مهدينا ليس منتظراً
كتبه/ محمد إمام
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن العالم يمر بمرحلة من الصراع الفكري والعقائدي من أخطر ما يحدث في تاريخ البشرية حتى تناول هذا الصراع قضايا أصول والتي تعد من المسلمات: كمسائل الاعتقاد التي هي صلب الإسلام وأصله، والفارقة بين أهل الإيمان وغيرهم.
ومن أهم القضايا والمسائل الاعتقادية التي حظيت بكثير من النقاش والجدل: قضية المهدي -رضي الله عنه-؛ حيث إنها من المسائل الغيبية التي أخبر عنها الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-، خاصة وقد وقعت جملة من الأحداث في السنوات الماضية في العقود الثلاثة الأخيرة زادت من حدة النقاش والجدل في هذه القضية حتى صارت حديث العامة والخاصة، وأضحى الناس بين مصدق ومكذب لهذه النبوءة التي أخبر عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- كما أخبر عن غيرها من النبوءات التي وقع بعضها، ولا نشك في وقوع ما لم يقع منها.
فقد تنبأ -صلى الله عليه وسلم- بكثير من الأمور، وإذا تنبأ الرسول بشيء؛ فلا بد أن يقع كما أخبر؛ إذ أنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى؛ ومن ذلك: إخباره عن اقتتال فئتين عظيمتين دعواهما واحدة، وإخباره عن قدوم أهل اليمن ومعهم أويس القرني، وقد وقع ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم- فلم العجب من إخباره -صلى الله عليه وسلم- بخروج رجل صالح من أمته، خليفة عادل من أهل بيته، يملأ الأرض عدلاً كما ملأت ظلمًا وجورًا، فليس هناك ما يبرر انكسار هذا الأمر، وقد ثبت بالنقل الصحيح، ولم يعارضه عقل صريح. "راجع المهدي حقيقة لا خرافة للشيخ محمد إسماعيل المقدم".
كما أن كل طائفة تنتظر قادمًا يخلصها سواء أكان مهديًّا أو غيره؛ فطوائف اليهود تنتظر مسيحًا، وهو الدجال، ويهيئون الدنيا لاستقباله، والنصارى -كذلك- ينتظرون مسيحًا بزعمهم، والشيعة ينتظرون مهديهم الذي دخل السرداب منذ دهر بعيد ولم يخرج، وهم ينتظرون خروجه؛ ليعمل على نشر العدل في جميع أنحاء العالم، وينجح فيما أخفق فيه غيره بزعمهم حتى الأنبياء -عليهم السلام-!!
ولكن هل حقيقة المهدي عندنا أهل السنة كحقيقته عند غيرنا خاصة الشيعة؟
وهل نحن ننتظره الانتظار الذي يؤدي إلى تعطيل أحكام الشريعة؟!
وما هي مكانته؟ هل هو نبي معصوم؟ أم مجرد خليفة عادل من آل بيت النبوة؟
وهل المهدي حي يرزق خلقه الله منذ ما يزيد عن ألف سنة؟ أم أنه كسائر البشر يخلقه الله قبل قيام الساعة، وهو من علامتها وبالتالي فلا يحل لأحد أن يزعم بأنه خليفة عن المهدي؟
بداية فإن المقام لا يتسع لتأصيل هذه المسألة تأصيلاً علميًّا، ولكننا نشير إليها إشارات تدل -بإذن الله- على المعنى المقصود.
المهدي حقيقة غيبية ثابتة عن الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-، جاء الخبر الصحيح بإثباتها، فعن أم سلمه -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (الْمَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي، مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ) (رواه أبو داود وابن ماجه، وصححه الألباني). والعترة: هم ولد الرجل لصلبه، وقد يكونون الأقرباء وبنو العمومة، والمشهور أن عترة النبي -صلى الله عليه وسلم- هم الذين حرمت عليهم الزكاة.
وأخرج الأمام أحمد في مسنده عن أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الْمَهْدِيُّ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ يُصْلِحُهُ اللَّهُ فِي لَيْلَةٍ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني)، قال ابن كثير -رحمه الله- معناه: "يتوب عليه ويوفقه ويلهمه رشده بعد أن لم يكن كذلك". ويقول الشيخ محمود شاكر: "يكون المهدي حاكمًا كسائر الحكام، ثم يهديه الله -تعالى-، ويصلحه في ليلة". "مع الشيعة الإمامية الموسوعة الشاملة للدكتور علي السالوس ج1".
"وفيه دلالة على أن المهدي خليفة عادل، وليس بمعصوم كما تدعي الرافضة، كما بيّن -صلى الله عليه وسلم- بعض صفات المهدي من كون اسمه كاسم النبي، واسم أبيه كاسم أبيه -صلى الله عليه وسلم، وأنه أجلى الجبهة، أقنى الأنف، والنصوص والأخبار كثيرة مبثوثة في كتب السنة، فلتراجع.
المهدي خليفة عادل، وليس بمعصوم كما تدعيالرافضة
"
إذاً فحقيقة المهدي عند أهل السنة أنه إمام عادل، وخليفة راشد موفق، يتوب الله عليه ويصلحه، ويكون ظهوره قبل مجيء القيامة، وهو علامة من علامتها، يملأ الأرض قسطـًا وعدلاً، كما ملأت ظلمًا وجورًا. وبالتالي فليس هو مهدي الشيعة وإمامهم الغائب الذي دخل السرداب ولم يخرج منه منذ القرن الثالث الهجري، وكان عمره -إذ ذاك- ثلاث سنوات! والتي تثبت المصادر أنه وهم وخرافة، وهو من اختراعاتهم.
كما لا يخفى على مظنة القارئ أن المهدي الذي أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس محمد بن الحسن العسكري غلام السرداب، وأنه من سلالة الحسن بن علي، وليس من نسل الحسين.
الأمر الثاني: أن القول بأن المهدي له مقام لم يبلغه ملك مقرب أو نبي مرسل زعم باطل، لا يؤيده النقل الصحيح والعقل الصريح، وهذه هي الخرافة في حقيقة المهدي، والتي تدل على غلو شديد، فهي كأسطورة من أساطير فارس أو اليونان والرومان. بل هذا القول حقيقة الكفر؛ لأنهم جعلوه فوق الأنبياء والمرسلين، فلو جعلوه نبيًّا؛ لكان كفرًا، فكيف لو جعلوه أكثر من ذلك؟!
ثالثـًا: ترك الواجبات الشرعية كالجهاد في سبيل الله أو الجمعات والجماعات، وشعائر الدين الظاهرة حتى يظهر المهدي كما تظهر الرافضة من البدع القبيحة؛ إذ أن الأمة ملزمة بتكاليف الشرع وأعلاها الجهاد في سبيل الله والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من الواجبات الشرعية، ولا تنتظر أحدًا؛ لأن هذه الواجبات مما أمر الله -عز وجل- بإقامتها والقيام بها من جميع المكلفين.
وقد زعمت الرافضة أن الجهاد لا يكون إلا تحت راية الإمام الغائب المهدي المعصوم، وكذلك الدعوة إلى الله -عز وجل-، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعطلوا هذه الواجبات وغيرها، ولما خافوا على أنفسهم وعلى منهجهم الضال؛ ابتدع لهم أكابر مجرميهم ما يسمى: "بولاية الفقيه"، وهي مسألة تحتاج إلى شيء من التوضيح لعلنا نتعرض لها قريبًا.
المهدي بشر كسائر خلق الله يخلقه الله -عز وجل- قبيل قيام الساعة، ويصلحه في ليلة، ويبقى سبعًا، أو ثمانيًا، أو تسعًا كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- يقيم العدل بين الناس في هذه المدة، وينزل المسيح -عليه السلام- فيصلي خلفه كما جاء مصرحًا به في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لذلك؛ فإن الزعم بأن المهدي -عليه السلام- مخلوق موجود في سرداب سامراء -فيما يزيد على الألف عام- هذا الزعم يردُّه النقل والعقل، ومن ثَمَّ؛ فإنه لا ينبغي لأحد أن يزعم بأنه خليفة عن المهدي الغائب، وأنه يتلقى منه الأوامر، وهي دعوة بلا دليل.
قال ابن القيم -رحمه الله- في التعليق على وصف الشيعة لمهديهم: "إنه الحاضر في الأمصار، الغائب عن الأبصار، دخل سرداب سامراء طفلاً صغيرًا، فلم تره بعد ذلك بعين، ولم يحس بعد ذلك بخبر ولا أمر، وهم ينتظرونه كل يوم، يقفون بالخيل على باب السرداب، ويصيحون به أن يخرج إليهم، ثم يرجعون بالخيبة والحرمان، فهذا دأبهم ودأبه... إلى أن قال: "ولقد أصبح هؤلاء عارًا على بني آدم، وصنعة يسخر منها كل عاقل".
ومن ثمَّ فإنه لا معنى للبدعة الخمينية المحدثة بين الشيعة الإمامية، والتي تسمى بولاية الفقيه، بل هي تصادم أصول دينهم الباطل والذي بنوه على خرافات وأوهام.