تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: أسئلة بيانية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,589

    افتراضي أسئلة بيانية

    أسئلة بيانية (1)

    بين التقوى والإحسان

    فاضل السامرائي





    قال تعالى في سورة البقرة: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 2]، وقال في سورة لقمان: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيم * هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِين﴾ [سورة لقمان].

    السؤال: لماذا زاد الرحمة على الهدى في آية لقمان؟
    الجواب:
    إن آية البقرة في المتقين، والمتقي هو الذي يحفظ نفسه. وأما آية لقمان ففي المحسنين، والمحسن هو الذي يُحسن إلى نفسه وإلى غيره، قال تعالى: ﴿وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ [القصص: 77]. وقال: ﴿وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا﴾ [النساء: 36]. وقال: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ﴾ [الإسراء: 7].
    جاء في «المفردات» للراغب: «الإحسان على وجهين:
    أحدهما: الإنعام على الغير. يقال: أحسِن إلى فلان.
    والثاني: إحسان في فعله، وذلك إذا علم علماً حسناً أو عمل عملاً حسناً» [المفردات: (حسن)].
    فلما ذكر في آية لقمان أنهم محسنون زاد لهم الرحمة على الهدى، وذلك أنهم زادوا في الوصف على المتقين بأن أحسنوا إلى غيرهم وإلى أنفسهم فزاد الله لهم في الجزاء.
    ثم إنَّ الإحسان إلى الآخرين إنما هو من الرحمة فزاد الله تعالى لهم الرحمة لما رحموا الآخرين.
    ولم تقتصر هذه الزيادة لهم في الدنيا بل زاد الله تعالى لهم الجزاء في الآخرة أيضاً، قال تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: 26].

    فكما زادوا في الدنيا من الخير زاد الله تعالى لهم فيه في الدنيا والآخرة، والجزاء من جنس العمل.






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,589

    افتراضي رد: أسئلة بيانية

    أسئلة بيانية (2)
    نظرات في آيات التحدي والإعجاز
    فاضل السامرائي





    قال في سورة البقرة: ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِين﴾ [سورة البقرة 23-24].
    وقال في سورة يونس: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِين * بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾ [سورة يونس 38-39].
    وقال في سورة هود: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِين * فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُون﴾ [سورة هود 13-14].
    السؤال:
    أ – لماذا قال في البقرة: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾ [البقرة: 23]. بذكر ﴿مِنْ﴾ مع المِثْل ولم يذكرها في سورة يونس ولا في هود؟
    ب – لماذا قال تعالى في سورة البقرة: ﴿وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: 23]، وقال في يونس وهود: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ ؟.
    ج ـ لماذا شدَّد التحذير في سورة البقرة فقال: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 24]. ولم يقل مثل ذلك في يونس ولا في هود؟
    الجواب:
    أ – إن معنى: (ائتني بشيء من مثله) يختلف عن قولك: (ائتني بشيء مثله)، فإن قولك: (ائتني بشيء من مثله) يعني افتراض أن له مِثْلاً فتقول: ائتني بشيء من هذا المثل.
    يقال: إن لهذا الشيء أمثالاً؛ فتقول: ائتني بشيء من مثله أي: من هذه الأمثال.
    أما قولك: (ائتني بشيء مثله) فإنك لا تفترضُ أنَّ له مِثلاً فقد يكون أن له مثلاً أو لا يكون فاستحدِثْ أنت مثله. كأن تقول لصاحبك: ائتني بشِعْرٍ مثلِ هذا، أي: بشِعْرٍ مماثل له سواء كان مُستحدثاً أم موجوداً.
    وبعد هذه المقدمة في التفريق بين مَعْنَيَيْ (من مثله) و (مثله) نقول:
    ب – قوله: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: 23] أعم من قوله: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [يونس: 38]، في يونس وهود لأن مظنة الافتراء واحد من أمور الريبة. فالريبة قد تكون من مظنة الافتراء أو غيره، فإنهم قالوا: ساحر أو مجنون أو يعلِّمه بشر وما إلى ذلك.
    ج – قوله في البقرة: ﴿مِنْ مِثْلِهِ﴾ يحتمل أن يكون من مثل القرآن أو من مثل الرسول أي من شخص أمي لم يتعلم.
    وهو أعم مما في الآيتين في يونس وهود فإنهما نص في أن المطلوب أن يأتوا بمثل القرآن.
    فناسب العموم العموم، وإن كان المعنى الأول هو الأظهر.
    د - حذف مفعولي ﴿تَفْعَلُوا﴾ و ﴿وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ مجانسة للإطلاق وإن كان المقصود معلوماً.
    هـ - قال في سورتي يونس وهود: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ [يونس: 38] فقال: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ﴾ [يونس: 38] أو: ﴿بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ﴾ أي: افتروا أنتم كما افترى.
    و – لا يحسن بعد قوله: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا﴾ [البقرة: 23] أن يقال: (فائتوا بسورة من مثله مفتراة) من جهتين:
    الأولى: أنهم لم يقولوا: (افتراه) كما في آيتي يونس وهود.
    والجهة الأخرى: أنه لا يحسن بعد قوله: ﴿مِنْ مِثْلِهِ﴾ أن يقول: (مفتراة) لأنه افترض أن له مثلاً فهو إذن ليس بمفترى.
    ح – لا يحسن بعد قوله: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ في يونس وهود أن يقال: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾.
    فإنهم قالوا: (افتراه) وإذن ليس له مثل. وقوله: (من مثله) يقتضي أن له مثلاً، وإنما ينبغي أن يقال: (فائتوا بسورة مثله)، أي: افتروا أنتم أيضاً.
    ط – لم يقل في سورة البقرة: (وادعوا مَن استطعتم من دون الله) لأنه افترض أن له مثلاً، ومعنى ذلك أن هناك مَن استطاع أن يفعل، إذن فليأتوا بشيء مما فعله المستطيع. فإن الغرض من دعوة من استطاعوا أن يفعلوا مثله وهو قد افترض أن له مثلاً فدعاهم إلى أن يأتوا بشيء مما فعله هؤلاء.
    ي – قال: ﴿وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [البقرة: 23] أي: ادعوا مَن يشهد لكم أن هذا الكلام مثل هذا.
    وعلى هذا فالآية تقتضي دعاء مَن استطاعوا ودعاء الشهداء، فالأوّلون دعاهم بقوله: ﴿مِنْ مِثْلِهِ﴾ لأنه افترض أن هناك مَن استطاع أن يأتي بمثله. والشهداء دعاهم للشهادة، وهذا أوسع وأعم فناسب العموم العموم.
    ك – ذكر بعد آية البقرة أن يتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة لأن الذي لا يؤمن بعد إقامة الحجة عليه ولم يستعمل عقله إنما هو بمنزلة الحجارة فقرن بينهما.
    ل – لما قال في أول سورة البقرة: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة: 2]، ناسب أن يقول: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ﴾ [البقرة: 23].

    كما ناسب أن يقطع بعدم الاستطاعة على الفعل بقوله: ﴿وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ [البقرة: 24] لأنه ذكر ابتداءً أنه لا ريب فيه.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,589

    افتراضي رد: أسئلة بيانية

    أسئلة بيانية (3)
    قصة فرعون بين سورتي البقرة والأعراف
    فاضل السامرائي




    قال تعالى في سورة البقرة: ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ [البقرة: 49].
    وقال في سورة الأعراف: ﴿وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ [الأعراف: 141].
    سؤال:
    لماذا قال في آية البقرة: ﴿يُذَبِّحُونَ﴾. وقال في الأعراف: ﴿يُقَتِّلُونَ﴾؟
    الجواب:
    إنه قال في الأعراف في قصة موسى قبل هذه الآية: ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾ [الأعراف: 127]، فناسب قولُ فرعون فعلَه فقد قال: ﴿سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ﴾ فقال: ﴿يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ وهو المناسب فقد فعل ما قاله وهدّد به.
    هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن القتل أعمَّ من الذبح، وأن القصة في الأعراف مبنية على العموم والتفصيل في موقف فرعون من بني إسرائيل فإنه لم يَرِد في سورة البقرة ذكرٌ لفرعون مع بني إسرائيل ولا فتنته لهم إلا هذه الآية.
    في حين أن القصة في الأعراف فَصَّلت في ذكر الحوادث قبل موسى وبعده، وذكرت فتنة فرعون لبني إسرائيل وذكرت مجيء موسى إلى فرعون وتبليغه بالدعوة وذكرت موقف فرعون من السحرة وتهديد فرعون لبني إسرائيل بالقتل والإذلال والإيذاء حتى قالوا لموسى: ﴿قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا﴾ [الأعراف: 129].
    وذكر الآيات التي حلّت بفرعون وقومه: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ [الأعراف: 130].
    وتستمر القصة في ذكر التفاصيل:
    فناسب العمومُ في الأعراف العمومَ في اللفظ وهو التقتيل.
    ثم إنه لم يرد في البقرة ذكر لهارون في هذه القصة، وأما في الأعراف فقد ورد ذكره في أكثر من موقف منها قول السحرة: ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف: 121-122].
    وورد استخلافه في قومه فقال: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَ ا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ﴾ [الأعراف: 142].

    فناسب ذلك أيضاً ذكر التقتيل، فإن ذكر موسى وهارون أعمُّ من ذكر موسى وحده، فناسب العموم العموم.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,589

    افتراضي رد: أسئلة بيانية

    أسئلة بيانية (4)
    مواعدة موسى ربه
    فاضل السامرائي

    سؤال:
    لماذا قال في البقرة: ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ [البقرة: 51]، وقال في الأعراف: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَ ا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ [الأعراف: 142]؟.
    الجواب:
    إن السياق في الأعراف في تفصيل ما حصل في هذه المواعدة، فقد قال: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَ ا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ. وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ * قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ * وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الأعراف: 142-145].
    في حين أن السياق في البقرة كان مجملاً فإنه لم يتعدّ آية واحدة أو جزءاً من آية وهي قوله: ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ﴾ [البقرة: 51].

    وبعدها قوله: ﴿ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ... ﴾ [البقرة: 52-54] بل إن ما يخص المواعدة هو قوله: ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ [البقرة: 51] وبعده يتعلق باتخاذ العجل كما هو ظاهر؛ فناسب التفصيلُ التفصيلَ والإجمالُ الإجمالَ.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,589

    افتراضي رد: أسئلة بيانية

    أسئلة بيانية (5)
    بين نفي النصر ونفي النظر أو الإنظار
    فاضل السامرائي

    قال تعالى في سورة البقرة: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ [البقرة: 86].
    وقال فيها أيضاً: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَة ِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ [البقرة: 161-162].
    وقال في آل عمران: ﴿أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَة ِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ [آل عمران: 87-88].
    سؤال:
    لماذا قال في الآية السادسة والثمانين: ﴿وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾، وقال في الآيتين الأخريين: ﴿وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾؟.
    الجواب:
    إن الآية الأولى إنما هي في سياق القتل والحرب والأسر، والأُسارى إنما هم من أوزار الحرب، ومَن في هذه الحال إنما يبتغي النصر فنفى ذلك عنهم، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ [البقرة: 84-86] فناسب ذلك ذكر النصر.
    وأما الآيتان الأخريان فقد ذكرتا أنَّ عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وذكر بعد ذلك أنهم خالدون فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون.
    واللعنة هي الطرد والإبعاد من رحمة الله، والمطرود لا يُنظر إليه لأنه يُبْعد.
    والنظر قد يكون معناه التأخير والإمهال، وقد يكون معناه نظر الرحمة. وكلاهما منفي.
    أما الأول فلأنه مطرود فكيف يؤخر؟ وكذلك بالنسبة إلى المعنى الآخر. فناسب كل تعبير مكانه.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,589

    افتراضي رد: أسئلة بيانية

    أسئلة بيانية (6)
    حول خزي الدنيا والعياذ بالله تعالى
    فاضل السامرائي





    قال تعالى في سورة البقرة: ﴿لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [البقرة: 114].
    وقال في سورة المائدة: ﴿ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: 33].
    وقال في سورة الحج: ﴿لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ [الحج: 9].
    سؤال:
    لماذا قدَّم الخزي على الدنيا في آية المائدة، فقال: ﴿لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا﴾ وأخّره عنها في آيتي البقرة والحج، فقال: ﴿لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ﴾؟.
    الجواب:
    إن الخزي المذكور في آية المائدة أظهر للعيان مما في آيتي البقرة والحج، وهو ثابت لا يزول، بخلاف ما في آيتي الحج والبقرة فإنه غير ظاهر ذلك الظهور ولا ثابت ذلك الثبات، فقد قال تعالى في آية المائدة: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: 33]، في حين قال في سورة البقرة: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [البقرة: 114].
    فقد ذكر عن هؤلاء أنهم لا يدخلونها إلا خائفين، أي لا يدخلون المساجد إلا خائفين، فالخوف مقارن للدخول فإذا انتفى الدخول انتفى الخوف، ثم إن الخوف أمر قلبي غير ظاهر للعيان، فالخزي المذكور في آية المائدة أظهر وأشد.
    وقال في سورة الحج: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ [الحج: 8-9]، ولم يذكر الخزي الذي سيلحقهم في الدنيا.

    فالتقتيل والتصليب وقطع الأيدي والأرجل من خلاف والنفي من الأرض أظهر خزياً وأشد عقوبة في الدنيا مما ذكره في الآيتين الأخريين، فناسب تقديمه في آية المائدة.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,589

    افتراضي رد: أسئلة بيانية

    أسئلة بيانية (7)
    ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى
    فاضل السامرائي

    قال تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ [البقرة: 120].
    سؤال:
    لماذا قال: ﴿حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ بإفراد الملة، ولم يقل: حتى تتبع ملتيهما؟
    ولماذا جاء بـ (لا) في قوله ﴿وَلَا النَّصَارَى﴾ ولم يقل: (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى)؟.
    الجواب:
    1 – الجواب عن السؤال الأول أنه لو قال: (حتى تتبع ملتيهما) لكان المعنى أن اليهود لا يرضون حتى تتبع الملتين. وأن النصارى لا يرضون حتى تتبع الملتين. وهذا غير مراد ولا يصح.
    2 – أما الجواب عن السؤال الثاني فإنه لو قال ذلك من دون (لا) أي: (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتيهما) كان المعنى: أنه لن يرضى عنك الجميع حتى تتبع الملتين.
    ولو قال: (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم) احتمل ذلك معنيين:
    الأول: أن الجميع لا يرضون حتى تتبع ملتهم.
    بمعنى أنك إذا اتبعت ملة اليهود رضيت عنك اليهود والنصارى، وإذا اتبعت ملة النصارى رضيت عنك اليهود والنصارى، وهذا المعنى لا يصح وهو غير مراد.
    والآخر: هو احتمال ما نصت عليه الآية أي: لن ترضى عنك اليهود حتى تتبع ملتهم، ولن ترضى عنك النصارى حتى تتبع ملتهم.
    وما جاء في التعبير القرآني نص على المعنى المراد من دون احتمال آخر.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,589

    افتراضي رد: أسئلة بيانية

    أسئلة بيانية (8)
    (ولئن اتبعت أهواءهم)
    فاضل السامرائي



    قال تعالى في سورة البقرة: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [البقرة: 120].
    وقال في سورة الرعد: ﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ﴾ [الرعد: 37].

    سؤال:
    1 – لقد قال تعالى في آية البقرة: ﴿بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾، وقال في آية الرعد: ﴿بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾.
    2 – قال في آية البقرة: ﴿مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾.
    وقال في آية الرعد: ﴿مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ﴾.
    فما سبب هذا الاختلاف؟
    الجواب:
    1 – نقول أولاً: أن الفرق بين (الذي) و (ما) مع أن كليهما اسم موصول أن (الذي) اسم موصول مختص فهو مختص بالمفرد المذكر.
    وأن (ما) اسم موصول مشترك يشترك فيه المذكر والمؤنث المفرد والمثنى والجمع.
    وأنه حدد الأهواء في سورة البقرة وعيَّنها بقوله: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ [البقرة: 120].
    ولم يحددها في سورة الرعد بل أطلقها غير أنه قال قبل هذه الآية: ﴿وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ﴾ [الرعد: 36]، ولم يذكر هذا البعض.
    فجاء مع ذكر الأهواء المخصصة بالاسم الموصول المختص وهو (الذي).
    وجاء مع ذكر الأهواء العامَّة بالاسم الموصول المشترك وهو (ما).
    ثم إن العلم المذكور في كل من الآيتين مرتبط بالسياق الذي ورد فيه، فالمقصود بالعلم في قوله: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ [البقرة: 120] في آية سورة البقرة: العلم بدين الإسلام وهو هدى الله تعالى، وهو ما يقابل ملة اليهود والنصارى وهو معلوم.
    وأما العلم المذكور في آية الرعد فلم يعين ولم يحدد وهو ما يقابل: ﴿وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ﴾ [الرعد: 36]، فلم يذكر الأحزاب ولم يذكر البعض الذي تنكره.
    فجاء في العلم المحدد المعلوم بالاسم الموصول المختص وهو (الذي)، وجاء في غير المعيَّن بالاسم الموصول المشترك وهو (ما) فناسب كل تعبير موضعه.
    2 – وأما من ناحية الفاصلة في كل من الآيتين فإنه قال في سورة البقرة: ﴿مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [البقرة: 120].
    وقال في سورة الرعد: ﴿مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ﴾ [الرعد: 37]، والواقي أعم من النصير، فالواقي هو الحافظ، و(وقى) معناه: (حفظ).
    والواقي يكون عاقلاً أو غيره، فقد يكون من الجمادات أو غيرها، فالسقف واق، والملابس واقية، قال تعالى: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ﴾ [النحل: 81].
    وأما النصير فلا يكون إلا عاقلاً قادراً، فجعل العام وهو (الواقي) مع العام وهو عموم الأهواء، والاسم الموصول المشترك (ما)، وجعل الخاص مع الأهواء المحددة، والاسم الموصول المختص وهو (الذي).
    3 – إن النصير ينصر صاحبه على الخصم والعدو ويمكِّنه منه، وأما الواقي: فإنه يحفظه منه وقد لا يتمكّن من نصره.
    فوجود النصير أتمُّ في النعمة من وجود الواقي؛ لأنه ينصره، وإذا نصره فقد وقاه، وإذا عدم النصير فإنه لا يزال مطلوباً لخصمه أو مهضوماً حقه حتى مع وجود ما يحفظه أو مَن يحفظه، فإن الحافظ قد يخفي مَن يحفظه في مكان لا يعلمه خصمه أو لا يصل إليه.
    فجعل نفي النصير – وهو النعمة الأتم – مع الوزر الأعظم وهو ترك ملة الإسلام إلى ملة اليهود أو النصارى، وجعل نفي الواقي الذي هو دون ذلك ما هو أقل وهو إنكار بعض الأحزاب بعض ما أنزل إليه.
    وقد تقول: لقد قلتَ في النقطة السابقة إن الواقي أعمَّ من النصير، وإن مدلول الكلام ههنا أن النصير أعم لأنه ينصر صاحبه، وإذا نصره فقد وقاه، فهو واق ونصير؟
    والحق أنه لا تناقض بين القولين، فإن النصير لابدَّ أن يكون عاقلاً قادراً والمنصور عليه لابدَّ أن يكون عاقلاً قادراً فهو مختص بذوي العلم والقدرة ناصراً ومنصوراً ومنصوراً عليه، فلا تقول: هو نصيره من العقرب، أو من الحر أو من البرد ونحو ذلك.
    وأما الواقي: فهو عام فقد يكون عاقلاً أو غيره، وكذلك ما تقيه منه فقد يكون عاقلاً أو غيره.
    وما تقيه قد يكون عاقلاً أو غيره، فإنك قد تقي بضاعة من التلف، وملابس من الوسخ، وماء من القذر ونحو ذلك، فلا الواقي ولا ما تقيه، ولا ما تقيه من يُشترط أن يكون عاقلاً بخلاف النصير، فإن النصرة مختصة بالعقلاء وليست كذلك الوقاية، فاتضح ما قلناه.
    4 – ثم إن سياق كل آية يقتضي فاصلتها التي وردت فيها من جهة أخرى، فقد قال في آية البقرة: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ [البقرة: 120]. فإذا اتبع ملتهم كان منهم، وأهل الملة ينصرون أتباعهم على غيرهم من أصحاب الملل الأخرى، فنفى النصير عنه.
    وأما آية الرعد فلم يذكر فيها ذلك وإنما قال: ﴿وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ﴾ [الرعد: 36]. فإذا اتبع أهواءهم في ذلك البعض فإنه قد لا يقتضي النصرة ومحاربة أعدائه من أجل ذلك البعض الذي قد يكون هيِّناً، ولكن ربما يحفظونه إذا وقع في شدة أو أَمْر مما هو دون الدخول في مجابهة عدوه فنفى الواقي، فناسب كل تعبير موضعه كما هو ظاهر.
    5 – هذا ومن الطريف أن نذكر أن كلمة (نصير) وردت في سورة البقرة مرتين: مرة في هذه الآية، ومرة في الآية السابعة بعد المائة، ولم ترد في سورة الرعد، وأن كلمة (واق) وردت في سورة الرعد مرتين، مرة في هذه الآية ومرة في الآية الرابعة والثلاثين، ولم ترد في البقرة، فناسب ذلك من جهة أخرى.
    6 – هذا علاوة على تناسب فواصل الآيات في كل سورة، فآية سورة البقرة تناسب فاصلتها فواصل الآيات التي وردت في سياقها مثل {الْجَحِيم}، و{الْخَاسِرُون}، و{العَالَمِين}، وفاصلة آية الرعد تناسب فواصل الآيات التي وردت في سياقها من مثل: {مَئَاب} و: {الْكِتَابِ} و: {الْحِسَابِ} فناسب كل تعبير موضعه الذي ورد فيه من كل جهة، والله أعلم.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,589

    افتراضي رد: أسئلة بيانية

    أسئلة بيانية (9) بين قوله: {هدى الله} وقوله: {هداهم الله}
    فاضل السامرائي



    قال تعالى في سورة البقرة: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ [البقرة: 143].
    وقال في سورة الأنعام: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 89-90].
    وقال في سورة الزمر: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر: 17-18].
    سؤال:
    لماذا قال في آية البقرة: ﴿إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه﴾، فحذف العائد على (الذين) من الفعل (هدى).
    وكذلك في آية الأنعام فقد قال: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾، ولم يقل: (هداهم الله).
    في حين قال في آية الزمر: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ﴾ فذكر العائد وهو الضمير (هم) المتصل بالفعل (هدى)؟
    الجواب:
    إن هذا النوع من الحذف إنما هو من الحذف الكثير في اللغة، والفرق بين الذكر والحذف أن الذكر يفيد التوكيد كما هو معلوم، ومعنى ذلك أن قوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ﴾ آكد من قوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ لأنه صرح بذكر الضمير.
    أما الفرق بين آية سورة البقرة، وآية الزمر فإن آية الزمر تقتضي التوكيد أكثر من آية سورة البقرة، وذلك أن آية سورة البقرة إنما هي في تحويل القبلة.
    وأما آية الزمر فإنها فيمن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وهؤلاء على درجة كبيرة من الهدى فإنهم لا يكتفون باتِّباع الحسن، وإنما يتَّبعون الأحسن، ثم إنه جاء معهم بالفاء فقال: ﴿فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ ولم يأتِ بـ (ثم)، والفاء تدل على الترتيب والتعقيب فإنهم بمجرد سماع القول يتَّبعون الأحسن.
    وقال: (يتَّبعون) مضارع (اتّبع) بتضعيف التاء وهو على وزن (افتعل) الدالّ على المبالغة في الاتباع، ولم يقل (يتْبعون) بالتخفيف، وهذه مرتبة عظيمة أعلى من مجرد اتباع القبلة لأن اتباع القبلة إنما هو من استماع القول واتباعه فهو واحد من الأمور المطلوبة.
    فهداية المذكورين في الزمر أعلى وآكد؛ لأنها تشمل ما ذكره في آية سورة البقرة وغيره مما يريده الله تعالى. ولذا كان التوكيد في الزمر هو المناسب.
    وأما آية سورة الأنعام، فهي في جمع من رسل الله وأنبيائه وفيهم أولو العزم، ولا شك أن هؤلاء أعلى من المذكورين في آية سورة الزمر.
    قد تقول: ولماذا إذن لم يذكر الضمير مع فعل الهداية مع أنهم أولى بالتوكيد من غيرهم؟
    والجواب: إن ربنا جلَّ وعلا ذكر كلَّ أحوال الهداية مع هؤلاء الذين ذكرهم في سياق آية سورة الأنعام، واستعمل كل أنواع التعدية لفعل الهداية.
    فقد عدَّى الفعل إلى المفعول مباشرة بأسمائهم الظاهرة فقال: ﴿وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ﴾ [الأنعام: 84]. الخ.
    فعطف هؤلاء الأنبياء والرسل على نوح الذي هو مفعول (هدينا) أي: ومن ذريته هدينا سليمان وأيوب ويوسف... الخ.
    ثم عدى الفعل إلى ضميرهم أيضاً فقال: ﴿وَاجْتَبَيْنَاه ُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأنعام: 87] فقال: ﴿َهَدَيْنَاهُمْ﴾ فعدّى الفعل إلى ضميرهم كما قال: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ﴾ وزاد على ذلك الاجتباء.
    ولم يكتفِ بذاك بل قال أيضاً: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾، فحذف مفعول (هدى) وهو الضمير العائد على الرسل فجعل الكلام على صورة المطلق فأطلق المعنى، إذ يحتمل هذا التعبير معنيين:
    الأول: أولئك الذين هداهم الله وهو الأظهر.
    والثاني: أولئك الذين هدى الله بهم.
    فصار المعنى: أولئك الذين هداهم الله وهدى بهم، ولو ذكر الضمير لدل على معنى واحد، فاتسع المعنى بالحذف. ولا شك أن هذا المعنى أوسع من ذكر الضمير وأمدح لهم.
    فزاد على ما ذكره في الزمر بالتعدية إلى المفعول المباشر وهو الاسم الظاهر، وبالحذف للدلالة على الإطلاق واتساع المعنى. ثم إنه ذكر من الهداية ما لم يذكره في الآيتين.
    فقد ذكر الهداية العامَّة، وهو قوله: ﴿وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ...﴾ الخ، ولم يخصص الهداية بأمر معيَّن.
    ثم ذكر أنه هداهم إلى صراط مستقيم؛ فقال: ﴿وَاجْتَبَيْنَاه ُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾، وهذه هداية أخرى.
    ثم أفاد بالحذف أنه هداهم وهدى بهم.
    هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أنه أسند فعل الهداية مع رسل الله تعالى مرة إلى ضمير التعظيم، فقال: ﴿وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ...﴾ الخ، وقال: ﴿وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
    وأسنده مرة أخرى إلى اسمه الجليل وهو اسمه العَلَم فقال: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّه﴾.
    في حين أسنده في الآيتين الأخريين إلى اسمه العلم، فزاد الإسناد مع الرسل على ما في الآيتين الأخريين.
    هذا علاوة على ما ذكره من التعظيم لأنبيائه ما لم يذكره مع الآخرين من نحو قوله: ﴿وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 86].
    وقوله: ﴿وَاجْتَبَيْنَاه ُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأنعام: 87]، فزاد الاجتباء على الهداية.
    وقوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ﴾ [الأنعام: 89].
    وقوله: ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: 90]، فناسب كل تعبير موضعه.
    وقد تقول: ألا يحتمل الحذف في آية سورة البقرة وهي قوله: ﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ [البقرة: 143] ما ذكرته في قوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ فيكون المعنى: إلا على الذين هداهم الله وهدى بهم، فيتّسع المعنى، فيكون مَن ذكرهم في سورة البقرة أعلى ممن ذكرهم في الزمر نظير ما ذكرته في آية الأنعام؟
    والجواب: إن السياق يأبى ذلك، فإن هذه الآية في تحويل القبلة إلى الكعبة بعد أن كانت إلى بيت المقدس، ويكفي في ذلك أن يتجه المسلم إلى الكعبة في صلاته، وأن يهديه الله تعالى للرضا بذلك سواء كان يهدي الآخرين أم لا، وسواء كان عالماً أم لا.
    فمن رضي بذلك واتجه إلى القبلة، شملته الآية، أيَّاً كان فلا يصح تقدير ما ذكرت.
    وقد تقول: ولِمَ لَم يحذف الضمير في آية سورة الزمر فيقول: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ ليشمل الذين هداهم الله وهدى بهم، فيكون أمدح لهؤلاء كما فعل في آية الأنعام؟

    والجواب: إن ذكر الضمير ههنا من رحمة الله بنا، ولو حذفه لكانت البشرى لا تنال إلا مَن هداه الله وهدى به، فيكون ممن جمع بين الأمرين، ولا تَنال من هداه الله ولم يَهدِ به، فذكر الضمير أفاد نصاً أن البشرى تنال مَن هداه الله، وأن ذلك كافٍ لأن تناله بشرى ربنا سبحانه. وهذا من رحمته سبحانه بعباده، والحمد لله رب العالمين.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •