448 - " لا تزال هذه الأمة ، أو قال : أمتي بخير ما لم يتخذوا فى مساجدهم مذابح كمذابح النصارى " .
قال الالباني في السلسلة الضعيفة:
ضعيف .
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 1 / 107 / 1 ) : حدثنا وكيع قال حدثنا أبو إسرائيل عن موسى الجهني ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره .
قلت : وهذا سند ضعيف ، وله علتان :
الأولى : الإعضال ، فإن موسى الجهني وهو ابن عبد الله إنما يروي عن الصحابة بواسطة التابعين ، أمثال عبد الرحمن بن أبي ليلى ، والشعبي ، ومجاهد ، ونافع ، وغيرهم ، فهو من أتباع التابعين ، وفيهم أورده ابن حبان في " ثقاته " ( 7 / 449 ) ، وعليه فقول السيوطي في " إعلام الأريب بحدوث بدعة المحاريب " ( ص 30 ) إنه مرسل ، ليس دقيقا ، لأن المرسل في عرف المحدثين إنما هو قول التابعي :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا ليس كذلك .
الآخرى : ضعف أبي إسرائيل هذا ، واسمه إسماعيل بن خليفة العبسي ، قال الحافظ في " التقريب " : صدوق سيء الحفظ .
وهذا على ما وقع في نسختنا المخطوطة من " المصنف " ، ووقع فيما نقله السيوطي عنه في " الأعلام " : إسرائيل يعني إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، وهو ثقة ، وهو من طبقة أبي إسرائيل ، وكلاهما من شيوخ وكيع ، ولم أستطع البت بالأصح من النسختين ، وإن كان يغلب علي الظن الأول ، فإن نسختنا جيدة مقابلة بالأصل نسخت سنة ( 735 ) ، وبناء على ما وقع للسيوطي قال :
هذا مرسل صحيح الإسناد ، وقد عرفت أن الصواب أنه معضل ، وهذا إن سلم من أبي إسرائيل ، وما أظنه بسالم ، فقد ترجح عندي أن الحديث من روايته ، بعد أن رجعت إلى نسخة أخرى من " المصنف " ( 1 / 188 / 1 ) فوجدتها مطابقة للنسخة الأولى ، وعليه فالسند ضعيف مع إعضاله ثم رأيته كذلك في المطبوعة ( 2 / 59 ) .
فائدة : المذابح : هي المحاريب كما في " لسان العرب " وغيره ، وكما جاء مفسرا في حديث ابن عمر مرفوعا بلفظ : اتقوا هذه المذابح يعني المحاريب .
رواه البيهقي ( 2 / 439 ) وغيره بسند حسن ، وقال السيوطي في " رسالته " ( ص 21 ) حديث ثابت واستدل به على النهي عن اتخاذ المحاريب في المساجد ، وفيه نظر بينته في " الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب " ، خلاصته أن المراد به صدور المجالس ، كما جزم به المناوي في " الفيض " ، نعم جزم السيوطي في الرسالة السابقة ، أن المحراب في المسجد بدعة . وتبعه الشيخ علي القاري في " مرقاة المفاتيح " ( 1 / 473 ) وغيره ، فهذا أعني كونه بدعة يغني عن هذا الحديث المعضل ، وإن كان صريحا في النهي عنه ، فإننا لا نجيز لأنفسنا الاحتجاج بما لم يثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد روى البزار ( 1 / 210 / 416 - كشف الأستار ) عن ابن مسعود أنه كره الصلاة في المحراب وقال : إنما كانت للكنائس ، فلا تشبهو ا بأهل الكتاب يعني أنه كره الصلاة في الطاق .
قال الهيثمي ( 2 / 51 ) : ورجاله موثقون .
قلت : وفيما قاله نظر فقد أشار البزار إلى أنه تفرد به أبو حمزة عن إبراهيم واسم أبي حمزة ميمون القصاب وهو ضعيف اتفاقا ولم يوثقه أحد فإعلاله به أولى من إعلاله بشيخ البزار محمد بن مرداس بدعوى أنه مجهول ، فقد روى عنه جمع من الحفاظ منهم البخاري في " جزء القراءة " وقال ابن حبان في ثقاته ( 9 / 107 ) : مستقيم الحديث لكن يقويه ما رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح عن إبراهيم قال : قال عبد الله :
اتقوا هذه المحاريب . وكان إبراهيم لا يقوم فيها .
قلت : فهذا صحيح عن ابن مسعود ، فإن إبراهيم وهو ابن يزيد النخعي وإن كان لم يسمع من ابن مسعود ، فهو عنه مرسل في الظاهر ، إلا أنه قد صحح جماعة من الأئمة مراسيله ، وخص البيهقي ذلك بما أرسله عن ابن مسعود .
قلت : وهذا التخصيص هو الصواب لما روى الأعمش قال : قلت : لإبراهيم : أسند لي عن ابن مسعود ، فقال إبراهيم :
إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله ، فهو الذي سمعت ، وإذا قلت : قال عبد الله ، فهو عن غير واحد عن عبد الله.
علقه الحافظ هكذا في " التهذيب " ، ووصله الطحاوي ( 1 / 133 ) ، وابن سعد في " الطبقات " ( 6 / 272 ) ، وأبو زرعة في " تاريخ دمشق " ( 121 / 2 ) بسند صحيح عنه .
قلت : وهذا الأثر قد قال فيه إبراهيم : " قال عبد الله " ، فقد تلقاه عنه من طريق جماعة ، وهم من أصحاب ابن مسعود ، فالنفس تطمئن لحديثهم لأنهم جماعة ، وإن كانوا غير معروفين لغلبة الصدق على التابعين ، وخاصة أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه ، ثم روى ابن أبي شيبة عن سالم بن أبي الجعد قال :
" لا تتخذوا المذابح في المساجد " .
وإسناده صحيح .ثم روى بسند صحيح عن موسى بن عبيدة قال : رأيت مسجد أبي ذر ، فلم أر فيه طاقا ، وروى آثارا كثيرة عن السلف في كراهة المحراب في المسجد ، وفي ما نقلناه عنه كفاية .
وأما جزم الشيخ الكوثري في كلمته التي صدر بها رسالة السيوطي السالفة ( ص 17 ) : أن المحراب كان موجودا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو مع مخالفته لهذه الآثار التي يقطع من وقف عليها ببدعية المحراب ، فلا جرم جزم بذلك جماعة من النقاد ، كما سبق ، فإنما عمدته في ذلك حديث لا يصح ، ولا بد من الكلام عليه دفعا لتلبيسات الكوثري ، وهو من حديث وائل بن حجر ، وهو قوله :
449 - " حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نهض إلى المسجد ، فدخل المحراب [ يعني موضع المحراب ] ، ثم رفع يديه بالتكبير ، ثم وضع يمينه على يسراه على صدره " .
قال الالباني في السلسلة الضعيفة:
ضعيف .
أخرجه البيهقي ( 2 / 30 ) عن محمد بن حجر الحضرمي حدثنا سعيد بن عبد الجبار ابن وائل عن أبيه عن أمه عن وائل .
ومن هذا الوجه رواه البزار والزيادة له والطبراني في " الكبير " كما في " المجمع " ( 1 / 232 ، 2 / 134 - 135 ) وقال :
وفيه سعيد بن عبد الجبار ، قال النسائي : ليس بالقوي ، وذكره ابن حبان في " الثقات " ، ومحمد بن حجر ضعيف وقال في الموضع الآخر :
وفيه محمد بن حجر ، قال البخاري : فيه بعض النظر ، وقال الذهبي : له مناكير .
قلت : وبه أعله ابن التركماني في " الجوهر النقي " وزاد :
وأم عبد الجبار ، هي : أم يحيى ، لم أعرف حالها ، ولا اسمها ، فتبين من كلامهؤلاء العلماء أن هذا الإسناد فيه ثلاث علل :
1 - محمد بن حجر .
2 - سعيد بن عبد الجبار .
3 - أم عبد الجبار .
فمن تلبيسات الكوثري : أنه سكت عن العلتين الأوليين ، موهما للقاريء أنه ليس فيه ما يخدش إلا العلة الثالثة ، ومع ذلك فإنه أخذ يحاول دفعها بقوله :
وليس عدم ذكر أم عبد الجبار بضائره ، لأنها لا تشذ عن جمهرة الراويات اللاتي قال عنهن الذهبي : وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها .
قلت : وليس معنى كلام الذهبي هذا ، إلا أن حديث هؤلاء النسوة ضعيف ، ولكنه ضعف غير شديد ، فمحاولة الكوثري فاشلة ، لا سيما بعد أن كشفنا عن العلتين الأوليين .
ولذلك المقدم الآخر لرسالة السيوطي ، والمعلق عليها وهو الشيخ عبد الله محمد الصديق الغماري كان منصفا في نقده لهذا الحديث وإن كان متفقا مع الكوثري في استحسان المحاريب ، فقد أفصح عن ضعف الحديث فقال ( ص 20 ) وكأنه يرد على الكوثري ، وقد اطلع قطعا على كلامه :
والحق أن الحديث ضعيف بسبب جهالة أم عبد الجبار ، ولأن محمد بن حجر بن عبد الجبار له مناكير كما قال الذهبي ، وعلى فرض ثبوته يجب تأويله بحمل المحراب فيه على المصلي بفتح اللام للقطع بأنه لم يكن للمسجد النبوي محراب إذ ذاك كما جزم به المؤلف يعني السيوطي والحافظ والسيد السمهودي .
قلت : وما ذهب إليه من التأويل هو المراد من الحديث قطعا لوثبت بدليل زيادة البزار يعني موضع المحراب ، فإنه نص على أن المحراب لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم ولذلك تأوله الراوي بموضع المحراب ، ومن ذلك يتبين للقاريء المنصف سقوط تشبث الكوثري بالحديث سندا ومعنى ، فلا يفيده الشاهد الذي ذكره من رواية عبد المهيمن بن عباس عند الطبراني من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه وفيه .... " فلما بنى له محراب تقدم إليه ... " .
ذلك لأن هذا اللفظ " بنى له محراب " منكر تفرد به عبد المهيمن هذا ، وقد ضعفه غير واحد ، كما زعم الكوثري ، وحاله في الحقيقة شر من ذلك ، فقد قال فيه البخاري : منكر الحديث ، وقال النسائي : ليس بثقة .
فهو شديد الضعف ، لا يستشهد به كما تقرر في مصطلح الحديث ، هذا لوكان لفظ حديثه موافقا للفظ حديث وائل ، فكيف وهما مختلفان كما بينا ؟ !
وأما استحسان الكوثرى وغيره المحاريب ، بحجة أن فيها مصلحة محققة ، وهي الدلالة على القبلة ، فهي حجة واهية من وجوه :
أولا : أن أكثر المساجد فيها المنابر ، فهي تقوم بهذه المصلحه قطعا ، فلا حاجة حينئذ للمحاريب ، وينبغي أن يكون ذلك متفقا بين المختلفين في هذه المسألة لو أنصفوا ، ولم يحاولوا ابتكار الأعذار إبقاء لما عليه الجماهير وإرضاء لهم .
ثانيا : أن ما شرع للحاجة والمصلحة ، ينبغي أن يوقف عندما تقتضيه المصلحة ، ولا يزاد على ذلك ، فإذا كان الغرض من المحراب في المسجد ، هو الدلالة على القبلة ، فذلك يحصل بمحراب صغير يحفر فيه ، بينما نرى المحاريب في أكثر المساجد ضخمة واسعة يغرق الإمام فيها ، زد على ذلك أنها صارت موضعا للزينة والنقوش التي تلهى المصلين وتصرفهم عن الخشوع في الصلاة وجمع الفكر فيها ، وذلك منهي عنه قطعا .
ثالثا : أنه إذا ثبت أن المحاريب من عادة النصارى في كنائسهم ، فينبغي حينئذ صرف النظر عن المحراب بالكلية ، واستبداله بشيء آخر يتفق عليه ، مثل وضع عمود عند موقف الإمام ، فإن له أصلا في السنة ، فقد أخرج الطبراني في " الكبير " ( 1 / 89 / 2 ) و" الأوسط " ( 2 / 284 / 9296 ) من طريقين عن عبد الله بن موسى التيمي ، عن أسامة بن زيد ، عن معاذ بن عبد الله بن خبيب ، عن جابر بن أسامة الجهني قال :
" لقيت النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه في السوق ، فسألت أصحاب رسول الله أين يريد ؟ قالوا : يخط لقومك مسجدا ، فرجعت فإذا قوم قيام ، فقلت : ما لكم ؟ قالوا : خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجدا ، وغرز في القبلة خشبة أقامها فيها .
قلت : وهذا إسناد حسن أو قريب من الحسن رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال " التهذيب " ، لكن التيمي مختلف فيه وقد تحرف اسم أحدهم على الهيثمي فقال في " المجمع " ( 2 / 15 ) : رواه الطبراني في الأوسط والكبير ، وفيه معاوية بن عبد الله بن حبيب ، ولم أجد من ترجمه .
وإنما هو : معاذ لا معاوية وابن خبيب بضم المعجمة ، لا حبيب بفتح المهملة ، وعلى الصواب أورده الحافظ في " الإصابة " ( 1 / 220 ) من رواية البخاري في " تاريخه " ، وابن أبي عاصم ، والطبراني ، وقد خفيت هذه الحقيقة على المعلق على رسالة السيوطي ، وهو الشيخ عبد الله الغماري ، فنقل كلام الهيثمي في إعلال الحديث بمعاوية بن عبد الله وأقره ،وجملة القول : أن المحراب في المسجد بدعة ، ولا مبرر لجعله من المصالح المرسلة ، ما دام أن غيره مما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم مقامه مع البساطة ، وقلة الكلفة ، والبعد عن الزخرفة