لمحة عن جهود النساء في التأليف إلى حدود القرن العاشر الهجري.


ذة. وفاء رويجل

اختلف الدارسون في مدى انتشار الكتابة في العصر الجاهلي، والناظر فيما وصلنا من أخبار يجد أن المعول عليه قبل مجيء الإسلام حفظ الصدر، دون أن ينفي هذا وجود عدد من الكتبة.
ولقد كانت لبعض النساء دراية بالكتابة في الجاهلية القريبة من الإسلام فمنهن الشفاء بنت عبد الله؛ جاء في مسند الإمام أحمد عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن سليمان بن أبي حثمة، عن الشفاء بنت عبد الله، قالت: دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة فقال لي: " *ألا *تعلمين *هذه *رقية النملة، كما علمتها الكتابة؟ "[1] قال البلاذُري معلقا " *وكانت *الشفاء *كاتبة *في الجاهلية "[2].


ولما جاء الإسلام، وكانت معجزته كتابا، وكان من تعاليمه الحض على القراءة والكتابة، عرف التدوين بمفهومه العام تطورا واضحا، وكان أن زاد عدد الكاتبات، فممن ذكرن بذلك فاطمة بنت الخطاب وأم سلمة وعائشة وحفصة رضي الله عنهن...[3].

على أن الكتابة من فجر الإسلام إلى القرن الثاني الهجري، لم تكن بقصد التصنيف والتأليف وإنما هي في عمومها من ضرب التقييد الشخصي للعلم خيفة ضياعه وهو ما لم ينقطع قط، ومارسته النساء في مختلف المراحل التاريخية.

أما في القرن الثاني الهجري فقد شرع في التصنيف والتأليف العلمي الذي يتميز بالترتيب والتبويب والتنسيق، كما يتميز بإنتاج المعرفة، يقول الذهبي في الخبر عن **أحداث سنة ثلاث وأربعين ومائة،" وفي هذا العصر *شرع *علماء *الإسلام *في *تدوين *الحديث *والفقه والتفسير، فصنف ابن جريج التصانيف بمكة، وصنف سعيد بن أبي عروبة، وحماد بن سلمة وغيرهما بالبصرة...ثم بعد يسير صنف هشيم كتبه، وصنف الليث بمصر ... وكثر تدوين العلم وتبويبه، ودونت كتب العربية واللغة والتاريخ وأيام الناس. وقبل هذا العصر كان سائر الأئمة يتكلمون عن حفظهم أو يروون العلم من صحف صحيحة غير مرتبة"[4].

ولقد كانت للنساء جهود في التأليف، بلغنا الخبر عن بعضها، فمن نماذج ذلك:
في المشيخات:
مشيخة *عَجِيْبَة *بنتُ *الحافظ *محمد *بن *أبي *غَالِبٍ *البَاقِدَارِيّ (647ه):
ذكر ابن العماد أنها في " *في *عشرة *أجزاء "[5].
مشيخة كريمة بنت عبد الوهاب أم الفضل القرشية الأسدية الدمشقية (641ه):
قال الذهبي: " *خرج *لها *زكي *الدين *البرزالي (مشيخة) في ثمانية أجزاء سمعناها"[6].
وقال علم الدين البرزالي في الكلام عن سنة 689ه، "وفي هذا التاريخ *وصل *والدي *إلى *دمشق *من *الديار *المصرية، *وكان *قد *توجّه *إليها *في *شهادة *سلطانية ...وكانت مدّة غيبة والدي عن دمشق مدّة غيبتي، كنت أنا بالحجاز وهو بالديار المصرية، وحدّث هناك بمشيخة كريمة"[7].
وقال ابن العماد في خبر سنة أربع وتسعين وسبعائة: " وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الحميد بن محمد بن عبد الرحمن بن بركات اللّخمي، الملقّب بالقاضي ابن الشّيرازي ، ولد في جمادى الأولى سنة سبعمائة، وسمع من جدّته ست الفخر ابنة عبد الرحمن بن أبي نصر «*مشيخة *كريمة» بسماعها منها، وتفرّد بذلك" .
وجاء في إثراء الفوائد للعلائي: " ***مشيخة *أم *الفضل كريمة بنت عبد الوهاب بن علي بن الخضر بن عبد الله القرشية الزبيرية الدمشقية، وهي في ثمانية أجزاء، تخريج الحافظ أبي عبد الله البرزالي، وكانت وفاة كريمة هذه في جماد الآخرة سنة إحدى وأربعين وست مائة، ومولدها تقريبا في حدود سنة أربعين وخمس مائة أو بعدها بيسير أخبرني بالمشيخة المذكورة جميعها أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن الشيرازي، وبالأجزاء الأربع الأول منها ابنة عمه، ست القضاة بنت يحيى بن أحمد، بقراءتي على كل منهما...."[8] .
وعليه؛ فإن هذه المشيخة كانت ذائعة الصيت، معروفة بين أهل العلم إلى حدود القرن الثامن الهجري.
كتب الأجزاء:
جزء *بيبى *بنت عبد الصمد بن علي الهرثمية( 477ه):
روت بيبي هذا الجزء الذي بلغت أحاديثه تسعة عشر ومائة حديث، عن ابن أبي شريح (392ه)، قال ابن حجر: "وهو من أعلى الأجزاء".
حقق جزء بيبي عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، وطبعته دار الخلفاء للكتاب الإسلامي بالكويت، وذلك سنة 1986.
مسند أمة الله مريم بنت عبد الرحمن الحنبلية (758ه) جزء من 24 رواية:
حقق هذا الجزء مجدي السيد إبراهيم، وطبع سنة 1989م، بمكتبة القرآن بمصر .
التصوف:
"كتاب الرموز من الكنوز" لخاتون بنت محمد بن على بن عبد الله الحطيني الأصبهاني.
"ذكرها المحب الطبري فى «المشيخة» التى خرجها للمظفر صاحب اليمن، وذكر أنها ممن جمعت الصلاح التام، والدين المتين، والعلم والعمل به، ولها طرق حسنة فى الوعظ، وتواليف حسنة، ككتابها الموسوم «بالرموز من الكنوز» يقارب خمس مجلدات، وغير ذلك."
علم التاريخ:
كتاب في تاريخ بني الطبري لأم الهدى عائشة ابنة الخطيب الطبري.

النحو واللغة:
مصنفات بنت الكنيري.

جاء في معجم الأدباء" حدث أبو نصر قال: ومن طريف ما شاهدته أنه كان في الجانب الشرقيّ بمدينة السلام امرأة تعرف ببنت *الكنيري، وكانت نهاية في الفضل ولها أخ غاية في الجهل، وكانت حسنة المعرفة بالنحو واللغة ولها تصانيف فيهما تعرف بها".
وأما المكثرات من التأليف فلعل أبرزهن عائشة الباعونية (922ه) الأديبة الفقيهة العالمة.
ولقد أحصى عبد الله المخلص في مقاله عن الباعونية عددا من مؤلفاتها؛ فمن:
المطبوع: "البديعية وشرحها الفتح المبين في مدح الأمين".
ومن المخطوط: "فيض الفضل".
و من المفقود: "الفتح الحقي من منح التلقي" و "الملامح الشريفة في الآثار اللطيفة".

==============================

[1] مسند الإمام أحمد، مسند النساء، **حديث الشفاء بنت عبد الله، رقم الحديث: 27095.

[2] فتوح البلدان، ص: 454.

[3] ينظر: دلائل التوثيق المبكر للسنة

[4] تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام (3/776)

[5] شذرات الذهب في أخبار من ذهب (7/412).

[6]سير أعلام النبلاء (23/93)

[7] المقتفي على كتاب الروضتين (2/186).

[8] إثارة الفوائد المجموعة في الإشارة إلى الفرائد المسموعة (2/666).