وعن عروة بن الزبير - رضي الله عنهما - قال: قلت لعبدالله بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد ما صنع المشركون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بفناء الكعبة، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط، فأخذ بمنكب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ﴿ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [غافر : 28][12].
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه – قال: لمَّا أقبلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكةَ إلى المدينة، فأتبعه سراقة بن مالك بن جعشم، قال: فدعا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فساخت فرسه، فقال: ادع الله لي ولا أضرك[13].
وفي رواية: فدعا الله فنجا، فرجع لا يلقى أحدًا إلا قال: قد كفيتكم ما ها هنا فلا يلقى أحدًا إلا ردَّه،قال: ووفى لنا[14].
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُحْرَس حتى نزلت هذه الآية: ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة : 67]، فأخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه من القبة، فقال لهم: يا أيها الناس انصرفوا؛ فقد عصمني الله.
وله شاهد من حديث أبي هريرة، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل منزلاً، نظروا أعظم شجرة يرونها فجعلوها للنبي - صلى الله عليه وسلم - فينزل تحتها وينزل أصحابه بعد ذلك في ظلِّ الشجر، فبينما هو نازل تحت شجرة - وقد علق السيف عليها - إذ جاء أعرابي فأخذ السيف من الشجرة، ثم دنا من النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو نائم فأيقظه، فقال: يا محمد من يمنعك مني الليلة؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الله))، فأنزل الله الآية، وإسناده حسن[15].
ولمَّا أُسْرِيَ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد الأقصى أصبح يحدِّث الناس بذلك، فارتد ناسٌ ممن كانوا آمنوا به وصدَّقوه وسعوا بذلك إلى أبي بكر - رضي الله عنه - فقالوا: هل لك إلى صاحبك؟ يزعم أنه أُسْري به الليلة إلى بيت المقدس، قال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن كان قال ذلك، لقد صدق، قالوا: أوَتصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم؛ إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة، فلذلك سُمِّي "أبو بكر الصديق"[16].
والصور كثيرة بالرغم من مرارتها، ولا مجال للتوسع في حصرها والعِبرة في الخواتيم، فهذا دين الله - عز وجل - وقد تكفل بنصر نبيِّه وحفظ رسالته، وقد قيض لهذه الرسالة من يحمل لواء نشرها، والدفاع عنها وعن سُنَّة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم.
فعن تميم الداري، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًّا يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر))[17].
نظرة المفكرين الغربيين إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -:
ترى كثير من الناس قد سلبت الحضارة الغربيَّة الماديَّة والمتهالكة لباب عقولهم وأفئدتهم، فما تمسكوا إلا بقشورها الزائفة والبراقة التي سحرت أبصارهم وأخذت عقولهم.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لتتبعنَّ سُنَّة مَن كان قبلكم باعًا بباع، وذراعًا بذراع، وشبرًا بشبر، حتى لو دخلوا في جحر ضبٍّ لدخلتم فيه، قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى، قال: فمن إذًا؟!))[18].
ولذلك يقول المفكِّر المسلم د. محمد إقبال:
أيها المسلم المخدوع بالغرب، استيقظ؛ إنك تجري سفينة في سراب، إنك تبحث عن الشمس بمصباح[19].
وهذه شهادات حيَّة من عقلاء تلك الحضارة الخاوية روحيًّا والباحثة عن طريق النجاة، والتي لن تجده إلا بدين أشرف الخلق محمد - صلى الله عليه وسلم.
♦ إن محمدًا رفع أعلام التمدُّن[20].
الفيلسوف الاقتصادي جون سيمون.
♦ لم يأت الإسلام للعرب فحسب، بل جاء للعالم أجمع، فهل سيظل المسلمون على هذا الجمود؟ أرجو أن يتبعوا طريق الرسول الكريم، فالعالم في فراغ لن تسدّه سوى تعاليم الإسلام، والفرصة متاحة ليتلقى الأوربيون الإسلام؛ فهم في حاجة إلى منقذ، ولا منقذ لهم سوى الإسلام[21].
المستشرقة الألمانية زيغريد هونكة.
♦ يا محمد أنا متأثر جدًّا إذ لم أكن معاصرًا لك، إن البشرية لم تر قدوة ممتازة مثلك مرة أخرى، إني أعظمك بكمال الاحترام[22].
بسمارك.
♦ لا أسلِّم أصلاً بكل نظرية يُفهم منها الريب بصدق محمد[23].
المستشرق الأسوجي كازانوفا.
♦ لم يكن محمد نبيًّا عاديًّا، بل استحق عن جدارة أن يكون خاتم الأنبياء؛ لأنه قَابَلَ كلَّ الصعاب التي قابلت كل الأنبياء الذين سبقوه مضاعفةً من بني قومه، نبيٌّ ليس عاديًّا، مَن يُقسم أنه: (لو سرقت فاطمة ابنته لقطع يدها)، ولو أن المسلمين اتخذوا رسولهم قدوة في نشر الدعوة، لأصبح العالم مسلمًا[24].
الباحث الفرنسي كليمات هوارت.
♦ أعتذر عن التصورات والأحكام التي كانت شائعة في الغرب حول نبيِّ الإسلام[25].
الكاتب البريطاني جان دوانبورت.
♦ لقد درست محمدًا باعتباره رجلاً مُدْهشًا، فرأيته بعيدًا عن مخاصمة المسيح، بل يجب أن يُدْعَى مُنقذ الإنسانيَّة، وأوربا في العصر الراهن بدأت تعشق عقيدة التوحيد، وربما ذهبت إلى أبعد من ذلك، فتعترف بقدرة هذه العقيدة على حلِّ مشكلاتها، فبهذه الروح يجب أن تفهموا نُبوءتي[26].
جورج برناردشو.
♦ بحثت في التاريخ عن مَثَلٍ أعلى لهذا الإنسان، فوجدته في النبي العربي محمد - صلى الله عليه وسلم[27].
شاعر الألمان غوته.
♦ اليهود لا يعترفون بالمسيح، والمسيحيون لا يعترفون بالنبي محمد، ولكن المسلمين يعترفون بموسى والمسيح[28].
الملاكم العالمي مايك تايسون.
♦ عندما وقفت في المساجد الرائعة في إسطنبول ودمشق والقدس والقاهرة وغيرها، أحسست بشعور قوي بمدى الدفعة التي يحققها الإسلام للبشر دون الاستعانة بالزخارف أو الصور أو التماثيل أو الموسيقا، فالمسجد عبارة عن مكان التأمُّل الهادئ، وإنكار الذات أمام الله الواحد[29].
الدانماركي علي بول.
♦ في اللحظة التي آمنت بها بوحدانية الله وبنبيِّه الكريم - صلوات الله عليه - بدأت نقطة تحولي نحو السلوك النموذجي المؤمن[30].
البروفيسور عبد الأحد داود (بنجامين كلداني).
الخاتمة
إن الله - عز وجل - بشَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمستقبل هذا الدين من النصر والتمكين والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين بإذن الله.
فعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله زوى لي الأرض، أو قال: إن ربي زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن مُلْكَ أُمَّتي سيبلغ ما زوي لي منها))[31].
ومع هذا يجب أن يكون لنا مواقف مع هؤلاء الذي يهاجمون ديننا، ولكن علينا ألا نتخلَّق بأخلاقهم وننحدر إلى مستواهم الوضيع، وإنما أن نتخلق بخلق النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك امتثالاً لأمره ونرد لا بالصراخ والعويل، وإنما كلٌّ حسب طاقته، ولو لم يملك سوى الدعاء والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
فجزى الله نبيَّنا خير ما جزى نبيًّا عن أمته، وعذرًا رسول الله على ما نحن فيه من تقصير ووهن، ونرجو الله أن يعيدَ أُمَّتنا إلى طريق الهداية.
[1] رواه الترمذي وحسَّنه، والعقيلي وغيرهما.
[2] د.عبد المعطي الدالاتي.
[3] رواه مسلم، انظر الحديث رقم (7280)؛ صحيح مسلم.
[4] تحقيق الألباني، حديث صحيح، انظر: الحديث رقم (37)؛ "صحيح الترغيب والترهيب".
[5] تحقيق الألباني، حديث صحيح، انظر: حديث رقم (1782) في "صحيح الجامع".
[6] تحقيق الألباني، حديث صحيح، انظر: الحديث رقم (307)؛ "سنن النسائي".
[7] تحقيق الألباني، حديث صحيح، انظر: الحديث رقم (3363)؛ "جامع الترمذي".
[8] رواه مسلم؛ انظر: الحديث رقم (7243) في "صحيح مسلم".
[9] حديث رقم (17509)؛ سنن البيهقي الكبرى"، وصححه الألباني في "صحيح السيرة النبوية".
[10] تحقيق الألباني : حديث حسن صحيح، انظر الحديث رقم 4512 سنن أبي داود .
[11] رواه البخاري، انظر: الحديث رقم (2756)؛ "صحيح البخاري".
[12] رواه البخاري، انظر: الحديث رقم (4537)؛ "صحيح البخاري".
[13] رواه مسلم، انظر: الحديث رقم (5357)؛ "صحيح مسلم".
[14] رواه مسلم، انظر: الحديث رقم (7706)؛ "صحيح مسلم".
[15] تحقيق الألباني، حديث صحيح، انظر: الحديث رقم (2489)؛ "السلسلة الصحيحة".
[16] تحقيق الألباني، حديث صحيح، انظر: الحديث رقم (306)؛ "السلسلة الصحيحة".
[17] تعليق شعيب الأرنؤوط، إسناده صحيح على شرط مسلم، انظر: الحديث رقم( 16998)؛ "مسند أحمد بن حنبل".
[18] تحقيق الألباني، حديث حسن صحيح، انظر: الحديث رقم (3994)؛ "سنن ابن ماجه".
[19] ربحت محمدًا ولم أخسر المسيح؛ للدكتور عبد المعطي الدالاتي، ص (141).
[20] نفس المصدر السابق، ص (131).
[21] نفس المصدر السابق، ص (104) .
[22] نفس المصدر السابق، ص (98).
[23] نفس المصدر السابق، ص (96).
[24] نفس المصدر السابق، ص (96).
[25] نفس المصدر السابق، ص (94).
[26] نفس المصدر السابق، ص (91).
[27] نفس المصدر السابق، ص (89).
[28] نفس المصدر السابق، ص (70).
[29] نفس المصدر السابق، ص (68).
[30] نفس المصدر السابق، ص (39).
[31] تحقيق الألباني، حديث صحيح، انظر: الحديث رقم (2176)؛ "جامع الترمذي".