الضُعفاءَ .. الضعفاءَ !
لماذا يركز الإسلام على الضعفاء، ويجعل لهم مكانة خاصة؟ حتى إن الله -سبحانه- عاتب نبيه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وهو أحب البشر إليه عتابا لطيفا، عندما ركز على هداية رجل غني، وترك رجلا أعمى فقال - تعالى-: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى}.
وليس هذا فحسب بل إن الإسلام عزز مكانة الضعفاء؛ فأحاطهم بسياج من الرعاية والتأييد، وجعل لهم دورا مهما في المجتمع، وأثبت لهم فضلاً على الأقوياء والجنود الأشداء، قال - صلى الله عليه وسلم -: «ابغوني الضعفاء؛ فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم»، أي: بسَببِ كَونِهم بينَ أظْهُرِكم ورِعايتِكم لهم، وبَرَكةِ دُعائِهِم، وفي هذا الحَديثِ بيانُ فَضْلِ ضُعفاءِ المسلِمينَ. وأيضا التَّحْذيرُ مِنَ التَّكبُّرِ عليهم، والحثُّ على جَبْرِ خواطِرِهم، وعلى حُبِّهم.
وقد انتصرت الجنة يوم القيامة للضعفاء فقال - صلى الله عليه وسلم -: «تَحاجَّتِ الجَنَّةُ والنَّارُ؛ فَقالتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بالمُتَكَبِّرِي نَ والمُتَجَبِّرِي نَ، وقالتِ الجَنَّةُ: ما لي لا يَدْخُلُنِي إلَّا ضُعَفاءُ النَّاسِ وسَقَطُهُمْ؟» أي من سقطوا مِن أَعيُنِ النَّاسِ لفقرِهم وضَعفِهم. وفي حديث آخر يبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أهل الجنة هم «الضُّعفاءُ المَغلوبونَ»، وهم «الضعفاءُ المظلومونَ».
وكان - صلى الله عليه وسلم - يتفقد الضعفاء الذين لا يذكرهم أحد؛ ففي إحدى الغزوات سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتلى المسلمين فأخبره الصحابة عنهم، ولكن كرر عليهم السؤال: «هلْ تَفْقِدُونَ مِن أَحَدٍ؟ قالوا: لَا، قالَ: لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا؛ فَاطْلُبُوهُ، فَطُلِبَ في القَتْلَى، فَوَجَدُوهُ إلى جَنْبِ سَبْعَةٍ قدْ قَتَلَهُمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ، فأتَى النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- فَوَقَفَ عليه، فَقالَ: قَتَلَ سَبْعَةً، ثُمَّ قَتَلُوهُ، هذا مِنِّي وأنا منه، هذا مِنِّي وأنا منه، قالَ: فَوَضَعَه علَى ساعِدَيْهِ ليسَ له إلَّا سَاعِدَا النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-، قالَ: فَحُفِرَ له وَوُضِعَ في قَبْرِهِ»..انظر حنو النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه بأن جعل ساعديه الشريفين وسادة لهذا الصحابي المجهول!
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتفقد أهل الصّفة وهم فقراء الصحابة -رضي الله عنهم-، يقول أبو هريرة: « دَخَلْتُ مع رَسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَوَجَدَ لَبَنًا في قَدَحٍ، فَقالَ: أبَا هرّ، الحَقْ أهْلَ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ إلَيَّ قالَ: فأتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ، فأقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا ، فَأُذِنَ لهمْ فَدَخَلُوا». وقال - صلى الله عليه وسلم -: «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الوَلِيمَةِ، يُدْعَى لَهَا الأغْنِيَاءُ ويُتْرَكُ الفُقَرَاءُ».
وقد حذر الله -جل وعلا- من أكل حق الضعيف؛ فقال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث القدسي: «قالَ اللَّهُ: ثَلاثَةٌ أنا خَصْمُهُمْ يَومَ القِيامَةِ: رَجُلٌ أعْطَى بي ثُمَّ غَدَرَ، ورَجُلٌ باعَ حُرًّا فأكَلَ ثَمَنَهُ، ورَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أجِيرًا فاسْتَوْفَى منه ولم يُعطِه أجرَه». وقال - صلى الله عليه وسلم -: «السَّاعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل اللَّه، أو القائم الليل والصائم النهار».
وقد استمر الصحابة -رضي الله عنهم- على هذا النهج؛ فهذا أبو بكر - رضي الله عنه - يقول حين تولى الخلافة: «والضعيف منكم قوي عندي حتى أزيح عِلّته -إن شاء الله».
فالضعفاء في المجتمع المسلم أساس التنمية وعينها إلى العز والتمكين، وليسوا عالة كما يعتقد بعض الناس؛ فالمجتمعات القوية هي التي تبدأ بالاعتناء بالضعفاء وترفع من مكانتهم، فلا يغتني الغني فيها ولا يفتقر الفقير.
اعداد: سالم الناشي