شكوى الآباء من الأبناء
هل يمكن أن يتصور أي ابن أو ابنة أن أهله لا يحبونه؟ يقول بعض الآباء: لأننا نخاف على أبنائنا ونريد أن يكونوا أفضل الناس فإنهم يتهموننا باتهامات مختلفة، فهم يقولون عنا: إننا قساة غير متفاهمين، نقيد حريتهم حتى نخنقهم، ولا نترك لهم فرصة للتعبير عن أنفسهم. ولا يستطيع أحد أن ينكر أن الآباء يحبون أبناءهم كأنفسهم، بل أكثر، ويضحون في سبيلهم بكل ما في وسعهم، بل بحياتهم أحياناً.
كما لا يستطيع أحد أن يتصور أن الابن لا يحب والديه، وإن كان يبدي غير ذلك بالكلام أحيانا، وبالانفعال أحيانا أخرى، وبالصمت أو الخروج من البيت مرات، لكن ما أن يحس أن مكروها يصيب أحد والديه أو كليهما إلا ويسارع لنجدتهما.
صحيح أن محبة الوالدين أقوى كثيرا؛ لأنها المحبة الناضجة، المدافعة، الحامية المضحية الغافرة وهذه طبيعة الأمومة والأبوة (الفطرة) كما خلقها الله تعالى.
وكثير من الآباء يرون في أبنائهم امتدادا لحياتهم، ويفرح الأب جدا عندما يقول الناس عن ابنه إنه صورة طبق الأصل منه.
لكن ما يعده الآباء حبا يراه الأبناء قيدا في سبيل استقلالهم، والنزعة للاستقلال ليست دليلا على كراهية الآباء بل هي اتجاه طبيعي في مرحلة المراهقة، فهي خطوة على طريق النمو والنضج، فليطمئن الآباء؛ لأن مرحلة الثورة فترة مؤقتة سرعان ما يحل مكانها حب وتقدير لهم.
وحب الوالدين يختلط أحيانا برغبة في التملك! فالأم التي تحب ابنها جدا -أحيانا- تغار من زوجته وتحرص على ألا تأخذه منها وهذا أحد أسباب الصراع بين الحماة وزوجة الابن أحيانا.
ماذا يقول الآباء والأمهات عن أبنائهم المراهقين؟
1-ابني طبيعي أم ...؟!
نحن في حيرة من أمر ابننا (ابنتنا) المراهق.. هل هو على حق؟ وهل كل الأبناء يتصرفون بهذا النهج؟ أم أن ابننا غير طبيعي ويختلف عن الباقين في مثل سنه؟
2- ابني تغير!!
كان ابننا وديعا، مطيعا، متفوقا في دراسته، بل كان أنموذجا يحتذى به، وفجأة انعكس كل شيء، فهو إما ثائر لا يعجبه شيء، أو صامت لا يكلمنا ويريد أن يجلس في غرفته وحيدا، حتى إننا نخاف عليه من أن يصاب بمرض نفسي.
3- لم نكن هكذا في سنه!!
نحن نسأل أنفسنا: ترى هل كنا هكذا عندما بلغنا مرحلة المراهقة؟ إننا لا نتذكر بل ما نذكره خلاف ذلك، فقد كان الواحد منا لا يجرؤ أن يرفع صوته أمام أبيه، فإن دخل الأب البيت لزم الجميع الهدوء حتى يستريح من عمله وإن طلب شيئا فهو أمر، وإن أصدر أمرا فلا مناقشة.
لقد كانت هناك قيمة مهمة هي احترام الكبير، ومنا من كانوا يقبلون أيدي آبائهم صباحا ومساء.
4- يقول الخبراء.. ولكن!
يقولون: إن علماء النفس أثبتوا أن هذا النوع من التربية ضار بشخصية الابن، لكن نحن الآباء والأمهات نرى خلاف ذلك، فقد تربينا بهذا الأسلوب، وها نحن رجال ونساء ناجحون نتصف بالأدب والأخلاق.
5- الرقابة
لقد كنا نخضع لرقابة شديدة من آبائنا، فما أن يدخل الواحد منا البيت حتى يقوم الأب بفتح حقيبة كتبه، والبحث في الكراسات عن الواجبات والدرجات والويل كل الويل للمقصر، أو لمن حصل على درجة الرسوب، فلما قيل لنا: إن هذا أسلوب قديم أعطينا أولادنا حرية مطلقة، وها هي ذي النتيجة: الابن يجادل أباه وأمه بأسلوب غير مناسب، ويعتقد أنه أكثر علما وتحضرا وثقافة منهما.
6- سلطتنا!
لقد كدنا نفقد السلطة المعنوية على أبنائنا، ولم يعد كلامنا مسموعا بل يفعل كل ابن ما يراه.
بعض المشكلات
هذه بعض المشكلات التي يعبر عنها الآباء بخصوص أبنائهم:
1- عناد وتحد:
أنا أشعر أن ابني يتحداني؛ فإذا أمرته بعمل شيء فإنه يرفض، بل ويسعى لعمل خلاف أمري، وينظر إلي نظرة كلها تحد. هل أعاقبه؟ هل أضربه، هل أسكت وأتغاضى عن كرامتي بوصفي أباً؟ وعندما أنبهه للخطأ يكره وكأنه يتعمد ذلك!
2- التعدي على دور الأب
ابني يريد أن يقوم بدوري دون تقدير لوجودي؛ فهو يتحكم في إخوته -ولاسيما البنات- حتى ولو كن أكبر منه سنا، فيأمرهن بارتداء ملابس معينة، ويطلب منهن تقريرا مفصلا عند عودتهن، من قابلن؟ ومع من تحدثن؟ ولا يسمح لهن بالرد على الهاتف.. إلخ.
لقد أفهمته مرات عدة أن هذا هو دوري ما دمت موجودا، لكنه مصمم على القيام بهذا الدور بل ويعتدي على إخوته بالضرب أحيانا.
3- هل انتهت مهمة الآباء؟!
هل وصول ابني وابنتي إلى مرحلة المراهقة معناه أنهم كبرا وأصبحا ناضجين، وبالتالي فقد انتهت مهمتي بوصفي أباً وصار الابن مسؤولا عن نفسه؟
4- أصدقاء ابني
ابني يصادق من هم أكبر منه سنا، وبعض الفاشلين في دراستهم، وكم أخشى عليه من الانحراف، إننا نقرأ كل يوم عن حوادث الإدمان والسرقة.
وقد حاولت مرارا أن أنبهه لذلك لكنه يطلب مني عدم التدخل في اختيار أصدقائه.
5- إدارة الوقت أم إضاعته
ابني يترك دراسته ويقضي الساعات سواء أمام (التلفاز) أم في الحديث عبر الهاتف، فهو يريد أن يتابع كل المسلسلات، ويشاهد كل الأفلام، ومباريات الكرة.
وقد تعبت من توجيهه ومطالبته بالالتزام حتى يخصص وقتا للدراسة، ووقتا للراحة.
أما الهاتف فهو يقضي الساعات لا الدقائق في كل مكالمة بدعوى أنه يتبادل المعلومات الدراسية مع زميل أو زميلة، «مع التحفظ على كلمة زميلة».
6- مصروف ابني
تنتابني أفكار متضاربة بشأن مصروف ابني، فأنا أريد أن أعطيه كل ما أستطيع من مصروف لكن في حدود إمكانياتي؛ لأني أريد أن أراه أسعد إنسان، لكنه لا يقبل أبدا، وأجده غير مقدر لإمكانياتي، إن أراد شراء ملابس فلا بد أن تكون مستوردة، وإن خرج للنزهة فلا بد أن يصرف على نفسه ويدفع لأصدقائه.
كيف أقنع ابني أنني لست بخيلا، وأن عليَّ التزامات البيت، والصرف على إخوته؛ بحيث لا يكون مستواهم أقل منه؟
7- ابني والارتباط بالصحة الصالحة
ابني يذهب لاجتماع الشباب يوم الخميس من كل أسبوع، وأنا لا أمانع في هذا، بل بالعكس أفرح لارتباطه بالمسجد وبأصدقاء مناسبين، لكن المشكلة أنه لا يعرف حدودا للوقت، فالاجتماع يستغرق ساعتين لكنه يقضي أربع أو خمس ساعات وأكثر من ذلك يرتبط بلجان خدمة أخرى وسط الأسبوع.
وعندما أناقشه في ذلك يقول لي: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».
وابنتي أيضا تقضي وقتا طويلا في هذا الاجتماع غير عابئة بدراستها، بل تترك أمها مريضة أحيانا لتسرع إلى الاجتماع، كما أنها تريد فستانا جديدا كل خميس؛ لأن صديقاتها بالاجتماع رأوا فستانها مرة قبل ذلك.
8- بقرة حلوب
ابني يرى أن دوري الرئيسي في البيت هو توفير متطلبات الأسرة واحتياجاته هو خصوصاً.
فإن طلب مني مبلغاً كبيرا واعتذرت لعدم قدرتي قال لي جملته المعتادة: «لماذا أنجبتموني ما دمتم غير قادرين على أن تنفقوا علي؟».
اعداد: د. مصطفى أبو سعد