دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بين المعارضين والمؤيدين
الشيخ محمد جميل زينو
ما معنى وهابي؟
اعتاد الناس أن يُطلقوا كلمة وهابي على كل من يخالف عاداتهم ومعتقداتهم وبدعهم، ولو كانت هذه المعتقدات فاسدة، تخالف القرآن الكريم، والأحاديث الصحيحة، ولا سيما الدعوة إلى التوحيد ودعاء الله وحده دون سواه.
كنت أقرأ على شيخٍ حديث ابن عباس في الأربعين النووية، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سألتَ فاسألِ الله، وإذا استعنتَ فاستعِنْ بالله"؛ رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
فأعجبني شرح النووي حين قال:
"ثم إن كانت الحاجة التي يسألها، لم تجر العادة[1] بجريانها على أيدي خلقه، كطلب الهداية والعلم.. وشفاء المرض وحصول العافية سأل ربه ذلك، وأما سؤال الخلق والاعتماد عليهم فمذموم".
فقلت للشيخ هذا الحديث وشرحه يفيدان عدم جواز الاستعانة بغير الله، فقال لي: بل تجوز!! قلت وما دليلك؟ فغضب الشيخ وصاح قائلًا: إن عَمتي تقول يا شيخ سعد (وهو مدفون في مسجده تستعين به)، فأقول لها يا عمتي وهل ينفعك الشيخ سعد؟ فتقول: أدعوه فيتدخل على الله فيشفيني!!
قلت له: إنك رجل عالم قضيت عمرك في قراءة الكتب، ثُم تأخذ عقيدتك من عمتك الجاهلة! فقال لي عندك أفكار وهابية أنت تذهب للعمرة وتأتي بكتب وهابية!!!
وكنت لا أعرف شيئًا عن الوهابية إلا ما أسمعه من المشايخ: فيقولون عنهم:
الوهابيون مخالفون للناس لا يؤمنون بالأولياء وكراماتهم، ولا يحبون الرسول، وغيرها من الاتهامات الكاذبة! فقلت في نفسي إذا كانت الوهابية تؤمن بالاستعانة بالله وحده، وأن الشافي هو الله وحده، فيجب أن أتعرف عليها.
سألت عن جماعتها فقالوا لهم مكان يجتمعون فيه مساء الخميس، لِإلقاء دروس في التفسير والحديث والفقه، فذهبت إليهم مع أولادي وبعض الشباب المثقف، فدخلنا غرفة كبيرة، وجلسنا ننتظر الدرس، وبعد فترة دخل علينا شيخ كبير السن، فسلَّم علينا وصافحنا جميعًا مبتدئًا بيمينه، ثم جلس على مقعد، ولم يقم له أحد، فقلت في نفسي: هذا شيخ متواضع لا يحب القيام.
بدأ الشيخ الدرس بقوله: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره. إلى آخر الخطبة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفتتح بها خطبه ودروسه، ويتكلم باللغة العربية الفصحى، ويورد الأحاديث، ويبين صحتها وراويها، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كلما ذكر اسمه، وأخيرًا وُجّهت له الأسئلة المكتوبة على الأوراق، فكان يجيب عليها بالدليل من القرآن والسنة، ويناقشه بعض الحاضرين فلا يرد سائلًا، وقد قال في آخر درسه: الحمد لله على أننا مسلمون وسلفيون، وبعض الناس: يقولون: إننا وهابيون، فهذا تنابز بالألقاب، وقد نهانا الله عن هذا بقوله: ﴿ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ﴾ [الحجرات: 11].
وقديمًا اتهموا الإمامٍ الشافعي بالرَّفض فردَّ عليهم قائلًا:
إنْ كان رَفضًا حُبُّ آلِ محمدٍ فليشهد الثقلانِ أني رافضي
ونحن نردُّ على مَن يتهمنا بالوهابية بقول أحد الشعراء:
إنْ كان تابعُ أحمدٍ مُتوهِّبًا فأنا المقِرُّ بأنني وهَّابي
ولما انتهى خرجنا مع بعض الشباب معجبين بعلمه وتواضعه وسمعت أحدهم يقول: هذا هو الشيخ الحقيقي!!!
محمد بن عبد الوهاب:
ولد في بلدة (العُيَيْنة) في نجد سنة (1115هـ)، حفظ القرآن قبل بلوغه العاشرة، وتعلم على والده الفقه الحنبلي، وقرأ الحديث والتفسير على شيوخ من مختلف البلاد، ولا سيما في المدينة المنورة وفهم التوحيد من الكتاب والسنة، وراعه ما رأى في بلده (نجد) والبلاد التي زارها من الشرك والخرافات والبدع، وتقديس القبور التي تتنافى مع الإسلام الصحيح، فقد سمع النساء في بلده يتوسلن إلى فحل النخل ويَقُلْنَ: (يا فحل الفحول أريد زوجًا قبل الحول)! ورأى في الحجاز من تقديس الصحابة، وأهل البيت والرسول ما لا يسوغ إلا لله، فقد سمع في المدينة استغاثات بالرسول ودعائه من دون الله، مما يخالف القرآن الكريم وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإنْ فَعَلْتَ فَإنَّكَ إذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [أي: المشركين]. [يونس: 106].
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لابن عمه عبد الله بن عباس: "إذا سألتَ فاسألِ الله، وإذا استعنتَ فاستعِن بالله"؛ رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
قام الشيخ يدعو قومه للتوحيد ودعاء الله وحده؛ لأنه هو القادر والخالق، وغيره عاجز عن دفع الضر عن نفسه وغيره، وأن محبة الصالحين تكون باتباعهم لا باتخاذهم وسائط بينهم وبين الله، ودعائهم من دون الله!!
1 - وقوف المبطلين ضده: وقف المبتدعون ضد دعوة التوحيد التي تبناها الشيخ، ولا غرابة فقد وقف أعداء التوحيد في زمن الرسول وقالوا مستغربين: ﴿ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إلَهًا وَاحِدًا إنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾ [ص: 5].
وبدأ أعداء الشيخ يحاربونه، ويشيعون عنه الأكاذيب، ويتآمرون على قتله، والخلاص من دعوته، ولكن الله حفظه، وهيأ له من يساعده حتى انتشرت دعوة التوحيد في الحجاز والبلاد الإسلامية، وما زال بعض الناس إلى يومنا هذا يشيعون الأكاذيب، يقولون إنه ابتدع مذهبًا خامسًا، مع أن مذهبهُ حنبلي، ويقولون: الوهابيون لا يحبون الرسول، ولا يصلون عليه! مع أن الشيخ رحمه الله له كتاب (مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم) وهذا دليل على حبه للرسول صلى الله عليه وسلم، وقد افتروا عليه الأكاذيب التي سيحاسبون عليها يوم القيامة، ولو درسوا كتبه بإنصاف لوجدوا فيها القرآن والحديث وأقوال الصحابة؛ حدثني رجل صادق: أن أحد العلماء كان يحذر في دروسه من الوهابية، فأعطاه أحد الحاضرين كتابًا بعد أن نزع اسم المؤلف محمد بن عبد الوهاب، فقرأه وأعجبه ولما علم بمؤلفه بدأ يمدحه.
2 - ورد في الحديث: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اللهم بارك لنا في شامنا، وفي يمَنِنا، قالوا وفي نَجْدِنا، قال: مِن هنا يَطلع قَرْنُ الشيطان"؛ رواه البخاري.
يظن بعض الناس أن النجد الوارد في الحديث هو نجد الحجاز وهذا خطأ؛ لأن النجد الوارد في الحديث هو نجد العراق للأدلة الآتية:
أ - عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة، وأركبكم الكبيرة سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الفتنة تجيء مِن ها هنا، وأومأ بيده نحوَ المشرق، مِن حيثُ يطلع قرنُ الشيطان"؛ رواه مسلم.
ب - وقال الخطابي: نجد من جهة المشرق، ومن كان في المدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها وهي مشرق أهل المدينة.
وأصل النجد: ما ارتفع من الأرض، وهو خلاف الغَور، فإنه ما انخفض منها، وتُهامة كلها من الغور، ومكة من تهامة. [انظر: فتح الباري جـ 3/ 46 – 47].
أقول: إن الحديث الذي في مسلم يشرح كلمة (نجد) الواردة في صحيح البخاري، والمراد منها العراق.
وكذلك قول الخطابي يؤيد هذا القول، وأورد هذا ابن حجر، فدل على تأييده على أن المراد هو نجد العراق، وليس نجد الحجاز.
أقول: لقد ظهرت الفتن في العراق حيث قتل الحسين بن علي رضي الله عنه، خلافًا لما يظنه بعض الناس أن الراد نجد الحجاز حيث لم يظهر فيها شيء من الفتن التي ظهرت في العراق، بل ظهر من نجد الحجاز التوحيد الذي خلق الله العالم لأجله، والذي من أجله أرسل الله الرسل.
3 - ذكر بعض العلماء المنصفين أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب هو من مجددي القرن الثاني عشر الهجري، وقد ألفوا كتبًا عنه، ومن هؤلاء المؤلفين الشيخ علي الطنطاوي أخرج سلسلة عن أعلام التاريخ، ذكر منهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأحمد بن عرفان، ذكر فيه أن عقيدة التوحيد وصلت إلى الهند وغيرها بواسطة الحجاج المسلمين الذين تأثروا بها في مكة، فقام الإنكليز وأعداء الإسلام يحاربونها؛ لأنها تُوَحدّ المسلمين ضدهم، وأوعزوا إلى المرتزقة أن يُشوهوا سُمعتها، فأطلقوا على كل موحد يدعو للتوحيد كلمة (وهابي)، وأرادوا به المبتاع، لِيصرفوا المسلمين عن عقيدة التوحيد التي تدعو إلى دعاء الله وحده، ولم يعلم هؤلاء الجهلة أن كلمة (وهابي) نسبة إلى (الوهاب) وهو اسم من أسماء الله الذي وهب له التوحيد، ووعده الجنة.
[1]لو قال النووي رحمه الله: لم تجر (سنة الله) بدل العادة لكان صوابًا لقوله تعالى: ﴿ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ﴾ [الأحزاب: 62].