لا نفرِّق بين أحد من رسله
كتبه/ عبد العزيز عطية النجار
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
- فنُعلنها غَضبَةً لله -تعالى-؛ هذا الجُرمُ والسَفَه على ما صنعهُ أحفاد بونابرت في افتتاح ما يسمونهُ بالعُرس الرياضي أوليمبياد باريس 2024م الذي هو في الأصل مَحفَل لشرعنة العُهر والانحطاط الأخلاقي، والنتيجة الحتمية لتراكُم قاذورات الفِكر المادي الأرضي الذي انتهى به الأمر إلى النيوليبرالية وما تحملهُ في جنباتها من إباحية وهمَجية.
- أحق بنا أمة الإسلام هذه الاستشاطة من الغضَب، وتمعُرِ الوجوه لهذا التطاول على المسيح -عليه السلام- وعلى أتباعِهِ من الحواريين. وهذِه الغَضبة ليست تَفَضُلًا، وليسَت مِن باب الشهامة، بل هي من أصل الإيمان وكمالِه.
- في أواخر سورة البقرة شَهِد اللهُ -تعالى- لرسولِه وللمؤمنين، بالإيمان وتحقيق أركانِه السِته؛ التي تَجلَت -في حديث الجوامُع حديث جبريل -عليه السلام- الذي أخرجهُ الشيخان ويحفظهُ كثير من المسلمين من أن الإيمان: (*أَنْ *تُؤْمِنَ *بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) (متفق عليه).
- ونحنُ نَتَحَمُل مؤونة هذه الغَضبة بِرًّا بأبينا إبراهيم -عليه السلام-؛ قال -تعالى-: (*إِنَّ *أَوْلَى *النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران: 68).
- حُرمَة الحنيفية الإبراهيمية التي هي التوحيد الخالِص ودعوة ذُريته من النبيين من بعده؛ سواء كان هذا النبي من بني إسماعيل أو من بني إسرائيل يعقوب -عليهم السلام-، وعقيدتُنا أهل الإسلام في المسيح -عليه السلام- أنهُ عبدُ الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مَريم وروحٌ مِنه؛ دعوتُهُ مُصَدِقةً لما جاء به موسى -عليه السلام-، ومُبشِرًا بالدعوة الخاتِمة المُتَمِمة دعوة أخيه محمد -صلى اللهُ عليهم وسلم-.
- إننا نموتُ كَمَدًا وغيظًا من هذا التلميح، وهذا الإسقاط بهذه الطريقة الَفَجَة من الانحطاط والافتراء على المسيح -عليه السلام- وعلى أتباعِهِ من الحواريين.
- تبًّا لهذه الحضارة وتبًّا لهذه الليبرالية، وبِئس المُنتج البشري الهمجي الذي يروِّج له الغرب المفضوح بحماية حق التعبير لكُل الفئات، وضمانهُم ممارسة كُل طائفة لطقوسها القميئة.
- جدير بالذِكر: أن هذا الانحدار الذي تَوصَّل إليه النصارى؛ بخاصةً الكاثوليك نتاج جَهل جُهالِهِم ورؤوسِهِم الذين يُفتونهُم ويُضِلونهُم بغير علم.
- فلقد كان هُناك تصريح لأحد باباواتهُم يقول: "إن المثليين هُم (أبناء رَبِهِم)، وسيدخلون الملكوت"؛ فتعالى اللهُ الملكُ الحق علوًّا كبيرًا.
- وهذه التصريحات كانت دافعًا للهمَج والِرعاع في هذه الإباحية والتطاوُل؛ بدعوى الحُرية المُطلقة والذي لم يَسلَم مِنهُ الأخيارُ المُصطَفين.
- وبما أنهُم يَتشدقون بكفالة حُرية التعبير لكُلِّ أحدٍ عن مُعتقداته وضمان مُمارسة حقوقِه؛ فإن عقيدتَنا أهل الإسلام هي ميراث عِلم النبوة والكِتاب، والامتداد الفِعلي لدعوة كُل الأنبياء بما فيهم المسيح ذاتُه -عليه السلام-؛ لذلك فنحنُ نعلن أننا أولى بالمسيح -عليه السلام- منهُم.
- إنهم لا يقبلون الطُّهر في عقيدة الأنبياء، ولا الطُهر في دين المسيح -عليه السلام -، ولكنهم يقبلون هذه الديانات المُحرَفة الوَضعية الوضيعة التي لا يحكُمها إلا هوى الَنفسِ ومَلذاتها؛ لذلك قال الله -تعالى- عنهُم: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِين َ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ *شَرُّ *الْبَرِيَّةِ) (البينة: 6).
- حتى نِسبة هؤلاء القوم للمسيح -عليه السلام- وَوَصفهُم بالمسيحين إعلاء ورِفعة لا يستحقونها؛ يكفيهِم تسمية القُرآن لهُم بالنصارى، ولو أنهم كانوا مسيحيين حقيقيين لآمنوا بدعوة مُحمَد -صلى الله عليه وسلم-، وإن كان أهلُ العِلم أجازوا إطلاق لفظة مسيحيين عليهم.
- ولما كانت أُمةِ الإسلام وسطاً بين الأُمَم وأهل السُنة والجماعة وسطاً بين الفِرَق توجَب على أهل السُنه ما توجب على أهل الإسلام بوصف الميثاق المأخوذ عليهم، (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّه ُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) (آل عمران: 187).
- فإن تَبعات عقيدة أهل الإسلام في المسيح -عليه السلام- والقضايا المُتعلِقة بها، والقيام بالأفعال المُصدقة لها، وما يثبتها وما يضادها؛ مِن: الولاء والبراء؛ يا للأسف لا يقوم بهِ كُلُ أهلُ الإسلام، ولكن يقوم به أهل السُنة فَقَط؛ لما لهُم من سابق عِلم، وتوجَب على أهل السُنة الجَهر بعقائد القُرآن والسُنة، والتي هي ميراث الأنبياء كُلهُم من العِلم والكتاب؛ لأن الأنبياء كُلهُم دعوتهُم واحِدة.
- بل إن إخوة الأنبياء إخوة حقيقية كما في صحيح مُسلِم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (*أَنَا *أَوْلَى *النَّاسِ *بِعِيسَى *ابْنِ *مَرْيَمَ *فِي *الْأُولَى *وَالْآخِرَةِ). قَالُوا: كَيْفَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلَّاتٍ، وَأُمَّهَاتُهُم ْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، فَلَيْسَ بَيْنَنَا نَبِيٌّ) (متفق عليه).