الخشوع في الصلاة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد قال تعالى: {قَد أَفْلَحَ الْمُؤمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (المؤمنون: 1-2)، والخشوع كما جاء في تفسير السعدي: هو حضور القلب بين يدي الله تعالى مستحضرا لقربه فيسكن لذلك قلبه، وتطمئن نفسه، وتسكن حركاته، ويقل التفاته متأدبا بين يدي ربه مستحضرا جميع ما يقوله ويفعله في صلاته من أول صلاته إلى آخرها، فتنتفي بذلك الوساوس والأفكار الرديئة، وهذه روح الصلاة والمقصود منها.
وذكر القرطبي أن الخشوع محله القلب؛ فإذا خشع خشعت الجوارح كلها لخشوعه، والخشوع الحق يطلق عليه الإمام ابن القيم خشوع الإيمان، ويعرّفه بأنه خشوع القلب لله بالتعظيم والإجلال والوقار والمهابة والحياء فينكسر القلب لله كسرة ممتلئة من الوجل والخجل والحب والحياء وشهود نعم الله تعالى. وقد امتدح الله عز وجل الخاشعين في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} (الإسراء: 109) وقوله عز وجل: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} (البقرة: 45)، وقال رسول الله [ في فضل الخشوع: «ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله» رواه الإمام مسلم.
وإذا أردنا الخشوع في الصلاة فعلينا أن نأخذ بأسباب الخشوع، وإليك أخي القارئ أختي القارئة أهمها:
- دعاء الله عز وجل أن يرزقك الخشوع في الصلاة، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من أربع: «اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها» رواه مسلم.
- الطمأنينة في الصلاة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطمئن حتى يرجع كل مفصل إلى موضعه.
- تذكر الموت في الصلاة، قال صلى الله عليه وسلم لمن طلب منه موعظة وجيزة: «صل صلاة مودع».
- تدبر الآيات المقروءة، وبقية أذكار الصلاة وتفاعل معها، ولا يحصل التدبر إلا بالعلم بمعنى ما يقرأ، كي يستطيع التفكر فينتج الدمع والتأثر، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً} (الفرقان: 73).
- ترتيل القرآن الكريم، وتحسين الصوت به؛ لقوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} (المزّمِّل:4)، ولقوله صلى الله عليه وسلم : «زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا» أخرجه الحاكم.
- التنويع في السور والآيات والأذكار والأدعية في الصلاة، وهذا يشعر المصلي بتجدد المعاني.
- معرفة مزايا الخشوع في الصلاة ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم : «ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله» رواه الإمام مسلم.
- الإكثار من قراءة القرآن والذكر والاستغفار وعدم الإكثار من الكلام بغير ذكر الله تعالى كما في الحديث: «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله تعالى؛ فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله تعالى القلب القاسي» رواه الترمذي.
فقراءة القرآن وتدبره من أعظم أسباب لين القلوب، قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ» (الزمر: 23)، فالقراءة والذكر حصن من الشيطان ووساوسه، وهي سبب لاطمئنان القلوب الذي يفقده الكثير من الناس، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28)، كما أن الإكثار من ذكر الله عز وجل سبب للفلاح، قال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الجمعة:10).
- التلذذ بالصلاة الذي عبر عنه ابن تيمية رحمه الله تعالى بقوله: «إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة».
- التأمل في حال السلف في صلاتهم: كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا حضرت الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه، فقيل له: ما لك؟ فقال: «جاء والله أمانة عرضت على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها» وبعضهم كان يصفر وجهه إذا توضأ للصلاة، فقيل له: إنا نراك إذا توضأت للصلاة، تغيرت أحوالك، قال: «إني أعرف بين يدي من سأقوم».
إن الظواهر التي تظهر على الكثير من قسوة القلب وقحط العين وانعدام التدبر، هي بسبب المادية التي طغت على قلوبنا فأصبحت تشاركنا في عبادتنا، ولا يمكن للقلوب أن ترجع لحالتها الصحيحة حتى تتطهر مما علق بها من أدران، فهذا أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه يضع يده على الداء لهذه الظاهرة فيقول: «لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام الله عز وجل».
وفي الختام نسأل الله عز وجل أن يرزقنا إيمانا دائما وقلبا خاشعا ولسانا ذاكرا.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اعداد: د. عبد الغني العمراني الزريفي