هل الأمر بالأمر بالشيء أمر بالشيء
زهرة الفردوس



معنى هذه العبارة لو أن زيد قال لعمر : ( مر ابنك أن يشتري قلماً) ، هل يكون هذا أمراً بشراء القلم
من أمثلة ذلك في الفقه ( مروهم بالصلاة لسبع ) وفي مسألة طلاق ابن عمر لزوجته الحائض لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا عمر : ( مره أن يراجعها ) فهنا أمر النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا عمر أن يأمر ابنه بالمراجعة ، فهل المراجعة مأمور بها ؟؟؟

المسألة ذكر فيها العلماء ثلاثة أقوال
الأول : لا
الثاني : نعم
الثالث : التسوية
والقول مفصل فيها في البحر المحيط للزركشي الأمر / صيغة الأمر
وهذا النص : مسألة [ الأمر بالأمر بالشيء ] الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرا بذلك الشيء ما لم يدل عليه دليل ، وإلا لزم التخلف في مثل قوله صلى الله عليه وسلم : { مروهم بالصلاة لسبع } كذا قال القاضي والغزالي والآمدي وغيرهم ، وذلك لأن الأمر كما كان على ضربين : بوسط ، وبغير وسط جعلوا الأمر بوسط ليس أمرا حقيقيا ، ونقل العالمي عن بعضهم أنه أمر ، ونصره العبدري وابن الحاج في كلامهما على المستصفى " وقالا : هو أمر حقيقة لغة وشرعا بدليل { قول الأعرابي : آلله أمرك بهذا فقال : نعم } ففهم الأعرابي الجافي ، من أمر الله لنبيه أن يأمرهم بذلك أنه مأمور بذلك المأمور به ، وذلك بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم ، فبادر إلى الطاعة . قائلا : وأي فرق بين قوله للناس : افعلوا كذا ، وقوله لنبيه : مرهم أن يفعلوا ؟ . واحتج بعضهم أيضا بحديث ابن عمر فإنه قد جاء في رواية : { مره فليراجعها } وفي رواية : { فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها } ، ففي هاتين الروايتين الأمر له وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلو لم يكن قوله في الرواية الأولى : { مره فليراجعها } دالا على أنه مأمور من النبي صلى الله عليه وسلم لما كان مرويا في الروايتين الأخيرتين بالمعنى ; لأن المعنى يكون مختلفا حينئذ ، وكلام سليم الرازي في التقريب " يقتضي أنه يجب على الثاني الفعل جزما ، وإنما الخلاف في تسميته أمرا أم لا ، فإنه قال : إذا أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يأمر أمته بشيء فإن ذلك الشيء يجب فعله عليهم من حيث المعنى ، وهكذا إذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الواحد من أمته أن يأمر غيره بشيء كان دالا على وجوب الفعل عليه ، ويصير ذلك بمنزلة ورود الأمر ابتداء عليه . انتهى .

وجعل ابن الحاجب في المنتهى " موضع الخلاف نحو مر فلانا بكذا . أما لو قال : قل لفلان : افعل كذا ، فالأول آمر ، والثاني مبلغ قطعا ، ومثله قول بعض الفقهاء : الخلاف في أمر الاستصلاح نحو { مروهم بالصلاة لسبع } فأما ما أريد به التبليغ فلا خلاف أن الثالث مأمور بذلك الأمر ، ولهذا اتفق الأصحاب على أن من طلق زوجته في الحيض بغير عوض بعد الدخول استحب له أن يراجعها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر : { مره فليراجعها } فلو كان للخلاف في هذه الحالة مجال لجرى خلاف في الاستحباب . وفصل بعض المتأخرين فقال : إن قامت قرينة تقتضي أن المراد بالأمر الأول التبليغ كان ذلك أمرا للثاني ، وإلا فلا ، وهو حسن والحق : التفصيل : إن كان للأول بأمر الثالث فالأمر الثاني بالأمر الثالث وإلا فلا . ومعنى هذه المسألة أن الشارع إذا أمر مبلغا بشيء ، فهل هو أمر للمأمور الثاني بذلك كما لو توجه نحوه الأمر من غير واسطة ؟ والجمهور على أنه ليس كذلك ، ونقل فيه خلاف ، ولم يسم قائله . نعم الخلاف بين أصحابنا الفقهاء مشهور في أن الصبي مأمور بأمر الولي فقط أو مأمور بأمر الشارع ، ورجحوا الأول ، وذلك نظر إلى وضع اللفظ فقط ، وجنوح إلى أن الصبي خارج عن حكم الخطاب وهو مقتضى حد الحكم بأنه الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين ، والأحسن التفصيل المذكور ومثل جماعة منهم الغزالي هذه المسألة بقوله تعالى { خذ من أموالهم صدقة } الآية .

وقالوا : إن ذلك بمجرده لا يقتضي وجوب الإعطاء إلا من جهة وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم في الجملة وفيه نظر ; لأنه ليس أمرا إلا بطريق التضمن الذي اقتضاه وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم ، بل هذه الآية ترجع إلى أن ما لا يتم الشيء المأمور به ، وليس من فعل المكلفين هل يكون مأمورا به أم لا ؟ ولا تعلق لذلك بهذه المسألة .


وفي ارشاد الفحول للشوكاني تفصيل آخر هو كالتالي :
اختلفوا هل الأمر بالأمر بالشيء أو بذلك الشيء أم لا ؟ ؟ فذهب الجمهور إلى الثاني وذهب جماعة إلى الأول .

احتج الأولون : بأنه لو كان الأمر بالأمر بالشيء أمرا بذلك الشيء ، لكان قول القائل لسيد العبد : مر عبدك عبدك ببيع ثوبي ، تعديا على صاحب العبد بالتصرف في عبده بغير إذنه ، ولكان قول صاحب الثوب بعد ذلك للعبد : لا تبعه ، مناقضا لقوله للسيد : مر مر عبدك عبدك ببيع ثوبي ، لورود الأمر والنهي على فعل واحد .

وقال السبكي إن لزوم التعدي ممنوع ; لأن التعدي هو أمر عبد الغير بغير أمر سيده ، وهنا أمره بأمر سيده ، فإن أمره للعبد متوقف على أمر سيده ، وليس بشيء لأن النزاع في أن قوله : مر عبدك عبدك ، إلخ ، هل هو أمر للعبد ببيع الثوب أم لا ، لا في أن السيد إذا أمر عبده بموجب مر عبدك عبدك ، هل يتحقق عند ذلك أمر للعبد من قبل قبل القائل : مر عبدك يجعل السيد سفيرا ، أو وكيلا ، أم لا ؟ ؟

وأما استدلالهم بما ذكروه من المناقضة ، فقد أجيب عنه : بأنه المراد هنا منعه من البيع بعد طلبه منه ، وهو نسخ لطلبه منه .

واحتج الآخرون بأوامر الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يأمرنا ، فإنا مأمورون بتلك الأوامر ، وكذلك أمر الملك لوزيره بأن يأمر فلانا بكذا ، فإن الملك هو الآمر لذلك المأمور لا الوزير .

وأجيب : بأنه فهم ذلك في الصورتين من قرينة أن المأمور أولا هو رسول ومبلغ ومبلغ عن الله ، وأن الوزير هو مبلغ مبلغ عن الملك ، لا من لفظ الأمر المتعلق بالمأمور الأول ، ومحل النزاع هو هذا .

أما لو قال : قل لفلان افعل كذا ، فالأول آمر ، والثاني مبلغ بلا نزاع ، كذا نقل نقل عن السبكي وابن الحاجب .

واختار السعد التسوية بينهما ، والأول أولى أولى ، قال في المحصول فلو قال زيد لعمرو : كل ما أوجب عليك زيد ، فهو واجب عليك ، فالأمر بالأمر بالشيء أمر بذلك الشيء في هذه الصورة ، ولكنه بالحقيقة إنما جاء من قوله : كل ما أوجب عليك فلانا ، فهو واجب ، أما لو لم يقل ذلك ، كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم : مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع ، فإن ذلك لا يقتضي الوجوب على الصبي . انتهى . وهذا الحديث ثابت في السنن .

ومما يصلح مثالا لمحل النزاع ما ثبت في الصحيحين وغيرهما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم وسلم لعمر وقد طلق طلق ابنه ابنه عبد الله امرأته ، وهي حائض : مره مره فليراجعها .

وقيل : إنه ليس بما يصلح مثالا لهذه المسألة ; لأنه قد صرح فيه بالأمر من الشارع بالمراجعة ، حيث قال : فليراجعها ، بلام الأمر ، وإنما يكون مثالا لو قال : مره بأن يراجعها ، والظاهر أنه من باب قل لفلان افعل كذا ، وقد تقدم الخلاف فيه .