الدعاةُ بين الفضل والبَغْيِ

محمد حلمي حمد

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فإن من أحوج الناس إلى دوام معالجة النية ومجاهدة النفس، هم أصحابَ المناصب والجاه والسلطان، ولا نتردد في إلصاق الدُّعاة وطَلَبَةِ العلم والعلماء إلى هذه الديمومة وضرورتها، وقد ذُكِرَ عن بعض العلماء أنه كان يعالج نيته سنواتٍ طويلة حتى استقامت.

والمقصود هنا سلامة النفس والقلب من بعض أمراض القلوب، وأشدُّها العُجب والرياء، ثم الغل والحسد، ويقابل هذا الصدقُ والإخلاص.

وفضلُ العلم وأهله كثيرٌ في كلام العلماء؛ قال بدر الدين بن جماعة في فضل أهل العلم تعليقًا على قوله تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة ُ وَأُولُو الْعِلْمِ ﴾ [آل عمران: 18]: بدأ سبحانه بنفسه، وثنَّى بملائكته، وثلَّث بأهل العلم، وكفاهم ذلك شرفًا وفضلًا، وجلالةً ونبلًا؛ [انتهى].

والشرف هو العلوُّ والمكان العالي، والفضل ضد النقص والنقيصة، وجَلَّ فلان أي عَظُم قدره، والــنُّبـــل الفضلُ.

وذلك أن الدعاة وطَلَبَةَ العلم إذا قرؤوا ثناء العلماء على أهل العلم، ومروا على نصوص الكتاب والسنة في فضلهم، مالوا عن الغرض من هذا الذكر، ولربما أخذت نفوسهم شيئًا من تلك الوساوس التي تعرض للقلب، فينسى أولئك القوم الطيبون أنهم بشرٌ محاسَبون، وأنهم تعتليهم النقائص كغيرهم، ولربما ظنوا أنهم ليسوا تحت طاولة المحاسبة، وأنهم ليسوا ممن يُوعَظ أو يُنصَح له.

وهذا من أعظم أسباب الفُرقة التي نهانا الله عنها، والتي ذمَّ بها أهلَ الكتاب السابقين، الذين أصابهم التفرُّق بغيًا من بعدما جاءهم العلم.

والحقُّ أنه ما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه، وما آمن إلا مَن أحبَّ لغيره ما أحب لنفسه، وأن العلم بالخشية، ومن تكبَّر صرف عن الخير وعن آيات الله، وأن حسن الخُلُق من أثقل الأعمال وزنًا يوم الدين.

قال الشافعي رحمه الله تعالى - وهو الإمام الذي يُقتدى به - راجيًا ربه:


ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي
جعلت الرجا مني لعفوِك سُلَّما










هدانا الله صراطه المــستقيم وثبَّتنا جميعًا، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.