تحريم نسبة الصَّمَمِ والعمَى والبُعدِ إلى الله تبارك وتعالى

فواز بن علي بن عباس السليماني

قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186].

وفي القرآن الكريم والسنة المطهرة، ما يفوق المائة الدليل، فيها إثبات السمع والبصر لله تبارك وتعالى، من أصرحها قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهْوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11].

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: لَما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، أشرف الناس على وادٍ، فرفعوا أصواتهم بالتكبير: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا وهو معكم»؛ رواه البخاري برقم (3205) ومسلم (2704).

وفي لفظ لمسلم[1] عنه رضي الله عنه قال: كنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلٌ كلما علا ثنية، نادى لا إله إلا الله، والله أكبر، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم لا تنادون أصم ولا غائبًا، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلة أحدكم».

قال ابن فورك: في «مشكل الحديث وبيانه» (ص432): نفى ص الصمم وَالنَّقْص والعمى عن الله، وَأثبت له السّمع وَالْبصر، فَدلَّ ذلك على تَحْقِيق معنى وصفه بِالسَّمع وَالْبصر، قالت عائشة رضي الله عنها[2]: تبَارك الذِي وسع سَمعه كل شَيْء؛ اهـ.

فصلٌ: في معنى قوله تعالى: ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:6]، ونظائرها من الآيات: قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:6]؛ قال الحافظ ابن كثير: في «تفسيره» (7/398): يُخبر تعالى عن قدرته على الإنسان بأنه خالقه وعملَه، محيطٌ بجميع أموره، حتى إنه تعالى يعلم ما تُوسوس به نفوس بني آدم من الخير والشر.

وقد ثبت في «الصحيح»[3] عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله تجاوز لأمتي ما حدَّثت به أنفسها، ما لم تقل أو تعمل).

وقوله: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)؛ يعني: ملائكته تعالى أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه.

ومن تأوَّله على العلم، فإنما فرَّ لئلا يلزم حلول أو اتحاد، وهما منفيان بالإجماع - تعالى الله وتقدَّس - ولكن اللفظ لا يقتضيه، فإنه لم يقل: وأنا أقرب إليه من حبل الوريد، وإنما قال: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)؛ كما قال في المحتضر:﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ [الواقعة: 85]؛ يعني: ملائكته.

وكما قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، فالملائكة نزلت بالذكر ـ وهو القرآن ـ بإذن الله عز وجل.

وكذلك الملائكة أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه بإقدار الله لهم على ذلك؛ اهـ.
============================== ============
[1] برقم (2704).

[2] في قصة أوس بن الصامت، ومظاهرته من زوجته، خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها؛ رواها البخاري برقم (7217)، ومسلم (2387)، والله أعلم.

[3] «صحيح البخاري» برقم (5269)، و«صحيح مسلم» برقم (127)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.