تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: خصائص المنهج السلفي

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    46,497

    افتراضي خصائص المنهج السلفي

    خصائص المنهج السلفي – الخاصية الأولى: شمولية المنهج



    منهج أهل السنة والجماعة مستمد من منهج الوحي في عرض رسالة الإسلام بجوانبها المتعددة عرضًا شاملاً في وحدة متكاملة

    حين عمل السلفيون في العصر الحديث على استعادة المسلك الذي كان عليه السلف الصالح والعودة بالإسلام إلى صفائه الأول إنما عملوا بهذه النظرة الشمولية لكل جوانب الإسلام
    إن المنهج السلفي يعني الطريق الواضحة البينة لما كان عليها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالمنهج السلفي ليس حقبة تاريخية مضت وانقضت، بل هو منهج له أصوله وقواعده وخصائصه، وليس له وقت ينتهي إليه ولا يتقيد بمكان ينحصر فيه، وإن معرفة خصائص المنهج السلفي تعين على تحديد معالمه وتمييز هويته في هذا الزمن الذي كثرت فيه الدعاوى بالانتساب لهذا المنهج المبارك، ومن الرسائل الجامعية المميزة التي تناولت هذا الموضوع رسالة د. مفرح بن سليمان القوسي (عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) التي كانت بعنوان: (المنهج السلفي: تعريفه، تاريخه، مجالاته، قواعده، خصائصه).
    وسنتناول في هذه السلسلة الحديث عن (خصائص المنهج السلفي)، نظرًا لأهمية هذا الموضوع في الوقت الحالي، وقد ذكر المؤلف أنَّ من أول الخصائص التي يمتاز بها منهج السلف أهل السنة والجماعة بأنه منهج ذو طابع شمولي، ولهذا الشمول مظاهر عديدة منها:
    أولاً: شمولية المنهج
    فأهل السنة والجماعة -رحمهم الله- منهجهم في تناول الإسلام وفي عرض رسالته - دعوة وتدريسًا وكتابة وتأليفًا - بجوانبها المتعددة في العقيدة والعبادة والسلوك والأخلاق والسياسة والاقتصاد والاجتماع... الخ، مجتنبين بذلك الطريقة المجزئة للإسلام التي تحصل بسبب تناول جانب منه وإغفال ما سواه. وذلك مستمد من منهج الوحي في عرض رسالة الإسلام بجوانبها المتعددة عرضًا شاملاً في وحدة متكاملة، كقوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وقوله: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدين}، وقوله: {وَلَتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بالمعروف وينهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وقوله: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
    فهم عميق شامل
    ونشأ من فهم السلف لرسالة الإسلام وأهدافه فهم عميق شامل، ويُمثل ذلك أحسن تمثيل ذلك التلخيص الرائع الذي لخص به ربعي بن عامر - رضي الله عنه - الإسلام حينما دخل على قائد الفرس رستم للمفاوضة قبل بدء القتال، وأراد القائد الفارسي أن يثنيه وأصحابه عن القتال بإغرائهم بالمال، حيث قال: ما لهذا جئنا، إنما ابتعثنا الله لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. فقد شملت الفقرة الأولى من كلامه - رضي الله عنه -: تحرير الإنسان من جميع العبوديات، ويدخل في ذلك التحرر السياسي والاجتماعي وتمحيص عبودية الإنسان لله وحده، وشملت الفقرة الثانية: الجانب النفسي والأخلاقي لدى الإنسان، وذلك بجعل أهدافه أبعد مدى وأعلى من الأهداف المادية القريبة ذات الإطار الضيق، وشملت الفقرة الثالثة: تقويض الأنظمة الاجتماعية الجائرة وإقامة نظام اجتماعي عادل، ويشمل ذلك أحكام الإسلام في التشريع المالي والسياسي والاجتماعي.
    الرسائل المتبادلة بين الخلفاء وعمالهم
    كما يمثل ذلك الرسائل المتبادلة بين الخلفاء الراشدين وعمالهم في الأقاليم في شموليتها لجوانب الإسلام كافة، فقد كان الإسلام بالنسبة إليهم -رضي الله عنهم- قناعة عقلية بحقائقه الإيمانية، وفهماً وتطبيقاً لأحكامه العملية سواء في مجال العبادات أم المعاملات، وشعوراً نفسياً بالمسؤولية أمام الله في تنفيذ تلك الأحكام، سواء تعلقت بأنفسهم أم بغيرهم. فكانت هذه الجوانب الثلاثة العقلي والعملي والنفسي تؤلف وحدة مترابطة لا تنفصل.
    ما كان عليه السلف وأئمتهم
    ويمثل ذلك أيضًا ما كان عليه السلف وأئمتهم في العصور التالية لعصر الصدر الأول للإسلام من إدراك تام لشمولية الإسلام في أحكامه وتشريعاته، ومنهم ابن تيمية الذي يقرر أن الشريعة التي بعث الله بها محمدًا - صلى الله عليه وسلم - جـامـعـة لمصالح الدنيا والآخرة، فيقول: «الشريعة جامعة لكل ولاية وعمل فيه صلاح الدين والدنيا، والشريعة إنما هي كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه سلف الأمة في العقائد والأحوال والعبادات والأعمال والسياسات والأحكام والولايات والعطيات»، ويقول أيضاً بعدما ذكر أن مسمى (الشريعة ) يطلق لدى علماء السلف على كل ما شرعه الله ورسوله من الأقوال والأعمال: وبهذا «يتبين أنه ليس للإنسان أن يخرج عن الشريعة في شيء من أموره، بل كلما يصلح له فهو في الشرع من أصوله وفروعه وأحواله وأعماله وسياسته ومعاملته وغير ذلك».
    السلفيون في العصر الحديث
    وحين عمل السلفيون في العصر الحديث على استعادة المسلك الذي كان عليه السلف الصالح والعودة بالإسلام إلى صفائه الأول، إنما عملوا ذلك على أساس من هذا الفهم وطبقاً لهذه النظرة الرحبة الفسيحة لكل جوانب الإسلام بوصفه منهجاً ربانيا لا يعتوره نقص ولا قصور.
    ثانيًا: رجوعهم إلى النصوص الشرعية
    أهل السنة والجماعة يرجعون إلى النصوص الشرعية الواردة في مسألة معينة والنظر فيها نظرة شمولية، المعرفة ما قرره الله ورسوله بشأن تلك المسألة، وعدم الاقتصار فيها على بعض النصوص دون بعض، وهذا ناشئ من عدم تفريقهم بين النصوص، ومن أنه ليس لديهم أصول عقلية مقررة سلفاً ليأخذوا من النصوص ما وافقها، ويدعوا ما خالفها، كما هو شأن أهل الأهواء؛ إذ ما من طائفة من طوائفهم إلا وأخذت بجزء من النصوص مما يوافق مذهبها وتركت ما سواها؛ مما أدى إلى قيام كل طائفة بالطعن في أدلة الطائفة الأخرى، أما أهل السنة والجماعة فيأخذون بجميع النصوص - كما تقدم - فيكون معهم الحق الذي مع كل من الطائفتين المنحرفتين، ويسلمون من الباطل الذي معهما.
    ثالثًا: شمول حركتهم الإصلاحية
    أهل السنة والجماعة حركتهم الفكرية الإصلاحية تشمل رصيد الأمة الإسلامية من العقيدة والشريعة والحضارة، ولم تكن حركتهم تلك محدودة موجهة إلى مراجعة جانب من جوانب الانحراف الفكري، بل كانت حركة شاملة أخضعت بدقة وعمق جوانب الحياة الفكرية كلها إلى الدراسة والنقد، فقد راجعوا -رحمهم الله- التيارات الفلسفية والتيارات الصوفية المتفلسفة، والتيارات الباطنية من أرباب الفرق الغالية، والديانات المحرفة وتيارات الفكر الإسلامي المتمثلة بتراث المفكرين المتكلمين من المعتزلة والأشاعرة وغيرهم، كما راجعوا الفكر الفقهي الاجتهادي، وكذا نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية بحسم ووضوح.
    إنقاذ عقائد الإسلام
    وعملوا على إنقاذ عقائد الإسلام من الفلسفات الضالة ذات الأصول الوثنية ومظاهر التعقيد العقدي المفضي إلى زعزعة عقائد المسلمين، كما عملوا على تنقية عقائد الإسلام من كل دخيل فيها مهما كان جليا أو دقيقاً، فعرضوا هذه العقائد مرة أخرى صافية حقيقية من خلال آيات القرآن الكريم الواضحة والسنة النبوية الصحيحة، وفي إطار الضوابط المجمع عليها لتفسير النصوص.
    إحياء روح الإبداع الاجتهادي
    ودعوا إلى تحريك الفكر الفقهي الإسلامي وإحياء روح الإبداع الاجتهادي وعدم الوقوف على آراء الرجال، والاستنباط المباشر في كل عصر من القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وكان سلاحهم في هذه المراجعة التاريخية الشمولية: إيمانا بالله وإخلاصا لدينه وجهادا في سبيله وعلما غزيرا، واطلاعا واسعا على المعارف الإنسانية السائدة في عصورهم.

    اعداد: الشيخ د. مفرح بن سليمان القوسي




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    46,497

    افتراضي رد: خصائص المنهج السلفي

    خصائص المنهج السلفي (٢) التوسط والاعتدال بين المناهج الأخرى



    أهل السُنَّة والجماعة وسط في باب أسماء الله وصفاته بين أهل التعطيل الذين عطلوا أسماء الله وصفاته فنفوها وبين أهل التمثيل الذين شبهوا الخالق بالمخلوق
    أهل السُنَّة والجماعة وسط في باب القدر بين الجبرية الذين قالوا بأن الإنسان مجبور في أفعاله وبين القدرية الذين أثبتوا للعبد مطلق الحرية في أفعاله وتصرفاته ونفوا خلق الله لأفعال العباد
    السلف لم يعطلوا العقل ويحجروا عليه ويلغوا وظيفته كما يزعم خصومهم من أهل الكلام أو من لا خبرة له بمنهج السلف من غيرهم
    إن المنهج السلفي يعني الطريق الواضحة البينة لما كان عليها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالمنهج السلفي ليس حقبة تاريخية مضت وانقضت، بل هو منهج له أصوله وقواعده وخصائصه، وليس له وقت ينتهي إليه ولا يتقيد بمكان ينحصر فيه، وإن معرفة خصائص المنهج السلفي تعين على تحديد معالمه وتمييز هويته في هذا الزمن الذي كثرت فيه الدعاوى بالانتساب لهذا المنهج المبارك، ومن الرسائل الجامعية المميزة التي تناولت هذا الموضوع رسالة د. مفرح بن سليمان القوسي (عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) التي كانت بعنوان: (المنهج السلفي: تعريفه، تاريخه، مجالاته، قواعده، خصائصه).
    الخاصية الثانية: التوسط والاعتدال بين المناهج الأخرى
    من نعمة الله -تعالى- على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وتشريفه لها أن جعلها أمة وسطًا عدولاً بين سائر الأمم كما قال -تعالى-: {وكذلك جَعَلْنَاكُمْ أُمة وسطا}، ومن نعمته أيضًا أن جعل أهل السُنَّة والجماعة في هذه الأمة وسطاً عدولاً بين سائر الفرق الأخرى، فالدارس والمتفحص لمنهج السلف (أهل السُنَّة والجماعة) ومناهج الفرق الأخرى في كثير من مسائل العقيدة وأبواب الدين، يجد مناهج تلك الفرق تدور بين الغلو والإفراط، وبين التقصير والتفريط، ومنهج أهل السُنَّة والجماعة بين تفريط هؤلاء وإفراط أولئك على هدي قاصد وصراط مستقيم، فهم وسط في اعتقادهم وأقوالهم وعباداتهم وسائر أمورهم. ومن أمثلة تلك الوسطية ما يلي:
    (1) توسط في الأسماء والصفات
    مما يميز منهج أهل السُنَّة والجماعة توسط منهجهم في باب أسماء الله وصفاته بين أهل التعطيل الذين عطلوا أسماء الله وصفاته فنفوها أو نفوا بعضها أو أثبتوا الأسماء ونفوا الصفات، وبين أهل التمثيل الذين شبهوا الخالق بالمخلوق، فجعلوا ماورد من صفات لله -جل وعلا- مماثلة ومشابهة لصفات المخلوقين، وقد أشار ابن تيمية إلى هذه السمة في منهج السلف فقال: «ومذهب السلف بين مذهبين وهدى بين ضلالتين: إثبات الصفات ونفي مماثلة المخلوقات، فقوله -تعالى-: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء}، رد على أهل التشبيه والتمثيل، وقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، رد على أهل النفي والتعطيل، فالممثل أعشى، والمعطل أعمى، الممثل يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدمًا.
    (2) توسطهم في باب القدر
    توسط منهجهم في باب القدر بين الجبرية الذين قالوا بأن الإنسان مجبور في أفعاله ليس له فيها أي قدرة ولا إرادة ولا اختيار، وبين القدرية الذين أثبتوا للعبد مطلق الحرية في أفعاله وتصرفاته ونفوا خلق الله لأفعال العباد، وقالوا إن أفعالهم حادثة من جهتهم لا فاعل ولا محدث لها سواهم.
    (3) توسطهم في باب الأسماء والأحكام
    توسط منهجهم في باب الأسماء والأحكام بين الخوارج الذين حكموا بكفر مرتكب الكبيرة وخلوده في النار لا يخرج منها، وكذلك المعتزلة الذين قالوا بأنه في منزلة بين منزلتين فليس مؤمنًا ولا كافرًا، وبأنه مخلد في النار إلا أن عذابه فيها دون عذاب الكفار، وبين المرجئة الذين قالوا بأن مرتكب الكبيرة مؤمن كامل الإيمان فلا يؤثر ارتكاب الكبائر في إيمانه، وبأنه في الآخرة من أهل الجنة إذا مات مؤمناً موحداً، فلا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة. حيث يرى أهل السُنَّة والجماعة أن مرتكب الكبيرة مؤمن عـاص أو فاسق، وأنه إذا مات ولم يتب فهو داخل تحت مشيئة الله -سبحانه- إن شاء غفر له وأدخله الجنة دون عذاب، وإن شاء أدخله النار وعذبه بقدر ذنبه ثم أخرجه منها. يقول أبو عثمان الصابوني: «ويعتقد أهل السُنَّة أن المؤمن وإن أذنب ذنوباً كثيرة صغائر كانت أو كبائر فإنه لا يكفر بها، وإن خرج من الدنيا غير تائب منها ومات على التوحيد والإخلاص فإن أمره إلى الله -عز وجل-، إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة يوم القيامة سالما غانماً غير مبتلى بالنار، ولا معاقب على ما ارتكبه من الذنوب واكتسبه واستصحبه إلى يوم القيامة من الآثام والأوزار، وإن شاء عاقبه وعذبه مدة بعذاب النار، وإذا عذَّبه لم يُخلّده فيها بل أعتقه وأخرجه منها إلى نعيم دار القرار»، ويقول ابن بطة العكبري: « وقد أجمع العلماء لا خلاف بينهم أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب ولا يخرج من الإسلام بمعصية، نرجو للمحسن ونخاف على المسيء.
    (4) توسطهم في باب الوعد والوعيد
    توسط منهجهم في باب وعد الله ووعيده بين المرجئة الذين غلبوا نصوص الوعد وأغفلوا نصوص الوعيد، فقالوا: كل ذنب سوى الشرك فهو مغفور محتجين بقوله -تعالى-: {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}، وبمقولتهم المشهورة التي ذكرناها آنفاً: لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة. وبين الخوارج والمعتزلة الذين غلوا في نصوص الوعيد فأوجبوا على الله ما توعد به العصاة من عقاب، وقالوا: إنه لا يجوز أن يغفر الله لهم إذا لم يتوبوا، كما أوجبوا عليه -سبحانه- أن يفي ما وعد به عباده من أجر وثواب على سبيل الاستحقاق والعوض. حيث يأخذ أهل السُنَّة والجماعة بنصوص الوعد والوعــيــد مــعـاً، ويجمعون بين الخوف والرجاء، ويرون أنه يجوز أن يعفو -سبحانه- عن المذنب من المؤمنين، وأنه -سبحانه- يخرج أهل الكبائر من النار فلا يخلد فيها أحداً من أهل التوحيد، وأن العبد لا يستحق بنفسه على الله شيئاً، وليس له أن يوجب على ر به شيئاً لا لنفسه ولا لغيره، وأنه -سبحانه- لاشك سيثيب المطيعين كما وعد فإنه صادق الوعد لا يخلف الميعاد، ولكن لو قُدِّر أنه عذَّب من يشاء من عباده لم يكن لأحد منعه ولن يعذبهم ظلماً لهم، كما قال -تعالى-: {قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ومَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا}، وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لن يُدخل أحداً عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: لا ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة»، وقال أيضاً في الحديث الآخر: «لو أن الله عذَّب أهل سماواته وأهل أرضه، لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته لهم خيراً لهم من أعمالهم».
    (5) توسطهم في الموقف من الصحابة
    توسط منهجهم في الموقف من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضوان الله -تعالى- عليهم بين الخوارج الذين يكفرون عثمان وعلياً -رضي الله عنهما- ومن والاهما ويتبرؤون منهما، والمعتزلة الذين يفسقون عثمان وعلياً وطلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام وعائشة أم المؤمنين -رضي الله أجمعين- ويردون شهادتهم ، ويتبرؤون من بعض الصحابة ويشتمون بعضهم ويطعنون فيهم، ويتهمونهم بالكذب والجهل ونحو ذلك. حيث يرى أهل السُنَّة والجماعة أن خير هذه الأمة بعد نبيها - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، فترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة، كما يرون محبة جميع الصحابة وموالاتهم والدعاء لهم والترضي عليهم ورعاية حقهم وذكر محاسنهم والتحدث بفضائلهم والكف عما شجر بينهم وبغض من يبغضهم، ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها، كما يرون تعظيم قدر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهن والدعاء لهن ومعرفة فضلهن والإقرار بأنهن أمهات المؤمنين.
    هكذا أهل السُنَّة والجماعة في الفرق
    ويشير ابن تيمية في نص جامع إلى هذه الأمثلة المتقدمة التي تميز فيها السلف بالتوسط بين مناهج سائر الفرق الأخرى، فيقول بعد حديثه عن وسطية هذه الأمة بين سائر الأمم: «وهكذا أهل السُنَّة والجماعة في الفرق، فهم في باب أسماء الله وآياته وصفاته وسط بين أهل التعطيل الذين يلحدون في أسماء الله وآياته ويعطلون حقائق ما نعت الله بها نفسه، حتى شبهوه بالعدم الموات، وبين أهل التمثيل الذين يضربون له الأمثال ويشبهونه بالمخلوقات...، وهم في باب خلقه وأمره وسط بين المكذبين بقدرة الله الذين لا يؤمنون بقدرته الكاملة ومشيئته الشاملة وخلقه لكل شيء، وبين المفسدين لدين الله الذين يجعلون العبد ليس له مشيئة ولا قدرة ولا عمل، فيعطلون الأمر والنهي والثواب والعقاب، فيصيرون بمنزلة المشركين الذين قالوا: {لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ}. وهم في باب الأســـمـــاء والأحكام والوعد والوعيد وسط بين الوعيدية الذين يجعلون أهل الكبائر من المسلمين مخلدين في النار، ويخرجونهم من الإيمان بالكلية، ويكذبون بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبين المرجئة الذين يقولون: إيمان الفساق مثل إيمان الأنبياء، والأعمال الصالحة ليست من الدين والإيمان، ويكذبون بالوعيد والعقاب بالكلية.
    توسطهم في استخدام العقل
    توسط منهجهم في استخدام العقل في القضايا والمسائل الشرعية، فلم يعطلوا العقل ويحجروا عليه ويلغوا وظيفته كما يزعم خصومهم من أهل الكلام أو من لا خبرة له بمنهج السلف من غيرهم، كما أنهم لم يُحكموه في جميع أمورهم ويطلقوا له العنان في الخوض في المسائل الاعتقادية الغيبية مما لا مجال فيها للعقل، ومما هو فوق طاقته وقدرته كما فعل أهل الضلال، وإنما وزنوا الأمور بموازين الشرع وقدروا العقل قدره وأتاحوا له ممارسة وظيفته التي خلقه الله -سبحانه وتعالى- من أجلها دون إفراط ولا تفريط، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في هذا البحث.

    اعداد: الشيخ د. مفرح بن سليمان القوسي




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    46,497

    افتراضي رد: خصائص المنهج السلفي

    خصائص المنهج السلفي (3) محاربة البدع والتحذير منها



    من أبرز سمات منهج السلف محاربتهم للبدع في الدين ونبذها والتحذير منها لمناقضتها لأحد شرطي العبادة وهو المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم
    من سمات المنهج السلفي هجر أهل الأهواء والبدع والتشديد في النهي عن مجالستهم أو سماع كلامهم أو عرض شبههم وذلك إنكارًا للمنكر وتأديبًا وزجرًا لهم حتى يقلعوا عن بدعتهم
    ليس هناك بدعة محمودة وبدعة مذمومة كما يتوهم بعضهم بل البدع في الدين كلها مذمومة منهي عنها شرعًا
    البدعة التي أتت الشريعة بذمها هي ما أُحدث في الدين مما لا أصل له في الشريعة بقصد التقرب إلى الله تعالى كالبدع المتعلقة بالقبور وبدعة الاحتفال بالمولد النبوي وغيرها.
    إن المنهج السلفي يعني الطريق الواضحة البينة لما كان عليها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالمنهج السلفي ليس حقبة تاريخية مضت وانقضت، بل هو منهج له أصوله وقواعده وخصائصه، وليس له وقت ينتهي إليه ولا يتقيد بمكان ينحصر فيه، وإن معرفة خصائص المنهج السلفي تعين على تحديد معالمه وتمييز هويته في هذا الزمن الذي كثرت فيه الدعاوى بالانتساب لهذا المنهج المبارك، ومن الرسائل الجامعية المميزة التي تناولت هذا الموضوع رسالة د. مفرح بن سليمان القوسي (عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) التي كانت بعنوان: (المنهج السلفي: تعريفه، تاريخه، مجالاته، قواعده، خصائصه).
    الخاصية الثالثة: محاربة البدع والتحذير منها
    البدع: جمع بدعة، وهي في اللغة: الاختراع على غير مثال سابق، يقال: «أبدعت الشيء: اخترعته لا على مثال، والله بديع السماوات والأرض، والبديع: المبتدع.
    والبدع في اصطلاح العلماء: طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله -سبحانه-، ومن أبرز سمات منهج السلف -رحمهم الله-: محاربتهم للبدع في الدين ونبذها والتحذير منها لمناقضتها لأحد شرطي العبادة، وهو المتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم .
    فقد روي عن عبدالله بن مسعود - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول: إياكم والتنطع والتعمق والبدع! وكان يقول: «اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم وكل بدعة ضلالة»، ويقول أيضًا: الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة، كما روي عنه أنه قال لما رأى قوماً قد تحلقوا في مسجد الكوفة وواحد منهم يقول: سبحوا مائة مرة فيسبحون جميعاً، فإذا فرغوا قال: كبروا مائة، فإذا فرغوا قال: هللوا مائة: «والذي نفسي بيده لقد فضلتم أصحاب محمد علمًا أو لقد جئتم ببدعة ظلمًا، قالوا: والله ما جئنا ببدعة ظلمًا، ولا فضلنا أصحاب محمد علماً. قال: بلى والذي نفس ابن مسعود بيده لقد فضلتم أصحاب محمد علمًا، أو لقد جئتم ببدعة ظلمًا، يقول الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب معلقًا على قول ابن مسعود هذا: «انظر -رحمك االله- إلى كلام هذا الإمام الذي هو من سادات الصحابة ونجبائهم وفضلائهم كيف أخبر وأقسم على ذلك بأن من فعل مالم يفعله أصحاب محمد فقد جاء ببدعة؟».
    كل بدعة ضلالة
    وروي عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يقول: «كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة»، وروي عن الإمام مالك -رحمه الله- أنه كان يقول: «من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، وفي رواية: من أحدث في هذه الأمة شيئًا لم يكن عليه سلفها، فقد زعم أن محمدًا خان الرسالة؛ لأن الله -تعالى- يقول: {اليوم أكملتُ لَكُمْ دِينَكُم وأتممتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسلام دينا}، فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا»، وكان كثيرًا ما ينشد:
    وخير أمور الدين ما كان سنة
    وشر الأمور المحدثات البدائع
    هجر أهل الأهواء والبدع
    ومن سمات المنهج السلفي هجر أهل الأهواء والبدع والتشديد في النهي عن مجالستهم أو سماع كلامهم أو عرض شبههم، وذلك إنكارًا للمنكر وتأديبًا وزجرًا لهم حتى يقلعوا عن بدعتهم، ومحاصرة لآرائهم وشبهاتهم، وصيانة لقلوب المسلمين وحماية لعقولهم منها. فقد روي عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه كان يقول: «لا تجالس أهل الأهواء؛ فإن مجالستهم ممرضة للقلب»، وروي عن سفيان الثوري -رحمه الله- أنه كان يقول: «من سمع بدعة فلا يحكها لجلسائه، لا يلقيها في قلوبهم»، وكان يقول: «من أصغى بسمعه إلى صاحب بدعة خرج من عصمة الله ووكل إلى نفسه». وروي عن الحسن البصري ومحمد بن سيرين -رحمهما الله- أنهما قالا: «لا تجالسوا أصحاب الأهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم». وروي عن عبدالله بن المبارك -رحمه الله- أنه كان يقول: «إياك أن تجلس مع صاحب بدعة!»، وروي عن الفضيل بن عياض -رحمه الله- أنه كان يقول: «صاحب بدعة لا تأمنه على دينك ولا تشاوره في أمرك ولا تجلس إليه، ومن جلس إلى صاحب بدعة أورثه الله العمى، يعني في قلبه»، ويقول: «لاتجلس مع صاحب بدعة فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة»، ويقول أيضًا: «إذا رأيت مبتدعاً في طريق فخذ في طريق آخر».
    النهي عن مجالسة أهل الباطل
    وقد استدل الإمام الطبري -رحمه الله- على ضرورة هجر أهل الأهواء والبدع بقوله -تعالى-: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكتاب أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّه يُكْفَرُ بهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيث غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مَثْلُهُمْ إِنَّ الله جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا}؛ حيث يقول: «وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على النهي عن مجالسة أهل الباطل من كل نوع من المبتدعة والفسقة عند خوضهم في باطلهم»، ويقول الإمام البغوي -رحمه الله-: «وقد مضى الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنة مـجـمـعـين مـتـفـقـين على مـــعــاداة أهـل البــدعـــة ومهاجرتهم»، وقد عني السلف أهل السنة والجماعة قديمًا وحديثًا بأمر البدع وإنكارها وذمها والتحذير منها، وأفردوا لذلك مصنفات كثيرة وأبوابًا مستقلة مما يدل على أن ذلك سمة بارزة في منهجهم.
    البدعة التي ذمتها الشريعة
    والبدعة التي أتت الشريعة بذمها في مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد»، وفي رواية مسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد، وقوله -صلى الله عليه وسلم -: «خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة»، هي في نظر علماء السلف: ما أحدث في الدين مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه بقصد التقرب إلى الله -تعالى- كالبدع المتعلقة بالقبور، وبدعة الاحتفال بالمولد النبوي، وبدعة الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب.
    الابتداع في أمور الدنيا
    وأما ما أحدث من أمور في الأعمال والشؤون الدنيوية فليست مقصودة بقول النبي -صلى الله عليه وسلم -: «وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة»، مادامت في دائرة المباح، ولم يكن فيها ما يخالف الشرع، ولهذا يقول ابن عبدالبر: «وأما ابتداع الأشياء من أعمال الدنيا، فهذا لا حرج فيه ولا عيب على فاعله» وأما ما كان أصل فعله ثابتًا بالشرع فهو غير داخل في البدعة المنهي عنها والمذموم فاعلها، وإن سمي بدعة فهو بدعة في اللغة لافي الشرع، فمفهوم البدعة في اللغة أوسع من مفهومها في الشرع.
    نعمت البدعة هذه!
    ومن هذا الباب قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما جمع الصحابة في صلاة التراويح: «نعمت البدعة هذه»، فهي بدعة في اللغة؛ لأن أصل صلاة التراويح سنة، فقد صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصلى بصلاته المسلمون خلفه ثلاث ليال، ثم ترك ذلك مخافة أن تفرض عليهم، يقول ابن تيمية: «فأما صلاة التراويح فليست بدعة في الشريعة، بل هي سنة بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفعله، فإنه قال: «إن الله فرض عليكم صيام رمضان وسننتُ لكم قيامه»، ولا صلاتها جماعة بدعة، بل هي سنة في الشريعة، بل قد صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجماعة في أول شهر رمضان ليلتين، بل ثلاثًا، وصلاها أيضًا في العشر الأواخر في جماعة مرات»، ويقول أيضًا عن قول عمر السابق «نعمت البدعة هذه»: «هذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سابق.
    البدعة الشرعية
    وأما البدعة الشرعية فكل ما لم يدل عليه دليل شرعي، وإذا كان كذلك فأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قد كانوا يصلون قيام رمضان على عهده جماعة وفرادى، وقد قال لهم في الليلة الثالثة والرابعة لما اجتمعوا: «إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهة أن يُفرض عليكم فصلوا في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة»، فعلل - صلى الله عليه وسلم - عدم الخروج بخشية الافتراض، فعلم بذلك أن المقتضي للخروج قائم، وأنه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم، فلما كان في عهد عمر جمعهم على قارئ واحد وأسرج المسجد، فصارت هذه الهيئة - وهي اجتماعهم في المسجد على إمام واحد مع الإسراج - عملاً لم يكونوا يعملونه من قبل، فسمي بدعة؛ لأنه في اللغة يسمى بذلك، وإن لم يكن بدعة شرعية؛ لأن السنة اقتضت أنه عمل صالح لولا خوف الافتراض، وخوف الافتراض قد زال بموته - صلى الله عليه وسلم - فانتفى المعارض».
    ليس هناك بدعة محمودة وبدعة مذمومة
    وعليه فليس هناك بدعة محمودة وبدعة مذمومة كما يتوهم بعضهم، بل البدع في الدين كلها مذمومة منهي عنها شرعًا، يقول ابن رجب الحنبلي: «وأهل الأهواء والبدع كلهم مفترون على الله، وبدعتهم تتغلظ بحسب كثرة افترائهم عليه»، ويقول أيضًا: «كل من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أم الأعمال أم الأقوال الظاهرة والباطنة، أما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع، فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية».

    اعداد: الشيخ د. مفرح بن سليمان القوسي




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    46,497

    افتراضي رد: خصائص المنهج السلفي

    خصائص المنهج السلفي (4) اجتناب الجدل المذموم في الدين


    من أهم خصائص منهج السلف اجتنابهم الجدال والخصومات والمراء في الدين ونهيهم عن ذلك وإنكارهم له لم يسكت علماء السلف عن الخصومة والجدل في الدين جهلاً ولا عجزاً ولكنهم سكتوا عن علم وخشية لله عزوجل نهى السلف عن المناظرة لمن لا يقوم بواجبها أو مع من لا يكون في مناظرته مصلحة راجحة أو فيها مفسدة راجحة السلف لم يذموا الجدل مطلقًا فهم يجيزون الجدل والمناظرة متى وجدت أسبابها ودواعيها كرد الباطل وصرف صاحبه عن مذهبه وعقيدته الفاسدة وكالخشية من فتنة العامة وضلالها إن المنهج السلفي يعني الطريق الواضحة البينة لما كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم ، فالمنهج السلفي ليس حقبة تاريخية مضت وانقضت، بل هو منهج له أصوله وقواعده وخصائصه، وليس له وقت ينتهي إليه ولا يتقيد بمكان ينحصر فيه، وإن معرفة خصائص المنهج السلفي تعين على تحديد معالمه وتمييز هويته في هذا الزمن الذي كثرت فيه الدعاوى بالانتساب لهذا المنهج المبارك، ومن الرسائل الجامعية المميزة التي تناولت هذا الموضوع رسالة د مفرح بن سليمان القوسي عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض التي كانت بعنوان المنهج السلفي تعريفه، تاريخه، مجالاته، قواعده، خصائصه الخاصية الرابعة اجتناب الجدل المذموم في الدين
    من أهم خصائص منهج السلف رحمهم الله اجتنابهم الجدال والخصومات والمراء في الدين، ونهيهم عن ذلك وإنكارهم له، يقول ابن رجب الحنبلي ومما أنكره السلف الجدال والخصام والمراء في مسائل الحلال والحرام، ولم يكن ذلك طريقة أئمة الإسلام وإنما أحدث ذلك بعدهم، وقد روي عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال ليس الجدال في الدين، وكان يقول الكلام في الدين أكره، ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه وينهون عنه، نحو الكلام في رأي جهم والقدر وكل ما أشبه ذلك، ولا أحب الكلام إلا فيما تحته عمل، فأما الكلام في دين الله وفي الله عز وجل فالسكوت أحب إليَّ؛ لأني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام في الدين إلا فيما تحته عمل، وأخرج الخطيب البغدادي وابن بطة العكبري عن إسحاق بن عيسى أنه قال سمعت مالك بن أنس يعيب الجدال في الدين ويقول كلما جاءنا رجل أجدل من رجل أرادنا أن نرد ما جاء به جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم عليكم بالسنة والحديث
    وروي عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال ما رأيت أحداً ارتدى شيئاً من الكلام فأفلح؛ ولذا كان يحذر من ذلك ويقول لأن يلقى الله عز وجل العبد بكل ذنب ما خلا الشرك، خير من أن يلقاه بشيء من الكلام، وروي عن الإمام أحمد رحمه اللهأنه كان يقول عليكم بالسنة والحديث وما ينفعكم الله به، وإياكم والخوض والجدال والمراء فإنه لا يفلح من أحب الكلام، ولا أحب الكلام ولا الخوض ولا الجدال، وعليكم بالسنن والآثار والفقه الذي تنتفعون به، ودعوا الجدال وكلام أهل الزيغ والمراء، ويقول لا يفلح صاحب كلام أبداً، ولا تكاد ترى أحداً نظر في الكلام إلا وفي قلبه دغل وروي عن عمر بن عبدالعزيز رحمه الله أنه كان يقول إذا سمعت المراء فأقصر، كما روي عن الإمام الأوزاعي رحمه الله أنه كان يقول عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوا لك بالقول إيجاز العبارة واجتناب الإطالة
    ويتسم منهج السلف بإيجاز العبارة واجتناب الجدل والإطالة؛ ففي كلامهم التنبيه على مأخذ العقائد ومدارك الأحكام بكلام مختصر وجيز يُفهم به المقصود من غير إسهاب ولا تعقيد، وفي كلامهم أيضاً رد الأقوال المخالفة للسنة بألطف إشارة وأحسن عبارة، وهذا من أبرز ما يمتاز به منهجهم من سائر المناهج الأخرى، ولاسيما منهج المتكلمين الذين اتخذوا الجدل والتعقيد والإطالة في الاستدلال مطية في إثبات العقائد سكتوا عن علم وخشية
    ولم يسكت علماء السلف عن الخصومة والجدل في الدين جهلاً ولا عجزاً كما يعتقد كثير ممن فتنوا بذلك من المتأخرين ولكنهم سكتوا عن علم وخشية لله عزوجل، روي عن محمد بن سيرين رحمه الله أنه قال لرجل ماراه في شيء إني قد أعلم ما تريد، وأعلم بالمماراة منك، ولكني لا أماريك، ويقول ابن رجب الحنبلي مجليا هذه الخاصية ورادا على من زعم أن كثرة الجدال والمراء دليل على كثرة العلم وقد فتن كثير من المتأخرين بهذا يعني كثرة الكلام والجدل فظنوا أن من كثر كلامه وجداله وخصامه في مسائل الدين فهو أعلم ممن ليس كذلك، وهذا جهل محض، فكلام التابعين أكثر من كلام الصحابة، والصحابة أعلم منهم، وكذلك تابعو التابعين كلامهم أكثر من كلام التابعين، والتابعون أعلم منهم ليس العلم بكثرة الرواية
    فليس العلم بكثرة الرواية ولا بكثرة المقال، ولكنه نور يُقذف في القلب يفهم به العبد الحق ويميز به بينه وبين الباطل، ويعبر عن ذلك بعبارات وجيزة محصلة للمقاصد وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم واختصر لـه الكلام اختصاراً، ولهذا ورد النهي عن كثرة الكلام والتوسع في القيل والقال؛ فيجب أن يُعتقد أنه ليس كل من كثر بسطه للقول وكلامه في العلم كان أعلم ممن ليس كذلك، وقد ابتلينا بجهلة من الناس يعتقدون في بعض من توسع في القول من المتأخرين أنه أعلم ممن تقدم، وهذا انتقاص عظيم بالسلف الصالح وإساءة ظن بهم، ونسبة لهم إلى الجهل وقصور العلم ويقول ابن القيم فليس العلم كثرة النقل والبحث والكلام، ولكن نور يميز به صحيح الأقوال من سقيمها، وحقها من باطلها، وما هو من مشكاة النبوة مما هو من آراء الرجال المحاذير المترتبة على الجدال كما أن علماء السلف سكتوا عن الجدل في الدين اجتناباً للمحاذير العديدة المترتبة عليه التي منها أن الجدل في الدين يؤدي إلى التلون فيه؛ بحيث لا يثبت المجادل والمخاصم في دينه على وجه واحد يقول عمر بن عبدالعزيز رحمه الله من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل أن الخصومات في الدين تقود صاحبها إلى تكذيب القرآن وضرب بعضه ببعض والخوض في آيات الله بالباطل أنها تؤدي إلى الوقوع في الأهواء والآراء الضالة يقول أبو قلابة رحمه الله لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم؛ فإني لا أمن أن يغمسوكم في الضلالة، أو يُلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم أنها تورث العداوة والبغضاء في القلوب وتحبط الأعمال يقول الإمام مالك رحمه الله المراء في العلم يقسي القلب ويورث الضغن أنه من خلال تلك الخصومات يستزل الشيطان العالم، فلا تكون ساعة الخصومة بالنسبة له إلا ساعة جهل تظهر فيها أخطاؤه يقول مسلم بن يسار رحمه الله إياكم والمراء فإنها ساعة جهل العالم، وبها يبتغي الشيطان زلته سبب كراهية السلف للجدال
    يقول ابن أبي العز الحنفي مبيناً اجتناب السلف للجدل والمراء وكراهيتهم له والسلف لم يكرهوه لمجرد كونه اصطلاحاً جديداً على معان صحيحة، كالاصطلاح على ألفاظ العلوم الصحيحة، ولا كرهوا أيضاً الدلالة على الحق والمحاجة لأهل الباطل، بل كرهوه لاشتماله على أمور كاذبة مخالفة للحق ومن ذلك مخالفتها للكتاب والسنة وما فيه من علوم صحيحة، فقد وَعَرُوا الطريق إلى تحصيلها، وأطالوا الكلام في إثباتها مع قلة نفعها، فهي لحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيُرتقى ولا سمين فيُنتَقَى وأحسن ما عندهم فهو في القرآن أصح تقريراً وأحسن تفسيراً، فليس عندهم إلا التكلف والتعقيد السلف لم يذموا الجدل مطلقًا
    وينبغي ألا يفهم مما تقدم أن السلف ذموا مطلق الجدل وكرهوا جنس المناظرة، فهم رحمهم الله يجيزون الجدل والمناظرة، بل ويوجبونها أحياناً، متى وجدت أسبابها ودواعيها، كالطمع في رد الباطل وصرف صاحبه عن مذهبه وعقيدته الفاسدة، وكالخشية من فتنة العامة وضلالها وتأثرها بأقوال أهل الباطل ومذهبهم السوء فيجب والحالة هذه إذا كان المناظر عالماً بالحق مناظرة أهل الباطل ومجادلتهم بالتي هي أحسن بياناً للحق وذبا عنه، وإزهاقاً للباطل ودحضاً له، فهي من باب النصيحة المطلوبة شرعاً لله ولرسوله، يقول ابن تيمية والمذموم شرعاً ما ذمه الله ورسوله كالجدل بالباطل والجدل بغير علم والجدل في الحق بعدما تبين فأما المجادلة الشرعية كالتي ذكرها الله تعالى عن الأنبياء عليهم السلام وأمر بها في مثل قوله تعالى قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكثَرْتَ جِدَالنَا، وقوله تعالى وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إبراهيم على قومه، وقوله تعالى ألَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجُ إِبْرَاهِيمَ في ربه، وقوله تعالى وَجَادِلْهُم بالتي هي أَحْسَنُ، وأمثال ذلك فقد يكون واجباً أو مستحباً، وما كان كذلك لم يكن مذموماً في الشرع النهي عن المناظرة لمن لا يقوم بواجبها
    ويقول موجهاً ما ورد عن السلف من الآثار في النهي عن المناظرة والمقصود أنهم نهوا عن المناظرة من لا يقوم بواجبها، أو مع من لا يكون في مناظرته مصلحة راجحة، أو فيها مفسدة راجحة، فهذه أمور عارضة تختلف باختلاف الأحـ أحوال، وأما جنس المناظرة بالحق فقد تكون واجبة تارة ومستحبة أخرى، وفي الجملة جنس المناظرة والمجادلة فيها محمود و مذموم ومفسدة ومصلحة وحق وباطل، ويقول كذلك والسلف لم يذموا جنس الكلام، فإن كل آدمي يتكلم، ولازموا الاستدلال والنظر والجدل الذي أمر الله به ورسوله، والاستدلال بما بينه الله ورسوله، بل ولا ذموا كلاماً هو حق، بل ذموا الكلام بالباطل وهو المخالف للكتاب والسنة والعقل



    اعداد: الشيخ د. مفرح بن سليمان القوسي




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •