تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: طريقة أهل الكفر والعناد في معارضة الأنبياء وأتباعهم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي طريقة أهل الكفر والعناد في معارضة الأنبياء وأتباعهم

    طريقة أهل الكفر والعناد في معارضة الأنبياء وأتباعهم (1)






    كتبه/ علاء الدين عبد الهادي
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فطريق الهدى والإيمان قديم قدم الحق، وطرق الكفر والنفاق قديمة قدم الباطل، وأهلهما سائرون على هذه أو تلك (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) (الإسراء:84)، (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُم ْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيمًا) (النساء:175)؛ ولأن هؤلاء المؤمنين هم أتباع الأنبياء، والأنبياء أبناء لعلات دين واحد وشرائع شتى؛ تجد أن الله -تعالى- خاطب المؤمنين بما خاطب به المرسلين، وأمرهم أن يسيروا على دربهم ويعتبروا بسِيَرهم؛ لذلك لما سمع المؤمنون قوله -تعالى-: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (الأنعام:90)، قالوا: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (البقرة:285).
    ولما قرؤوا قوله -تعالى-: (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) (البقرة:87)؛ علموا يقينًا أنهم مصيبهم لا محالة بعض ما أصاب هؤلاء الأنبياء فأشد الناس بلاء (الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، ولما (قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران:173)، هؤلاء هم المؤمنون وهذا هو دأبهم، على الحق ثابتون وفي طريقه سائرون (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) (الأنعام:112).
    وأما الكافرون وإخوانهم المنافقون؛ فعلى اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم كانوا دائمًا على الجانب الآخر قد (شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) (الأنفال:13)، (وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) (الشعراء:5)، فحاربوا المؤمنين واضطهدوهم، وما تركوا سبيلاً للصد والتكذيب إلا سلكوه (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ . أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) (الذاريات:52-53)، وما تركوا صورة للعداوة والإجرام إلا وقد أتوها: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً) (الفرقان:31)، ولجوا في الفُجر والخصومة (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ) (غافر:5).
    وفي هذه المقالات نعرض لبعض صور هذه العداوة وطرائقها التي تفننوا فيها عبر العصور وكر الدهور، ونرى كيف أن الكفر كله ملة واحدة، وأن المجرمين الأواخر ما زالوا على نهج الأوائل (يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً) (المائدة:33)، ونرى سويًا كيف جلَّى الله طريق الحق ووصف الثابتين عليه، وكيف بيَّن لنا طريق المعاندين وأوضح لنا صفاتهم المميزة وعلاماتهم المبينة.
    وسنتكلم أولاً -إن شاء الله- عن الطريقة التي رأى بها هؤلاء الكافرون الإيمان والمؤمنين وحكمهم عليهم.
    1- كيف قابل الكافرون دعوة الإيمان:
    إن لكل سلوك فكرًا حثَّ عليه، ولكل بلية أصلا أدى إليها، فيا ترى ما أصل بلية الكافرين التي أصيبوا بها حتى يعاندوا ويكابروا رسل الله الذين جاءوا (مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لئلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيمًا) (النساء:165)؟! وما السبب وراء كل هذه العداوة والتي واجهوا بها أنبياء الله ورسله وتابعيهم وما زالوا؟!
    فأصل ذلك -والله أعلم-: "خراب العقيدة وفساد القلوب": فالكافرون موصوفون في كتاب الله بأنهم ضالون مضلون، فاسدون مفسدون، جاهلون لا يعقلون ولا يعلمون، ولا ينتفعون بالذكرى؛ أما ضلالهم فعبادتهم غير الله بعد أن خلقهم (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلْ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (لقمان:11)، (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الأعراف:54).
    ومن ضلالهم كذلك: شركهم بالله بعد ما تبين لهم الحق (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الزمر:22)، (ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ) (محمد:3).
    ومن ضلالهم أنهم: (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) (الأعراف:146).
    ومن ضلالهم كذلك: أنهم حريصون على إضلال غيرهم بشتى الطرق (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلا نَصِيرًا) (النساء:89).
    وأما فساد أعمالهم وأخلاقهم فنابع من فساد عقيدتهم وانتكاس تصوراتهم، فأهل الكتاب مثلاً تراهم: (يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (آل عمران:23).
    ولئن سألت: ما السبب في هذا الإعراض؟! تأتك الإجابة بأنهم قد فسدت تصوراتهم وعقيدتهم (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) (آل عمران: 24)، (وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً) (آل عمرن:75)، ما السبب أيضًا؟ (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمرن:75)؛ لذلك عوقبوا بأن (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنْ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) (آل عمران:112).
    ولم يكتفوا بفساد أنفسهم، بل راحوا يحاولون إفساد غيرهم أسوة بزعيمهم إبليس الذي (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا) (الإسراء:62)؛ لذلك فهم إذا أُمروا بالمعروف وإذا نُهوا عن المنكر (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ . أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) (البقرة:11-12)، وهؤلاء حكم فيهم ربنا وقال: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ) (النحل:88).
    فبعد ذلك ماذا تنتظر من مثل هؤلاء إلا الضلالة والجهالة: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحج:46).
    وأنى لهؤلاء أن يكون لهم سمع أو أبصار أو أفئدة ينتفعون بها: (سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ . مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ . وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ) (الأعراف:177-179)؟!
    أم كيف بعد ذلك تنتظر منهم إلا كل فعل مقيت وصفة مذمومة ونعت مخزٍ؟! فلا تتبعهم أيها المؤمن ولا تطعهم: (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ . هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ . مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ . عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ . أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ . إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ) (القلم:10-15)، و(وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ . الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ . يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ . كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ . نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ . الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ . إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ . فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) (الهمزة).
    ومن ضلالهم أنهم:
    يسوون الكفر بالإيمان:
    جاء الأنبياء إلى الناس بدعوة التوحيد وإفراد الله بالعبادة (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) (النحل:36)، وإنما فعلوا ذلك بأمر الله ليردوا البشر إلى الطريق المستقيم الذي أمروا بلزومه، ويجمعوهم عليه بعد تفرقهم في السبل المعوجة، قائلين لكل مكلف: (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنْ الظَّالِمِينَ) (يونس:106).
    وجاءوهم بكل آية بينة وحجة دامغة، فما كان من أولئك الكافرين إلا أن قابلوا دعوة الحق هذه بالصد والجحود والتكذيب (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ) (فاطر:25)، ذلك أنهم قد انتكست فطرتهم، وأظلمت قلوبهم، وأشربوا فيها الجحود والكفران (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ) (النحل:108).
    وقد بلغت بهم الغفلة أن يروا أنهم على الصواب وأن دينهم الباطل يستوي مع دين الله الحق (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (الأنعام:1)، فسووا بين الخالق -سبحانه- وبين خلقه، ولك أن تعجب كيف انقلبت فطرهم على هذا النحو (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) (النمل:60)، (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) (البقرة:165).
    ثم ازداد هؤلاء الضلال كفرا (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى) (فصلت:17)، ونتاجَ عقولهم السقيمة على منهج الأنبياء المعصومين، والفكرَ البشريَ القاصرَ على الوحي الرباني الكامل، ومذاهبَ أساتذتهم في الضلال على طريقة المهتدين أتباع الأنبياء، وها هم (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) (النساء:51)، فمالوا لإخوانهم من أهل الكفر ونقموا على أهل الإيمان، فلا تحزن أيها المهتدي (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِ ينَ . الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ . وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ . وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر:95-99).
    وجراء ذلك تجدهم:
    يزكون أنفسهم ويحقرون أهل الإيمان!
    أفرأيت أيها الغريب أضلَّ من إنسان أخرق ينسب الحمق إلى غيره؟! أو فاسد يتهم بدائه الصالحين؟! أو وضيع يرمي الشرفاء بما هم منه براء؟!
    فهذا هو حال القوم حينما يأتيهم النذير: (قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنْ الْكَاذِبِينَ) (الأعراف:66)، فرموهم بالسفاهة وهي بهم أليق، وبالكذب وهو بهم ألصق، وقديمًا قال فرعون -مضرب المثل في الظلم والفساد- في موسى -عليه السلام-، -مضرب المثل في الصلاح والقوة والأمانة-: (إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ) (غافر:26)؛ فهو إذن الكبر الذي هو: (بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ) (رواه مسلم)، ورؤية النفس واستعظامها حتى يُختم على القلوب.
    وهو إذن الكبر الذي حمل الكافرين على أن يقولوا: (أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا) استصغارًا لشانهم، واحتقارًا لحالهم؛ فرد الله عليهم: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) (الأنعام:53)، (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)، فتكفل الله بإجابتهم أيضًا: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (الزخرف:32)، (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيمًا) (النساء:54).
    كذلك حينما ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- الوحي يحملهم كبرهم على أن يقولوا: (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ)، وقد توعدهم الله بقوله: (سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنْ الْكَذَّابُ الأَشِرُ) (القمر:26)، وكان أجدر بهم أن يتبعوا الحق مجردًا بغض النظر عمن جاء به، فما بالك وقد جاءهم كريمُ الأخلاق، وافرُ العقل، معه الآيات البينات: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً . وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِئْياً . قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً) (مريم:73-75).
    وهذا القدر من التهم الباطلة لم ينل الأنبياء فحسب، ولكن نال ورثتهم أيضًا، بل لقد كانت استجابة هؤلاء الأتباع في نظر المجرمين انتقاصًا من قدر الأنبياء وقدحًا في دعوتهم، فقالوا: (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ) (الشعراء:111)، (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ) (الأحقاف:11)، إذ الإيمان في عرفهم تخلُّف وضلالة، والمؤمنون في حكمهم: إما سفهاء أغرار، وإما رجعيون ظلاميون!
    وعلى النقيض: رأوا في أنفسهم ومَن على شاكلتهم إصلاحًا وتنويرًا، وظنوا في أنفسهم استحقاقًا لتبوء منزلة النخبة القائدة الموجهة وأن مَن سواهم عليه أن يتبعهم (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (يونس:35)، (وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ . وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ . وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ . وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ) (فاطر:19-22)، وماذا جنى هؤلاء الأبرار حتى يستصغر شأنهم المجرمون؟ (وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ) (المطففين:32)، (وإذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ) (البقرة:13)، ولكن الله -سبحانه- رد التهمة عن عباده المؤمنين، فقال عن هؤلاء الأدعياء: (أَلا إِنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ) (البقرة:13).
    ومِن أجل ذلك تجدهم:
    ينسبون كل شر وفساد إلى المؤمنين:
    فالمؤمنون -بزعمهم- أصل كل مصيبة تحل بالبلاد والعباد، وهم كذلك -أي المؤمنون- بضعف عقولهم وفساد رأيهم وتصرفاتهم قد استجلبوا أنواع الشؤم والفساد، لم يخل نبي إلا اتهموه بذلك حتى خاتمهم محمد -صلى الله عليه وسلم- (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) (النساء:78).
    ومن قبله أخوه موسى -عليه السلام-: (فَإِذَا جَاءَتْهُمْ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (الأعراف:131).
    ومن قبله صالح -عليه السلام-: (قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) (النمل:47).
    وأصحاب يس قالوا لرسلهم: (إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُ مْ وَلَيَمَسَّنَّك ُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ . قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) (يس:18-19).
    وكذلك ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- في علامات قرب الساعة أنه يؤتمن الخائن ويخون الأمين، ويوسد الأمر إلى غير أهله، إذ المستأهلون له حقًا بلغة ذلك العصر هم الضالون السفهاء أصحاب الشر والفساد.. (أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (النحل:59).

    فيا للإسلام وغربته.. ويا للحق وأهله... اللهم انصر دينك وجندك وعبادك الصالحين.
    وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وللحديث بقية -إن شاء الله-..

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: طريقة أهل الكفر والعناد في معارضة الأنبياء وأتباعهم

    منهج أهل الكفر والنفاق في مسألة الولاء والحب والنصرة



    طريقة أهل الكفر والعناد في معارضة الأنبياء وأتباعهم (2)

    كتبه/ علاء الدين عبد الهادي
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فكما مر بنا سابقًا أن الضُلال أهل الكفر والفساد ما قبِلوا الحق، ولا عملوا به؛ إذ لم يكونوا محلاً قابلاً لذلك، فراحوا يعظمون الكفر، ويحاربون الإيمان، ويدعون لأنفسهم كل خير وفضيلة، وينسبون للأنبياء وأتباعهم كل شر ورذيلة..!
    وها نحن نستكمل بتوفيق الله -تعالى- بعضًا من صور كفرهم وعنادهم؛ لا سيما فيما يتعلق بالموالاة والمعاداة بمقاييس كفرهم وجاهليتهم، وكيف حرصوا هم على إذكاء الأخوة الشيطانية والبراءة من الإيمان!
    فمن ذلك أنهم..
    يمتلئون بغضًا للمؤمنين:
    فنفوسهم الخبيثة وقلوبهم المريضة تكاد تحترق حزنًا وغيظًا على المؤمنين، وحسدًا لهم على إيمانهم واجتماعهم على دين الله؛ لذلك نادانا الله ونبهنا على ذلك بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (آل عمران:118)، ولا يفتأون يحاولون إفساد أمركم، ومن سواد قلوبهم أيضًا: أن هؤلاء الكافرين (قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ) تصريحًا وتلميحًا، وطعنًا وتلبيسًا، بل: (وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)؛ فانتبهوا وخذوا حذركم؛ فما لغادر أمان (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ).
    ومن عجيب حال بعض الغافلين أنهم مع ذلك لا يجدون غضاضة في التقرب منهم وتقريبهم ومحبتهم (هَا أَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ) (آل عمران:119)، ولكن حيث إنه قد فسدت قلوبهم فقد قابلوا ذلك بنقيضه عداوة وكفرًا وعنادًا (وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ) (آل عمران:119)، وذلك من شدة غضبهم وتحرق قلوبهم على المؤمنين المؤتلفة أفئدتهم، والمتحدة كلمتهم: (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (آل عمران:119)، ومن عداوتهم أيضًا أنهم: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا) (آل عمران:120)، ولكن لا عليكم من شأنهم وعليكم بالحماية الربانية من كيدهم وشرورهم: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (آل عمران:120).
    وفي المقابل..
    يحرصون على ولاية أعداء الله:
    حيث يجتمع المتشاكلون سويًا ويأوي بعضهم إلى بعض فيستقوي كل كافر بأخيه وأتباعه وأقرانه، وكلهم على نفس الدرب سائرون، وهم في الكفر والانتكاس سواء (بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) (التوبة:67)، وقد يختلف أحمرهم عن أبيضهم عن أسودهم كليًا في المذاهب والعقائد والأديان، ولكن تجمعهم إرادة الحفاظ على ملة الكفر الواحدة (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) (الجاثية:19)، بل قد يختلفون بينهم فيما من أجله تسعر الحروب وتراق الدماء، ولكن توحدهم الحرب على الإسلام وأهله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُ مْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (الحشر:11).
    نعم، كاذبون في ادعائهم إذ صدر هذا من قلوب خربة لا تعرف التضحية والإخلاص بصدق (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (الحشر:12)، فلا تنخدع بزعمهم ولا تغتر بادعائهم، بل هم (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) (الحشر:14)، وما ذلك إلا بنسيانهم ما أمرهم الله به من سلوك طريق الحق: (فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمْ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (المائدة:14).
    وقد تكون هذه الموالاة الظاهرية طمعًا في دنيا يصيبونها أو عرض قليل يحوزونه (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ) (المائدة:52).
    لذلك كله، فالمؤمنون مأمورون بمخالفة أهل الكفر والفسوق والعصيان وأتباعهم وأذنابهم المتعاضدين، وألا يتخذوا منهم أخلاء محبين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51)، وأن يعادوا من عادى دين الله وأن يوالوا الله وأولياءه (إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة:55)، وذكر جزاء هؤلاء الأولياء: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ) (المائدة:56).
    هذا هو الحق الذي لا يصح غيره، فيكفي في بيان عداوتهم هذا اللعب الذي يبغونه والاستهزاء بدين الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ . وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) (المائدة:57-58)، فليفتخر المؤمنون بإيمانهم وليعتزوا بعقيدتهم (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ) (المائدة:59)، والمؤمنون في هذا كله لهم في أبيهم إبراهيم المثل والقدوة (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) (الممتحنة:4).
    ومن هذه الولاية..
    الاحتجاج بسنة الآباء:
    فإن لهم أسلافًا من الآباء والعصبة، كما أن للمؤمنين أسلافًا من الأنبياء والصالحين، ولكن أسلاف المؤمنين سبقوهم في الإيمان وإسلام أنفسهم إلى ربهم فكانوا نعم المثل، أما هؤلاء فسبقهم أسلافهم إلى الكفر والصد والعناد فاستحقوا بجدارة لقب: "أهل الجاهلية الأولى"، وكانوا بصدق شر سلف لشر خلف: (فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَنزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ . إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) (المؤمنون:24-25)، دفعهم حسن ظنهم بآبائهم أن يتركوا ملة الأنبياء ويتشبثوا بعقائدهم الباطلة (وَانطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أَنْ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ . مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ) (ص:6-7).
    وأغراهم تعظيمهم لآبائهم -وإن ضلوا ضلالاً بعيدًا- أن يتبعوا طريقتهم الفاسدة: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) (البقرة:170)، وألا يحيدوا عنها قيد أنملة: (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ) (يونس:78).
    لم يكن هذا دأب قوم بأعينهم؛ فملتمسو الهداية في عادات الأوائل وسننهم كثير (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ . وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ . قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ) (الزخرف:22-24). فكيف كان عاقبتهم؟! (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) (الزخرف:25).
    ولكن قارن بين موقف القوم مع آبائهم وموقف إبراهيم -عليه السلام- مع أبيه: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ . إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) (الزخرف:26-27)، فالمؤمنون له في هذا تبع (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الزخرف:28)؛ لذلك (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة:22).
    نسأل الله -تعالى- الفلاح والنجاح، والثبات على الأمر كله, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    وللحديث بقية -إن شاء الله تعالى-..


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: طريقة أهل الكفر والعناد في معارضة الأنبياء وأتباعهم

    أهل الكفر وحرب التخييل والتضليل








    طريقة أهل الكفر والعناد في معارضة الأنبياء وأتباعهم (3)

    كتبه/ علاء الدين عبد الهادي

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فقد عرضنا في المقالتين السابقين بعض صور الحرب التي ما برح الكافرون عبر العصور يستخدمونها مع الأنبياء وأتباعهم، وأسباب ذلك من انتكاس للفطر، وفساد للعقائد، وخراب للقلوب، وموالاة أعداء الله ومعادة أوليائه، وفي هذا المقال نستكمل -بعون الله- ما بدأناه من هذه الطرائق؛ لا سيما في مجال الحرب على العقيدة وإلقاء الشبهات، ومحاولاتهم فتنة الناس عن دينهم بأساليب ملتوية، ونحو هذا مما يمارسونه ضد هؤلاء الأشراف الأعلَيْن من الأنبياء وأتباعهم المؤمنين.

    فمن صور هذه الحرب.. أنهم يودون إضلال المؤمنين:

    هؤلاء الكافرون عميت أبصارهم فلم تقبل نور الله إذ جاءهم، وأظلمت قلوبهم فلم تعرف للحق طريقًا: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (محمد:23)؛ فكرهوا الهداية والمهتدين حتى إنهم يودون لو لم يؤمن المؤمنون (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ) (البقرة:109)، وهذا نظير قوله -تعالى-: (وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (آل عمرن:69).

    وكأنهم يفعلون ذلك بدافع شعور النقص الذي يعتريهم أمام المؤمنين الموحدين حينما يستعلون بإيمانهم (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلا نَصِيرًا) (النساء:89)، فاحرص يا ذا الجوهرة الثمينة عليها، واعلم أن لك فيها حسادًا مبغضين يودون لو ينتزعونها منك انتزاعًا (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الزخرف:43).

    ومن ذلك الإضلال.. أنهم يتبعون طريق التلبيس والتضليل:

    فالحق أبلج والباطل لجلج، وأصحاب الباطل لما أفلسوا وما بقي معهم على المؤمنين حجة واضحة ، اتبعوا طريق أهل التخييل؛ فطفق شياطينهم يقولون كلمة من الحق ويخلطون بها عشرة من الباطل، ويظهرون الإصلاح ويضمنونه الفساد (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْكَاذِبُونَ) (المجادلة:18)، وهذا التلبيس قد أجادوه مع أتباعهم فانقاد لهم الأتباع، أمروهم بالمنكر ونهوهم عن المعروف فاتبعوهم، وأحلوا لهم الحرام، وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) (البقرة:78).

    فهكذا عقيدتهم لا يعرفونها إلا ظنًا ولا تثبت إلا بمقدار ثبات بيت العنكبوت (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (العنكبوت:41).

    أما المؤمن المستبصر فيعيب عليهم ذلك التلبيس ولا يروج عليه، بل يكشفه ويعريه ويبينه، صارخا في وجوههم: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ . يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (آل عمران:70-71)، فلا يلبث صاحب التلبيس إلا أن ينكشف مكره ويتضح خداعه وتبور بضاعته (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً) (الإسراء:81)، والمؤمن كذلك يدعو هؤلاء الذين يتخبطهم الشيطان أن يفيقوا ويبصروا نور الشمس في رابعة الظهيرة (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة:15-16).

    ومن ذلك التلبيس.. دس المنافقين في صفوف المؤمنين:

    فقديمًا (قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (آل عمران:72)، يريدون بذلك أن يقول الناس: ما ردهم عن دينهم إلا ما وجدوه فيه من نقائص ومثالب، وما تركوه إلا سخطة له، وهي حيلة دنيئة للمفلسين حتى يومنا هذا، ولكنها لا تخيل إلا على المنخدعين، هذا ومن حكمة الله -تعالى- أن يتم نفي الخبث عن الأتباع بالتمحيص والابتلاء (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت:2-3).

    وإلا لو لم يظهر هؤلاء الكاذبون المنافقون على حقيقتهم لما زادوا الصف المسلم إلا ضعفًا وإفسادًا واضطرابًا وتخذيلاً، و(لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (التوبة:47)، وتلك عادتهم دائمًا (لَقَدْ ابْتَغَوْا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ) (التوبة:48)، فدائمًا يفضح الله كيدهم الخاسر ومكرهم البائر، ويرتكبون من الحماقات ما به تظهر ألعوباتهم الطفولية الساذجة، ولو شئت أن تتبع ذلك في القديم والحديث لوجدت عجبًا.

    ومن عداوتهم أيضًا.. أنهم يلقون الشبهات على المؤمنين:

    هؤلاء الكافرون لما كسدت بضاعتهم أن يروجوها، واستحيوا أن يعرضوها على عاقل، ولما علموا أنهم ليسوا على شيء حتى يطمئنوا له؛ فضلاً عن أن يدعوا إليه؛ ذهبوا يشغبون على المؤمنين، ويثيرون حول عقيدتهم الشبهات الواهية والأكاذيب البالية؛ لعلهم ينالون منهم نيلاً، وهيهات أن يبلغوا ذلك مع صادقي الإيمان وراسخي العقيدة؛ فقد ذاقوا مرارة الخذلان وذل الخزي والهوان، في كل مرة يحاولون فيها إلقاء الشبهات سواء في قضايا كلية كنحو: خلق الكون، أو التوحيد، أو بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو حتى في قضايا تفصيلية كما قالوا في أمر تحويل القبلة: (مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا) فرد الله عليهم: (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة:142).

    ولما ذكر الله في كتابه العنكبوت والذباب ضاربًا بهما مثلين بليغين، قالوا: ما بالهما يذكران؟! فأنزل الله: (إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ) (البقرة:26)، أو حتى ما يلوكونه بألسنتهم هذه الأيام من كون الإسلام انتشر بالعنف وحد السيف ويتناسون قوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107)!

    وزعمهم: أن الإسلام ظلم المرأة، ويكتمون قوله -تعالى-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنّ َ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) (النساء:19)، وغير ذلك كثير من القضايا التي يريدون بها صرف المسلمين عن دينهم (وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُواً) (الكهف:56)، ثم يهربون أمام كل مناظرة علمية هادئة لا يلوون على شيء.. فإلى هؤلاء وأذنابهم نقول: (وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى) (طه:61).

    ومن إلقاء الشبهات أيضًا.. التشويش على القرآن:

    لما علموا أن القرآن هو معجزة الإسلام الباقية إلى يوم الدين أرادوا هدمه واللغو فيه، والتشويش عليه؛ حتى لا يقبل عليه المؤمنون، كما قالوا سابقًا: (لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) (فصلت:26)، فراحوا يحاولون تصوير القرآن لنا على أنه لم يأت بجديد، وأن الجديد فيه غير صحيح!

    وقالوا كذلك: (لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ) (المؤمنون:83)، بل طعنوا في الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-: (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الفرقان:5)، فبرأه الله -تعالى- بقوله: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ . بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُونَ) (العنكبوت:48-49)، فراحوا بظلمهم يطعنون فيه، وفي مبلِّغه -صلى الله عليه وسلم-! أفلا يطعنون بعد ذلك في صحابته الكرام -رضي الله عنهم- الذين نقلوه إلينا بالتواتر جيلاً فجيلاً؟!

    ولكن ما أضعف حجتهم وأبين مكرهم وأشد خذلانهم، إذ لو قارنوا كتابنا بكتابهم، وعنايتنا مع قرآننا بعبثهم مع كتبهم، واتفاقنا على مصحفنا باختلافهم على نسخهم، واتصال أسانيدنا وتواترها وتسلسلها بالصحة والقوة بانقطاع أسانيدهم واهترائها وجهالتها؛ لما رفعوا بعد ذلك رأسًا، ولما سمعنا لهم حسًا. فأين الثرى من الثريا؟! وأين التوفيق من الخذلان؟!

    كيف يظنون أنهم ينالون من الكتاب المحفوظ؟!

    محفوظ فيما تم التدقيق فيه في السطور، ومحفوظ كذلك ما وعته ملايين الصدور عبر القرون، والمرفوع شانًا، والمنزه مكانة، والمتخذ ربيعًا، متجددًا للإيمان والعلم والعمل الصالح؛ الذي قال فيه من أنزله: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ . نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ . بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء:192-195).

    أما إنهم قوم يائسون بائسون مخزيون لم ينالوا خيرًا، ولا ينتظرون خيرًا؛ إذ أرادوا للشمس إخمادًا بأنفاسهم، وللسحاب إيذاء بنباحهم! (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ . لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت:41-42)، فلا تحزن يا حامل القرآن (مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ) (فصلت:43)، ويكفيك من البشريات وعد ربك لك: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9).

    وهكذا وكما رأيت أيها القارئ؛ ما أرادوا بالمؤمنين سوءًا إلا رد الله عليهم مكرهم! وما تفتقت أذهانهم الشريرة عن أمر إلا وفي القرآن لها بيان، وللنجاة منها فرقان (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) (الفرقان:33).


    فثق بالله ربك أيها المؤمن وقل: (حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُو نَ . قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ . مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ . إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) (الزمر:38-41).

    والحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على نبيك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    وللحديث بقية -إن شاء الله تعالى-..

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: طريقة أهل الكفر والعناد في معارضة الأنبياء وأتباعهم

    إيذاء الكافرين للرسل وأتباعهم





    طريقة أهل الكفر والعناد في معارضة الأنبياء وأتباعهم (4)
    كتبه/ علاء الدين عبد الهادي
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فقد قال الله -تعالى- مرشدًا عباده المؤمنين: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا) (آل عمران:186)، وفي هذا لا شك تثبيت للمؤمنين، وإمداد لهم بما يحتاجونه من وقاية عقدية وإيمانية ونفسية، كما وعدهم بالجزاء العظيم إن هم ثبتوا في مواجهة الإيذاء، فقال: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) (آل عمران:186).
    وذلك الأذى الكثير ما زال المجرمون يحاولون به النيل من المؤمنين (وَيَسْخَرُونَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (البقرة:212)، (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ . وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ . وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ . وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ . وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ) (المطففين:29-33).
    وكما سخروا من الإيمان وأصحابه، سخروا أيضًا من شعائر الله الظاهرة: (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) (المائدة:58)، وربما سموها قشورًا وسفاهة، وشككوا في حكمتها واستصغروا شأنها، وحقًا قال ربنا: (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم ْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) (الممتحنة:2)، فلقد عادوا ولقد بسطوا ولقد ودوا، وهم (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاً وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ) (التوبة:10).
    فحسبك الله يا سالك الطريق حينما تسمع منهم سبًا وتسفيهًا لدينك.. وحسبك الله حينما تسمع تشكيكًا في عقيدتك وتشويشًا.. وحسبك الله حينما تسمع انتقاصًا لك وللسائرين معك في الطريق الذي جمعك بهم، فإن سخروا فقل كما قال نوح -عليه السلام-: (إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ . فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ) (هود:38-39)، وإن آذوك فقل كما قالت الأنبياء: (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُو نَ) (إبراهيم:12)، واعلم أنك في النهاية منصور (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) (الزمر:36).
    هذا ومن صور الإيذاء.. المكر السيء للمؤمنين:
    قال -تعالى-: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا . وَأَكِيدُ كَيْدًا . فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) (الطارق:15-17)، ما أشد مكرهم بالليل والنهار؛ إذ يحاولون ثني الأنبياء وأتباعهم المؤمنين عن دينهم بطرق ملتوية، وبأيد خفية؛ ظانين أنهم بذلك سينالون أهل الإيمان بكيد أو يصيبونهم بما يشفي غلهم نحو هؤلاء الأتقياء الطاهرين، فراحوا يدبرون لهم مرة من بعد مرة في كل زمان ومكان: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (الأنعام:123).
    فقد يكون هذا المكر منطويًا على خديعة أو وقيعة بين المؤمنين، وقد يكون مكرهم إرادة إيذاء للمؤمنين في أنفسهم وأهليهم وأحبابهم، وقد يكون صدًا عن سبيل الله وتشويهًا للدعوة والدعاة إلى الله، وقد يكون محاولة منهم في استخدام المؤمنين بما يخدم أهدافهم (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ . فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمْ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ) (الزخرف:49-50)، وكم هي كثيرة طرقهم الملتوية وحيلهم الشيطانية التي تتفتق عنها أذهانهم الخبيثة.. وكم فعلوا الأفاعيل، وكم صنعوا المكائد.. (وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا) (نوح:22).
    وما من مرة ذكر الله -تعالى- في القرآن مكرًا مكروه أو كيدًا فعلوه إلا وأتبعه بذكر أنه -تعالى- سيبطله: (مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) (يونس:81)، فكم مكروا وكادوا.. وكم دبروا وخططوا.. وكم بيتوا بليل: (اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ) (فاطر:43).
    وهذه هي سنة الله الكونية في خلقه: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) (فاطر:43)، وكما حدث ذلك معهم حدث مع من قبلهم (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا) (فاطر:44)، أم لم يتفكروا في أنفسهم وأسلافهم: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (آل عمران:54)، شانهم كشأن كل مَن مكر وكاد فكان جزاؤه من جنس عمله (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمْ الْمَكِيدُونَ) (الطور:42).
    ها هو النبي صالح -عليه السلام- التقي النقي يكيده قومه: (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ . قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّه ُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ . وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ . فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ . فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) (النمل:48-53).
    وها هو إبراهيم -عليه السلام- أبو الأنبياء الموحد الحنيف يكيده قومه ويريدون إيذاءه: (فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الأَسْفَلِينَ) (الصافات:98)، (وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الأَخْسَرِينَ) (الأنبياء:70).
    وها هو الرجل الصالح من قوم فرعون آمن ودعاهم إلى الله ونصر موسى -عليه السلام-؛ فأرادوا به مكرًا: (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ) (غافر:45)، وكذلك ينجي الله المتقين، وكذلك ينصر الحق وأهله: (ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ) (محمد:3).
    ما أضعف مكرهم حينما يظنون أنه قد بلغ بهم الدهاء مبلغه (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) (إبراهيم:46)، (ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ) (الأنفال:18)، وحال هؤلاء كحال من سبقهم حينما رد الله كيدهم في نحورهم (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) (النحل:26)، ذلك في الدنيا (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ) (النحل:27)، وتالله إن لنا لعبرة بما ذكر الله لنا من بوار كيدهم الذي يراه كل عاقل بعينيه (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَه َا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) (الأنفال:36)، (وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ) (فاطر:10).
    فإلى هؤلاء الكائدين وأصحاب المكر السيء يقول ربنا -تبارك وتعالى- وهو يعظهم زاجرًا: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمْ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ . أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ . أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) (النحل:45-47).
    وإلى كل المؤمنين الصادقين يقول ربنا -تبارك وتعالى- وهو يعظهم مؤمِّنا: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ . إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل:127-128)، والله حسبنا وهو نعم الوكيل.
    ومن ذلك أيضًا.. الملاحقة والسجن والتضييق:
    كان دائمًا التضييق على الأنبياء وأتباعهم واستضعافهم أحد المفردات التي أكثر الكافرون استخدامها في كل عصر؛ فقد وصف الله بعض المؤمنين من الصحابة المستضعفين بقوله: (إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِ ينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) (النساء:98)، وذكر حالهم ودعائهم متضرعين: (وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَ فِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) (النساء:75).
    وكان ضمن هؤلاء الضعفاء من عرفنا ومنهم من لم نعرف، بل ولم يعرفه الصحابة أنفسهم -رضي الله عنهم- إذ استخفوا بإيمانهم: (وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ) (الفتح:25)، ولقد كان ذلك ابتلاءً عظيمًا وفتنة ممحصة للمسلمين الأوائل: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل:110)، ومن شدة البلاء أباح الله برحمته للمسلمين المستضعفين أن يتفوهوا بالكفر اضطرارًا إن هم أكرهوا على قوله بألسنتهم مع استقرار الإيمان فيه (إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ) (النحل:106).
    وذكَّر الله -تعالى- عباده المؤمنين بما امتن به عليهم من نعمة الأمن في مجتمع المدينة بعد أن كانوا لا يأمنون على أنفسهم وهم مستضعفون: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الأنفال:26).
    الطرد والإبعاد:
    وأما التهديد بالطرد من الأوطان والتشريد في البلدان فلا يكاد يخلو منه رسول مبعوث: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُ مْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ . وَلَنُسْكِنَنَّ كُمْ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) (إبراهيم:13-14).
    وها هو شعيب -عليه السلام- يلاقي الأذى والتهديد والوعيد من قومه المتكبرين: (قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ . قَدْ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ . وَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنْ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ) (الأعراف:88-90).
    وها هو لوط -عليه السلام- يحكم عليه السفهاء المنتكسون بالإخراج والإبعاد لجناية "التطهر" والعفة: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) (النمل:56).
    وموسى الكليم -عليه السلام- خرج وحيدًا فريدًا ليس معه إلا الله حينما جاءه الناصح قائلاً: (يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ . فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) (القصص:20-22).
    وكذلك أتباع الأنبياء نالهم ما نال الأنبياء من طرد وإبعاد، فها هم الفتية المؤمنون يخرجون خوفًا من بطش قومهم: (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا) (الكهف:10).
    وها هم صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- من نجا منهم من التضييق والحبس ناله الإبعاد والطرد بلا ذنب فعلوه أو جرم ارتكبوه: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ) (الحج:40)، بل كانت جنايتهم أنهم يتعبدون لله: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ) (الحشر:8)؛ لذلك نهى الله عن مودة ومحبة هؤلاء المعتدين الظالمين الممالئين لأعداء الله إذ أن حربهم إنما كانت على الدين ذاته (إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة:9)، بل أمر بعد ذلك بمقاتلتهم ومجاهدتهم جهادًا كبيرًا؛ إذ الكفر أعظم من القتل: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ) (البقرة:191).
    وحتى سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم- لم يسلم منهم في ذلك، وهو الكريم الذي من حقه التقريب والإكرام وليس الطرد والإبعاد: (وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّون َكَ مِنْ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً) (الإسراء:76)، فوجود الرسول خير وأمان لهم لو كانوا يعلمون: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ . وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمْ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (الأنفال:33-34).
    وهو أيضًا جمعت له -صلى الله عليه وسلم- محاولات القتل والاغتيال، وحيكت ضده مؤامرات الحبس والإخراج: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال:30).
    ولكن الله أنجاه من مكرهم وأعلى دينه وأذن للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالعودة إلى أحب البلاد إلى الله، وإلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (القصص:85).
    وكما أنجى الله أنبياءه، ونصر أصفياءه، وعد بنصرة عباده المؤمنين القابضين على دينهم والمتضرعين الصابرين على لأواء الطريق: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُ مْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) (آل عمرن:195).
    ومن ذلك الإيذاء أيضًا.. الحرب الإعلامية وتكميم الأفواه:
    ود هؤلاء المشركون لو لم يوجد المؤمنون في الدنيا من حولهم، وإن وجدوا فيا حبذا لو لم يعملوا بالحق الذي معهم، ولو عملوا به في أنفسهم؛ فلا ينبغي أن ينطقوا به ولا ينبغي أن يدعوا إليه، فكراهتهم للحق معلومة، بل واشمئزازهم منه: (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (الزمر:45)، وبلغ بهم من كرههم لهذا الأمر أنهم حتى حاولوا منع الأنبياء وعامة المؤمنين المصلحين من الكلام -مجرد الكلام- إذ أنه يعريهم أمام أنفسهم وأمام الناس ويفضح أعمالهم، وكم استغلوا أبواقهم الإعلامية ووجهوها، ورصدوها رصدًا؛ للصد عن سبيل الله، والتلبيس على الناس وإضلالهم، وتأليب الناس على الدعاة والصالحين، وتشويه الحق والتنفير منه وتزيين الباطل والترغيب فيه.
    ولكن الله –تعالى- برحمته وحكمته يبين للناس الحق الذي أنزله ليمتاز عن الباطل الذي يفتريه الناس (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ) (الرعد:17).
    وحال أهل هذا الحق النافع للناس أنهم مستمسكون به متشبثون بأنواره صابرون على لأوائه وإن خالفهم من خالفهم، لا يملكون أمام هذه الحرب الشعواء إلا النطق بالحق والعمل به (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِ ينَ . الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ . وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ . وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر:94-99).
    والحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على نبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    وللحديث بقية -إن شاء الله تعالى-..



  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: طريقة أهل الكفر والعناد في معارضة الأنبياء وأتباعهم

    تنكيل الظالمين بالمؤمنين



    طريقة أهل الكفر والعناد في معارضة الأنبياء وأتباعهم (5)

    كتبه/ علاء الدين عبد الهادي

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فلما يئس الكافرون من جدوى محاولاتهم السابقة سواء أسلوب التخييل والتضليل وإلقاء الشبهات، أو أسلوب السخرية والاستهزاء والإيذاء بالقول؛ انتقلوا إلى مرحلة جديدة من المواجهة والمجابهة قوامها الإيذاء البدني بعد الإيذاء النفسي، وأصلها الظلم والطغيان، ومنهجها البطش والعدوان، وصدق ربنا القائل: (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُم ْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا) (البقرة:217)، وتأمل هذا الإصرار العجيب: (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُم ْ)، وهذا الحرص على بلوغ هدفهم الأكبر (حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا)، وفي المقابل احذر مِن عقوبة لا طاقة لك بها إن اتبعتهم: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:217).

    لقد كان دائمًا الدافع وراء تنكيل الجبارين بالمؤمنين -لا سيما بالضعفاء منهم- هو الظلم والطغيان الذي يتملكهم، والقوة التي تعميهم، والسلطة التي يبتليهم الله بها، ثم شعورهم بضعف الحجة وانعقاد اللسان أمام السيل الجارف والنور الساطع المتمثل فيما مع أهل الإيمان من حجة وقوة بيان، وأضف إلى ذلك خوفهم على سلطة زائلة وتنافسهم المحموم عليها.

    ولئن شئت مثالاً مستوفيًا لكل هذه العناصر فهاهو فرعون -وما أكثر الفراعين- الذي وصفه ربه بقوله: (إِنَّهُ طَغَى) (طه:43)، ولا شك أن كل من تعدَّى حده بوصفه عبدًا لله -في الطاعة والعبادة والتعظيم، والأمر والنهي، والحكم والتشريع- فهو طاغٍ متجاوز لقدره ظالم لنفسه: (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (البقرة:57)، والمتجاوز لحدود العدل وحقوق الناس أيضا طاغٍ, وقد كان من طغيان هذا الفرعون تجبره على بني إسرائيل بصورة تملؤها الفجاجة في الظلم والعدوان، (قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) (الأعراف:127).

    وكان من أمره أيضًا أن غرته القوة والملك الذي منحه الله إياه، فرأى أن معه بمقتضاه الحق المطلق: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ) (الزخرف:51)، وزاد من غروره أن رأى موسى ضعيف القوة والمنعة بمقاييس الدنيا: (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ) (الزخرف:52)، وكأن الحق والباطل يقاسان بهذه الشخصنة (أنا) و(هو)، أو بمقاييس القوة (مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ) والقدرة على الإبهار لعقول السذج!

    لا عجب بعد ذلك أن يرى نفسه هاديًا ومرشدًا واجب الاتباع؛ (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ) (غافر:29)، وكبيرًا معظمًا فوق البشر، بل إلهًا يعبد (فَحَشَرَ فَنَادَى . فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى) (النازعات:23-24)، بل من صفاقته أنه يرى لغيره، ويقرر لغيره، ويعلم نيابة عن غيره: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) (القصص:38)، فهو وحده -زعم- الحكيم المعصوم الذي يعلم الأصلح للعباد والبلاد، وهو وحده الذي يقرر، وهو وحده الخبير ببواطن الأمور، ومواطن الخير، ومظان الشر، وكيف يقمع أصحاب الفساد: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ) (غافر:26)

    لما يئس الكافرون من جدوى محاولاتهم السابقة انتقلوا إلى مرحلة جديدة من المواجهة والمجابهة قوامها الإيذاء البدني بعد الإيذاء النفسي


    فيا لغربة الإيمان.. ! ولكنه كما قاد أتباعه في الدنيا نحو الهلاك والغرق، فسيقودهم أيضًا إلى الهلاك في الآخرة؛ جزاء لإمَّعات فرعون، وما فعلوه حينما جاءهم الرسول: (فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ . يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ . وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) (هود:97-99).

    ورجل بهذه النفسية المتكبرة المتألهة التي تستصغر من دونها أيًّا ما يكن, ومعتاد على الطاعة العمياء من قوم سفهاء، (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ) (الزخرف:54)، ويشعر بكل هذه السلطات المطلقة، ثم بعد ذلك يجد من المؤمنين مَن يعارضه إذ يأمر بتعظيم الإله الحق -سبحانه-، والرجوع إليه وتوحيده عقيدة وعبادة وتشريعًا، مؤيدًا من عند الله (بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ) (المؤمنون:45)، إذ معه من الآيات والحجج ما يقوِّض أسس هذا الملك الظالم، ومعه من الأنوار ما يجتذب قلوب وعقول العباد (أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ) (إبراهيم:5).

    ثم هو يرد عليه أمره الفاسد ويتحداه بما يملك من إيمان وعقيدة راسخة: (قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا) (الإسراء:102)، بل يقف أمام هذا الجبار الظالم صادعًا بكلمة التوحيد ومقتضياتها؛ (حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ) (الأعراف:105)؛ فماذا تنتظر إلا مزيدًا من العناد والاستكبار مِن رجل بهذه النفسية يجد ما وصفناه مِن زلزال الحق تحت قدميه؟ وماذا تتوقع منه إلا التخطي لكل قاعدة أخلاقية في سبيل التخلص مما أصابه وأصاب ملكه؟!

    ثم أضف إلى ذلك ما يجده ويشعر به من التفاف الناس حول الدعوة الجديدة، لا سيما إن وصلت للدائرة الضيقة المحيطة به بعد أن غمرت عامة الناس، فهاهو رجل صالح من آل فرعون يقول: (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ) (غافر:28)، وهاهي امرأة فرعون تقول: (رب ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (التحريم:11)، وأضف إلى ذلك أيضًا انكشاف ضعف أمره إذ خاب كيده في أمر السحرة، بل لقد انقلبوا على كفره وتمردوا عليه، وكانوا من قبل مِن خُلص جنده، وأقرب أصفيائه، وأقوى عُدده في معركة التخييل والتضليل والتلبيس على العامة!

    فالآن هاهم السحرة يؤمنون بالدعوة الجديدة، ويعلنون التسليم في الحال بعد ما رأوا من الحق الناصع الذي ليس عليه غبار: (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) (طه:70)، وهنا كانت المفاجأة لفرعون، ووقعت الصدمة له وهو الذي ما اعتاد على مثل هذا من أتباعه، فقرصته إهانة "الأنا" المتألهة، فراح يلملمها بعد تبعثر؛ (قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) (طه:71)، وكأن القضية هي أن يرجعوا إلى هذه "الأنا" المستعلية، ويستأذنوه حتى في قضية الإيمان، وليست قضية آيات بينات وحجج واضحات، وحق أحق أن يتبع، وتحجج بما يراه تمردًا، وزعم أن هناك مؤامرة تُحاك ضده (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ).

    فما كان منه إلا أن ثار، وأرغى وأزبد، وتوعد بصنوف العذاب وأنواع التنكيل ما استساغ ذكره تفصيلاً واستمرأ التلويح به على هذا النحو؛ (فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّك ُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ)، وهو ما زال يصر على إشعارنا بانعدام حجته ليقارع بها حجتهم، وإفلاس منطقه ليغلب به منطقهم، بل يجيد بدلاً من ذلك لغة البطش وحدها: (وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى) (طه:71).

    أما المؤمنون الجدد فما رأوه مِن حق ثبَّتهم أمام ما سمعوه من وعيد شديد، وما علموه مِن وعد الله للمؤمنين أنساهم ما كان قد وعدهم به هذا الفرعون: (قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (طه:72-73).

    فالحاصل: أن القوم حينما تفلس حججهم ويتضح للملأ أنهم لا يملكون "القاعدة الأخلاقية" التي يحكمون بها الناس، ويواجهون بها دعوة أهل الإيمان؛ يظهر منهم -قولاً وفعلاً وسلوكًا- ما يفضح قلوبهم السوداء، ونفسياتهم المريضة، ورغباتهم المجنونة التي لا تجد وازعًا يردعها عن التنكيل بالمؤمنين عن طريق التعذيب والتشريد والتقتيل والإهانة والظلم والطغيان وانتهاك الحرمات، فهذه الحرمات ما هي إلا كلأ مستباح لشرورهم، وهذه الأجساد والأوصال ما هي إلا مرتع للفساد والعبث، وهذه الآلام الهائلة والدماء المتفجرة لا تزيدهم إلا بهجة وسرورًا، وهذه التأوهات والصرخات لا تزيدهم إلا طربًا وسعادة.. (وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:132).

    ولا تظنن أن هذا الأمر مختص بفرعون؛ بل ما ذكرناه إلا مثلاً لمَن على شاكلته من أصحاب القوة والسلطة والجبروت ممن ينكلون بأهل الإيمان في كل أوان مهما اختلفت ألوانهم ولغاتهم، فهؤلاء أصحاب الأخدود لما جاءوا إلى ملكهم يبشرونه بما يسوؤه: "أرأيت ما كنت تحذر؟ فقد والله وقع بك حذرك"، فنكلوا بالمستضعفين، (وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِين َ شُهُودٌ . وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (البروج:7-8)

    القوم حينما تفلس حججهم ويتضح للملأ أنهم لا يملكون "القاعدة الأخلاقية" التي يحكمون بها الناس، ويواجهون بها دعوة أهل الإيمان؛ يظهر منهم -قولاً وفعلاً وسلوكًا- ما يفضح قلوبهم السوداء، ونفسياتهم المريضة، ورغباتهم المجنونة
    .

    وها هم أصحاب يس لما دعتهم رسلهم و(قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ . وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (يس:16-17)، فإذا بهم يتوعدونهم أيضًا: (لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُ مْ وَلَيَمَسَّنَّك ُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ) (يس:18)، وهاهو الرجل الصالح الذي آمن بهم يقول: (يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) وبعد جهاده بكلمة الحق عند الجائرين واستشهاده في سبيل إيمانه قيل له: (ادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ . بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ) (يس:26-27).

    وها هم المشركون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا وصفهم الله -عز وجل- بقوله: (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ . اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ) (التوبة:8-10).

    وها هو إبراهيم -عليه السلام- يعقد له قومه محاكمة صورية لتجميل الوجه القبيح -وما هم بفاعلين-، فحكموا عليه ظلمًا و(قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ . فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الأَسْفَلِينَ) (الصافات:97-98).


    وحقًا قال ربنا في المشركين حيث حلوا: (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم ْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) (الممتحنة:2).

    وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    وللحديث بقية -إن شاء الله تعالى-.

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: طريقة أهل الكفر والعناد في معارضة الأنبياء وأتباعهم

    طريقة أهل الكفر والعناد في معارضة الأنبياء وأتباعهم (6)


    كتبه/ علاء الدين عبد الهادي


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    ففي كل زمان مِن أزمنة التاريخ تواجد هؤلاء القوم -أعني المنافقين- بصور مختلفة وأنماط متفاوتة، فرقتهم الأزمنة والأمكنة وجمعهم الداء نفسه؛ فتشابهوا في صفاتهم كلها التي حاصلها إبطان غير ما يُظهرون، فقلوبهم في واد مظلم ملأه الكفر والشك والفساد، وأبدانهم في واد آخر يتجملون بها أمام مَن بيده القوة والسلطة بمعناها الواسع -برًا كان أو فاجرًا-، باحثين بهذه الازدواجية عن مكسب ولو رخيص، وجائزة ولو قليلة؛ فباعوا دينهم واشتروا دنياهم، وكفروا بقلوبهم وزعموا الإيمان: (قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) (البقرة:93).

    الواحد منهم قد يكون منافقًا عليم اللسان، وقد يكون رويبضة؛ وهو الرجل التافه يتكلم في أمر العامة، وقد يكونون مِن جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، وقد يكونون رؤوسًا جهالاً يُسألون فيفتون بغير علم فيَضلوا ويُضلوا.

    وليس مقصودنا حصر هذه الأوصاف، بل المقصود رصد بعض هذه الصفات والأفعال التي يقصدون بها التعمية على الحق والترويج للباطل، وكذا دورهم في مجابهة الأنبياء وأتباعهم.

    فمن ذلك: عدم قبول حكم الله مع زعمهم الإيمان:

    الانصياع لحكم الله يقتضي طهارة ونقاءً في القلب، وتسليمًا لحكمة الله، وانخلاعًا مِن حظوظ النفس وشهواتها، وهو ما لا يتوافر في قلوب قد اجتاحها النفاق، مِن أجل ذلك كله استثقل المنافقون هذا التسليم لله في حكمه، وجرؤوا مع ذلك على ادعاء الإيمان وزعم الطاعة!

    وعجبا لهم.. ! (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِين َ . وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ) (النور:47-48)، ولفساد قلوبهم لا يقيمون فيها لحكم الله وزنًا، ولئن فعلوا يومًا فلمصلحة يحصلونها أو غنيمة يحوزونها (وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ . أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) (النور:49-50).

    بخلاف أهل الإيمان المتصفين بالإيمان والفلاح: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ . وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ) (النور:51-52).

    وهؤلاء المنافقون في المقابل يحترمون -أو هكذا يزعمون- الحكم الوضعي الذي اختاره له أولياؤهم ويحبونه، ويفضلونه على حكم الله مع أنهم أعلنوا الإيمان والتسليم ظاهرًا: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) (النساء:60-61)!

    يفعلون ذلك حيث لم تتحقق فيهم صفة الإيمان: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65)، ولو دخل اليقين قلوبهم لما احتكموا بحكم الجاهلية: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:50).

    ومِن ذلك أيضًا: المناداة بفصل الدين عن الحياة:

    فهم بعد ما رفضوا التحاكم إلى شرع الله في نزاعاتهم أبوا كذلك تطبيق هذا الشرع الحكيم في حياتهم ومعايشهم، إذ احتوى الشرع الحكيم على قواعد وضوابط مِن أجل إقامة العدل والحق الصادرين عن الوحي الإلهي؛ مراعاة لمصلحتهم ومصلحة غيرهم، وحقوقهم وحقوق غيرهم، والأهم مِن هذا سياسة الدنيا بالدين، وإصلاح الخلق بدين الحق، إلا أن هذه المعادلة لم ترق القوم، ولم توافق قلوبهم المريضة التي أُشربت حب الدنيا.

    وها هو شعيب -عليه السلام- "كمثال" يحاول إصلاح قومه -ويا له مِن مصلح مهدي-، ويقول لهم: (يَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ . بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) (هود:85-86).

    فما كان منهم إلا مناداته بفصل دينه وصلاته وعقيدته عن حياتهم وكسبهم ومعاشهم، و(قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) (هود:87).

    وكأنه ليس مِن الرشاد فعل ما يدعو إليه شعيب -عليه السلام- مِن إصلاح الدنيا بالدين، والعيش وفق الأوامر الإلهية، وكذبوا والله.. فلا تستقيم الحياة بغير نور مِن الله وابتغاء رضاه: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف:96)، ولكنهم عبيد الدنيا، وعبيد لمفرداتها مِن: درهم أو دينار، أو خميصة أو قطيفة، فتعسًا لهم.

    ومِن سماتهم كذلك: النفور من ذكر الله:

    ما أشد ضيق صدورهم بكل ما يذكرهم بالله واليوم الآخر، والحق والدعوة إليه، فتجدهم يبالغون في إبعاد هذا الصوت الذي يخاطب الضمائر ويعريهم أمام أنفسهم: (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (هود:5).

    وهذا نوح -عليه السلام- يدعو قومه ولا يجد منهم إلا صدًا ونفورًا: (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا) (نوح:7).

    وهذا النفور إنما مصدره البغض الأعمى لما أنزل الله مِن آيات حتى إنهم يهمون بالتنكيل بتاليها؛ كراهة لما يقول: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُ مْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمْ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (الحج:72).

    لذلك فمن غير المستغرب منهم ردود أفعالهم المتشنجة، وشدة نفورهم مِن الذكر والتوحيد ودعوة الحق: (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (الزمر:45).

    وأولئك لهم التعاسة والضيق في الدين: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) (محمد:8-9).

    ولهم كذلك العذاب الشديد وحبوط الأعمال في الآخرة: (فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) (محمد:27-28).

    ومن ذلك: سوء الأدب مع الله ومع رسوله -صلى الله عليه وسلم-:

    تعظيم الله وشعائره من تقوى القلوب التي لا يتحلى بها المنافقون، وبعد أن ساء أدبهم مع الله بردهم أحكامه والنفور من ذكره؛ ساء أدبهم مع الله -تعالى- نطقًا ينطقونه وجرأة يتقحمونها، فقديمًا بلغ الفجور بأساتذتهم في الشر من اليهود وقالوا في الله قولاً مهلكًا لأصحابه: (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) (آل عمران:181)، (وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً) (المائدة:64)، وهكذا راح أفراخهم مِن المنافقين يقلدونهم في اجترائهم على الخالق -سبحانه-.

    ولربما تكلموا في كلام الله -تعالى- بما لا يليق: (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ . وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ) (التوبة:124-125).

    ولربما تكلموا في حق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذلك بما لا يليق مع مقام النبوة: (وَمِنْهُمْ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) (التوبة:61)، أي يسمع كل ما يقال له ويصدقه -استهزاءً وسخرية- فرد الله -تعالى- عن نبيه ودافع عنه: (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) (التوبة:61)، بل توعد مَن يؤذون خليله المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بالعذاب والنكال: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (التوبة:61).

    وقد يقع أحيانًا أن يسيئوا الأدب مع المؤمنين والصالحين محاولين القدح فيهم أو السخرية منهم: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) (التوبة:65)، وهذا مما لا ينبغي فيه الهزل واللعب، وهم ما أساؤوا الأدب مع المؤمنين إلا بقصد القدح في دين الله، وهل حملهم على السخرية منهم إلا لأنهم يدلون على دين الله وقد حملوه بيْن أضلعهم؟ فهم في حقيقة الأمر أرادوا الاستهزاء بالله -تعالى- ففعلوا ذلك على هيئة السخرية من هؤلاء المؤمنين به -تعالى- (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) (التوبة:65-66).

    ومن ذلك أيضًا: أنهم يعرف في كلامهم العداوة لله ولأوليائه:

    فلما امتلأت قلوبهم حقدًا على المؤمنين، وأظلمت قلوبهم عداوة لهم؛ بدر منهم ما يبين عن مكنون صدورهم رغمًا عنهم، وزلقت ألسنتهم ببعض ما أضمروه: (قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (آل عمران:118)، وما أبدوه من حقد وغل وحسد يجاهدون في كتمه وإظهار خلافه، ولكن يأبى الله إلا أن يفضحهم بما تزل به ألسنتهم: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ) (محمد:29)، بلى يعرفهم كل ذي بصيرة من طريقتهم التي يتكلمون بها وأسلوبهم في سوق الحديث: (وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُم ْ فَلَعَرَفْتَهُم ْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّ هُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) (محمد:30).

    وما أشبه الأواخر منهم بالأوائل: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ) (التوبة:64).

    ومن سماتهم المميزة: الاضطراب الشديد في المحن وعدم نفعهم وقت الشدة لأوطانهم:

    فهم عبيد الدنيا لا يعلمون للنجدة عنوانًا، ولا للشهامة طريقًا، ولا جربوا للتضحية طعمًا، أفتطمع بعد ذلك أن يقال لهم: أوطانكم؛ فيلبوا النداء.. أو أعراضكم؛ فتجري في عروقهم دماء الغيرة وحميتها!

    وإذا علمتَ ذلك وتيقنت منه ثم رأيت الوطيس قد حمي، والسيوف قد برق لمعانها والدماء قد تناثرت ههنا وههنا (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ . هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً) (الأحزاب:10-11).

    فلا تحسبن أن هؤلاء المنافقين ضعيفي الإيمان سيسارعون حتى يكونوا في عداد الشهداء، ولا تنتظر منهم إذن عند اللقاء إلا جبنًا، ولا لوعد الله بالنصر التمكين إلا شكًا وارتيابًا (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً . وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجعوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً) (الأحزاب:12-13)، بل دون ذلك وهو مجرد فكرة القتال تصيبهم بما يشبه الموت خوفًا وفزعًا: (فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ) (محمد:20).

    فعجبًا لمن يوليهم ويبوأهم ويرفعهم، وقد وضعهم الله -تعالى- وبيَّن أحوالهم.. وإلى الله المشتكى!


    وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    وللحديث بقية -إن شاء الله تعالى-..




  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: طريقة أهل الكفر والعناد في معارضة الأنبياء وأتباعهم

    الصد عن سبيل الله









    طريقة أهل الكفر والعناد في معارضة الأنبياء وأتباعهم (7)

    كتبه/ علاء الدين عبد الهادي

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فما رأيناه مما سبق كله ما هو إلا صور شتى من صور الصد والصدود عن سبيل الله، فأما الصدود فنفورهم عن سبيل الحق بكل ما أوتوا من عزم وتصميم: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) (النساء:61)، وأما الصد فحرصهم على إقصاء الناس عن الحق وإقصائهم عنه بكل وسيلة ممكنة ظلمًا وعدوانًا: (ألا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ . الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ) (هود:18-19).

    إذن فالعداوة المتجذرة في القلوب، وحرصهم على الصد والصدود عن سبيل الله إنما حملهم عليها ذلك الكفر المتغلغل في أعماقهم، والمتأصل في وجدانهم، كفر بالله -سبحانه- القاهر فوق عباده؛ إذ لو آمنوا به لخشعت قلوبهم للحق، وللهجت ألسنتهم بذكره، ولوجدوا في قلوبهم حلاوة الإيمان وبرد اليقين فنصروا الله بطاعته، والرسول بمتابعته؛ فأيدهم الله في الدارين، ووفقهم لمزيد من الهدى والإيمان: (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران:174)، ولكنهم كفروا بالله فصدوا عن سبيله.

    ولو آمنوا برسل الله لعلموا أن الخير على أيديهم جار، وأن النصر في ركبهم مقرون، ولمَا خالفوهم وحاربوهم، وآذنوا بحرب من الله ورسله لا طاقة لهم بها: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ) (الأنبياء:105)، ولكنهم كفروا بهؤلاء الأنبياء الأصفياء فصدوا عن سبيل الله الذي كانوا ينادون عليه.

    ولو آمنوا باليوم الآخر وأن مردهم إلى الله فسائلهم عما فعلوا في دنياهم؛ لعملوا من الصالحات أعمالاً، ولأعدوا للسؤال جوابًا، ولكنهم أشربوا حب الدنيا وعبادتها وكراهية الموت، والآخرة، بل إنكار البعث والجزاء، وقالوا: (إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (المؤمنون:37)، ففسدت عقيدتهم، وساءت أعمالهم، وحاربوا الله ورسله؛ إذ أمروهم بأوامر لم ترقهم، ونهوهم عن نواهي لهم فيها غرض وشهوة؛ فحادوا الله وصدوا الخلق عن متابعة سبيل الأنبياء: (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُم ْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) (الزخرف:37).

    فتراهم يمعنون في هذا الصد بإصرار عجيب، ويتربصون بالمؤمنين كل سبيل حتى قال لهم أحد أنبيائهم: (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (الأعراف:86)، إلا أن هؤلاء المفسدين لا يتبعون غير هذا السبيل، ولا يحرصون إلا عليه، وما أقبح فعلهم الذي فاق كل مخالفة: (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُم ْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:217).

    ولئن اختلف أهل الباطل فيما بينهم إلا أنهم تتوحد هممهم على المؤمنين في هذا المضمار، ويتجمع شتاتهم عليهم؛ صدًا لهم عن سبيل الله الذي أمرهم بلزومه، فها هم أهل الكتاب من يهود ونصارى على اختلاف بينهم يتفقون على بغض أهل الإيمان إلا أن يدخلوا في دينهم: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (البقرة:120)، وهم يريدون أن يحرفوا المؤمنين عن عقيدتهم -لا سيما الداخلين حديثًا في دين الله الراغبين فيما عنده سبحانه- فيقول فيهم الله -تعالى-: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (آل عمران:99).

    وللمرء أن يعجب كيف يصرون على هذا الصد وهم يعلمون الحق واضحًا جليًا -لا سيما كبراؤهم-: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (البقرة:146).

    وكم تفنن الرهبان والأحبار في الصد عن سبيل الله؛ إما تشويهًا للحق الذي مع المؤمنين أو تزيينًا للباطل الذي معهم، وتلبيسًا على أذنابهم وأتباعهم من الأميين الذين: (لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ) (البقرة:78)، وهم ما زالوا على هذا الحال منذ القدم لا يرعوي هؤلاء عن الإغواء والإضلال، ولا يستنكف هؤلاء عن التبعية العمياء حتى أفسدوا عليهم دينهم وآخرتهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنْ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) (التوبة:34).

    وقد استأثر اليهود بنصيب وافر من ذلك فعاقبهم الله في الدنيا، وقال: (فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً) (النساء:160)، وعاقبهم كذلك في الآخرة، وقال: (فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) (البقرة:79).

    ولم تقتصر محاولات الصد عن سبيل الله على أهل الكتاب بطبيعة الحال، بل تجدها مِن عموم مَن كفر، فهم يضيقون ذرعًا بالإيمان والمؤمنين، ويريدون إضلالهم بعد ما ضلوا هم: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً) (النساء:167)، بل الكثرة الكاثرة من أهل الأرض -إلا من أكرمه الله بالإيمان- ليسوا على الحق فضلاً عن نصرته، بل ودوا أن يلحق بهم المؤمنون في ضلالهم: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ . إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين َ) (الأنعام:116-117)، ويا لهذه الأهواء التي أردت أصحابها: (وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِين َ) (الأنعام:119).

    تعرف ذلك من حالهم وأقوالهم وأفعالهم، وذلك حينما تراهم يعرضون عن الحق، ويتفننون في كل ما يلهي الناس عن ذكر الله والرجوع إليه: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ . وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (لقمان:6-7)، وحينما تراهم يبعدون عن هذا الحق ويأمرون الناس بالبعد عنه كذلك: (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (الأنعام:26).

    وحينما يؤثرون على الحق الغالي النفيس الدنيا وما يستحقر من متاعها؛ ليمنعوا المؤمنين من الإيمان: (اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (التوبة:9)، وحينما يمنعون الناس من المساجد بيوت الله ويريدون خرابها: (وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمْ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (الأنفال:34)، وحينما يضيقون ذرعًا من المؤمنين ومظهرهم وعقائدهم وعفتهم حتى قالوا: (أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) (الأعراف:82).

    بل تعرف ذلك في كل ما ذكرناه -اختصارًا- في هذه السلسة من أفعالهم القبيحة كالتسفيه للمؤمنين، والمعاداة لهم والموالاة لأعدائهم، كما يدخل فيه ما سطرناه من حروب التلبيس والتخييل، ومحاولات الإضلال والمكر والخداع، ويدخل فيه الإيذاء بالقول والفعل، والحرب الإعلامية والنكال الذي يتوعدون به المؤمنين، وغير ذلك مما ذكرنا وبصرنا الله -تعالى- به، فهل فعلوا ذلك إلا كراهة للحق واتباعه وصدًا للناس عن اللحاق بسبيل الله القويم وصراطه المستقيم؟

    ولكن أبشر أيها الموحد.. فكما بصَّرك الله بعداوتهم وصدهم عن الحق إلا أنه -سبحانه- أخبرك -ومن أصدق من الله قيلاً- ببوار مكرهم وخسران سعيهم: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ) (محمد:32)، فأعمالهم حابطة بعكس المؤمنين الذين يهديهم الله، ويرزقهم السكينة والتوفيق: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ . وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ . ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ) (محمد:1-3)، كما بشرك الله أن كيدهم سيرد إلى نحورهم، وسينقلبوا أذلاء مدحورين: (فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ) (الأعراف:118-119).

    ومن بطلان عملهم وصغارهم ما يلحقهم من الحسرة وهزيمة الكيد في الدنيا، وسوء المنقلب في الآخرة: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَه َا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ . لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ) (الأنفال:36-37).

    فكما وعد الله المؤمنين في الدنيا بالنصر والتمكين في الدنيا وعدهم الجنة والنعيم في الآخرة؛ ففازوا بأعظم الحسنيين أو كليهما، وعلى النقيض: فالكافرون الظالمون الصادون عن سبيل الله، لهم اللعن والخزي والخسران في الدنيا، ولا تلحقهم مغفرة حيث ماتوا على ذلك: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) (محمد:34)، ولهم كذلك العذاب الشديد في الآخرة: (وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ . الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) (إبراهيم:2-3).

    ولا يتبدل هذا العذاب بنعيم، بل يزاد لهم العذاب: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ) (النحل:88)، وهذا العذاب وهذه الزيادة إنما هي جزاء أعمالهم حيث إنهم ضلوا وأضلوا خلقًا كثيرًا؛ فاستحقوا أن يحملوا آثامًا أخرى: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ) (العنكبوت:13). فنسأل الله السلامة.

    خاتمة.. بل فاتحة:

    وبعد.. فهذا الصراع وهذه أسبابه، وهذا الطريق وهذه ضريبته، وهؤلاء هم الكافرون وتلك طريقتهم، وأولئك هم المؤمنون وذلك ثباتهم، كل قد بيَّن لنا ربنا وصفه وشيمته، وكل قد وصف لنا في القرآن طريقه ومسلكه: (ثم جعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (الجاثية:18).

    وهكذا أيها القارئ الكريم ربما تكون قد انتهت إشاراتنا العابرة، ولكننا لم نستوعب كل أفعال القوم وعلاماتهم المبينة في القرآن، ولكن فيما ذكرناه غنية في هذا المقام وذكرى: (لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (ق:37)، فلتأخذ مما أورد دليلاً على ما أضمر، ولتتأمل هذه الآيات البينات تكن لك هداية لما وراءها.

    فهكذا نرى كيف بيَّن لنا ربنا برحمته طبيعة الطريق الموصلة إليه، وجعل عليها علامات تعرف بها وتميز، وأعلمنا أن سلعة الله الجنة، وأنها غالية؛ فلا يدخلها إلا من اجتاز المكاره والعقبات التي قدَّر الله وقوعها من أجل تمحيص الصف المؤمن، وإعلاء لمنزلة المؤمنين عند الله: (وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) (آل عمران:141)، كما بيَّن لنا تفصيلاً وإجمالاً في كتابه الكريم صفات أعداء الدين وأفعالهم وعلاماتهم التي يعرفون بها ويتميزون: (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) (الأنفال:42)، فلا يلتبس حق بباطل.

    وبيَّن الله -تعالى- كذلك كيف واجه الأنبياء والمؤمنون معهم ومَن بعدهم هذه المكائد، وهذا الصد والنفور حتى نسلك طريقهم الذي ساروا عليه فأنجحوا وأفلحوا، ونتبع السبيل الذي دعانا -سبحانه- لسلوكه؛ صراط الذين أنعم الله عليهم بنعمة الهداية ونور البصيرة، وبيَّن لنا -سبحانه- أيضًا مآل الفريقين وعاقبة السبيلين: (فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ . وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران:56-57).

    فلما وقف المؤمنون على هذا كله استبشروا بوعد الله لهم، وقالوا: (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ . رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) (آل عمران:8-9)، وسعدوا بالهداية والتوفيق لما يحب ربنا ويرضى ونادوا الكافرين: (أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً) (الأعراف:44)، ويوشك أن يسمعوهم يوم القيامة وهم يقولون: (نعم فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ . الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ) (الأعراف:44-45).

    فحقًا قال ربنا في كتابه الكريم -وعز من قائل-: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل:89).


    اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.. (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (آل عمران:147).

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.




الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •