تحديد المواقف

(الاستشراق بين منحيين.. النقد الجذري أو الإدانة)

أ. د. علي بن إبراهيم النملة


انطلق الموقف الاستشراقي والمستشرقون في البدء وهو يتحدَّد من خلال الانبهار العاطفي والإعجاب من قِبَل بعض مفكري العربية لعلماء يدرسون الإسلام دراسات علمية عميقة، ويحقِّقون تراثه، ويترجمون بعضه، ويبحثون في مسائله العقدية والفقهية، ويحافظون على تراثه المخطوط في المكتبات والمتاحف الأوروبية، ويحفظونه من عوامل التعرية، وهم لا ينتمون إلى هذا الدين ولا يؤمنون بهذه الثقافة، حتى وصل الانبهار بهذه الجهود المضنية إلى القول بأنَّ المستشرقين قد فهموا الإسلام أكثر من فهم أهله له. ويعدُّ هذا القول من الأقوال المتطرِّفة، التي صاحبت بروز حركة الاستشراق، ولعل القائل - لالتماس العذر له - يقصد أهلَه المعاصرين لهم في حينِه، وليس يقصد فَهْمَ المسلمين جميعهم منذ ظهور بعثة رسول الله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم.

ثم بدأت تتبيَّن لبعض مفكِّري العربية من بعض المستشرقين بعضُ الميول نحو خدمة أغراض احتلالية أو تنصيرية أو سياسية أو استخبارية، فبدأت مرحلة من تحديد الموقف، صاحبت التفات المسلمين إلى تراثهم والعناية به، ودار نقاش علمي وفكريٌّ حول نفع المستشرقين، فمن قائل: إنَّ نفعهم أكثر من ضررهم[1]، ومن قائل: إنَّ ضررهم أكثر من نفعهم[2]؛ وذلك في الإجابة على سؤال طرحتْه مجلة الهلال في عددها الثاني والأربعين (1352 هـ / 1933 م)[3].
=========================
[1] انظر: زكي مبارك: نفعهم أكثر من ضررهم، الهلال، مج 42، ع 2 (8 / 1352هـ - 12 / 1933م)، (ص: 325 - 328).

[2] انظر: حسين الهرواي: ضررهم أكثر من نفعهم، الهلال، مج 42، ع 2 (8 / 1352هـ - 12 / 1933 م)، (ص: 324).

[3] انظر: محمد عوني عبدالرؤوف: جهود المستشرقين في التراث العربي بين التحقيق والترجمة، مرجع سابق، (ص: 18).