تتكررَ صلاتُنا كلَّ يوم، فرائضَ مكتوبة، وواجباتٍ مفروضة ومع ذلك تكثرُ أخطاؤها، وتتعاظم مخالفاتها ، ولا يُدرَى ما سبب تلك الغفلة، .؟! وما دواعي ذلك الإهمال والنسيان..؟!

• وعلينا جميعا تعلمُ فقِهها والسؤالُ دائما عن هديها، وتعظمُ القضية في حق أئمة المساجد والمشيخة العلمية درسًا وتوجيهاً وتنبيهًا ، وفقهم الله لكل خير وتبيين .

• و"الصلاةُ خيرُ موضوع" ، ولها يُحشد الهم والخشوع، وتُستجلب لها الطمأنينة والوقار، وتُذعن لها الجوارحُ والأعضاء .

• وهي قرةُ عين المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلم، كما في حديث ( وجُعلت قرةُ عيني في الصلاة ) كما عند أحمد والنسائي بسند حسن. ومعناه: السرور الحاصل في النفس؛ لمقابلتها ما يسّرها، مع تحقُّق الرضا التامّ، وعدم النظر إلى ما سواها، وتُطلَق أيضاً على ما تَبْرد وتقرّ وتسكن به العين .

• فمن أخطائها : الإتيانُ إليها بلا وضوء، وذلك منكر محرم، قال تعالى:( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم...) سورة المائدة . وقال في الحديث ( لاصلاةَ بغير طهور، ولا صدقة من غُلول ).

• ومنها: دخولها بلا خشوع، وأداؤها على أي وجه كان، والله يقول ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ) سورة المؤمنون . فعلّق الفلاح على الخشوع وهو السكون للقلب والجوارح .

• ومنها : التكبيرُ مع الإمام: ومن فعل ذلك لم تنعقد صلاته أصلًا، فضلا عن أن نقول : لا تصح، وهذه مخالفةٌ خطيرة يفعلها عدد ليس بالقليل، جهلا، أو استعجالا ..!

• والسُّنةُ فيها ( اللهُ أكبر ) ولا تصح بغير هذه الصفة. ولا تمد الهمزة فيفسد المعنى، ولا آخرها فيسبقه المصلون إذا كان إمامًا، قال النخعي رحمه ( التكبير جزم، والتسليم جزم ) أي حذف بلا مد واسترسال . ولا تمد ( أكبر ) فتصير أكبار ،وهو الطبل في اللغة .

• ومنها: عدمُ رفعِ اليدين مع التكبير، وهو سنة متواترة ، لا تبطل بتركه الصلاة، ولكنه فوّت أجرًا، وربّى نفسه على التساهل . واليدان تُرفع في أربعة مواضع كما سيأتي بيانه .

• ثم السُّنةُ وضع اليمين على الشمال فوق الصدر هذا الأقرب من الأحاديث المحتملة ، لا إلى ثغرة النحر، ولا على البطن، أو السرة أو دونها، أو على شكل ثمانية ، أو مدها للمرافق، فكله مخالف للسنة الثابتة ، جاء في صحيح البخاري عن سهل بن سعد قال : كان الناس يؤمرون أن يضعَ الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة . ولو خالف فالصلاة صحيحة .

• ولو صلّى بعضُ الناس مرسِلًا يديه ، صحّت صلاتُه ، وخالف السنة ، ولا يثبت الإرسال عن أحد من الأئمة .



• ثم يسنُّ له دعاءُ الاستفتاح، وهو سنةٌ بإجماع المسلمين، ومن الأخطاء تركه والزهد فيه، وقد استفتح عليه الصلاة والسلام باستفتاحات عديدة، عدها الشيخ الألباني رحمه الله في ( صفة الصلاة ) إلى عشرة أدعية تقريبا .

• ولا ينبغي تركُه إلا إذا جئت متأخرا ، وخشيت ركوع الإمام فإنك تغلّب الفاتحة عليه، أو في صلاة الجنازة، فليس لها استفتاح لأنها مبنية على التخفيف .

• والأفضلُ لمن تحفّظ منها، فعل هذا تارة، وذاك تارة، ومن اكتفى بواحد فلا حرج، كالدعاء المشهور ( سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمُك وتعالى جَدُّك- أي عظمتك- ولا إلهَ غيرك ). وهو الذي كان يجهر به عمر رضي الله عنه، يعلّم الناس، واختاره ابن العلامة القيم رحمه الله في زاد المعاد .

• وهل يُجمع بين بعضها: الصحيح أنه لا يُجمع، بل ينوعها ليكون أقربَ لإحياء السنة، وتنشيط الروح، وحفظ العلم ، وهذا اختيار ابن تيمية رحمه الله، ومن المعاصرين الشيخ ابن عثيمين رحمه الله .

• ثم بعدَ ذلك: يستعيذُ بالله من الشيطان الرجيم ،والمعنى: أستعصمُ بك يا رب وألتجئ، من الشيطان الرجيم: أي البعيد من رحمة الله ، أو لأنه المرجوم يوم القيامة، ولها صفتان : المشهورة ، والثانية:( أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزِه ونفخِه ونفثِه ) والهمز الجنون، والنفخ: الكِبر، والنفث: الشعر القبيح . وهذه سنة مهجورة .

• وحكمها سنةٌ عند الأكثر، وقيل بوجوبها والصحيح الأول، وتجزئ استعاذة في الركعة الأولى لكل الصلاة .

• ومن الخطأ: تركُها أو التهاون بها، وفيها استعداد للتلاوة، ونبذ لوساوس الشيطان . وحكمتها: كما قال ابن القيم رحمه الله : أن القرآن شفاء لما في الصدور، يُذهب لما يلقيه الشيطان فيها من الوساوس والشهوات، ودنو الملائكة، وحرص الشيطان على منع الخير .

• ومن الخطأ: الجهر بها ، فالسنة فيها الإسرار بالإجماع .

• ثم بعد ذلك: يقرأ الفاتحة أمّ القرآن، وهي من أعظم أركان الصلاة، والسبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيه رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام .

• وتجبُ على الإمام والمأموم والمنفرد ، ثلاثتهم يقرؤونها تدينًا وفريضة ، ويقرأها المأموم في سكتات الإمام، لا سيما بعد الفاتحة، وهو يحضر ما تيسر من القرآن، وإذا لم يسكت قرأها على عجل مخففة ..! لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) وهذا مذهب الجماهير من العلماء .

• وتجبُ في كل ركعة، فمِن الخطأ الاكتفاء بالركعة الأولى، لا سيما في الصلوات الطويلة كالتراويح، ولا يحتاج المأموم إلى أن يضيف عليها، لأنه مأمور بالإنصات، ويُستثنى الفاتحةِ لأدلتها القوية، ومنها حديث ( لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ ؛ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا ) رواه أحمد بسند حسن.

• قال في السبل السوية : ثم اقرأنْ أمَّ الكتاب إنها ** بالنص لا تجزى صلاةٌ دونَها / فرضٌ على الإمام والمنفردِ ** محتَّمٌ واختلفوا في المقتدي/ والنصُّ فيه وارد فهو السببْ ** فكيف لا ينالُه يا للعجبْ ..!

• ومن الأخطاءِ فيها : اللحنُ الجلي المغيّر في المعنى، وهذا راجع إلى عدم تعلمها بصدق وحفاوة نحو: إياكِ بدلًا عن إياكَ- و وفتح الهمزة في إهدنا الصراط- و أنعمت بالضم بدلًا عن الفتح أنعمتَ، وشبهها من اللحون الجلية المفسدة للمعنى .

• قال الإمامُ النووي رحمه الله في المجموع: " إذا لحن في الفاتحة لحناً يخل المعنى ، بأن ضم تاء أنعمت أو كسرها، أو كسر كاف إياك نعبد، أو قال: إياء بهمزتين لم تصح قراءته وصلاته إن تعمد، وتجب إعادة القراءة إن لم يتعمد، وإن لم يخل المعنى كفتح دال نعبد ونون نستعين وصاد صراط ونحو ذلك لم تبطل صلاته ولا قراءته، ولكنه مكروه ويحرم تعمده " .

• وهي واجبةٌ في الجهرية أيضا، ولكن لو نسيها المأموم تحمّلها إمامه .

• فإذا فرغَ من الفاتحة قال:( آمين ) وهي سنة مستحبة، بمعنى : اللهم استجب ، وليست بآية من الفاتحة، ولكنها دعاء، وفيها لغتان: مد الهمزة ، أو قصرها، وأما تشديد الميم فلحن يفسد الصلاة ومنه قوله تعالى:( ولَا آمّين البيتَ الحرام ) . أي قاصدين فيحيل المعنى .

• والزهدُ فيها ليس بحسن، لحديث الصحيحين ( إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ ، فَأَمِّنُوا ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) . وقال:( ما حسَدتكم اليهود على شيء ، ما حسدتكم على السلام والتأمين ).

• والسنةُ الجهرُ بالتأمين ورفع الصوت بها في الجهرية ، لحديث الترمذي عن وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه قَالَ : " سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فَقَالَ : (آمِينَ ) وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ"

• ولو صلّى مع أناس لا يجهرون بها تقليدًا لمذهب فقهي ،،فالفقه أن لا يجهر لئلا يصطتدم بهم جدالًا وشقاقا .

• ومن أخطاءِ الإمام هنا: الانتظار الطويل للبحث عن قراءة سورة بعد الفاتحة، لأنه خلافُ السنة كما تقدم ، وليس من السكتات السنية ، والمتعين حينئذ للمأموم قراءة الفاتحة، واذا طال انتظاره فلا بأس من قراءة سورةٍ قصيرة .

• فإذا أتمّ تلاوة ما تيسر، سكت بمقدار ترادّ النفس إليه، ولا يركع مباشرة ، وهذه سنة مهجورة، لا يكاد يفقهها إلا قلة من الأئمة ، ومن الخطأ وصلُ القراءة بالتكبير ..!

• ثم يُكبِّرُ للركوع رافعا يديه كما في الإحرام، وهو سنة متواترة ، فيركع ركوعا مطمئنا خاشعا، ويُكره نقره وسرقته، لحديثِ ( أسوأُ الناس سرقةً الذي يسرقُ من صلاته ). أو عدم مساواة الرأس بالظهر كما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع لو وُضع قدحٌ من ماء على ظهره لم يُهرَق" ولا يصوِّب رأسَه ولا يُقنِّعه، أي لا يخفضه، ولا يرفعه..!

• ولذلك من الخطأ : الانخفاضُ الشديد المضر بالمصلي، أو رفع الظهر أو الرأس وعدم الاعتدال..!

• والسنة وضعُ وإلقام اليدين الركبتين مفرجتي الأصابع ، وأنْ يُجافيَ يَديهِ عن جَنبيهِ، وكانوا في السابق يفعلون التطبيق بين الكفين ثم نهوا عن ذلك، وأُلقمت الأصابع بالركب.

• والسنةُ قول:( سبحان ربي العظيم ) ثلاث مرات . ويروى لما نزلت ( فسبح باسم ربك العظيم ) قال عليه الصلاة والسلام : ( اجعلوها في ركوعكم ). فجعلوها وصارت سنة، وهي من واجبات الصلاة .
• ولا بأسَ من قولها أو قول غيرها من الدعاء الثابت نحو : ( سُبُّوحٌ، قُدُّوسٌ، ربُّ الملائكةِ والرُّوحِ.

• وكذلك ( سبحانَك اللهمَّ ربَّنا وبحمدِكَ، اللهمَّ اغفِرْ لي ) وأيضا ( اللهمَّ لك ركَعْتُ، وبك آمَنْتُ، ولك أسلَمْتُ، خشَع لك سَمْعي، وبصَري، ومُخِّي، وعَظْمي، وعصَبي ). وأيضا ( سُبحان ذي الجبَروتِ والملَكوتِ والكِبرياءِ والعظمةِ ).

• والأفضلُ جعله ثلاثا وهو أدنى الكمال ، والواجب تسبيحة واحدة، يعظَّمُ فيها الله كما قال في الحديث: ( فأما الركوع فعظّموا فيه الرب ).

• ويُكْرهُ فيه قراءةُ القرآن، والحكمة قيل: لحديث ( أَلا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، وَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ..) لأن القرآنَ أعظمُ الذكر، ومحله حال القيام لا محل الخفض؛ تعظيمًا لكلام الله تعالى وتكريمًا له ، فكره مثل ذلك ....



• ثم إذا فرغَ من الركوع المعتدل رفع قائلا ( سَمِع الله لمن حمده ) ويقول المأموم ( ربنا ولك الحمد ) وهذا من واجبات الصلاة وفيه عدة صفات :

• الأولى : رَبَّنا ولك الحمد .
الثانية : رَبَّنا لك الحمدُ، بدون الواو.
الثالثة : اللَّهُمَّ رَبَّنا لك الحمدُ.
الرابعة :اللَّهُمَّ رَبَّنا ولك الحمد ، بالواو . وكلها مجزئة ، ويكفي واحدة ، والسنة فيها التنويع بينها .

• وإنْ زاد عليه قوله:( حمدًا كثيرًا..) فقد سمعها من رجل ( ربَّنا ولك الحمدُ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيه، فلمَّا انصرَف، قال: مَنِ المتكلِّمُ؟ قال: أنا، قال: رأيتُ بِضعَةً وثلاثينَ مَلَكًا يبتَدِرونها، أيُّهم يكتبُها أولُ). ويضيف ( مِلْءَ السَّمواتِ ومِلْءَ الأرضِ، ومِلْءَ ما شِئْتَ مِن شيءٍ بعدُ ) .

• ويُسَنُّ له أنْ يقولَ: ( ربَّنا لك الحمدُ مِلْءَ السَّمواتِ والأرضِ، ومِلْءَ ما شِئتَ مِن شيءٍ بعدُ، أهلَ الثناءِ والمجدِ، أحقُّ ما قال العبد،ُ وكلُّنا لك عبدٌ، اللهمَّ لا مانعَ لِما أعطَيتَ، ولا مُعطيَ لِمَا منَعتَ، ولا ينفَعُ ذا الجَدِّ منك الجَدُّ ). وزاد مسلم:( اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ، اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الْوَسَخِ ).

• وعليه أن يخشعَ ويعتدل في هذا القيام بلا عجلة ولا إسراع ، حتى يعودَ كل فَقار مكانه...! وهنا سؤال : أين يضع يديه في هذا الموضع من الصلاة ؟! قيل يقبصها كما هو اختيار العلامة ابن باز رحمه الله وكتب رسالة في ذلك، بدليل أنه في القيام بقبض اليدين، وقال المحدث الألباني رحمه الله: يرسلها وشدد في ذلك مدعيًا عدم ورود نص في ذلك، والمسألة فيها احتمال ونرى التوسيع في الأمر، وأن المصلي مخير في ذلك، إن شاء قبض أو أرسل، وهو مروي عن الإمام أحمد كما في الإنصاف ( إذا رفع رأسه من الركوع إن شاء أرسل يديه، وإن شاء وضع يمينه على شماله ). وهذا هو الفقه السليم من دون تثريب أو تبديع، لاحتمالية الأدلة، وهي من مستحبات الصلاة، فلا ترفع لها عصا النقد والاعتراض المغلَّظ ..!

• ثم بعد ذلك يَهوي ساجدا مكبرًا، الحركة مع الصوت، ولا يرفع يديه كما قال ابن عمر ( وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ ). ويَخِر على يديه أفضل لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ، ( إذا سجدَ أحدكُم فلا يبركْ كما يبرك البعير ، وليضعْ يديه قبل ركبتيه ) . وهو أقوى وأحسن من حديث وائل بن حجر رضي الله عنه ( رأيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه ، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه ). فهو أصح هنا سندًا وقولًا ، إذ القول مقدم على الفعل .

• ومن الأخطاء فيها أيضًا: تضليلُ الآخرين أو تبديعهم، فهي من المستحبات ، وقد انعقد الإجماعُ على صحة الصلاة، بأي الأعضاء نزل إلى الأرض، واختلفوا في الأفضل، كما حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . وحصلت في ذلك ردود ومناظرات، والأمر واسع، وكلُّه منقولٌ عن السلف ، منهم من رأى تقديم الركبتين ، وآخرون فضّلوا اليدين ، والله تعالى أعلم .

• فإذا بلغَ السجود، كانت صورتُه على هيئة التنكس، تكون أعاليه للأسفل، وأسافله للأعلى ، ويسجد على السبعة الأعضاء لحديث ( أُمرتُ أن أسجدَ على سبعة أعظُم، على الجبهة وأشار بيده على أنفه، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين) . متفق عليه عن ابن عباس .

• وفي السجود يسبّح الله بما ورد ويُكثر الدعاء، ( فإن أقرب ما يكون العبدُ من ربه وهو ساجد )، وقد صحت أدعية وأذكار متنوعة منها:

• ( سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، ربُّ الملائكةِ والرُّوحِ ) . وقولُ: ( سُبحانَك اللهمَّ ربَّنا وبحمدِك، اللهمَّ اغفِرْ لي ). ويُكثِرُ أنْ يقولَ في ركوعِه وسجودِه: ( سُبحانَكَ اللهمَّ ربَّنا وبحمدِك، اللهمَّ اغفِرْ لي، يتأوَّلُ القُرآنَ ) .

• وقولُ: ( اللهمَّ لك سجَدْتُ، وبك آمَنْتُ، ولك أسلَمْتُ، سجَد وجهي للذي خَلَقَه وصوَّرَه، وشَقَّ سَمْعَه وبصَرَه، تبارَكَ اللهُ أحسَنُ الخالقينَ ).

• والسنةُ فيه الاجتهاد في الدعاء، والاعتدال في السجود، برفع الذراعين عن الأرض، مخالفة للكلاب، وضم أصابع الكفين، ومجافاة الأعضاء عن بعض ، فيرفع بطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه ويجافي عضديه عن جنبيه، ويعتدل في السجود، وقد وصفوا سجوده صلى الله عليه وسلم أنه ( يجافي بين يديِهِ، حتَّى لو أنَّ بَهمةً أرادَت أن تمرَّ تحتَ يديِه لمرَّتْ ). كما في صحيح مسلم .

• فمن الخطأ: عدمُ الالتصاق وترك المجافاة، والانبساط كالحيوان ، وكذلك مدُّ الجسم بحيث يشق على نفسه ولا يكون منكسا .

• ومن الخطأ أيضا: الاكتفاء بالجبهة عن الأنف، بل الصحيح أنه عضوٌ مستقل . ومن الخطأ: رفع القدمين كما يفعل بعض الصغار ، وكذلك حرمة النقر الشديد كما تقدم في كل الأركان .

• ثم بعد ذلك يرفع من السجود مكبرًا بدون رفع للجلوس بين السجدتين مفترسا اليسرى ، وناصبا اليمنى، ويقول فيهما الثابت عند النسائي مرفوعا ( رب اغفر لي رب اغفر لي ) أو ( اللهم اغفر لي وارحمني، وعافني وارزقني ) وفي رواية ( واجبرني ) من جبر الكسر، وهو وأن يردَّ عليه ما ذهب من خير، وأن يعوّضه، ويصلح ما نقص منه . وقول المغفرة واجب عند الحنابلة، مستحب عند الجمهور .

• وهذا الموضعُ كان يطيله عليه الصلاة والسلام حتى يقال " إنه قد نسي " كما في الصحيح ، خلافا لصنعنا هذه الأيام من النقر الشديد، والاستعجال الباهض ..!

• ويُسنُّ فيه الإقعاء بعض الأحيان لحديث عن طاووس رحمه الله قال: ((قُلنا لابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما في الإقعاءِ على القدَمَيْنِ، قال هي: السنَّةُ، فقُلْنا: إنَّا لنراه جَفاءً بالرَّجُلِ، قال: بل هي سنَّةُ نبيِّكَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ) رواه مسلم .وصفته: أن ينصب رجليه ويجلس بإليته على العقبين .

• وأما حديثُ مسلم عن عائشة رضي الله عنها ( نهى عن عُقبة الشيطان ) فهو أن يلصق أليته بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كما يفرش الكلب وغيره من السباع، وليس هو الإقعاء المسنون بين السجدتين .

• ويكثر من دعاء المغفرة ويجعل يديه على فخذيه، ومرفقيه يمدهما كذلك ، ولا يشرع تحريك الأصابع هنا .

• ثم يكبرُ للسجدة الثانية ، الصوت مع الحركة كما قلنا في تكبيرات الانتقال، ولا يرفع يديه، ويقول الذكر السابق، ويجتهد في الدعوات الحسان .

• ثم يرفعُ رأسَه مكبرًا للنهوض، وبهذا يكون أكملَ المصلي ركعةً، إمامًا أو مأموما أو منفردًا .

• ويقومُ معتمدا على صدور قدميه، ولو نهض على يديه لا حرج، لا سيما للشيوخ وكبار السن ، ويُستحب أن يجلسَ هنا (جلسة الاستراحة ) ، وهي جلسة خفيفة تشرع للقيام من وترٍ على الصحيح، كالأولى والثالثة، وحديثها في صحيح البخاري عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه ( وكان إذا رفع رأسه عن السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام ) . والله الموفق .



د.حمزة بن فايع الفتحي


صيد الفوائد