهول ، ففي " اللسان " : " قال الدارقطني في حاشية السنن : ليس
بمشهور . و قال في موضع آخر ليس بالقوي . و قال الجوزقاني في " كتاب الأباطيل "
: لا يعرف بعدالة و لا جرح " . و أما يزيد بن أبي حبيب فهو ثقة من رجال الشيخين
، و قد اختلف عليه في إسناده و متنه . و أما السند فرواه عنه المفضل و حيوة كما
ذكرنا . و تابعهما ابن لهيعة و عمرو ابن الحارث و الليث بن سعد عن يزيد بن أبي
حبيب به ، إلا أنهم قالوا : " أصبت " . و لم يذكروا : " السنة " . أخرجه
الطحاوي و بقية الأربعة . و خالفهم يحيى بن أيوب فقال : عن يزيد بن أبي حبيب عن
علي بن رباح به ، فلم يذكر في إسناده " عبد الله بن الحكم البلوي " ، و قال : "
أصبت السنة " . أخرجه الدارقطني ، و عنه الضياء المقدسي ( 241 ) . و أما المتن
، فقد تبين من التخريج السابق ، و خلاصته أن المفضل و حيوة و يحيى ابن أيوب
ثلاثتهم قالوا : " أصبت السنة " . و خالفهم ابن لهيعة و عمرو بن الحارث و الليث
بن سعد فقالوا : " أصبت " ، لم يقولوا : " السنة " . قلت : و لا شك أن الصواب
في إسناده إثبات البلوي فيه لاتفاق الثقات الخمسة عليه كما رأيت . و أما المتن
، فالصواب فيه إثبات لفظ " السنة " ، و ذلك لأمور : الأول : أن عدد النافين و
المثبتين ، و إن كان متساويا ، فالحكم للمثبتين للقاعدة المعروفة : " زيادة
الثقة المقبولة " . الثاني : أن هؤلاء المثبتين كلهم ثقات من رجال الشيخين ،
بخلاف الأولين ، ففيهم ابن لهيعة ، و ليس من رجالهما على الكلام المعروف فيه .
الثالث : أن هناك ثقة آخر أثبت هذه الزيادة و هو موسى بن علي بن رباح كما في
الرواية الأولى ، و لم يختلف عليه فيها ، فهي الراجحة يقينا ، حتى لو كان
الأرجح رواية الثقات عن يزيد بن أبي حبيب ، لأن مدارها على البلوي و قد عرفت
أنه مجهول لا يحتج به . و بهذه الجهالة أعله ابن حزم في " المحلى " ( 2 / 92 -
93 ) ، فخفي عليه الطريق الأولى فضعف الحديث من أصله فوهم ، و الظاهر أنه لم
يقف عليها ، فلا عجب منه ، و إنما العجب مما قاله الدارقطني في " العلل " ،
فإنه بعد أن ذكر هذه الرواية الصحيحة قال : " و تابعه مفضل بن فضالة و ابن
لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن الحكم البلوي عن علي بن رباح فقالا
فيه : " أصبت السنة " ، و خالفهم عمرو بن الحارث و يحيى بن أيوب و الليث بن سعد
، فقالوا فيه : " فقال عمر : أصبت " ، و لم يقولوا : " السنة " ، و هو المحفوظ
" <1> . قلت : و فيما قاله الدارقطني أخطاء تظهر لكل من تأمل تخريجنا السابق ،
و هاك بيانها ملخصا : الأول : ذكر ابن لهيعة مع مفضل في جملة من قال : " أصبت
السنة " ، و إنما هو ممن قال : " أصبت " فقط كما سبق . الثاني : ذكر يحيى بن
أيوب مع عمرو و الليث اللذين قالا : " أصبت " كما قال ابن لهيعة . و الصواب أن
يذكره بديل ابن لهيعة ، و يذكر هذا بديله هنا . الثالث : قوله : و هو المحفوظ .
و الصواب العكس كما تقدم تحقيقه . و لعل هذا الخطأ الثالث نشأ من الخطأين
الأولين ، و هما نشآ من تلخيصه لروايات المختلفين ، و من الملاحظ أنه لما جعل
ابن لهيعة مع المفضل وحده ، و جعل يحيى ابن أيوب مع عمرو و الليث ضعف ذلك
الجانب ، و قوى هذا الجانب ، زد على ذلك أنه نسي أن يجعل مع المفضل حيوة فازداد
جانبه ضعفا على ضعف ، كما ذهل أن يقرن معهما موسى بن علي ، و لولا ذلك لتبين له
الصواب إن شاء الله تعالى . و الخلاصة : أن الذين قالوا : " أصبت السنة " هم
أربعة : 1 - موسى بن علي بن رباح . 2 - المفضل بن فضالة . 3 - حيوة بن شريح .
4 - يحيى بن أيوب . ( و كلهم ثقات رجال الشيخين غير موسى بن علي ، فمن رجال
مسلم وحده ) . و الذين قالوا : " أصبت " فقط هم ثلاثة : 1 - عبد الله بن لهيعة
. 2 - و عمرو بن الحارث . 3 - و الليث بن سعد . ( و هم من رجال الشيخين غير ابن
لهيعة كما تقدم ) . و بهذا يتجلى لك الصواب بإذن الله تعالى ، فلا جرم أن صحح
الحديث من سبق ذكرهم ، و تبعهم شيخ الإسلام ابن تيمية ، فقال في " مجموع
الفتاوى " ( 21 / 178 ) : " و هو حديث صحيح " . و يمكن أن يلحق بهم البيهقي و
النووي و غيرهما ممن أورده و لم يضعفه ، بل ساقه معارضا به أحاديث التوقيت التي
استدل بها الجمهور ، فأجاب عنه البيهقي عقبه بقوله : " و قد روينا عن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه التوقيت ، فإما أن يكون رجع إليه حين جاءه الثبت عن النبي
صلى الله عليه وسلم في التوقيت ، و إما أن يكون قوله الذي يوافق السنة المشهورة
أولى " . و نقله النووي في " المجموع " ( 1 / 485 ) و ارتضاه . فلو أنهما وجدا
مجالا لتضعيفه لاستغنيا بذلك عن التوفيق بينه و بين أحاديث التوقيت بما ذكراه .
على أنه يمكن التوفيق بوجه آخر ، و هو أن يحمل حديث عمر على الضرورة و تعذر
خلعه بسبب الرفقة أو غيره ، و إليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى
في بحث طويل له في المسح على الخفين . و هل يشترط أن يكونا غير مخرقين ؟ فقال (
21 / 177 ) : " فأحاديث التوقيت فيها الأمر بالمسح يوما و ليلة ، و ثلاثة و
لياليهن ، و ليس فيها النهي عن الزيادة إلا بطريق المفهوم ، و المفهوم لا عموم
له ، فإذا كان يخلع بعد الوقت عند إمكان ذلك عمل بهذه الأحاديث ، و على هذا
يحمل حديث عقبة بن عامر لما خرج من دمشق إلى المدينة يبشر الناس بفتح دمشق ، و
مسح أسبوعا بلا خلع ، فقال له عمر : أصبت السنة . و هو حديث صحيح " . و عمل به
شيخ الإسلام في بعض أسفاره ، فقال ( 21 / 215 ) : " لما ذهبت على البريد ، و جد
بنا السير ، و قد انقضت مدة المسح فلم يمكن النزع و الوضوء إلا بالانقطاع عن
الرفقة ، أو حبسهم على وجه يتضررون بالوقوف ، فغلب على ظني عدم التوقيت عند
الحاجة كما قلنا في الجبيرة ، و نزلت حديث عمر و قوله لعقبة بن عامر : " أصبت
السنة " على هذا توفيقا بين الآثار ، ثم رأيته مصرحا به في " مغازي ابن عائذ "
أنه كان قد ذهب على البريد - كما ذهبت - لما فتحت دمشق ... فحمدت الله على
الموافقة ، ( قال ) : و هي مسألة نافعة جدا " . قلت : و لقد صدق رحمه الله ، و
هي من نوادر فقهه جزاه الله عنا خير الجزاء ، و قد نقل الشيخ علاء الدين
المرادي في كتابه " الإنصاف " ( 1 / 176 ) عن شيخ الإسلام أنه قال في "
الاختيارات " : " لا تتوقف مدة المسح في المسافر الذي يشق ( عليه ) اشتغاله
بالخلع و اللبس ، كالبريد المجهز في مصلحة المسلمين " . و أقره . و هو في "
الاختيارات " ( ص 15 ) المفردة .
-----------------------------------------------------------
[1] نقلته ملخصا من " الأحاديث المختارة " و من " نصب الراية " ( 1 / 180 ) .
ثم رأيته في " علل الدارقطني " ( 2 / 110 - 111 ) . اهـ .