بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه
تعتبر منظومة العلامة السفاريني من أهم كتب العقيدة التي احتوت على معظم عقائد اهل السنة والأثر ولكن بعض العلماء رحمهم الله نبهوا الى وجود بعض المآخذ عليها والفاظ مجملة تحتاج الى تفصيل لهذا أحببت أن أعلق على بعض أبياتها في ضوء ما استفتدته من علماء السنة حفظهم الله وهذا لا ينقص من قدر المنظومة وصاحبها رحمه الله ولكن كل يؤخذ منه ويرد على الا رسول الله صلى الله عليه وسلم لكني سأوضح بعض ما فيها وأفصل ما هو مجمل منها
وقد نبه العلماء رحمهم الله على ذلك
قال الشيخ ابن قاسم رحمه الله في شرحه عليها ما معناه ... أنها أرجوزة مفيدة ولكنه أدخل فيها من آراء المتكلمين ما لعله لم يتفطن إليه ..
وقال الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ رحمه الله ما معناه أنها منظومة جيدة إلا في بعض الوجوه فإنه دخلها من عقائد الأشعرية ما دخلها .... الفتاوى 1/ 201
وسأكتب التعليقات عليها بما يفيد طالب العلم ليتعلم العقيدة الصحيحة السنية إن شاء الله
قال العلامة السفاريني رحمه الله
٤ - فكل ما جاء من الآيات ... أو صح في الأخبارعن ثقات
٢٥ - من الأحاديث نمره كما ... قد جاء فاسمع من نظامي واعلما
معنى نمرها كما جاءت أي نؤمن بنصوص القرآن والسنة لفظا ومعنى بدون تفريق ونفوض كيفتها أي حقيقتها الى الله فمذهب أصحاب الحديث هو الاثبات والايمان بصفات الله لا تفويض المعنى بل تفويض حقائقها الى الله كما قال تعالى ولا يحيطون به علما وننزه الله عن التشبيه والتمثيل ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
كما قال نعيم بن حماد رحمه الله من شبه الله بخلقه كفر ومن أنكر ما وصف الله به نفسه كفر وليس فيما وصف الله به نفسه او وصف به رسوله تشبيه ولا تمثيل
----------------------------------------------------------------------------------
وقال رحمه الله
٤ - صفاته ك ذاته قديمة ... أسماؤه ثابتة عظيمة
صفات الله الذاتية وصفاته الخبرية كلها قديمة بقدم أبدية بأبديته سبحانه وبحمده قال الله تعالى هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم
أما صفات الله الفعلية فهي قديمة النوع نوعها قديم في حق الله سبحانه معنى ذلك أن الله سبحانه لم يزل فعالا ولا يزال فعال لم يزل متصفا بها ولا يزال قال الله تعالى فعال لما يريد
وكلام الله قديم أزلي أي ان الله لم يزل متكلما ولا يزال متكلما فهو باعتبار اصله صفة ذاتية أزلية أبدية وكلامه سبحانه صفة فعل أيضا أي أن الله لم يزل متكلما إذا شاء كيف شاء فكلام الله قديم والله يتكلم بمشيئته وقدرته قال الله تعالى إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون وقال تعالى وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا
فالصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين : ذاتية وفعلية
أ - الذاتية : هي التي لم يزل الله ولا يزال متصفاً بها ، وهي التي لا تنفك عنه ـ سبحانه وتعالى ـ كالعلم ، والقدرة ، والسمع ، والبصر ، والعزة ، والحكمة ، والوجه ، واليدين .
ب - الفعلية : وتسمى الصفات الاختيارية ، وهي التي تتعلق بمشيئة الله ، إن شاء فعلها ، وإن شاء لم يفعلها ، وتتجدد حسب المشيئة كالاستواء على العرش ، والنزول إلى السماء الدنيا .
وقد تكون الصفة ذاتية وفعلية باعتبارين ، كالكلام ؛ فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية ؛ لأن الله لم يزل ولا يزال متكلماً ، وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية ؛ لأن الكلام يتعلق بمشيئته ، يتكلم متى شاء بما شاء ، وكل صفة تعلقت بمشيئته ـ تعالى ـ فإنها تابعة لحكمته ، وقد تكون الحكمة معلومة لنا ، وقد نعجز عن إدراكها ، لكننا نعلم علم اليقين أنه ـ سبحانه ـ لا يشاء إلا وهو موافق لحكمته ، كما يشير إليه قوله ـ تعالى ـ : ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ) [الإنسان : 30] .
ونوع الكلام في حق الله قديم لا الآحاد المعين والدليل على ذلك قوله تعالى ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم
فكلم الله نبيه آدم بعد خلقه وصوره وأمثال ذلك كثيرة في القرآن كقوله تعالى ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون وقوله تعالى ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه وقوله تعالى ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين إلى غير ذلك من الآيات من كتاب الله سبحانه الدالة على ذكرت
وكذلك نوع الأفعال في حق الله قديم لا الآحاد المعين بدليل قوله تعالى وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم
انما يكون ذلك يوم القيامة وقول الله تعالى الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش
فالله خلق السماوات والأرض ثم استوى على العرش كما وصف نفسه سبحانه
وكذلك يدل على ذلك حديث النزول المتفق على صحته ولفظه : ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له
إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ما سبق
والله سبحانه لم يزل متصفا بصفاته قديما بصفاته قبل خلقه كما لم يزل بها أزليا كذلك فلا يزال بها أبديا ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق ولا بعد احداثه البرية استفاد اسم البارئ بل الله هو الخالق والبارئ قبل خلقه للخلق وهو البارئ سبحانه قبل احداثه البرية وهكذا جميع صفات الله عز وجل فصفاته كذاته كلها قديمة ليس شيء منها مخلوقا ولا حادثا ولا محدثا لأن الله منزه عن أن تحدث صفة متجددة لم تكن
وأهل السنة يقولون بقيام الأفعال بمشيئته وإرادته على الوجه اللائق به، أما مصطلح (حلول الحوادث) فلا يثبتونه ولا ينفونه، إنما يُستفصل في مراد القائل، ولا يصفون الله به، كما لا يصح وصف الله بالجسم والجوهر والعرض، وإن كان يُفصّل فيه من جهة المعنى، فيُقبل الحق ويُرد الباطل.
يقول ابن أبي العز في شرحه للطحاوية : “حلول الحوادث بالرب تعالى المنفي في علم الكلام المذموم لم يرد نفيُه ولا إثباته في الكتاب ولا في السنة، وفيه إجمال، فإن أريد بالنفي أنه لا يحلّ في ذاته المقدسة شيء من مخلوقاته المحدثة أو لا يحدث له وصف متجدّد لم يكن فهذا نفي صحيح، وإن أريد به نفي الصفات الاختيارية من أنه لا يفعل ما يريد، ولا يتكلم بما شاء، ولا أنه يغضب ويرضى لا كأحد من الورى، ولا يوصف بما وصف به نفسه من النزول والاستواء والإتيان كما يليق بجلاله وعظمته، فهذا نفي باطل. وأهل الكلام المذموم يطلقون نفي حلول الحوادث، فيسلّم السني للمتكلم ذلك على أنه نفى عنه سبحانه ما لا يليق بجلاله، فإذا سلّم له هذا النفي ألزمه نفي الصفات الاختيارية وصفات الفعل، وهو غير لازم له، وإنما أتي هذا السني من تسليم هذا النفي المجمل، وإلا فلو استفسر واستفصل لم ينقطع معه”
فالحاصل أن حلول الحوادث لفظ مجمل، يُستفصل فيه، فإن أُريد به الأفعال الاختيارية فالمعنى صحيح، وإن كانت اللفظة ذاتها من ابتداع أهل الكلام، وإذا أُريد به أن الله يحل فيه الحوادث المخلوقة أو التي تُحيله وتجعله محلًّا للتغيرات المخلوقة والاستحالات أو أن الله استحدث صفة لم تكن موجودة من قبل كما تقول الكرامية، فالمعنى واللفظ خطأ معًا بل الله منزه عن حدوث وصف متجدّد كما بين العلماء
----------------------------------------------------------------------------------