" شبهات مجيزي الاحتفال بالمولد النبوي "
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه .
أما بعد . فقد سمعت كلاما لأحد مجيزي الاحتفال بالمولد النبوي من الذين لهم برنامج للفتوى في التلفزيون العراقي ( وليد الحسيني ) وقد ألقى شبهات حاول بها تبرير هذه البدعة المنكرة فأحببت أن أدحض شبهاته والله الموفق .

سوء الأدب مع المخالف
: فقد بدأ كلامه بالتهجم على من يخالفونه والانتقاص منهم ووصف إنكارهم للبدعة بالزوبعة ووصفهم معمما الحكم بالجهل وعدم العلم وهذا السلوك لا يمت للرد العلمي بصلة ولكن ( قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ) وسيعلم من هو الجاهل ! الذي لا يفرق بين البدعة والمصلحة المرسلة وبين البدعة والمباح وبين البدعة والحرام ! بل ويجهل أمورا دل الدليل على أنها من أمر النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم هل يعلم أن المانعين من بدعة الاحتفال بالمولد النبوي الذين وصفهم بالجهل وعدم العلم هم أئمة كبار وعلماء أجلاء كأمثال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728هـ ) والعلامة ابن الحاج المالكي (ت 737هـ ) ثم سار على طريقهم من بعدهم أئمة وعلماء أهل السنة إلى يومنا هذا ؟

الرد على شبهاته :

شبهة سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن الشيء حكم بإباحته :
قوله أن " ليس كل ما لم يفعله النبي ﷺ حرام وأن الحرام هو ما نهى عنه بعينه " ثم بدأ يتكلم عن أنواع الأحكام الشرعية ليظهر أنه يعلم !! فهو من التلبيس لأنه لم يصف المانعون للاحتفال بالمولد أنه حرام بل وصفوه بأنه بدعة وفرق بيّنٌ بينهما .
ومن جهله أيضا أن يعتبر ما لم يأمر به أو لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ما سكت عنه أنه مباح - هكذا مطلقا - فهو يخلط بين ما سكت عنه وهو من أمر الدنيا وهو المباح وبين ما سكت عنه وهو من أمر الدين وهو إن فعله المسلم وقع في البدعة .لقوله عليه الصلاة والسلام ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) متفق عليه
ولا توجد بدعة منهي عنها بعينها والسبب يعلمه كل ذي عقل وعلم لأن البدعة إنما هي أمر محدث سواء أكانت البدعة حقيقية أو إضافية ولا شك أن البدعة أشد من الحرام . ولو كان كل ما سكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم فهو مباح هكذا مطلقا لانفتح الباب لكل البدع فكلها سكت عنها ولم يذكرها بعينها ! والجهل بهذا الأصل هو من أهم أسباب وقوعهم في البدع .

بيان السنة التركية :

فما تركه النبي صلى الله عليه وسلم من أمر يتعلق بالدين مع قيام المقتضي على فعله في زمانه وانتفاء الموانع فإن فعله بعد وفاته هو البدعة بعينها .
قال شيخ الإسلام في القواعد النورانية (ص150): والترك الراتب سنة، كما أن الفعل الراتب سنة، بخلاف ما كان تركه لعدم مقتض، أو فوات شرط، أو وجود مانع، وحدث بعده من المقتضيات والشروط وزوال المانع، ما دلت الشريعة على فعله حينئذ، كجمع القرآن في المصحف، وجمع الناس في التراويح على إمام واحد، وتعلم العربية، وأسماء النقلة للعلم وغير ذلك مما يحتاج إليه في الدين، بحيث لا تتم الواجبات أو المستحبات الشرعية إلا به، وإنما تركه صلى الله عليه وسلم لفوات شرطه أو وجود مانع.
فأما ما تركه من جنس العبادات، مع أنه لو كان مشروعا لفعله أو أذن فيه ولفعله الخلفاء بعده والصحابة: فيجب القطع بأن فعله بدعة وضلالة، ويمتنع القياس بمثله، وإن جاز القياس في النوع الأول. وهو مثل قياس صلاة العيدين والاستسقاء والكسوف على الصلوات الخمس في أن يجعل لها أذان وإقامة، كما فعله بعض المروانية في العيدين. وقياس حجرته ونحوها من مقابر الأنبياء على بيت الله في الاستلام والتقبيل ونحو ذلك من الأقيسة التي تشبه قياس الذين حكى الله عنهم أنهم قالوا : {إنما البيع مثل الربا} [البقرة: 275]

قلت :
وكذلك الاحتفال بالمولد فإن مقتضاه قائم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ففيه توقير النبي وكثرة الصلاة عليه وذكر مناقبه وكل ذل مأمور به شرعا ولم يوجد مانع يمنع من ذلك في عهده عليه الصلاة والسلام ومع ذلك لم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحتفل الصحابة الذين هم أعظم الناس حبا للنبي صلى الله عليه وسلم وتوقيرا . بل لم يهتم النبي صلى الله عليه وسلم بتأريخ مولده فلم يذكر للصحابة ولأمته بأي شهر ولد ولا بأي يوم من الشهر ولم يثبت سوى أنه ولد يوم الاثنين من عام الفيل فدل ذلك على أن الاحتفال بمولده كل عام ليس من أمره عليه الصلاة والسلام وليس من الخير فلو كان خيرا لأمر به النبي صلى الله عليه وسلم ولفعله أصحابه رضي الله عنهم بل هو من محدثات الأمور المنكرة .

بيان الفرق بين البدعة وبين المصالح المرسلة لدحض شبهة الاحتفال بتخرج طلاب الدورة الصيفية :

وأما الاحتفال الذي يقام لتخرج طلاب الدورة الصيفية فإنما هو من المصالح المرسلة وهي التي لم يقم المقتضى على إقامتها في عهده صلى الله عليه وسلم أو الصحابة رضي الله عنهم وذلك لعدم الحاجة لإقامة الدورات حينها فلا مدارس ولا عطلة . ومن المعلوم أن المدارس والجامعات التي تدرس علوم الشرع هي من المصالح المرسلة التي بها يحفظ الدين وهي لم تكن في عهده عليه الصلاة والسلام وكذلك هذه الدورات في المساجد والاحتفال بتخرج الطلاب فيها هو من المصلحة المرسلة .
والفرق بين البدعة وبين المصلحة المرسلة هو أن البدعة مقصودة لذاتها ويتقرب بها إلى الله بذاتها وأما المصلحة المرسلة فهي مقصودة لغيرها أي أنها وسيلة لتحصيل منفعة أمر بها الشرع بأدلة عامة ولم ينص عليها بعينها أو لدفع مفسدة . والفرق الثاني أن المصلحة المرسلة يمكن الاستغناء عنها عند انتفاء الحاجة إليها والبدعة لا ينفك أصحابها عنها أبدا .
ففي بدعة المولد تخصيص يوم بعينه وهو يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم كعيد يحتفل به كل عام والاحتفال به مقصود لذاته وليس وسيلة كما يزعمون للتعريف بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وذكر مناقبه لأن هذه الأمور يمكنهم بيانها في كل أيام السنة فلماذا هذا التخصيص بيوم المولد ؟ إذن المقصود هو الاحتفال بالمولد نفسه .
بينما الاحتفال بتخرج دورة تعليم القرآن إنما هو وسيلة لترغيب الطلاب وتأليف قلوبهم وليس مقصودا لذاته ولا يتقرب الناس به إلى الله تعالى ولا يعتبرونه عبادة وهو يمكن الاستغناء عنه وعدم فعله .
ولو كان في البلد مدارس لتعليم القرآن الكريم تغني عن هذه الدورات وتستوعب أعداد الطلاب لانتفت الحاجة إلى هذه الدورات بهيئتها الحالية ومعها الاحتفال بتخرج الطلاب .
بينما الاحتفال بالمولد النبوي لا يتخلى عنه المحتفلون به كل عام حتى لو جعلوا شطر عدد خطب يوم الجمعة في السنة لبيان مناقب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر سيرته ولو أقاموا مئات الدروس لذلك في غير يوم المولد ولغير قصد الاحتفال بالمولد فلن يتخلوا عن الاحتفال بيوم المولد ! إذن هو مقصود لذاته وهذا هو حقيقة البدعة أن يتقرب المسلم إلى الله تعالى بعبادة لم يأذن بها الله تعالى ولا يتخلى عنها وإن توفرت في غيرها من العبادات المشروعة المصالح التي يزعمون أنها تتحقق بها .

عدم معرفة حقيقة البدعة سبب الوقوع في البدع :

قلت : وقد ضرب لنا الصحابة أمثلة لفهمهم لحقيقة البدعة . منها ما جاء عن عمرو بن سلمة بن الحارث قال : " كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري، فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا،
فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعا، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن! إنى رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيرا،
قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا، ينتظرون الصلاة، في كلحلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول سبحوا مائة، فيسبحون مائة،
قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك،
قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء؟
ثم مضى ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟
قالوا: يا أبا عبد الرحمن! حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد! ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحو باب ضلالة؟ !
قالوا والله: يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا: " إن قوما يقرءون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية " رواه الدارمي وصححه الألباني .
وعلى طريقته في الاستدلال فإن أبا موسى وابن مسعود رضي الله عنهما ومن معهما من كبار التابعين لم يصيبوا في إنكارهم على هؤلاء لأن التكبير والتهليل والتسبيح مشروع وحلقات الذكر في المسجد مشروعة وهذه الهيئة وهي الاجتماع في المسجد وأن يأمر رجل المتحلقين بالتسبيح والتهليل والتكبير وأن يمسك كل شخص في الحلقة بالحصى ليعد تسبيحاته هي طريقة لم ينه عنها النبي صلى الله عليه وسلم بعينها وسكت عنها فهي مباحة ! فلماذا أنكر الصحابة والتابعون عليهم وحكموا عليهم بأنهم مفتتحو باب ضلالة ؟
وجواب هذا السؤال هو مفتاح التفريق بين البدعة والسنة والفهم الصحيح للبدعة .
قال الإمام الألباني : والقسم الثاني : هي البدعة الإضافية، ونحن في موضوعها الآن.
يقول الإمام الشاطبي: البدعة الإضافية هي التي إذا نظرت إليها من جانب وجدتها مشروعة، وإذا نظرت إليها من جانب آخر وجدتها غير مشروعة، ويضرب على ذلك بعض الأمثلة المهمة سبق مني أن ذكرتها آنفاً، ومنه استفدتها، وهي ما يسمى في بعض البلاد بختم الصلاة، ختم الصلاة في السنة كما جاء في الحديث الصحيح: «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم» هذا هو ختم الصلاة، أما عند أهل البدعة ما ختمت الصلاة بهذا السلام، بل لا بد من أن يلقن الإمام أو المبلغ من خلفه: سبحوا، احمدوا، كبروا، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ثلاثاً .. ما يبدؤون بشيء حتى يبدأ الإمام، ثم يرفع يديه ويدعو، ويؤمنون على دعاءه، وبذلك تختم الصلاة.
هذه الهيئة ذكرها الإمام الشاطبي في جملة أمثلة للبدعة الإضافية، من أين هنا يصح أن يقال أنها من جهة مشروعة؛ لأنها دعاء، ولأن رفع اليدين كما جاء من السؤال في الحديث الصحيح : «إن الله لا يستحيي أن يرد يدي عبده خائبتين» أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
فإذاً: هذه الهيئة أو هذا الختم باعتبار أنها داخلة في عمومات، فهي مشروعة، لكن باعتبار أن هذه الصورة لم تكن في عهد الرسول عليه السلام، فهي بدعة إضافية وهو يقرر ببيان ناصع وجميل جداً أن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وأصغر بدعة هي ضلالة، وإن كانت البدع غير متساوية الأقدام في الضلالات
لكن أصغرها ضلالة، ويضرب على ذلك مثلاً هو الاستغفار عقب الصلاة جماعة، فيقول الاستغفار له أصل في صحيح مسلم: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم من الصلاة استغفر الله ثلاثاً، ثم قال: اللهم! أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام» هذا أصله، لكن الاجتماع بصوت واحد على هذا الاستغفار وعلى هذا الدعاء هو ما أضيف إلى أصل مشروعية هذا الذكر بعد الصلاة، فصارت بدعة إضافية، ولذلك ألحقت بقاعدة: «كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» وبهذا القدر كفاية، والحمد لله رب العالمين.
(الهدى والنور /385/ 15: 07: 00)

شبهة أن الاحتفال بالمولد ليس عبادة وأنه من المباحات
:
وهي الشبهة التي بها تتجلى بدعية الاحتفال بالمولد ويتجلى عجز المجيزين له عن تبرير وقوعهم في هذه البدعة الصريحة .
فقد حرص على الهروب من الأدلة القاطعة التي تقطع كل طرق المبتدعة لاستحداث عبادات لم يأذن بها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مثل قوله عليه الصلاة والسلام ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) متفق عليه
وحديث العِرباض بنِ ساريةَ رضي الله عنه قال : وعَظنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم موعظةً وَجِلتْ منها القلوبُ، وذَرَفَتْ منها العيونُ، فقلنا: يا رسولَ الله! كأنها موعظةُ مودِّعٍ، فأوصنا. قال:"أوصيكم بتقوى اللهِ، والسمع والطاعةِ، وإنْ تَأمَّر عليكم عبدٌ، وإنَّه من يعِشْ منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي، وسنةِ الخلفاء الراشدين المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عليها بالنواجذِ، وإيَّاكم ومحدَثات الأمور، فإن كلَّ بدعة ضلالةٌ". رواه أبو داود والترمذي وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح".
بقوله : " أن الاحتفال بالمولد إنما هو من المباحات ولا نقول أنه مستحب أو واجب لكي يدخل في العبادات فيشمله المنع الوارد في الأدلة الآنفة " فهذه الحجة لا شك ساقطة وواهية وهي مغالطة مكشوفة ! فكيف يعتبر الاجتماع في يوم معين لأمر يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي هو رسول هذا الدين ونبي رب العالمين فيذكرون مناقبه وسيرته ومعجزاته ويصلون عليه ويمدحونه أنه من المباحات ! التي لا ثواب لها ولا عقاب عليها هذا لا يمكن توجيهه إلا أنه لا يعلم أن المباح هو الذي لا ثواب عليه ولا عقاب عليه أو إنه يعتبر النبي صلى الله عليه وسلم شخصية لا علاقة لها بدين الإسلام وأن ذكر مناقبه وسيرته والصلاة عليه ليست عبادة ولا ثواب عليها وهي من العادات المباحة وهذا لا يقوله مسلم . ثم هل يعقل أن يقوم المسلمون بالتفرغ لهذا الاحتفال بذكر مناقب النبي صلى الله عليه وسلم التي وردت في السنة وبذل الأموال لصنع الطعام والشراب ونحو ذلك من الأفعال التي يقصد بها تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وهم لا يريدون التقرب بها إلى الله تعالى ولا يرجون ثوابه ؟!
أليس ذكر مناقب النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه من القربات ؟ فكيف أصبحت من المباحات التي لا ثواب فيها ؟ هل من أجل إقامة البدعة ؟؟ نعم .
وهو نفسه في مقطع مصور له يقول إن مدح النبي صلى الله عليه وسلم من السنة ! .فسبحان الله ما أضعف شبهات المبتدعة فكيف يكون المدح وبيان مناقبه وسيرته والصلاة عليه سنة وعبادة في غير المولد وفي المولد تكون من المباحات !!
فلا شك أن الاحتفال بالمولد النبوي إنما هو عبادة يتقرب به المحتفلون إلى الله تعالى ويرجون ثوابه وبما أنه لم يكن من أمر النبي صلى الله عليه وسلم فهو أمر محدث وبدعة وكل بدعة ضلالة وتكفي هذه الشبهة لبيان تخبطه ووهن حجته وفساد قوله .
ومع ذلك لا مانع من أن نرد على بقية الشبهات .

شبهة هل أقام الصحابة دورات تعليم القرءان في العطلة الصيفية :

أما الدورات الصيفية فالرد عليها من وجهين :
الأول : من حيث هيئتها والغاية منها . فإنها من أمر النبي صلى الله عليه وسلم ومن أعظم القربات لأنها إنما اجتماع الطلاب في المسجد ليتلوا كتاب الله ويتدارسوه . وهذا من أمر النبي صلى الله عليه وسلم القائل : ( وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله ، يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده ) رواه مسلم
وعن أبي سعيد الخدري ، قال : خرج معاوية على حلقة في المسجد ، فقال : ما أجلسكم ؟ قالوا : جلسنا نذكر الله ، قال آلله ما أجلسكم إلا ذاك ؟ قالوا : والله ما أجلسنا إلا ذاك ، قال : أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل عنه حديثا مني ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه ، فقال : " ما أجلسكم ؟ " قالوا : جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ، ومن به علينا ، قال : " آلله ما أجلسكم إلا ذاك ؟ " قالوا : والله ما أجلسنا إلا ذاك ، قال : " أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني ، أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة "
فالاجتماع في المسجد لتدارس القرآن من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وسبيل الصحابة رضي الله عنهم .
قال أبو بكر الطرطوشى المالكي (ت 520هـ)
«أن هذه الآثار تقتضي جواز الاجتماع لقراءة القرآن على معنى الدرس له والتعلم والمذاكرة، وذلك يكون بأن يقرأ المتعلم على المعلم،»[ الحوادث والبدع (ص 166 )]
الوجه الثاني : من حيث زمن انعقادها وهو العطلة الصيفية فإن هذا الزمن ليس مقصودا لذاته فلو كانت العطلة في الشتاء لكانت الدورة في الشتاء كل عام ولو كانت العطلة عاما في الصيف وآخر في الشتاء لكان الصيف موعدا عاما و الشتاء موعدا عاما آخر لإقامتها بخلاف المولد النبوي فإن الاجتماع فيه مقصود لذاته فأيان كان يوم المولد كان الاحتفال به والاجتماع له . بخلاف العطلة الصيفية فإنه زمن لا اعتبار له شرعا ولا في قصد الطلاب ولا المعلمين .
ولذلك فإنه يجوز الاجتماع لذكر مناقب النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته في كل أيام السنة بدون تخصيص يوم معين يقصد لذاته كيوم الاثنين مثلا . ولا أن يكون الاجتماع لإحياء المولد نفسه وإن كان في غير يوم المولد المتعارف عليه .
وأما تقديم الهدايا لطلاب الدورة الصيفية فهو من باب تأليف القلوب وتثبيتها على حب القرآن وتلاوته وتعلم العقيدة الصحيحة وإعطاء الأموال لتأليف القلوب له أصل شرعي من الكتاب والسنة فقد فرض الله للمؤلفة قلوبهم نصيبا من أموال الزكاة وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم أناسا يتألف قلوبهم .
ولا شك أن الطلاب في سن الصبا يفرحون بالهدية ويتعلق قلبهم أكثر بالمسجد وبحب القرآن والعلم وفيما يعيشونه من التنافس فيما بينهم .و كل ذلك هو من أمر الدين قال جل جلاله { وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُون َ } فالهدية من أمر الدين وتأليف القلوب بالهدية من أمر الدين وما تفعله الهدية من التنافس هو من أمر الدين .
قال محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332 هـ) : وَالْمُؤَلَّفَة ِ قُلُوبُهُمْ وهم قوم ضعفت نيتهم في الإسلام، فيحتاج الإمام إلى تأليف قلوبهم بالعطاء، تقوية لإسلامهم [ تفسير القاسمي محاسن التأويل» (5/ 437 ]
وقال محمد رشيد بن علي رضا : وَالْمُؤَلَّفَة ِ قُلُوبُهُمْ أَيِ: الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ يُرَادُ تَأْلِيفُ قُلُوبِهِمْ بِالِاسْتِمَالَ ةِ إِلَى الْإِسْلَامِ أَوِ التَّثَبُّتِ»[ تفسير المنار» (10/ 426]
وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين عن صرف الأموال على المؤلفة قلوبهم : أن يرجى بعطيته قوة إيمانه بحيث يكون رجلاً ضعيف الإيمان عنده تهاون في الصلاة، وفي الصدقة، وفي الزكاة، وفي الحج، وفي الصيام، ونحو ذلك [ الشرح الممتع على زاد المستقنع» (6/ 227]
هذا من جهة أصلها الشرعي وأما من جهة زمنها فليس ليوم تخرج الدورات يوما معينا ولا هو مقصود لذاته وليس له اعتبار شرعي بخلاف يوم المولد فهو يوم زمنه مقصود لذاته .

شبهة فرش المساجد
:
وأما شبهة أن المساجد لم تكن مفروشة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فإن لفرش المسجد أصل من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فعن عائشة قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ناوليني الخمرة من المسجد " قالت فقلت : إني حائض ، فقال : " إن حيضتك ليست في يدك ) مسلم
وقال الخطابي : هي السجادة يسجد عليها المصلي [ الفتح (1/342) ]
فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على السجادة في المسجد وأيضا ثبت أن الصحابة كانوا يسجدون على ثيابهم في المسجد عندما كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم فقد بوب البخاري في صحيحه : ( بَاب: الصَّلَاةِ عَلَى الْفِرَاشِ ) ،.
( وَصَلَّى أَنَسٌ عَلَى فِرَاشِهِ وَقَالَ أَنَسٌ : كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَيَسْجُدُ أَحَدُنَا عَلَى ثَوْبِه )[ صحيح البخاري ]
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في بيته على فراش :
عن ميمونة ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " يصلي وأنا حذاءه ، وأنا حائض ، وربما أصابني ثوبه إذا سجد ، قالت : وكان يصلي على الخمرة "البخاري
وبوب البخاري في صحيحه البخاري أيضا : بَاب: الصَّلَاةِ عَلَى الْحَصِيرِ
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: ( أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ، دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: (قُومُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ). قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا، قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَصَفَفْتُ أنا وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ.)
وقال نور الدين أبو الحسن السمهودي (ت 911هـ) : فصل " فرش المساجد "
قال أصحابنا: ويستحب فرش المسجد، وقد ترجم البخاري للصلاة على الخمرة، وروي عن ميمونة أنها كانت تصلي عليها، وقال ابن زيد: الخمرة هي السجادة، وقال الطبري: هي مصلى صغير ينسج من سعف النخل ويرسل بالخيوط، وقال البخاري في صحيحه: وصلّى أنس على فراشه، وقال: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فيسجد أحدنا على ثوبه،» [ وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى» (2/ 196) ]

قلت :
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإنارة بيت المقدس بالسرج وجعل إنارته كالصلاة فيه : ( عن ميمونة ، مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت : يا نبي الله أفتنا في بيت المقدس فقال : " أرض المنشر ، والمحشر ائتوه فصلوا فيه فإن صلاة فيه كألف صلاة فيما سواه " قالت : أرأيت من لم يطق أن يتحمل إليه أو يأتيه قال : " فليهد إليه زيتا يسرج فيه ، فإن من أهدى له كان كمن صلى فيه ) رواه أحمد وهو صحيح
ومع ذلك لم يكن في مسجده عليه الصلاة والسلام السرج وهذا قد يكون بسبب عدم استعمالهم لها في وقتهم إلا قليلا . فقد جاء عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، أنها قالت : (" كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي ، في قبلته فإذا سجد غمزني ، فقبضت رجلي ، فإذا قام بسطتهما " ، قالت : والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح ) متفق عليه .
فإن كانت إنارة المسجد وفضلها العظيم ومع ذلك لم يستعمل النبي صلى الله عليه وسلم السرج في مسجده فما بالك بفرش المسجد الذي هو من المصالح المرسلة ولم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو ليس مقصودا لذاته وليس عبادة بل هو من باب المصالح المرسلة مثل استعمال مكبرات الصوت لإيصال الصوت للبعيد الذي لا يسمع صوت المؤذن أو إمام الصلاة .
فهو لا يفرق بين المصلحة المرسلة وبين البدعة وقد تقدم . والتفريق بينهما أمر عظيم لا يلقاه إلا ذو حظ عظيم.

شبهة احتفال النبي صلى الله عليه وسلم بيوم الاثنين :

وهكذا يشحذ أهل البدع الاستنباطات الفاسدة من الأدلة الصحيحة . فلما لم يجد دليلا على الاحتفال بالمولد اضطر للاستدلال الفاسد بصيام النبي صلى اله عليه وسلم يوم الاثنين وجعله احتفالا بالمولد !
وتفنيد هذه الشبهة بعدة أمور : منها أنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر عدة علل لصيام يوم الاثنين منها أنه يوم ولد فيه ويوم أنزل عليه الوحي فيه فلم يفرد فضيلة مولده فيه بل قرنه بفضيلة أخرى وهي نزول الوحي عليه فيه وهذا يسقط استدلاله بأن صيامه كان لخصوصية مولده .
كما جاء عَن أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَقَالَ: «فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وكذلك سقط استدلاله بالعلل الأخرى لصيامه عليه الصلاة والسلام يوم الاثنين منها أن الأعمال تعرض فيه ومنها أن الله يغفر فيه الذنوب فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال"تُعرضُ الأعمال يومَ الاثنين والخميس، فأحِبُّ أن يعرضَ عملي وأنا صائمٌ" رواه الترمذي
وعن أبي هريرة أيضاً أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم: كان يصوم الاثنين والخميس. فقيل: يا رسول الله! إنَّك تصوم الاثنين والخميس؟ فقال:"إنَّ يومَ الاثنين والخميس يَغفرُ الله فيهما لكل مسلم؛ إلا مُهتَجِرَيْن، يقول: دَعهما حتى يَصطلحا". رواه ابن ماجه .
ثم قد ثبت في صحيح البخاري أن يوم الاثنين هو اليوم الذي توفي فيه النبي صلى الله عليه وسلم !.
ولم يثبت في تأريخ مولد النبي صلى الله عليه وسلم شيء سوى أنه ولد يوم الاثنين عام الفيل أما الشهر واليوم منه فلا يُعرفا .
ومن أراد أن يعظم يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم فليصم يوم الاثنين من كل أسبوع اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم .
الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم تشبه بالنصارى : والاحتفال بالمولد النبوي فيه تشبه بالنصارى فهم يحتفلون كل عام بمولد نبي الله عيسى عليه السلام وقد نهانا النبي عليه الصلاة والسلام عن التشبه بهم فقال : ( خالفوا اليهود والنصارى ) . وقال عليه الصلاة والسلام ( من تشبه بقوم فهو منهم ) صححه الألباني
فما أقبح هذه البدعة التي تؤدي بصاحبها للتشبه بالنصارى !

الاحتفال بالمولد كل عام عيد :
والاحتفال بيوم معين كل عام عيد والأعياد دين وللمسلمين عيدان معروفان ولا يجوز تشريع عيد لم يأذن به الدين .
والله أعلم .

وكتبه المعيصفي
ربيع الأول 1446