الكتاتيب بين الأمس واليوم

كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
تمثل الكتاتيب أقدم وسائط التربية التي عرفها المسلمون بجانب "البيت" و"المسجد"، وكشأن سائر تراث المسلمين تعرضت الكتاتيب لتشويه متعمد من وسائل الإعلام، فالكتاب في حس هؤلاء هو عبارة عن حجرة ضيقة سيئة التهوية والإنارة ويتولى التدريس فيها شيخ أقرب إلى المهرجين منه إلى المعلمين لا هم له إلا بطنه ولا يحسن قراءة العربية فضلا عن قراءة القرآن إلا بطريقة مضحكة مثيرة.
والواقع أن الكتاب الذي يعتقد أن بداية أمره كانت في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الذي شهدت خلافته ابتداء كثير من الأنظمة الإدارية للدولة الإسلامية كان في القرون الفاضلة منارة للعلم تمثل التعليم الإلزامي في المجتمع المسلم، وأن المسلمين كانوا يعنون بهذه الكتاتيب عناية بالغة ويكفي أن تعرف أن كتاب الضحاك بن مزاحم ـ رحمه الله ـ (ت 105 هجريا) كان فيه ثلاثة آلاف صبي مما يمثل في زماننا هذا مدرسة ضخمة بل مجمعا للمدارس وإليك هذا النظام العلمي والتربوي والإداري للعلامة بن سحنون المالكي (202 – 256 هجريا) لتدرك مدى عناية المسلمين بكتاتيبهم والعلامة بن سحنون مثال للرجل "الكتابي" بدأ حياته صبيا في الكتاب وختمها معلما فيه -ويا ليت أبنائنا الفتيان يجعلون العودة مرة أخرى إلى هذا الحقل في المستقبل إن شاء الله معلمين أحد أهم أمانيهم-
و مما جاء في نظام كتابه:-
1- يبدأ الصبي بالقرآن فحسب ولا يخلط معه غيره
2- يضاف بعد ذلك الخط واللغة والشعر والحساب
3- العقاب يكون بثلاثة أسواط كحد أقصى بشرط حصول السلامة ومتى تعدى المعلم ضمن أثر تعديه، ويمكن الزيادة عند الحاجة ولكن يشترط إذن ولي الصبي
4- الدراسة على فترتين كل فترة تتخللها راحة
الأولى: من الشروق إلى الظهر، الثانية: من العصر إلى المغرب
5- الإجازة يوم الفطر وثلاثة أيام في الضحى ويمكن زيادتها إلى ثلاثة في الأول وخمسة في الثاني.
و من خلال هذا العرض الموجز لنظام كتاب بن سحنون نخلص بالنتائج الآتية:-
1- القرآن هو محور اهتمام الكتاب الذي يمثل أولى مراحل التعليم في المجتمع المسلم
2- الشريعة الإسلامية هي المصدر الذي استقى منه معلمو الكتاب رؤيتهم للثواب والعقاب وغيرها
3- كما أن الكتاب يراعي حتى في جوانبه الإدارية "مواعيد الدراسة اليومية" ومواعيد "الإجازة السنوية" أن يكون متوافقا مع النظام الإسلامي
* بعد فقد كان الطلاب النابهون يخرجون من الكتاتيب إلى مجالس المحدثين بحيث تنتقى أكفأ العناصر ليقوموا بجانب حفظ الدين، بينما يتجه الطلاب الآخرون إلى سائر نواحي الحياة بعد أن يكونوا قد أخذوا زادا كافيا من التربية الإيمانية النقية
و الآن لم يبق لنا من هذا التاريخ الحافل وهذا المجد التليد إلا "الكتاتيب الصيفية" التي تكتنفها كثير من الصعوبات أهمها تغير طبيعة المعلم فأنى لنا بمثل بن سحنون وتغير طبيعة ولي الأمر الذي يرى أن الكتاب ما هو إلا وسيلة لمنع الأولاد من نزول الشارع أثناء فترة الإجازة الصيفية، وبالتبع تغير نظرة الأطفال تبعا لنظر أوليائهم ومن الخطأ الشائع أن تتصور أن الأطفال من الصغر بمكان لا يسمح لهم بالرصد الدقيق لما يدور في نفوس الكبار، والواقع أن الأطفال يرصدون ويصلون إلى نتائج مطابقة للواقع في معظم الأحيان ولكنهم يعجزون أو لا يرغبون في التعبير عن ذلك، ولكنهم يتصرفون من هذا المنطلق إضف إلى ذلك أن المدارس والنوادي الصيفية تمثل منافسا كبيرا للكتاب مما يدفع كثير من القائمين على الكتاتيب لمحاكاتهم في بعض أنظمتهم وهو أمر لن نمنع منه منعا مطلقا ولكن على الأقل نريد كتابا صيفيا يوطن نفوس أبنائنا على نفس المعاني التي كان يوطنهم عليها الكتاب القديم. وما ذلك على الله بعزيز