كتاب التبيان في آداب حملة القرآن
عبد العزيز الداخل
المقدمة
قال أبو زكريّا يحيى بن شرفٍ النّوويّ (ت: 676هـ): (الحمد لله الكريم المنان، ذي الطول والفضل والإحسان، الذي هدانا للإيمان، وفضل ديننا على سائر الأديان، ومن علينا بإرساله إلينا أكرم خلقه عليه، وأفضلهم لديه، حبيبه وخليله، وعبده ورسوله، محمدا صلى الله عليه وسلم، فمحا به عبادة الأوثان، وأكرمه صلى الله عليه وسلم بالقرآن المعجزة المستمرة على تعاقب الأزمان، التي يتحدى بها الإنس والجان بأجمعهم، وأفحم بها جميع أهل الزيغ والطغيان، وجعله ربيعا لقلوب أهل البصائر والعرفان، لا يخلق على كثرة الرد وتغاير الأحيان، ويسره للذكر حتى استظهره صغار الولدان، وضمن حفظه من تطرق التغيير إلى والحدثان، وهو محفوظ بحمد الله وفضله ما اختلف الملوان، ووفق للاعتناء بعلومه من اصطفاه من أهل الحذق والإتقان، فجمعوا فيها من كل فن ما ينشرح له صدر أهل الإيقان، أحمده على ذلك وغيره من نعمه التي لا تحصى خصوصا على نعمة الإيمان، وأسأله المنة علي وعلى سائر أحبابي وسائر المسلمين بالرضوان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة محصلة للغفران، منقذة صاحبها من النيران، موصلة له إلى سكنى الجنان.
أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى من على هذه الأمة -زادها الله تعالى شرفا- بالدين الذي ارتضاه دين الإسلام، وأرسل إليها محمدا خير الأنام، عليه منه أفضل الصلاة والبركات والسلام، وأكرمها بكتابه أفضل الكلام، وجمع فيه -سبحانه وتعالى- جميع ما يحتاج إليه من أخبار الأولين والآخرين، والمواعظ والأمثال، والآداب، وضروب الأحكام، والحجج القاطعات الظاهرات في الدلالة على وحدانيته وغير ذلك مما جاءت به رسله صلوات الله عليهم وسلامه الدامغات لأهل الإلحاد الضلال الطغام، وضعف الأجر في تلاوته، وأمرنا بالاعتناء به والإعظام، وملازمة الآداب معه، وبذل الوسع في الاحترام.
وقد صنف في فضل تلاوته جماعة من الأماثل والأعلام، كتبا معروفة عند أولي النهى والأحلام، لكن ضعفت الهمم عن حفظها، بل عن مطالعتها، فصار لا ينتفع بها إلا أفراد من أولي الإفهام، ورأيت أهل بلدتنا دمشق -حماها الله تعالى وصانها وسائر بلاد الإسلام- مكثرين من الاعتناء بتلاوة القرآن العزيز، تعلما وتعليما، وعرضا ودراسة، في جماعات وفرادى، مجتهدين في ذلك بالليالي والأيام، زادهم الله حرصا عليه، وعلى جميع أنواع الطاعات، مريدين وجه الله ذي الجلال والإكرام، فدعاني ذلك إلى جمع مختصر في آداب حملته، وأوصاف حفاظه وطلبته، فقد أوجب الله -سبحانه وتعالى- النصح لكتابه، ومن النصيحة له بيان آداب حملته وطلابه، وإرشادهم إليها، وتنبيههم عليها، وأوثر فيه الاختصار، وأحاذر التطويل والإكثار، وأقتصر في كل باب على طرف من أطرافه، وأرمز من كل ضرب من آدابه إلى بعض أصنافه، فلذلك أكثر ما أذكره بحذف أسانيده. وإن كانت أسانيده بحمد الله عندي من الحاضرة العتيدة، فإن مقصودي التنبيه على أصل ذلك، والإشارة بما أذكره إلى ما حذفته مما هنالك.
والسبب في إيثار اختصاره، إيثاري حفظه وكثرة الانتفاع به وانتشاره.
ثم ما وقع من غريب الأسماء واللغات في باب في آخر الكتاب، ليكمل انتفاع صاحبه، ويزول الشك عن طالبه، ويندرج في ضمن ذلك، وفي خلال الأبواب جمل من القواعد، ونفائس من مهمات الفوائد، وبين الأحاديث الصحيحة والضعيفة مضافات إلى من رواها من الأئمة الأثبات.
وقد ذهلوا عن نادر من ذلك في بعض الحالات.
واعلم أن العلماء من الحديث وغيرهم جوزوا العمل بالضعيف في فضائل الأعمال، ومع هذا فإني أقتصر على الصحيح، فلا أذكر الضعيف إلا في بعض الأحوال،
وعلى الله الكريم توكلي واعتمادي، وإليه تفويضي واستنادي، وأسأله سلوك سبيل الرشاد، والعصمة من أهل الزيغ والعناد، والدوام على ذلك وغيره من الخير في ازدياد، وأبتهل إليه -سبحانه- أن يوفقني لمرضاته، وأن يجعلني ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته، وأن يهديني بحسن النيات، وييسر لي جميع أنواع الخيرات، ويعينني على أنواع المكرمات، ويديمني على ذلك حتى الممات، وأن يفعل ذلك كله بجميع أحبابي، وسائر المسلمين والمسلمات، وحسبي الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اهـ
ويشتمل هذا الكتاب على عشرة أبواب:
الفهرس الإجمالي:
الباب الأول: في أطراف من فضيلة تلاوة القرآن وحملته.
الباب الثاني: في ترجيح القرآن والقاري على غيرهما.
الباب الثالث: في إكرام أهل القرآن، والنهي عنه أذاهم.
الباب الرابع: في آداب معلم القرآن ومتعلمه.
الباب الخامس: في آداب حامل القرآن.
الباب السادس: في آداب القرآن، وهو معظم الكتاب ومقصوده.
الباب السابع: في آداب الناس كلهم مع القرآن.
الباب الثامن: في الآيات والسور المستحبة في أوقات وأحوال مخصوصة.
الباب التاسع: في كتابة القرآن وإكرام المصحف.
الباب العاشر: في ضبط ألفاظ هذا الكتاب.