المال والسعادة..!
من كان يملك درهمين تعلمت
شفتاه أنواع الكلام فقـالا
وتقدّم الإخوانُ فاستمعوا له
ورأيتــــه بين الورى مختالا
لولا دراهمه التي يزهو بهـا
لوجدته في الناس أسوأ حالا
إن الغني إذا تكلم بالخطـا
قالوا صدقت وما نطقتَ محالا
أما الفقير إذا تكلم صادقاً
قالوا كذبتَ وأبطلوا ما قالا
إن الدراهمَ في المواطن كلِّها
تكسو الرجال مهابة وجلالا
فهي اللسان لمن أراد فصاحة
وهي السلاح لمن أراد قتالا
هذه الأبيات مع سخريتها اللاذعة، وما فيها من المبالغة، وكونها تعكس تجربة شخصية لا يمكن إسقاطها على الجميع، فإن مما لا شك فيه أنها توضح قدراً غير يسيرمن الواقع؛ فهي تؤكد عظم أمر المال للبشر - وهو أمر لا ينكره أحد - فقد أقرّه القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}(الفجر: 20)؛ فللمال بريق يفوق كل بريق؛ حتى إنه قُدِّم على الأولاد في قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}(الأنفا ل: 28)، وفي قوله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً}(الكهف: 46).
وعندما خرج قارون على قومه تُحيط به مظاهر الترف والرفاهية، وصف الله سبحانه وتعالى الذي انبهروا بأمواله بأنهم {الذين يريدون الحياة الدنيا}، في قوله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}(القصص: 79).
لكنّ المال في حد ذاته ليس غاية، وإنما وسيلة يبحث بها الناس عن السعادة.. إذاً فالسؤال الجوهري هو: هل المال هو طريق السعادة في كل الأحوال؟!
صحيح أن أغلب الناس يظنون أن السعادة الحقيقية في المال، ولكن الأغلبية ليست دائماً هي الفيصل في تحديد الصواب والخطأ، والقرآن الكريم يؤكد ذلك في غير موضع: {وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}(الأ عراف: 187)، {وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}(الب قرة: 243)، {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}(يوس ف: 106).
والفرنسيون يقولون: إن المال لا يصنع السعادة (La`argent ne fait pas le bonheure) فما هي إذاً الوسيلة التي تفضي إلى السعادة في حياتنا؟!
الأمر ببساطة يوضحه القرآن الكريم في قوله عزّ وجلّ: {قالَ اهبِطا مِنها جَميعًا بَعضُكُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ فَإِمّا يَأتِيَنَّكُم مِنّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشقى ﴿123﴾ وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى }(طه: 123 - 124).
الناس في لهاثهم وراء كسب العيش ينسون في خضم هذا الركض أن الحل بين أيديهم، ولكنهم يجهلونه، أو ينسونه، أو يتناسونه.. الحل ببساطة في توحيد الله تعالى وذكره وتقواه في السر والعلن؛ لأنه - وحده –المستحق للعبادة والخالق والرازق والمدبر {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}(الذ اريات: 22 - 23)، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «أسعد الخلق: أعظمهم عبودية لله تعالى».
مؤمنة عبدالرحمن