شرح حديث أبي هريرة:
"لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه"
عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يَحِلُّ لامرأة أن تصومَ وزوجُها شاهدٌ إلا بإذنه، ولا تَأذَنَ في بيته إلا بإذنه))؛ متفق عليه، وهذا لفظ البخاري. قال سَماحة العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:قال المؤلِّف رحمه الله تعالى فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يَحِلُّ لامرأة أن تصومَ وزوجُها شاهدٌ إلا بإذنه، ولا تَأذَنَ في بيته إلا بإذنه)). هذا من حقوق الزوج على زوجتِه؛ أنه لا يحلُّ لها أن تصوم إلا بإذنه ما دام حاضرًا في البلد، أما إذا كان غائبًا، فلها أن تصوم ما شاءت، لكن إذا كان في البلد فلا تصوم.
وظاهر الحديث أنها لا تصوم فرضًا ولا نفلًا إلا بإذنه، أما النفل، فواضحٌ أنها لا تصوم إلا بإذنه؛ لأن حقَّ الزوج عليها واجبٌ، والنفل تطوُّع لا تأثم بتركه، وحق الزوج تأثم بتركه؛ وذلك أن الزوج ربما يحتاج إلى أن يستمتع بها، فإذا كانت صائمة وأراد الاستمتاع بها صار في نفسه حرَجٌ، وإلا فله أن يستمتع بها ويُجامِعَها وهي صائمة صومَ تطوُّعٍ إذا لم يأذَنْ فيه مِن قبلُ، ولو أفسَدَ صومها، ولا إثمَ عليه. لكن من المعلوم أنه سيكون في نفسه حرَجٌ؛ لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يَحِلُّ لامرأة أن تصومَ وزوجُها شاهدٌ إلا بإذنه)). أما صيام الفرض، فإن كان قد بقي من السَّنة مدةٌ أكثر مما يجب عليها، فلا يحلُّ لها أن تصوم إلا بإذن زوجها إذا كان شاهدًا، يعني مثلًا عليها عشرةُ أيام من رمضان، وهي الآن في رجب، وقالت: أريد أن أصوم القضاء، نقول: لا تصومي القضاء إلا بإذن الزوج؛ لأن معك سَعةً من الوقت، أما إذا كان بقي في شعبان عشرةُ أيام، فلها أن تصوم وإن لم يأذن؛ لأنه لا يحلُّ للإنسان الذي عليه قضاءٌ من رمضان أن يؤخِّره إلى رمضان الثاني، وحينئذٍ تكون فاعلة لشيء واجبٍ فرض في الدين، وهذا لا يُشترَط فيه إذنُ الزوج ولا غيره. فصوم المرأة فيه تفصيل: أما التطوع، فلا يجوز إلا بإذن الزوج، وأما الفرض، فإن كان الوقت متسعًا، فإنه لا يجوز إلا بإذن الزوج، وإن كان لا يسع إلا مقدار ما عليها من الصوم، فإنه لا يُشترَط إذنُ الزوج، هذا إذا كان حاضرًا، أما إذا كان غائبًا فلها أن تصوم. وهل مثل ذلك الصلاة؟ يَحتمِلُ أن تكون الصلاةُ مثل الصوم، وأنها لا تتطوَّعُ في الصلاة إلا بإذنه، ويحتمل ألا تكون مثل الصوم؛ لأن وقت الصلاة قصير بخلاف الصوم، الصومُ كل النهار، والصلاة ليست كذلك، الصلاة ركعتان إذا كانت تطوعًا، والفريضة معروف أنه لا يُشترَطُ إذنُه. والظاهر أن الصلاة ليست كالصوم، فلها أن تُصلِّيَ ولو كان زوجها حاضرًا، إلا أن يمنعها فيقول: أنا محتاج إلى استمتاع، لا تُصلِّي الضُّحى مثلًا، لا تَتهجَّدي الليلة. على أنه لا يجوز للزوج أن يَحرِمَ زوْجتَه الخيرَ، إلا إذا كان هناك حاجة بأنْ غلَبتْ عليه الشهوةُ، ولا يتمكن من الصبر، وإلا فعليه أن يكون عونًا لها على طاعة الله، وعلى فعل الخير؛ لأنه يكون مأجورًا بذلك، كما أنها مأجورة أيضًا على الخير. وأما إدخال أحدٍ بيتَه بغير إذنه، فظاهر، فلا يجوز أن تُدخِل أحدًا بيتَه إلا بإذنه، لكن الإذن في إدخال البيت نوعان:الإذن الأول: إذنُ العُرفِ: يعني جرى به العُرفُ؛ مثل دخول امرأة الجيران والقريبات، والصاحبات والزميلات، وما أشبه ذلك، هذا جرى العرفُ به، وأن الزوج يأذن به، فلها أن تُدخِل هؤلاء إلا إذا منَعَ وقال: لا تدخُل عليك فلانةُ، فهنا يجب المنع، ويجب ألا تدخل. والإذن الثاني: إذنٌ لفظي، بأن يقول لها: أَدخِلي مَن شئتِ ولا حرج عليك، إلا مَن رأيتِ منه مَضرَّةً فلا تُدخِليه، فيتقيَّد الأمر بإذنه. وفي هذا دليل على أن الزوج يتحكم في بيته أن يمنع حتى أمَّ الزوجة إذا شاء أن يمنعها، وحتى أختها وخالتها وعمَّتها، لكنه لا يَمنَعُها من هؤلاء إلا إذا كان هناك ضررٌ عليه وعلى بيته؛ لأن بعض النساء - والعياذ بالله - لا يكون فيها خير، تكون ضررًا على ابنتها وزوجها، تأتي إلى ابنتها وتحقنها من العداوة والبغضاء بينها وبين الزوج، حتى تَكرَهَ زوجَها، ومثلُ هذه الأم لا ينبغي أن تتصل بابنتها؛ لأنها تُفسِدها على زوجها، فهي كالسَّحَرة الذين يتعلَّمون ما يفرِّقون به بين المرء وزوجه. المصدر: «شرح رياض الصالحين» (3/ 145- 148)