الخلفاء بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
والخلفاء بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي -رضي الله عنهم-، وكنا -قبل ذلك- ذكرنا ترتيبهم في الفضل، وهنا نذكره في اعتقاد الخلافة لهم.
فإن قيل: لماذا أصبحت الخلافة مسألة اعتقادية، أليس هذا أمرًا سياسيًّا؟
فالجواب: بل هو أمر اعتقادي؛ لأن إجماع الصحابة حجة، والصحابة أجمعوا على تقديم أبي بكر، وأشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى خلافته، كما في الحديث عن محمد بن جُبَيْر بن مُطعِم عن أبيه قال: "أَتَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ. قَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ -كَأَنَّهَا تَقُولُ: الْمَوْتَ-. قَالَ:(إِنْ لَمْ تَجِدِينِي؛ فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم- لعائشة -رضي الله عنها- وهو في مرضه: (ادْعِي لِي أَبَا بَكْرٍ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ، وَيَقُولَ قَائِلٌ: أَنَا أَوْلَى. وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُون َ إِلاَّ أَبَا بَكْرٍ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ)(رواه البخاري)، وقال-صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَىَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ)(متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا لأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلاَّ وَقَدْ كَافَيْنَاهُ مَا خَلاَ أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَدًا يُكَافِئُهُ اللَّهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَا نَفَعَنِي مَالُ أَحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً؛ لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً، أَلاَ وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
فهذا الذي قدمه الصحابة بإجماعهم، كيف نطعن بعد ذلك في خلافته؟!
وكيف نقول: إن خلافته باطلة، وهي قد وقعت بالطريقة الشرعية الصحيحة، وبالبيعة الثابتة من أهل الحل والعقد، والإجماع انعقد منهم وفيهم علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-؟!
فالطعن في خلافة أبي بكر -رضي الله عنه- ضلال بيِّن، لا نزاع في ذلك، وكذا الطعن في خلافة عمر وعثمان وعليّ -رضي الله عنهم-، فمن يطعن في خلافة واحد منهم، فهو ضال؛ لإجماع الصحابة على ذلك، وإجماعهم حجة ملزمة، ومن طعن في خلافة واحد منهم؛ فهو أضل من حمار أهله، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.
وكان هناك -قديمًا بين أهل السنة- خلاف في تفضيل عليّ على عثمان -رضي الله عنهما-، أو عثمان على عليّ -رضي الله عنهما-، وانقرض هذا الخلاف، وأصبح الاتفاق على تقديم عثمان في الفضل كما يقدم في الخلافة، ولا نزاع في تقديمه في الخلافة؛ لأن أهل الشورى اتفقوا على تقديم عثمان، وكانت كلمة الأمة كلها تبعًا لأهل الشورى، ففوضوا أمرهم لعبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- الذي بايع عثمان -رضي الله عنه- بالخلافة، لذلك لا نزاع في تقديم عثمان في الخلافة، وإنما كان النزاع في الفضل. أما من قدَّم عليًا على أبي بكر أو عمر في الفضل أو في الخلافة؛ فهو ضال.

فالخلاف الذي كان يسع أهل السنة، ولا يخرج صاحبه إلى البدعة كان في تقديم عليّ على عثمان في الفضل فقط، لا في الخلافة، أما المسألة التي يُبَدَّع فيها المخالف في التفضيل أو الخلافة، فهي مسألة تقديم عليّ على أبي بكر أو عمر، سواء في الخلافة أم في الفضل، وهو اعتقاد الشيعة الإمامية في الخلافة يقولون: أول الخلفاء بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- عليّ، ويقولون: إن خلافة أبي بكر وعمر وعثمان خلافة باطلة، وهم أضل الفرق، ويزيدون على ذلك سب أبي بكر وعمر، وقد تقدم أن هناك خلافـًا في تكفير من سب أبا بكر وعمر.