من أساليب التربية النبوية ـ الترغيب ـ


الدكتور عثمان قدري مكانسي




أرسل الله تعالى رسوله الكريم رحمة للعالمين ، يهديهم إلى صراط الله المستقيم ، ويفتح لهم آفاق الحياة على نهج مضيء ، وسبيل واضح .



ومن طبع الإنسان الوقوع في الخطأ والتفلت والتهاون ، لأن الله تعالى خلقه (( على عجل )) و (( خلقه ضعيفاً )) يصيب الذنوب ، ويقترف الآثام ، ولذلك كانت الجنة للتائبين والنار للعاصين . وهنا يأتي دور المعلم الأول سيدنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرغب أصحابه في الجنة ، ويعدهم عفو الله ومغفرته ، ويحثهم على عصيان الشيطان واللجوء إلى الرحمن ، فإن تقدموا إليه شبراً تقدم إليهم ذراعاً ، وإن جاءوه سيراً جاءهم ـ عز وجل ـ هرولة . .



وقد كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرغبهم في طاعة الله ، ويعدهم الخير ، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال :



خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على رهط من أصحابه يضحكون ويتحدثون فقال : (( والذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً )) . ثم انصرف وقد أبكى القوم .
فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعلم من الغيب ما علَّمَه اللهُ ، وأراه من النار وأهوالها في معراجه إلى السماء . . فتراه يحذر المسلمين الركونَ إلى الدنيا والسكون إليها ، فيبكي القومُ ويخافون ويدركون أن على المسلم أن يقتصد في ضحكه . .



وأوحى الله عز وجل إليه : يا محمد لِمَ تقنط عبادي ؟
سبحان الله . . إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أراد تذكيرهم بالله ، والعمل بما يرضيه فوعظهم فتأثروا فبكوا . . فأراد الله سبحانه وتعالى ـ حين بكوا من خشيته ـ أن يفرحوا لرحمته وغفرانه ، فأمر النبي عليه والصلاة والسلام أن يضحكهم كما أبكاهم ، فخرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : أبشروا وسددوا وقاربوا(1) . .
فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها فلئن صدقت نية المسلم ، فعفو الله ومغفرته أسرع إليه وأقرب .



وسلعة الله غالية ، وقليل من الناس من يقدر على ثمنها ، فماذا يفعل سواد المسلمين ؟!



إن قيام الليل دليل على صدق المؤمن في توجهه إلى الله تعالى ، والتزام الصلاة جماعة تشهد له بالإيمان ، فهل كل الناس يستطيعون قيام الليل وإحراز فضل الإجتهاد في العبادة ـ اللهم إلا من كتب الله له الكرامة ـ ؟!!



وينظر الله إلى عباده نظرة رحمة ومغفرة وحب وكرامة : فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم يقول : من صلى العشاء في جماعة ، فكأنما قام نصف الليل ، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله(2) .
فكان الترغيب في صلاة العشاء وصلاة الفجر جماعة ، إنهما تعدلان قيام الليل كله . ولذلك يحرص المسلم مهما كان منشغلاً في أمور حياته ـ إلا المضطر ـ أن يصليهما في جماعة لينال ثواب القيام ، وأحسِنْ به من ثواب ! .



ويرغـِّب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه ، ومن بعدهم ، في التوادِّ والتراحم والحب في الله ، لأن الحب في الله :



1ـ يجلو الصدأ عن النفوس .



2ـ ويجمع القلوب على مصدر واحد يتوجهون إليه جميعاً .



3ـ ويغرس الأخوَّةَ في نفوس المسلمين ، فيكونون صفاً واحداً وجبهة واحدة .



4ـ ويبعث الأمان والاطمئنان والرأفة والإيثار في عالم المسلمين .
5ـ ويظلهم الله في ظله يوم القيامة حين تدنو الشمس من رؤوس الخلائق .



فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إن الله يقول يوم القيامة :
( أين المتحابون بجلالي ؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي )(3) .



6ـ ويؤدي إلى حب الله تعالى إياهم :
عن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : قال الله تعالى : ( وجبت محبتي للمتحابين فيَّ ، والمتجالسين فيَّ ، والمتزاورين فيَّ ، والمتباذلين فيَّ )(4) .



ونجد الترغيب في الاستغفار حين يَذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن المسلم إن أخطأ ـ وهو يخطئ ـ استغفرَ الله ، فأقرَّ بذنبه ، وعلم أن له رباً يغفر ، فتاب إليه ، وكلما أخطأ عاد إلى ربه فتاب عليه .



فالعلاقة ـ إذن ـ بين الرب والعبد علاقة ودٍ وحبٍ ومغفرةٍ ورحمةٍ من ذي الجلال ، وعلاقة إقرار بالعبودية ولجوء وتوبة واستغفار من العبد المحب لربه ، الراجي عفوَه ورضاه .



عن أبي أيوب الأنصاري خالد بن يزيد ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول :
(( لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقاً يذنبون ، فيستغفرون فيغفر لهم ))(5) .



أرأيت إلى هذه الصلة الوشيجة بين العبد وربه . . . الرب كامل كمالاً مطلقاً . . والعبد كمالـُه نسبي . .والكمال النسبي فيه ضعفٌ ، وفيه نسيان ، وفيه إهمال . . . فمن يسد نقصَه هذا ؟ ..



إنه ذو الكمال المطلق . . خالقه وبارئه على هذه الصورة ليكون محتاجاً إليه دائماً ، وليكون الغفران والرحمة من الله متواصلاً .
اللهم اكتب لنا الغفران والرحمة . . لجأنا إليك بضعفنا فتولـّنا بكمالك . . . . . يا رب .



ومن الترغيب الذي يذكره سيد المربين ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فيسري عن المؤمنين الذين كثرت ذنوبهم ما رواه أبو موسى الأشعري عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : يجيء يومَ القيامة ناسٌ من المسلمين بذنوب أمثالِ الجبال ، فيغفرها الله لهم ))(6) .



فما علينا ـ معشر المسلمين ـ إلا أن نأتي الله بكلمة التوحيد موقنين بها ، مقرّين بها ، عاملين بها ، فإن كثرت ذنوبنا فالله يغفرها وإن كانت أمثال الجبال . .
فهل هناك أفضل من هذا الترغيب ؟!!.


أستغفر الله دأبي مذ وعيت إلى


نفسي وحـالي ، ومـا حصَّلْتُ من عمل
(( أستغفر الله )) دربـي للـكـريـم إذا
فاضت ذنوبي وضاق الصدر من خلل
(( أستغفر الله )) نـبـراسٌ يـســدد ما
آلـت إليـــه نـفـوس القـوم مـن خـطــل


فهو الدواء لمـن ضـل الطـريـق إلى
كـنـف الـهـدايـة أو قـدْ لَـجَّ في الـهـزل
أو تـاهَ في سـعيـه فالنـاس مُذ وجدوا
فـعـنـصـر الخلق فيهم كـان مـن عـجل
فـيـــا سـعــادة مــن وافــاه مـقـتـبـلاً
ويـا شـقـاء ضلـيـل القـلب والعـقـل (7