وأستكبِرُ الأخبارَ قبل لقائه ... فلما التقينا صَغّرَ الخَبرَ الخُبرُ
ثم أنشده بعد ذلك:
كانت مُساءَلة الرّكبان تُخبِرني ... عن جعفر بن فلاح أحسن الخبرِ
ثم التقينا فلا والله ما سمعَت ... أُذني بأحسنَ ممّا قد رأى بَصَري
ثم أخذ يثني عليه، فلم ينطق الزمخشري حتى فرغ ابن الشجري من كلامه، فلما أتمَّ كلامه شكرَ الزمخشريُ الشريفَ وعظّمه، وتصاغر له، ثم قال: إن زيد الخيل دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بصُرَ بالنبي صلى الله عليه وسلم رفع صوته بالشهادتين، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا زيد الخيل، كل رجل وُصِفَ لي وجدتُه دون الصفة إلا أنت، فإنك فوق ما وصفت. وكذلك سيدنا الشريف، ثم دعا له وأثنى عليه. قال: فخرجنا من عنده ونحن نعجب كيف يستشهد الشريف بالشعر والزمخشري بالحديث وهو رجل أعجمي.
وكان يجلس يوم الجمعة بجامع المنصور مكان ثعلب ناحية الرباط يُقرأ عليه، وقال نقيب نقباء الأشراف طراد بن محمد الزينبي - نسبةً إلى زينب بنت سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس - وقد حضر عنده مع جماعة من الهاشميين والعلويين: يا شريفُ ما وُرِّخَ عن علويّ أنه كان له حلقة في جامع المنصور يدرّس فيها إلاّ لك.
ترك ابن الشجري مؤلفات قيّمة منها الأمالي، والحماسة ضاهى به حماسة أبي تمام، وديوان مختارات الشعراء، وكتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه، وشرح اللمع لابن جني وشرح التصريف الملوكي.
ويعد كتاب الأمالي أكبر تآليفه وأكثرُها فائدةً، أملاه في 84 مجلساً، وهو يشتمل على فوائد جمة من فنون الأدب، وختَمه بمجلسٍ قَصَرَه على شعر أبي الطيّب، تكلم عليه وذكر ما قاله الشُرّاح في شعره، وزاد مِن عندِه ما سَنَحَ له، وهو من الكتب المُتممِة، ولما فرغ منه حضر إليه أبو محمد عبد الله بن الخشاب وأراد سماعَه فما أجابه، فعاداه، وردّ عليه في مواضع من الكتاب ونسبه فيها إلى الخطأ، فوقف عليه الشريف أبو السعادات، ورد عليه في رده وبيّن وجوه غلطِهِ، وألّف في ذلك كتاباً سماه الانتصار، وهو على صِغَر حجمه مفيدٌ جداً، وسمِعه عليه الناس.
ولابن الشجري ديوان شعر، وإن كان شعره أقرب إلى شعر النحاة من حيث عذوبة الشعر وسلاسة المنطق، ومن شعره:
لاتمزحنَّ فإن مزحتَ فلا يكن ... مزحاً تضاف به إلى سوء الأدبْ
واحذر ممازحةً تعود عداوةً ... إن المزاح على مقدمة الغضب
وقال:
وتجنب الظلم الذي هلكت به ... أممٌ تودُّ لو أنها لم تَظلٌمٍِ
إياك والدنيا الدنية إنها ... دار إذا سالمتها لم تَسلَمِ
وله من مرثية:
كل حي إلى الفناء يؤول ... فتزود إن المقام قليلُ
نحن في دار غربة كل يوم ... يتقضى جيلٌ ويحدث جيل
وكأنا في ذاك ركبان ركب ... مزمعٌ رحلة وركب قَفول
والليالي في صرفها تتلقانا ... بنصح لو أنه مقبول
كيف أنجو من المنية والشيب ... بفَودي صارم مسلول
ولقد قطَّع القلوب وقد ... أذرى مصونَ الدموع رزءٌ جليل
باقياً فهو في العيون سُهاد ... دائم وهو للقلوب عليل
من يكن صبره جميلاً فما صبر ... ي عليه يا صاحبيَّ جميل
ليته باقياً وحزني عليه ... إن حزني من بعده لطويل
وعجيب أني أعزي محبيه ... وحظي من المصاب جزيل
وكان من شعراء زمانه الشاعر الظريف اللطيف أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد بن جَكينا، المتوفى سنة 528، فقال له مداعباً، مشيراً إلى تعارض قوله للشعر مع كونه من سلالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه ما ينبغي له الشعر:
يا سيّدي والذي يُعِيذُك من ... نَظمِ قريضٍ يَصدى به الفِكرُ
ما فيك من جَدِّك النبيّ سِوَى ... أَنَّكَ لا يَنبغي لك الشِّعر