تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: من محاسن الإسلام

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي من محاسن الإسلام

    من محاسن الإسلام

    عبد الله بن جار الله الجار الله


    لا شكَّ أنَّ الدين الإسلامي دينٌ سماوي، لم يكن لأمَّة من الأمم مثلُه، ولا نزل على نبي من الأنبياء نظيرُه، إذ هو دين عام، مبين لأحوال المجتمع الإسلامي، بل البشرية عامَّة، وبه كمُل النظام، فهو جامع شامِل للمصالح الاجتماعية والأخلاقية، فإنَّه بيَّن الأحوال الشخصية التي بين العبد وبين ربِّه، من صلاة وزكاة، وصوْم وحجّ، وشَرَع نظافة البدن فأمر بغُسْل الجنابة والجُمُعة والعِيدين، أو بعضًا كالوضوء عندَ كل فريضة من الفرائض الخمس.

    وشرع أمورَ الفِطرة مِن خِتان، وقصِّ شارب، وتقليم أظفار، ونتْف إِبْط، والسِّواك، وحَلْق العَانَة، كما أرشدَنا الإسلام إلى تجميل الثياب، وأن تكون على أحسن هيئة وأكملها، كما سَنَّ ذلك في الجمعة والعيدين، وهذَّب الأخلاق، فأمر بالصدق في المعاملات، والوفاء بالعقود والعهود والمواعيد، وأوجب ترْكَ الذنوب من زِنًا وخمر، وغِيبة وقذف وسعاية، وشهادة زور، وانحراف في الأحكام، وتحريف لِمَا أباح الله، وحرَّم تغيير الأحكام عن وجهها، وما أريد بها، إلى غير ذلك.

    وبالجملة، فإنَّ الدين الإسلامي جامع روابط الأمَّة الإسلامية، بل هو حياتها تدوم بدوامه، وتنعدم إذا انعدَم، وهو مفخرةٌ من مفاخرها العظيمة، ومِن خصائصها، حيث لم يكن لأمَّة من الأمم قبلنا مثله، فلو أنَّ المسلمين تمسَّكوا بأحكام الإسلام وتعاليم دينهم، كما كان آباؤهم الأماجد، لكانوا أرْقَى الأمم، وأسعدَ الناس، ولكن لَمَّا انحرفوا، وحرَّفوا تعاليم دِينهم تنكَّبوا عن الصِّراط المستقيم، وقد جعل الإسلامُ للفقراء حظًّا في مال الأغنياء بالزكوات والكفَّارات؛ لطفًا بهم، وإحسانًا إليهم، ورحمةً بالأغنياء، وتكرمةً لهم، وتحصينًا لأموالهم.

    وشَرَع الإسلام الحجَّ؛ ليشهدوا منافع لهم، فتتوافد إليه سائرُ الأمم الإسلامية؛ ليحصلَ اجتماعٌ عام لسائر الأمم التي تَدين به؛ لينتفعَ بعضُهم من بعض مِن علومهم وأحوالهم، ويحصل بذلك التعارفُ والتعاون والتآخي، ولِمَا في ذلك من إعانة أهل الحرمَين الشريفين ليكونَا مركزين عظيمين للإسلام، وهذا بعضٌ مِن مقاصد الحجّ.

    كما قد شَرَع الإسلام اجتماعاتٍ أخرى أصغرَ وأيسرَ في الجُمع والأعياد، وبيَّن أحكام المعاملات مِن بَيْع ورِبًا، ورهْن وقرْض، وإجارة وشركات، ووكالات وحوالة وعارية، وغيرها من المعاملات المالية التي تقتضيها القاعدةُ التي عليها مبْنَى علم الاجتماع البشري.

    وبيَّن الإسلام كيف تُقام البيوتات، وتؤسَّس العائلات، فندَب إلى الزواج، وحثَّ عليه ورغَّب فيه، وبيَّن العقود التي تعتبر زواجًا، ووضَّح شرطها من رِضًا، ووليّ، وشهود، وغيرها، وما خالف ذلك فهو سِفاح، أو قريبٌ منه.

    وأمَر بسَدْلِ الحِجاب للنساء؛ صيانةً للنسْل، وإبعادًا للمَظِنَّة، وراحةً لكل ضمير.

    وبيَّن أحكام الجنايات كالقِصاص في النفس والطَّرَف، وما يُشترط لذلك.

    كما بيَّن ما يلزم لحِفظ المجتمع العام مِن نَصْب إمام، وشروط استحقاقه للإمامة، وما يجب له مِن طاعة، وما يجب عليه من المشورة، والعمل بالشريعة، وإقامة العدْل بين أصناف الرعية، ثم إنَّ الإسلام قسَّم السلطة، فجعلها خططًا، منها القضاء فحدَّد للقاضي خطتَه من فصْل الخصومات، والنظر في أموال غيرِ المرشد، والحَجْر على مَن يستوجبه، إلى غير ذلك، وبيَّن خطة الشاهد، وكيفية تحمل الشهادة وأدائها، وممَّن تُقبل، وعلى مَن تُردّ، وأمر بإثباتها وعدم كِتمانها، كما بيَّن خطة المحتسِب، ثم بقية الخطط.

    وبيَّن حُكم مَن خرج عن طاعة الإمام، بأن يقاتلَ حتى يفيء إلى أمر الله.

    وبيَّن كيف تُعامل الأمم الأجنبية، فيما إذا وقع حرْب معها، وفي حالة مسالمتها.

    وأَمَر بتحسين الجِوار، وإقامة الحدود على مَن أخاف السبيل، وخالف ما أمرتْ به الشريعة، وبالجملة فقدِ استقصى هذا الدِّين الإسلامي العظيم جميعَ الشؤون الاجتماعية، وبيَّنها أحسن بيان، مما يعجز عن مثله عقلاءُ البشر، حتى دخل مع الرجل في بيته وحَكَم بينه وبين امرأته، وبيَّن ما له عليها من الحقوق، وما لها عليه مِن مثل ذلك، وبيَّن ما عسى أن يقع بينهما من خِلاف في المستقبل.

    كما حَكَم الإسلام بين الرجل وبين ولده، وبينه وبين نفسه، في حياته وبعدَ وفاته، كأوقافه ووصاياه، وما يصحُّ منها وما لا يصحُّ، وقسم مواريثه، وبيَّن أحكام تغسيله وتكفينه ودفنه - كل هذا لأجْل أن تنتظمَ الحياة انتظامًا كاملًا، ويعيش المسلِم عيشةً هنيئة منتظمة؛ ليتمكَّن معها لإعداد الزاد ليوم المعاد، والتأهُّب لِمَا بعد الموت، فالدِّين الإسلامي نظامٌ عام للمجتمع البشري الإسلامي، فإنَّه تامُّ الإحكام ثابتُ المباني، دين سماوي لم يَدَعْ شاذَّة ولا فاذَّة إلا بيَّنها أحسنَ بيان، ووضَّحها أتمَّ إيضاح، وما دخلت الأمم الكثيرة في الإسلام أفواجًا أفواجًا، واتَّسعتْ دائرة الإسلام، فانتشرتِ الأمة الإسلامية مادةً جَناحَها من نهر الفاتح في الهند شرقًا، إلى إفريقيا، ثم إلى أواسط أوربا في زمن قليلٍ إلاَّ باحترام الحقوق، والعمل بقواعد الإسلام، والتسوية بيْن طبقات المسلمين، مَلِكهم وصُعلوكهم، وصغيرهم وكبيرهم فيه على سواء.

    فالأمَّة الإسلامية لا حياةَ لها ولا استقامة بدون التمسُّكِ بدِينها، والعمل بأوامره ونواهيه، فهي دائمةٌ بدوام دينها، مضمحلة باضمحلاله، ساقطة إذا أهملتْ تعاليم دِينها القويم، كما قال بعضُ أعداء المسلمين، فقد كانتِ الأمم تقتبس من قواعده وأصوله، وتختاره على كثير من قوانينها الوضعية، فأنْصف الإسلامَ كثيرٌ من عقلائهم، واعترفوا بأنَّ مدنية أوربا الحديثة لم تكن إلاَّ بتعاليم الإسلام، والأخْذِ بقواعده ومبانيه، قال بعضُ حُكماء أوربا ممَّن أنصف بأنَّ نشأة مدنيتها الحديثة إنَّما كانت رشاشًا من نور الإسلام، فاض عليها من الأندلس، ومِن صفحات الكُتب التي أخذوها في حُروبهم مع المسلمين في الغَرْب والشرق.

    وفَّق الله المسلمين للتمسُّك بدِينهم، والله الموفِّق والهادي إلى سواء السبيل.

    وصلَّى الله على نبينا محمَّد، وعلى آله وأصحابه وسلم[1].


    [1] من رسالة "توجيهات إسلامية" لفضيلة الشيخ عبدالله بن محمد حميد - رحمه الله تعالى -: (ص 18 - 21).


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: من محاسن الإسلام

    من محاسن الإسلام(2)

    عبد الله بن جار الله الجار الله

    الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

    فإنَّ الدِّين الإسلامي كله محاسِن ومصالح، فهو دِين اليُسْر والسماحة والسُّهولة، دين العدالة والمساواة، دين الأُلْفة والمحبَّة والإخاء، دين العِلم والعمل، دين يَهدي للتي هي أقوم، دين الكمال والشمول، دين الوفاء والصِّدْق والأمانة، دين العِزَّة والقُوَّة والْمَنَعة.

    دين أساسُه التوحيد، ورُوحه الإخلاص، وشعارُه التسامح والإخاء.

    ومن محاسن الإسلام: ما شَرَعه من إقامة الحدود على المجرمين التي فيها زجْرُ الناس عن الجراءة على المعاصي التي نهى الله -تعالى- عنها، وبذلك حَفِظ الإسلام الدِّين والنَّفْس، والعقل والمال، والنَّسَب والعِرْض، وإليك التفصيل.

    1- حفظ الدين: ولذا حرَّم الإسلام الرِّدَّة، وهي الكفْر بعد الإسلام، بأن يتكلَّم بكلمة الكفر، أو يعتقدها، أو يشكَّ شكًّا يخرجه عن الإسلام، أو يُشركَ بالله في القوْل أو الاعتقاد أو العمل، كدعوة غير الله، أو الذبح لغيره، أو التوكُّل على غيره في جلْب نفْع أو دفع ضرٍّ، أو حصول نصرٍ، أو غير ذلك، ممَّا لا يقدِر عليه إلاَّ الله وحدَه، أو يستحلَّ ما حرَّم الله، أو يَحْكُم بغير ما أنزل الله، أو يترك الصلاة، ونحو ذلك من أنواع الرِّدَّة، وهي تُحبط الأعمال.

    ولحفظ الدِّين وَجَب قتْلُ المرتد عن الإسلام؛ لأنَّه يعتبر جرثومةً ضارَّة، وعضوًا مشلولًا في المجتمع؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن بدَّل دِينه فاقتلوه))؛ رواه البخاري وغيره، وذلك ليحفظ على الناس دِينهم، فيفوزوا بالسعادة الأبدَّية، وفي ذلك ردْع بالِغ عن تبديل الدِّين وإضاعته.

    2- حفظ النفوس: ولذا حرَّم الله القتْلَ وسفْك الدماء؛ أعني: دماء المسلمين وأهل الذِّمَّة المعاهدين، وتوعَّد على ذلك بأشدِّ وعيد؛ قال الله -تعالى-: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93]؛ لذا فالقتل كبيرةٌ من كبائر الذنوب، وهو أحدُ السبع المهلكات، قال صلى الله عليه وسلم: ((اجتنبوا السبعَ الموبِقات))[1] - وذكر منها - قتْل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق - وهي نفْس المسلم المعصوم، والحقُّ الذي يبيح قتلَها هو القِصاص (النفس بالنفس)، والزِّنا بعدَ الإحصان - الزواج - والكُفْر بعد الإسلام[2].

    وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا ترجعوا بعدي كفَّارًا يضرب بعضُكم رقابَ بعض))؛ متفق عليه، وقال: ((مَن قتل معاهدًا لم يرح رائحةَ الجنة))؛ رواه البخاري، فإذا كان هذا في قتْل المعاهد، وهو الذي أُعطي عهدًا من اليهود والنصارى، فكيف بقتْل المسلم؟!

    ولحفظ النفوس واحترامها: وجَبَ قتْل القاتل عمدًا؛ ليأمن الناس على أنفسهم، قال -تعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى ﴾ [البقرة: 178]، وقال -تعالى-: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 179]؛ أي: تُحْقن بذلك الدِّماء، وتنقمِع به الأشقياء؛ لأنَّ مَن عَرَف أنه مقتول إذا قَتل لا يكاد يُقدِم على القتْل، وإذا رؤي القاتل مقتولًا انذعر بذلك غيرُه وانزجر، فلو كانت العقوبة القاتل غيرَ القتل لم يحصل انكفافُ الشرِّ الذي يحصل بالقتل، ومن الأمثال العربية "القتل أنفى للقَتْل"، وهكذا سائر الحدود الشرعية فيها من النِّكاية والانزجار ما يدلُّ على حِكمة الحكيم الخبير بمصالح خَلْقه.

    3- حفظ العقول: ولذا حرَّم الله كلَّ مُسْكِر، وكلَّ مخدِّر ومفتِّر، كالخمر والحشيش، والأفيون والقات والدُّخَان، قال الله -تعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90]، والخمر ما خامر العقل؛ أي: غطَّاه بالإسْكار، سواء كان رطبًا أو يابسًا، أو مأكولًا أو مشروبًا، وهي أمُّ الخبائث، وجماع الإثم، ومِفتاح كلِّ شرٍّ، فمن لم يجتنبها، فقد عصَى الله ورسوله، واستحقَّ العذاب بمعصية الله ورسوله، وسُمِّيت أمَّ الخبائث؛ لأنَّ شاربها إذا سَكِر فعل كلَّ جريمة وهو لا يشعر، وحرَّم الله الخمر لِمَا اشتملتْ عليه من المفاسد وتحطيم الشخصية، وإطفاء جوهرة العقل، فالخمرُ تذهب المال، وتذهب العقل، ولو لم يكن فيها من المخازي إلا ذَهاب المال، ونقْص الدِّين، وتشويه السُّمعة، وسقوط العدالة، لكفى العاقلَ أن يجتنبها، فكيف وأنها أمُّ الخبائث والرذائل؟!

    ولحفظ العقْل: وجَبَ جلْد شارب الخمر ثمانين جلدة؛ ليرتدعَ الناس عن هذه الجريمة، فتبقَى عقولهم سليمة؛ ليعقلوا بها عن الله أمرَه ونهيه، فيفوزوا بالسعادة، ويَسْلَموا من الشقاوة.

    4- حفظ الإسلام المال: فحرَّم السرقة، وهي أخْذ مال الغَيْر المحترم خُفيةً بغير رضاه، وهي من كبائر الذنوب الموجِبة لترتُّب العقوبة الشنيعة، وهي قطْع اليد؛ حفظًا للأموال، واحتياطًا لها فيرتدع السُّرَّاق إذا علموا أنهم سيقطعون إذا سرقوا، فيأمن الناسُ على أموالهم، قال الله -تعالى-: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة: 38].

    5- حفظ الإسلام الأنساب: فحرَّم الله الزِّنا ووسائلَه، من النظر المحرَّم، والكلام المحرَّم، والسماع المحرَّم؛ لِمَا في الزِّنا من انتشار الأمراض، وانتهاك الأعراض، واختلاط الأنساب، فينسب الولد إلى غير أبيه، ويرث من غير أقاربه، فيحصل بذلك مِن الظُّلم والمفاسد ما الله به عليم ﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 32]، والنهي عن قُرْبانه أبلغ من مجرَّد النهي عنه؛ أي: لا تحوموا حوله، ولا تعملوا الوسائل الموصلة إليه[3].

    ولحفظ الأنساب: وَجَب جلْد الزاني البِكر مائة جلْدة، مع تغريبه عن بلده الذي واقع فيه الجريمةَ لمدة سَنَة، قال -تعالى-: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 2]؛ أي: لا ترحموهما في إقامة الحدِّ الذي شرَعه الله، وليحضُر الجلْد جماعةٌ من الناس؛ ليشتهرَ ولينزجر الناس، ويرتدعوا عن الزِّنا، كما يجب رجْم الزاني المحصن (المتزوِّج) بالحجارة حتى يموتَ بالآية المنسوخِ لفظُها، الباقي حُكمُها، وبالسنة الصحيحة، والجلد والرجم بعدَ ثبوت الزِّنا بأربعة شهداء، أو بإقراره على نفسه أربعَ مرَّات، أو بظهور الحَمْل من الزِّنا في المرأة.

    6- حفظ الإسلام الأعراض من الوقيعة فيها: ولذا حرَّم قذف الأبرياء بالزِّنا، وتوعَّد على ذلك بأشدِّ وعيد، قال الله -تعالى-: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النور: 23 - 24]، وقال -تعالى-: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 4 - 5] بيَّن الله -تعالى-: في هذه الآيات أنَّ مَن قذف امرأةً محصنة حُرَّة عفيفةً عن الزِّنا والفاحشة، أنَّه ملعون في الدنيا والآخرة، وله عذابٌ عظيم، وعليه الحدُّ في الدنيا ثمانون جلدة، وتسقط شهادته، وأنَّه فاسق ساقطُ العدالة، وفي الصحيحين: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبعَ الموبقات - وذكر منها - قذْف المحصنات الغافلات المؤمنات))، والقذف هو الرَّمْي بالزِّنا، بأنَّ يقول لامرأة مسلِمة حُرَّة عفيفة: يا زانية، أو قَحْبة، أو يقول لزوْجها: يا زوجَ القَحْبة، أو يقول لولدها: يا ولدَ الزانية، أو يا ابنَ القَحْبة، أو يقول لبنتها: يا بنتَ الزانية، أو يا بنت القَحْبة، فإنَّ القحبة عبارةٌ عن الزانية، فإذا قال ذلك أحدٌ مِن رجل، أو امرأة لرجل، أو لامرأة وَجَب عليه الحدُّ ثمانون جلْدة، إلاَّ أن يقيم على ذلك بيِّنة، والبيِّنة ما قال الله أربعةُ شهداء يشهدون على صِدْقه فيما قذف به تلك المرأة، أو ذلك الرجل، فإذا لم يُقِمْ بينة، جُلِد إذا طالبتْه بذلك التي قذفها، أو طالبه بذلك الذي قذَفَه، وكثيرٌ من الجهَّال واقعون في هذا الكلام الفاحش الذي عليهم فيه العقوبةُ في الدنيا والآخرة؛ ولذا قال صلى الله عليه وسلم: ((وهل يَكبُّ الناسَ في النار على وجوههم إلاَّ حصائدُ ألسنتهم))؛ رواه الترمذي: وقال حديث حسن صحيح[4].

    وبإقامة هذه الحدود المتقدِّمة يأمن الناس على دِينهم وأنفسهم، وعقولهم وأنسابهم، وأموالهم وأعراضهم، فيرتدع الناس عن هذه الجرائم، ويفوزوا بالسَّعادة في دِينهم ودُنياهم وآخرتهم، وهذا بخلاف القوانين الوضعية التي غيَّرت أحكامَ الله وحدوده، وبدَّلتْها بقوانينَ من وضْع البشر الناقصين من كل وجه، حيث جعلتْ جزاء المجرمين المعتدين على الناس بانتهاك حُرماتهم ودمائهم، وأموالهم وأعراضهم - السجنَ أو الغرامات المالية فقط، فكانتِ النتيجة انتشارَ الجرائم والفَوْضى، وانتهاك الحُرمات، والاعتداء على الأنفُس والأموال والأعراض، من غير مبالاة ولا حياء، ولا وازع ولا رادع، فصار الناسُ في تلك الدول المعطِّلة لحدود الله لا يأمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم، وقد قال الله -تعالى-: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44]، وقال -تعالى-: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50]، فما جاءتْ به الشريعة الإسلامية من الحدود وتنوُّعها بحسب الجرائم من محاسن الإسلام؛ لأنَّ الجرائم والتعدِّي على حقوق الله، وحقوق عباده من أعظمِ الظُّلم الذي يخلُّ بالنظام، ويختل به الدِّين والدنيا، فوضع الإسلامُ للجرائم حدودًا تردع عن مُواقعتها، وتخفِّف من وطأتها من القتْل والقطْع والجلْد، وأنواع التعزيرات، وكلها فيها من المنافع والمصالح الخاصة والعامة ما يعرف به العاقلُ حسنَ الشريعة، وبالله التوفيق.
    ============================== ======
    [1] متفق عليه.

    [2] قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيِّب الزاني، والنفْس بالنفْس، والتارك لدينه المفارِق للجماعة))؛ رواه البخاري ومسلم.

    [3] كالنظر المحرَّم، والكلام المحرَّم، والسماع المحرَّم.

    [4] انظر كتاب "الكبائر"؛ للذهبي (ص: 90).


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •