قال سليمان بن معبد يرثى يحيى بن معين:
أمن حدثان الدهر أنت مروع وعينك من فرط الصبابة تدمع
مرى دمعك المكنون ما ضمن الحشا من الوجد تبكي تارة وتوجع
لئن هملت عيناك من لوعة الأسى لمثل الذي أذرى دموعك يفجع
وينفى الكرى حتى تبيت مسهدا تراعى نجوم الليل مالك مهجع
أَفْضِ عبراتٍ مِن شؤونك وانتحب لخطب جليل إن قلبك موجع
فقد عظمت في المسلمين زرية غداة نعى الناعون يحيى فأسمعوا
فقالوا بأنا قد دفناه في الثرى فكاد فؤادى عندها يتصدع
فقلت ولم أملك لعينى عبرة ولا جزعا إنا إلى الله نرجع
ألا في سبيل الله عُظْمُ رزيتى بيحيى إلى من نستريح ونفزع
ومن ذا الذي يؤتى فينسأل بعده إذا لم يكن للناس في العلم مقنع
لقد كان يحيى في الحديث بقية من السلف الماضين حين تقشعوا
فلما مضى مات الحديث بموته وأدرج في أكفانه العلم أجمع
وصرنا حيارى بعد يحيى كأننا رعية راع بثهم فتصدعوا
أبى الصبر أنى لا أعاين مثله يد الدهر ما نص الحجيج وأوضعوا
وليس بمغن عنك دمع سفحته ولكن إليه يستريح المفجع
لعمرك ما للناس في الموت حيلة ولا لقضاء الله في الخلق مدفع
فلو أن مخلوقا نجا من حمامه إذن لنجا منه النبي المشفع
تعز به عن كل مَيْتٍ رُزِئْتَهُ فرُزْءُ نبي الله أشجى وأوجع
ولكنما أبكي على العلم إذ مضى فما بعد يحيى فيه للناس مفزع
سقى الله قبرا بالبقيع مجاورا نبي الهدى غيثا يجود ويمرع
فقد ترك الدنيا وفر بدينه إلى الله حتى مات وهو ممتع
وخار له ربي جوار نبيه وذو العرش يعطى من يشاء ويمنع
وإنى لأرجو أن يكون محمد له شافعا يوم القيامة يشفع