الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري رحمه الله تعالى “310هـ”:
هو إمام المفسرين ومقدمهم محمد بن جرير ابن يزيد بن كثير الإمام العلم المجتهد عالم العصر أبو جعفر الطبري صاحب التصانيف البدعية من أهل آمل طبرستان.
وله كتابان في المعتقد، هما: (التبصير في معالم الدين)، و(صريح السنة)، قد قرر فيهما المعتقد وأبان عن منهجه وطريقته، فضلاً عما سطره في ثنايا تفسيره العظيم.
ومع وجود هذين الكتابين، فإن المؤلفين لم ينقلا حرفاً واحداً منهما، ولم يشيرا إليهما البتة، ويزعمان مع ذلك أن الطبري أشعري المعتقد!!!
وقد سبق أن نقلنا كثيراً من تقريراته في مسائل المعتقد في ثنايا الكتاب.
ونؤكد هنا ما نقلنا ونزيد عليه:
علو الله تعالى بنفسه على خلقه:
قال الذهبي في (العلو): “قال أبو سعيد الدينوري مستملي محمد بن جرير قال: قريء على أبي جعفر محمد بن جرير الطبري وأنا أسمع في عقيدته، فقال “وحسب امرئ أن يعلم أن ربه هو الذي على العرش استوى، فمن تجاوز ذلك فقد خاب وخسر”.
قال الذهبي: تفسير ابن جرير مشحون بأقوال السلف على الإثبات، فنقل في قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء [البقرة: 29]، عن الربيع بن أنس: أنه بمعنى ارتفع. ونقل في تفسير: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف: 54]، في المواضع كلها أي: علا وارتفع. وقد روى قول مجاهد، ثم قال: ليس في فرق الإسلام من ينكر هذا، لا من يقرأن الله فوق العرش، ولا من ينكره من الجهمية وغيرهم” (10) ا هـ.
قال ابن جرير في تفسير قوله تعالى: مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ [المجادلة: 7]: “وعنى بقوله: هُوَ رَابِعُهُمْ، بمعنى: أنه مشاهدهم بعلمه، وهو على عرشه. كما حدثني عبدالله بن أبي زياد، قال: ثني نصر بن ميمون المضروب، قال: ثنا بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان، عن الضحاك، في قوله مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إلى قوله: هُوَ مَعَهُمْ [المجادلة: 7]، قال: هو فوق العرش وعلمه معهم: أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(11) ا هـ.
إثبات اليدين لله تعالى:
وقال في تفسير قوله تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة: 64]: “اختلف أهل الجدل في تأويل قوله: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ، فقال بعضهم: عنى بذلك: نعمتاه… وقال آخرون منهم: عنى بذلك القوة… وقال آخرون منهم: “بل “يده”، ملكه …
وقال آخرون منهم: بل “يد الله” صفة من صفاته، هي يد، غير أنها ليست بجارحة كجوارح بني آدم.
قالوا: وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن خصوصه آدم بما خصه به من خلقه إياه بيده، قالوا: ولو كان معنى “اليد” النعمة، أو القوة، أو الملك، ما كان لخصوصه آدم بذلك وجه مفهوم، إذ كان جميع خلقه مخلوقين بقدرته، ومشيئته في خلقه نعمة، وهو لجميعهم مالك …”.
إلى أن قال: “قالوا: ففي قول الله تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة: 64]، مع إعلامه عباده أن نعمه لا تحصى، مع ما وصفنا من أنه غير معقول في كلام العرب أن اثنين يؤديان عن الجميع، ما ينبئ عن خطأ قول من قال: معنى “اليد” في هذا الموضع: النعمة، وصحة قول من قال: إن “يد الله” هي له صفة.
قالوا: وبذلك تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال به العلماء وأهل التأويل” (12) ا هـ.
إثبات صفة الإتيان لله تعالى:
قال في تفسير قوله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ [الأنعام: 158]: “يقول جل ثناؤه: هل ينتظر هؤلاء العادلون بربهم الأوثان والأصنام إلا أن تأتيهم الملائكة بالموت فتقبض أرواحهم، أو أن يأتيهم ربك يا محمد بين خلقه في موقف القيامة، أو يأتي بعض آيات ربك، يقول: أو أن يأتيهم بعض آيات ربك، وذلك فيما قال أهل التأويل طلوع الشمس من مغربها…”، ثم ذكر آثار السلف على ذلك” (13) ا هـ.
إثبات الصفات على الحقيقة بلا تشبيه:
وقال في (التبصير في معالم الدين): “ولله تعالى ذكره أسماء وصفات جاء بها كتابه، وأخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم أمته، لا يسع أحداً من خلق الله – قامت عليه الحجة بأن القرآن نزل به، وصح عنده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه به الخبر منه – خلافه، فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه به من جهة الخبر على ما بينت فيما لا سبيل إلى إدراك حقيقة علمه إلا حساً، فمعذور بالجهل به الجاهل؛ لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل، ولا بالرؤية والفكر.
وذلك نحو: إخبار الله تعالى ذكره إيانا أنه سميع بصير.
وأن له يدين لقوله تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة: 64].
وأن له يميناً لقوله: وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر: 67].
وأن له وجهاً لقوله: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: 88].
وقوله: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن: 27].
وأن له قدماً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حتى يضع الرب قدمه فيها)) (14) ,يعني جهنم.
وأنه يضحك إلى عبده المؤمن لقول النبي صلى الله عليه وسلم للذي قتل في سبيل الله: إنه لقي الله عز وجل وهو يضحك إليه. (15) .
وأنه يهبك كل ليلة وينزل إلى السماء الدنيا؛ لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأنه ليس بأعور؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم، إذ ذكر الدجال فقال: ((إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور)) (16) .
وأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة بأبصارهم، كما يرون الشمس ليس دونها غيابة، وكما يرون القمر ليلة البدر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم.
وأن له أصابع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن…)) (17) .
إلى أن قال: “فإن كان الخبر الوارد بذلك خبراً تقوم به الحجة مقام المشاهدة والسماع، وجبت الدينونة على سماعه بحقيقته في الشهادة عليه بأن ذلك جاء به الخبر، نحو شهادته على حقيقة ما عاين وسمع…”.
إلى أن قال: “فإن قال لنا قائل: فما الصواب في معاني هذه الصفات التي ذكرت، وجاء ببعضها كتاب الله عز وجل ووحيه، وجاء ببعضها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قيل: الصواب من هذا القول عندنا: أن نثبت حقائقها على ما نعرف من جهة الإثبات ونفي التشبيه، كما نفي عن نفسه جل ثناؤه فقال لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: 11]…”.
إلى أن قال: “فنثبت كل هذه المعاني التي ذكرنا أنها جاءت بها الأخبار والكتاب والتنزيل على ما يعقل من حقيقة الإثبات، وننفي عنه التشبيه” (18) .
إثبات النزول لله تعالى:
قال في “التبصير”: “قيل له –أي: للمعطل-: فما أنكرت من الخبر الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه يهبط إلى السماء الدنيا فينزل إليها.
فإن قال: أنكرت ذلك؛ أن الهبوط نقلة، وأنه لا يجوز عليه الانتقال من مكان إلى مكان، لأن ذلك من صفات الأجسام المخلوقة.
قيل لهً: فقد قال جل ثناؤه: وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22]، فهل يجوز عليه المجيء؟ فإن قال: لا يجوز ذلك عليه، وإنما معنى هذا القول: وجاء أمر ربك.
قيل: قد أخبرنا تبارك وتعالى أنه يجيء هو والملك، فزعمت أنه يجيء أمره لا هو، فكذلك تقول: أن الملك لا يجيء، إنما يجيء أمر الملك لا الملك، كما كان معنى مجيء الرب تبارك وتعالى مجيء أمره.
فإن قال: لا أقول ذلك في الملك، ولكني أقول في الرب.
قيل له: فإن الخبر عن مجيء الرب تبارك وتعالى والملك خبر واحد، فزعمت في الخبر عن الرب تعالى ذكره أنه يجيء أمره لا هو، وزعمت في الملك أنه يجيء بنفسه لا أمره، فما الفرق بينك وبين من خالفك في ذلك فقال: بل الرب هو الذي يجيء، فأما الملك فإنما يجيء أمره لا هو بنفسه؟!…”.
إلى أن قال: “فإن قال لنا منهم قائل: فما أنت قائل في معنى ذلك؟
قيل له: معنى ذلك ما دل عليه ظاهر الخبر، وليس عندنا الخبر إلا التسليم والإيمان به، فنقول: يجيء ربنا جل جلاله يوم القيامة والملك صفا صفا، ويهبط إلى السماء الدنيا وينزل إليها في كل ليلة، ولا نقول: معنى ذلك ينزل أمره، بل نقول: أمره نازل إليها في كل لحظة وساعة، وإلى غيرها من جميع خلقه الموجودين ما دامت موجودة. ولا تخلو ساعة من أمره فلا وجه لخصوص نزول أمره إليها وقتاً دون وقت، ما دامت موجودة باقية” (19) .
القرآن كلام الله غير مخلوق:

قال الإمام الطبري في صريح السنة

" فأول ما نبدأ بالقول فيه من ذلك عندنا: القرآن كلام الله وتنزيله؛ إذ كان من معاني توحيده، فالصواب من القول في ذلك عندنا أنه: كلام الله غير مخلوق كيف كتب وحيث تلي وفي أي موضع قرئ، في السماء وجد، وفي الأرض حيث حفظ، في اللوح المحفوظ كان مكتوبا، وفي ألواح صبيان الكتاتيب مرسوما، في حجر نقش، أو في ورق خط، أو في القلب حفظ، وبلسان لفظ، فمن قال غير ذلك أو ادعى أن قرآنا في الأرض أو في السماء سوى القرآن الذي نتلوه بألسنتنا ونكتبه في مصاحفنا، أو اعتقد غير ذلك بقلبه، أو أضمره في نفسه، أو قاله بلسانه دائنا به، فهو بالله كافر، حلال الدم، بريء من الله، والله منه بريء، بقول الله عز وجل: {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ}، وقال وقوله الحق -عز وجل-: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}، فأخبر، جل ثناؤه، أنه في اللوح المحفوظ مكتوب، وأنه من لسان محمد صلى الله عليه وسلم مسموع، وهو قرآن واحد ... وكذلك هو في الصدور محفوظ، وبألسن الشيوخ والشباب متلو."


قال في “صريح السنة” في إثبات أن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق، وإبطال معتقد الأشاعرة فيه: “فمن قال غير ذلك، أو ادعى أن قرآناً في الأرض أو في السماء سوى القرآن الذي نتلوه بألسنتنا، ونكتبه في مصاحفنا، أو اعتقد غير ذلك بقلبه، أو أضمره في نفسه، أو قاله بلسانه دائناً به فهو بالله كافر حلال الدم، بريء من الله، والله منه بريء بقول الله عز وجل: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ [البروج: 21-22]، وقال وقوله الحق: وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ [التوبة: 6].
فأخبر جل ثناؤه أنه في اللوح المحفوظ مكتوب، وأنه من لسان محمد صلى الله عليه وسلم مسموع، وهو قرآن واحد: من محمد صلى الله عليه وسلم، وفي اللوح المحفوظ مكتوب، وكذلك هو في الصدور محفوظ، وبألسن الشيوخ والشباب متلو” (20) ا هـ.
وهذا يبطل معتقد الأشاعرة الذين يزعمون أن هناك قرآنين أحدهما: كلام الله غير مخلوق وهو ما قام بذات الله، والآخر مخلوق: وهو الملفوظ المتلو المكتوب، كما سبق بيان قولهم في الفصل الثالث من الباب الثاني.
وقال في اللفظة: “وأما القول في ألفاظ العباد بالقرآن فلا أثر فيه نعلمه عن صحابي مضى، ولا تابعي قضى، إلا عمن في قوله الغناء والشفاء رحمة الله عليه ورضوانه، وفي اتباعه الرشد والهدى، ومن يقوم مقام قول الأئمة الأولى، أبي عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل حنبل رضي الله عنه.
فإن أبا إسماعيل الترمذي حدثني قال: سمعت أبا عبدالله أحمد بن حنبل يقول: اللفظة جهمية لقول الله جل اسمه: يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ [التوبة: 6]، فممن يسمع.
ثم سمعت جماعة من أصحابنا لا أحفظ أسماءهم يذكرون عنه أنه كان يقول: من قال “لفظي بالقرآن مخلوق” فهو جهمي، ومن قال “هو غير مخلوق” فهو مبتدع” (21) ا هـ.
وقال أيضاً في تعريف الإيمان: “فإن الصواب فيه قول من قال: هو قول وعمل، يزيد وينقص، وبه جاء الخبر عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه مضى أهل الدين والفضل” (22) ا هـ.
وهذا مخالف لمعتقد الأشاعرة الذين يرون أن الإيمان هو التصديق، وأن الأعمال ليست داخلة في حقيقة الإيمان.
هذه نتف من كلام ابن جرير رحمه الله في تقرير الاعتقاد تبين موافقته للسلف، ومخالفته للأشاعرة.
وكيف لا يكون كذلك وهو صاحب إمام الأئمة ابن خزيمة، ومحمد بن نصر المروزي وغيرهم من أئمة السنة.

منقول من موقع الموسوعة الاشعرية