الإلحاد وحقيقة الإيمان في قلب المؤمن

﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴾ [المائدة: 15]

أ. د. فؤاد محمد موسى


شاع في يوم 4 مايو 2024 خبر تأسيس مركز (تكوين الفكر العربي) على يد نخبة ممن يسمون أنفسهم المتنورين العرب.

وذكر موقع "اليوم السابع" أن انطلاق المنتدى يعتبر باكورة الأعمال الخاصة بالمؤسسة التي تهدف إلى تعزيز خطاب التسامح، وفتح آفاق الحوار وتشجيع المراجعات النقدية والتحفيز على طرح الأسئلة على المسلمات الفكرية، والأسباب التي تحول دون نجاح مشاريع النهضة والتنوير العربية.

وفور الإعلان عن المركز الإلحادي الجديد، حذر عدد من علماء العقيدة والشريعة في مصر، من مخاطر تدشين ما يسمى "مركز تكوين"، مؤكدين أنه يضم أشخاصًا يشككون في السنة والعقيدة، ويسعون إلى نشر الإلحاد.

وأكد علماء الأزهر أنه تم إنشاء منصات لهذا المركز على كل مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى عمل إعلانات ممولة بسخاء، عن فيديوهات تحمل عناوين:
هل الخمر حلال؟
هل السيرة النبوية صحيحة؟
كيف جُمعت السنة النبوية؟

وفي الحقيقة إنه أول مشروع علني مُنظم للتشكيك في ثوابت الإسلام، ويسعى لنشر الإلحاد والش****ة وإنكار السنة النبوية بين المسلمين، وذلك تحت دعاوى التنوير والتسامح والفكر الحر.

وهي محاولة لا تستهدف سوى التشكيك في أصول الدين وتشويه الإسلام، الذي تصفه تلك الثلة من المفكرين والكوادر الثقافية العلمانية بأنَّه سبب لتأخر الأمة، داعين لتجاوز كل الثوابت الدينية والأخلاقية وإطلاق الحرية المطلقة للعقل بلا قيود، ولا ضوابط من دين أو خلق.

وهذه المحاولة ليست الأولى ولا الأخيرة، فقد دأب اليهود دائمًا على التشكيك في الأحاديث النبوية، وتحريفها، وإنشاء الفرق التي شقت الصف المسلم وفرقت المسلمين شيعًا وأحزابًا، مستخدمة في ذلك ثلة من الأفراد الذين باعوا ضمائرهم وزاع صيتهم في الفضائيات والكتب وأصبح لهم صولات وجولات في العالم الإسلامي، وأطلقوا المسميات تبديلا وتحريفًا للمسميات التي سماها الله عز وجل للإسلام، وادعوا أنهم أعلم أهل الأرض بالسنة النبوية وأخذوا يبدلون ويحرفون الأحاديث، رغم وجود كتابي البخاري ومسلم وهما أصح كتب الأحاديث بإجماع أهل العلم، مما فتح الباب على مصراعيه لكل خبيث يريد أن ينال من الإسلام، فجاء مثل هذا التنظيم الإلحادي ليشكك في الإسلام.

وهكذا جاءت كلمات وعبارات هذا المؤتمر على يد أفراد لا يزيد عددهم عن أصابع اليد الواحدة، وهذا هو خطاب وأساليب وكلمات اليهود الخداعة والبراقة التي لا تنطلي على المسلم صادق الإيمان؛ هؤلاء اليهود الذين قال الله فيهم: ﴿ وَلَا تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَٰطِلِ وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 42].

ففي هذه الآية الكريمة بيان لحال بني إسرائيل، المخاطبين بهذا النهي، وتقبيحهم، لأنهم لم يفعلوا هذا عن جهالة، وإنما عن علم وإصرار على سلوك هذا الطريق المعوج؛ قال الله تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [الصف: 8].

أيها المسلم:
﴿ لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَد * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَاد ﴾ [آل عمران: 196-197].
﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [الصف: 8].

فالإيمان حقيقة يجدها المؤمن في قلبه وفي كيانه وفي حياته وفي رؤيته، فهي نور تشرق به كينونته فتشف وتخف وترف. ويشرق به كل شيء أمامه فيتضح ويتكشف ويستقيم، وليس أدق ولا أصدق ولا أدل على هذا المعنى من قول ربنا في كتابه الكريم: ﴿ قَدۡ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ ﴾ [المائدة: 15].

نور وكتاب مبين.. وصفان لشيء الواحد.. لهذا الذي جاء به الرسول الكريم؛ لذلك أعقب الله هذا التعبير الدقيق بما يزيده وضوحًا وجلاء للمؤمن بما تستقر به النفس وتطيب؛ قال تعالى: ﴿ يَهْدِى بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِۦ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ ﴾ [المائدة: 16].

لقد رضي الله لنا الإسلام دينا... وهو يهدي من يتبع رضوانه هذا ويرتضيه لنفسه كما رضيه الله له، يهديه سبل السلام.

وما أدق هذا التعبير وأصدقه؛ إنه " السلام"، وهو ما يسكبه هذا الدين في الحياة كلها.. سلام الفرد، وسلام الجماعة، وسلام العالم، وسلام الضمير، وسلام العقل، وسلام الجوارح، وسلام البيت والأسرة، وسلام المجتمع والأمة، وسلام البشر والإنسانية... السلام مع الحياة، والسلام مع الكون، والسلام مع الله رب الكون والحياة.

السلام الذي لا تجده البشرية - ولم تجده يوما - إلا في هذا الدين؛ وإلا في منهجه ونظامه وشريعته، ومجتمعه الذي يقوم على عقيدته وشريعته.

حقًّا إن الله يهدي بهذا الدين الذي رضيه، من يتبع رضوان الله، (سبل السلام) سبل السلام كلها في هذه الجوانب جميعها.