تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: مراجعات ابن كثير ونقده لمتون مرويات السيرة النبوية في كتابه البداية والنهاية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,720

    افتراضي مراجعات ابن كثير ونقده لمتون مرويات السيرة النبوية في كتابه البداية والنهاية

    مراجعات ابن كثير ونقده لمتون مرويات السيرة النبوية في كتابه البداية والنهاية
    عبدالرحمن بن علي السنيدي





    ملخص البحث:


    يتناول البحث مراجعات ابن كثير ونقده لمتون مرويات السيرة النبوية في كتابه البداية والنهاية.

    وكمقدمة بدأت الدراسة بتناول أهم ما ألف في السيرة النبوية في عصر ابن كثير بإيجاز مع التطرق إلى أبرز المؤلفين ذوي الاتجاه النقدي، تلا ذلك التعريف بابن كثير ثم نبذة عن السيرة النبوية المضمنة في كتابه البداية والنهاية، محتوياتها وموضوعاتها العامة. ثم تناولت الدراسة موضوعها الأساسي (مراجعات ابن كثير ونقده لمتون مرويات السيرة النبوية)، ومما تم تناوله هنا طبيعة هذه المراجعات والنقود والملحوظات التي يوردها ابن كثير على المتون التي يوردها نقلاً عن مصادره، ثم مقاييس ابن كثير في نقد المتن، ومنها عرض الرواية على رواية أصح منها، واستدعاء تاريخ التشريع واستدعاء الحقائق ومعلومات التاريخ والمحاكمة العقلية للمتون وأقوال شيوخه، وأخيرًا تناول البحث ما أهمل ابن كثير نقده من متون.


    مقدمة:


    جاء ابن كثير في عصر نشط فيه التأليف في كل فن من فنون الدراسات الدينية والعربية، ومن الطبيعي أن يكون التأليف في ميدان السيرة النبوية مواكبًا لهذا النشاط الذي استقى مواده ونصوصه من الثروة الضخمة من الكتب والآراء والروايات التي سجلها العلماء والمحدثون والحفاظ قبل ذلك العصر.

    فلقد شهد القرن الثامن الهجري في مصر والشام المملوكيتين ظهور عدة مؤلفين في مجال السيرة النبوية، أخرجوا مؤلفاتهم في هذا الفن بشكل مفرد أو ضمن مؤلف موسوعي كبير.

    ومن هؤلاء المؤلفين "عبدالمؤمن بن خلف الدمياطي" (ت705هـ) وله كتاب: "المختصر في سيرة سيد البشر" وكتاب "أسماء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم"[1]، وشيخ ابن كثير "كمال الدين بن الزملكاني (ت627هـ) ".

    وله كتاب في مولد النبي صلى الله عليه وسلم، أشار إليه ابن كثير، وذكر أنه تضمن شيئًا في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وأنه عقد فصلاً في هذا الباب فأورد فيه أشياء حسنة ونبه على فوائد جمة وفوائد مهمة وترك أشياء أُخر حسنة[2].

    ومن المؤلفين كذلك ابن سيد الناس محمد بن محمد بن سيد الناس الأندلسي الإشبيلي ولد بالقاهرة سنة 671هـ وتفقه على مذهب الشافعي، من شيوخه والده وابن دقيق العيد (ت702هـ)[3] والحافظ المزي وشيخ الإسلام ابن تيمية[4].

    ألف في السيرة "عيون الأثر في فنون المغازي والسير" ومن ميزات هذا الكتاب تلك الدراسة النقدية التي جاءت في مقدمة الكتاب عن أبرز من ألف في السير والمغازي من الرواة الإخباريين وهما ابن إسحاق والواقدي[5] إضافة إلى شرحه للغريب من الألفاظ وذكره للفوائد والتعليق على بعض المتون[6] ومن المؤلفين الشاميين قطب الدين عبدالكريم بن عبدالنور الحلبي (ت735هـ) وله "المورد العذب الهني في الكلام على سيرة عبدالغني"[7].

    ومحمد بن أحمد بن عبدالهادي (ت744هـ) وهو من تلاميذه شيخ الإسلام ابن تيمية والمزي والذهبي وقد ألف في السيرة جزءًا في مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وجزءًا في المعجزات والكرامات[8].

    ليس مهمًا رصد ما ألف في السيرة في عصر ابن كثير بقدر ما يهمنا معرفة مدى التنوع والجدة في العرض ومقدرة أولئك المؤلفين على غربلة الروايات وتمحيصها وتجاوز صناعة الجمع والاقتباس إلى النقد والتقويم.

    لقد شهدت بلاد الشام ظهور مدرسة اجتهادية تأسست على علوم الحديث والسنة وعلى صحيح المنقول وصريح المعقول مثلها الإمام المجتهد ابن تيمية (ت728هـ) وتلاميذه وأبرزهم الذهبي وابن القيم وابن كثير. إضافة إلى الإمام الحافظ المزي (ت742هـ) وغيرهم من الأئمة المجتهدين، وقد جمع رموز هذه المدرسة بين التمسك بالنصوص والعقلية النقدية".

    ومن مصنفات الذهبي وابن القيم، وكذلك ابن كثير تتجلى تأثيرات هذه المدرسة حيث يلمس الدارس العناية بغربلة الأخبار وتمحيصها ونقد متونها، فالذهبي أبو عبدالله محمد بن أحمد ابن عثمان (ت748هـ)، يعد من أبرز علماء عصره الذين ألفوا وكتبوا في تاريخ الإسلام بشكل عام وقد جاء ما دونه في السيرة النبوية مضمنًا في كتابه الشامل ((تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام)) موزعة على جزئين الأول: (المغازي)، والثاني (السيرة النبوية) وهو الترجمة النبوية، وقد قدم المغازي لأن من منهجيته تقديم الحوادث التي أسهم فيها صاحب الترجمة على الترجمة ذاتها[9] وينبه الذهبي إلى ما ينتاب بعض الأسانيد من ضعف ونكارة كقوله بعد إيراده رواية البراء في خبر سواد بن قارب، هذا حديث منكر بالمرة، ومحمد بن تراس وزياد مجهولان لا تقبل روايتهما وأخاف أن يكون موضوعًا على أبي بكر بن عياش ولكن أصل الحديث مشهور[10].

    ومن نقوده الموجهة للمتن نقده لرواية عبدالرحمن بن غزوان[11] بسنده إلى أبي موسى الأشعري في سفر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشام بصحبة أبي طالب، وأشياخ من قريش ولقاؤه بحيرا الراهب[12]، وهو نقد مشهور، استند إلى معايير تاريخية وعقلية وحلل الخبر تحليلاً علميًا من جميع جوانبه في أحداثه وألفاظه ودلالاته واستخدم عقله والأدلة التاريخية ليثبت بطلانه[13]، وهي خطوات تنبئ عن تمكن الذهبي العلمي ورسوخ قدمه في ميدان نقد متون الروايات.

    وفي كتبه الأخرى ناقش الذهبي العديد من الروايات في ميدان السيرة النبوية. ففي ميزان الاعتدال، رد رواية عمرو بن حَكَّام عن شعبة بسنده إلى أبي سعيد الخدري وفيها أن ملك الروم أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدايا فكان فيها جرة زنجبيل.


    قال الذهبي: هذا منكر من وجوه:


    أحدهما: أنه لا يعرف أن ملك الروم أهدى شيئًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وثانيهما: أن هدية الزنجبيل من الروم إلى الحجاز شيء ينكره العقل فهو نظير هدية التمر من الروم إلى المدينة النبوية[14].

    ورد قول من قال: إن سلمان الفارسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عُمر ثلثمائة سنة يقول معقبًا على هذا القول: (ومجموع أمره وأحواله وغزوه وهمته وتصرفه وسفه للجريد وأشياء مما تقدم تبين بأنه ليس بمعمر ولا هرم فقد فارق وطنه وهو حَدَث ولعله قدم الحجاز وله أربعون سنة أو أقل. فلعله عاش بضعًا وسبعين وما أراه بلغ المئة)[15].

    وقد نظر الذهبي إلى الموضوعات على أنها عبء كبير على السيرة، وأخذ على القاضي عياض (ت544هـ) مؤلف كتاب (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) ما في كتابه من أحاديث مفتعلة واهية حيث قال عنه: (حشاه بالأحاديث المفتعلة، عمل إمام لا نقد له في الحديث ولا ذوق، والله يثيبه على حسن قصده، وينفع بشفائه، وقد فعل، وكذا فيه من التأويلات البعيدة ألوان، ونبينا صلى الله عليه وسلم غني بمدحة التنزيل عن الأحاديث وبما تواتر من الأخبار عن الآحاد، وبالآحاد النظيفة الأسانيد عن الواهيات فلماذا يا قوم التشبع بالموضوعات فيتطرَّق إلينا مقال ذوي الغل والحسد ولكن من لا يعلم معذور[16]، ويرى الذهبي أن الموضوعات والأخبار الواهية لا يلتفت إليها بل تروى للتحذير منها: (فمن دلسها أو غطى تبيانها فهو جان على السنة خائن لله ورسوله، فإن كان يجهل ذلك، فقد يعذر بالجهل ولكن سلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)[17].

    وقد عاصر ابن كثير كذلك، ابن القيم: محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي (691-751هـ).

    ويعد ابن كثير من أقرانه وأصحابه يقول عنه: (كنت من أصحب الناس له وأحب الناس إليه)[18]، وهذا القول يبين أن الشيخين إنما كانا صاحبين يلازمان أمثال ابن تيمية والمزي ولكن بعض المعاصرين يرى أن ابن كثير من تلاميذ ابن القيم[19]، وعلى كل فثمة عناصر جمعت بين الرجلين ثقافة ومنهجًا بالإضافة إلى التلمذة، على شيخ الإسلام ابن تيمية وقد كان الشيخان ضمن بعثة العلماء إلى الحج سنة 731هـ[20].

    ألف ابن القيم في السيرة كتابه المتميز (زاد المعاد في هدي خير العباد) ويعد موسوعة جمعت بين علوم شتى من السيرة والفقه والتوحيد واللطائف في التفسير والحديث والفقه وغير ذلك.

    ويرى بعض الباحثين أنه أول كتاب ألف في فقه السيرة، تميز هذا الكتاب بالموضوعات التي طرقها والآفاق التي نقل قارئه إليها من خلال كتابه، والجوانب الجيدة التي تناولها[21] وقد تميز كذلك بنقده لمتون كثيرة يرويها كتاب السيرة ورواتها.

    فمن ذلك رواية يونس بن بكير عن سلمة بن عبد يسوع، أن رسول الله كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه طس {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} يعني النمل، باسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب.

    قال ابن القيم، ذلك غلط على غلط فإن هذه السورة مكية باتفاق وكتابه إلى نجران بعد مرجعه من تبوك[22].

    ورد رواية الترمذي أن رسول الله دخل مكة يوم الفتح وعبدالله بن رواحة بين يديه ينشد (خلوا بني الكفار عن سبيله... الأبيات.


    قال ابن القيم:


    هذا وهم فإن ابن رواحة قتل في هذه الغزوة (مؤتة) وهي قبل الفتح بأربعة أشهر[23].

    ويرد ابن القيم على رواية عرض أبي سفيان على رسول الله الزواج من ابنته أم حبيبة... رضي الله عنها، قائلاً:

    إن أهل التاريخ أجمعوا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة قبل إسلام والدها بزمن طويل، ويرد على من ذهب إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة بعد الفتح فيقول فيقول هذا باطل عند من له أدنى علم بالسيرة وتواريخ ما قد كان[24].

    وثمة روايات أخرى حاكمها ابن القيم محاكمة نقدية كاشفًا ما فيها من تناقضات وأوهام كرواية البيهقي التي أسندها إلى محمد بن إسحاق وفيها أن رسول الله أبلغ حذيفة بالمنافقين الذين حاولوا المكر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو عائد من تبوك، وفي الخبر قال: ادع عبدالله بن أبي وسعد أبي السرح، والروايات التي ذهبت إلى القول بأن إلى اعتبار سرية الخبط وأميرها أبو عبيدة بن الجراح، إنما وقعت في رجب سنة ثمان للهجرة[25].


    ابن كثير والسيرة النبوية:


    ليس ابن كثير فقيهًا مغمورًا خامل الذكر ولا هو ذاك المؤرخ غير المشهور الذي تجهل مكانته ولا تعرف مؤلفاته ولا هو ممن يحيط به طوق الإهمال والنسيان، فنحن أمام عالم موسوعي جمع بين العديد من العلوم والفنون وذاعت بعض كتبه خاصة التفسير وكتاب البداية والنهاية بين المسلمين قديمًا وحديثًا، كما كتب عنه عدد من الباحثين[26]، مما يجعلنا نقتصدُ في الترجمة لهذا العلم الموسوعي، والإمام المفسير المؤرخ.

    ولد إسماعيل بن عمر بن كثير سنة سبعمائة أو بعدها بيسير، وقد عانى من اليتم منذ صغره حيث توفي والده سنة (703هـ)، نشأ بدمشق[27] وتتلمذ على يد مجموعة من علمائها من أبرزهم:

    - كمال الدين ابن الزملكاني شيخ الشافعية بالشام (ت627هـ)[28].

    - إبراهيم بن عبدالرحمن الفزاري (ت729هـ)[29].

    - جمال الدين أبو الحجاج المزي (ت742هـ)[30].

    - ابن تيمية تقي الدين أحمد بن عبدالحليم (ت728هـ)[31].


    ورغم أن الغالب على الحياة العلمية والدراسات الدينية في بلاد الشام طابع التقليد ومحاكاة السابقين والعكوف على الشروح والمختصرات إلا أن تلك البلاد حظيت بوجود مدرسة حديثية جمعت بين الاتباع السلفي والعلم الراسخ والعقلية النقدية مثلها، الشيخ ابن تيمية والإمام المزي العالم المحدث ثم الذهبي وابن القيم وابن كثير نفسه، فتكون رحمة الله في ظل هذه المدرسة التي أثرت على تكوينه العلمي واتجاهات البحث عنده.


    لازم ابن كثير والد زوجته الحافظ المزي[32] صاحب ابن تيمية والمحدث المشهور.

    كما أخذ عن شيخه ابن تيمية وكانت له به خصوصية ومناضلة عنه واتباع له في كثير من آرائه[33]، وفي كتابه البداية والنهاية يبدو ابن كثير معجبًا بشيخه مسجلاً لكثير من مواقفه السياسية في حرب المغول وكذلك مواقفه في المسائل الدينية وخصوماته الحادة مع المخالفين[34]، ويذكر ابن شهبة (854هـ) أن ابن كثير كان يفتي برأي ابن تيمية في مسألة الطلاق وامتحن بسبب ذلك وأوذي[35].

    يعد ابن كثير من فقهاء المذهب الشافعي وكذلك شيخاه المزي والذهبي بخلاف صاحبه ابن القيم (كما يصفه بذلك)[36].

    وقد التفوا حول علامة السنة في وقته (ابن تيمية 661-728هـ) مما أزعج المذهبيين المتمسكين بالمذهب على حساب السنة والأثر، يتجلى ذلك في قول الشيخ عبدالوهاب السبكي (ت683هـ). صاحب طبقات الشافعية أن المزي والذهبي وكثيرٌ من أتباعهم أضر بهم ابن تيمية[37].

    إن الخيط الذي جمع بين ابن تيمية وابن القيم الحنبليين والمزي والذهبي وابن كثير الشافعيين، ليس العامل الإقليمي، بل ارتباطهم بمدرسة الحديث والأثر التي ترى أن مصدر العقائد هو الكتاب والسنة، وهذه المدرسة هي التي منحت الذهبي وابن كثير تلك المنزلة والمكانة بين المؤلفين في السيرة والتاريخ فرأينا تميزًا نوعيًا في التأليف ومعالجات نقدية للروايات والآراء.

    مارس ابن كثير التدريس في الجامع الأموي بدمشق وفي المدرسة النورية وفي عدة مساجد في دمشق وتولى مشيخة دار الحديث الأشرفية كما مارس الإفتاء والخطابة[38]، هذا إلى جانب النشاط التأليفي الذي يعد الظاهرة الأهم في حياة ابن كثير، حيث ألف وجمع العديد من المصنفات، التي يذكر بعض الباحثين أنها تربو على (60) كتابًا[39]. ومع كثرة مصنفاته إلا أن ما ناله من شهرة ومكانة إنما يرجع إلى كتابيه: تفسير القرآن العظيم والبداية والنهاية. وبعد حياة حافلة بالعطاء والإنتاج توفي ابن كثير في موطنه دمشق عام (774هـ)[40].


    السيرة النبوية عند ابن كثير:


    تعدُّ السيرة النبوية من الفنون الأساسية التي لا يستغني عن دراستها عالم أو فقيه، وفي نظر ابن كثير فإن الأيام النبوية مشتملة على علوم جمة وفوائد مهمة لا يستغني عنها عالم[41].

    وما ذاك إلا لأن موضوع السيرة الجوهري هو تاريخ حياة النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة مراحل دعوته وجهاده، وتعاليمه وهديه ومعلوم أن الفقيه أو العالم (الديني) يتعامل مع النصوص والأحكام التشريعية التي جاء بها محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، ومن مهامه ووظائفه، فهم الشريعة، وشرحها للناس، وإنزال الأحكام الشرعية على الوقائع المتجددة والمتغيرة، ومن الوسائل والأدوات المعينة على ذلك فهم السيرة وواقعها التاريخي ومراحلها التي تزامنت مع نزول الأحكام والتشريعات.

    فإذن لا غرابة أن يؤلف ابن كثير في السيرة النبوية، السيرة المطولة في البداية والنهاية والسيرة الموجزة وهي كتاب الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.

    ومسألة أخرى حدت بابن كثير إلى الاهتمام بالسيرة والتوسع فيها وتقصي رواياتها في كتابه الضخم (البداية والنهاية) فالمؤلف يرى في تاريخ السيرة واسطة عقد تاريخ الأمة المؤمنة التي يبدأ تاريخها منذ عهد آدم عليه السلام.

    يضم كتاب ابن كثير البداية والنهاية سيرة مطولة، تضم السيرة بسياقها التاريخي المعروف ثم الشمائل والدلائل والفضائل والخصائص.

    وقبل أن نبدأ في استعراض أهم عناصر هذه السيرة لابد من الإشارة إلى أن البداية والنهاية هو عبارة عن موسوعة تاريخية شاملة تؤرخ ببدايات الخلق ثم الأنبياء ثم السيرة التي استغرقت نحوًا من ستة أجزاء من الكتاب حسب طبعة مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر[42]، التي تضم (21) جزءًا بما فيها جزء الفهارس والجزءان (19 ،20) وقد خصصا (للفتن والملاحم وأشراط الساعة).

    وقد جاء الكتاب ثمرة عوامل أثرت في مكوناته واتجاهه الموسوعي وطابعه العام ومنهجه التاريخي والنقدي ومن تلك العوامل:

    - سعة اطلاع مؤلفه (ابن كثير) على كثير من المصادر ومنها دواوين السنة وكتب السير والمغازي وكتب الدلائل وكتب التاريخ العام.

    - تأثر ابن كثير بمنهج مؤرخي الإسلام الذين كتبوا في التاريخ العام كابن جرير وابن الأثير وابن الجوزي.

    - انتماؤه إلى عصر ساد فيه النمط الموسوعي في التأليف.

    - إيمان ابن كثير بوحدة الأمة الإسلامية وإدراكه لأثر الرسالة المحمدية في الحركة التاريخية لهذه الأمة.

    - انتماء المؤلف إلى مدرسة الحديث والأثر، حيث يتضح أثر خلفية المؤلف في الحديث وعلومه في جانب من أقسام الكتاب ومنها السيرة النبوية وتاريخ الخلفاء الراشدين، وتراجم العلماء والأئمة وآرائه في الرجال والآراء والمذاهب.


    افتتح ابن كثير، قسم السيرة في البداية والنهاية بهذا العنوان "كتاب سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم" وذكر أيامه وغزواته وسراياه والوفود إليه، وشمائله وفضائله ودلائله الدالة عليه"[43].


    فتبدأ بالنسب النبوي، وقد سرد ابن كثير مروياته ومقتبساته من مصادره المختلفة وفق نظام عرض تاريخي متدرج فانتقل من المولد ومتعلقاته إلى المبعث الذي عنون له هكذا:

    (كتاب مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر شيء من البشارات بذلك)[44] ومما تناوله هنا أبواب بدأ الوحي ومجادلة المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم[45]، وهجرة من هاجر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة[46]، كما تناول بدء إسلام الأنصار[47] ثم الهجرة من مكة إلى المدينة[48] ووقائع السنة الأولى الهجرية[49].

    وبعد ذلك انتقل إلى كتاب المغازي[50] في الأجزاء (5، 6، 7)، وتلا ذلك كتاب الوفود[51]، ثم كتاب حجة الوداع[52] وأخيرًا تناول الآيات المنذرة بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم[53]، واحتضاره ووفاته عليه الصلاة والسلام وأعقب ذلك أبواب في زوجات النبي صلى الله عليه وسلم[54] وخدامه وكتابه[55] وأبواب في آثار النبي صلى الله عليه وسلم وما اختص به من ثياب وسلاح[56]. وهكذا سار ابن كثير في ترتيبه للموضوعات التاريخية من السيرة على نمط من سبقه كابن إسحاق والواقدي والطبري وابن الأثير، واستفاد من البيهقي في تنظيم الأبواب[57]، علاوة على استفادته من مواده ونصوصه.

    وفي الوقت الذي حافظ فيه على الوحدة الموضوعية لكل حادثة فإنه يُذكر بالسنة التي تندرج فيها الأحداث التي يسوقها، وذلك في الأحداث التي وقعت بعد الهجرة[58].

    وبعد أن استعرض الموضوعات التاريخية والجوانب الأسرية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم تناول ابن كثير ما سماه بـ(متعلقات السيرة) وهي في مفهومه (الشمائل والدلائل والفضائل، والخصائص)[59] ثم ساق رواياتها وأبوابها.

    وقد أشار في مفتتح كتاب الشمائل إلى أن أهم المصادر المصنفة في هذا الجانب، كتاب الشمائل للترمذي[60]، وعندما تناول الدلائل قسمها إلى دلائل معنوية ودلائل حسية.

    فأما الدلائل المعنوية فتتمثل في القرآن الكريم[61]، وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وخلقه[62]، وهنا أحال إلى ما ذكره، ابن تيمية في الجواب الصحيح من أن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وأقواله وأفعاله من آياته أي من دلائل نبوته ونقل منه ثماني صفحات حول هذا الموضوع[63].

    ثم انتقل إلى دلائل النبوة الحسية وقد قسمها إلى قسمين: سماوية وأرضية، فمن الدلائل السماوية وأعظمها انشقاق القمر فرقتين[64].

    كذلك ذكر من آياته السماوية استسقاؤه عليه الصلاة والسلام ربه لأمته[65]، ثم تناول المعجزات الأرضية سواءً ما يتعلق بالجمادات أو الحيوانات[66].

    ثم تناول ابن كثير ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من الكائنات المستقبلة في حياته وبعده فوقعت طبق ما أخبر به سواءً بسواء[67]، وقد أورد أولاً ما جاء من هذا القبيل في القرآن ثم انتقل إلى الأحاديث والآثار ثم تناول الأخبار بالغيوب المستقبلة موردًا أخبارًا كثيرة أيضًا تندرج تحت هذا الموضوع، ثم عقد ابن كثير بابًا طويلاً عنوانه: (التنبيه على ذكر معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم مماثلة لمعجزات جماعة من الأنبياء قبله أو أعلى منها خارجًا عما اختص به من المعجزات العظيمة التي لم تكن لأحدٍ قبله منهم عليه السلام).

    ويقوم هذا الكتاب على الموازنة بين معجزات الأنبياء السابقين ومعجزات محمد صلى الله عليه وسلم ويعكس ذلك تأثره بكتاب الدلائل النبوية كأبي نعيم الأصبهاني[68] وابن حامد أبو محمد عبدالله بن حامد الفقيه صاحب كتاب دلائل النبوة[69].

    وأخيرًا يختم ابن كثير سيرته بقصيدة لجمال الدين يحيى بن زكريا الصرصري (ت656هـ) في الموازنة[70] بين معجزات الأنبياء والسابقين ومعجزات محمد صلى الله عليه وسلم.

    وفي ثنايا سيرة ابن كثير تلك ثمة مظاهر تكشف لنا عن طبيعة هذه السيرة وسماتها العامة ومن ذلك جمع الروايات من مصادر مختلفة وتقصي ما ورد في كل موضوع من موضوعات السيرة، وشمولية هيكل السيرة عنده وعدم اقتصاره على الموضوعات التي شكلت الهيكل الأساسي للسيرة عند كتاب السير الأوائل.

    كما يظهر في سيرة ابن كثير نقد الأسانيد والمتون كأحد المظاهر المميزة لهذه السيرة (وسوف نتناول ذلك لاحقًا).

    لا يقتصر التأليف في السيرة عند ابن كثير على السيرة في البداية والنهاية فهناك كتاب (الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم) وهو كتاب مختصر موجز قياسًا إلى السيرة الواردة في البداية والنهاية، وقد صنفه لشعوره بحاجة أهل العلم لمعرفة الأيام النبوية والتواريخ الإسلامية كما يبدو أن هذه السيرة جزءٌ من مشروع لعرض التاريخ الإسلامي بصورة موجزة، هذا ما يبدو لنا من قول ابن كثير: "إنه لا يجمل بأولي العلم إهمال معرفة الأيام النبوية والتواريخ الإسلامية وهي مشتملة على علوم جمة وفوائد مهمة لا يستغني عنها عالم ولا يعذر في العرو منها وقد أحببت أن أعلق تذكرة في ذلك لتكون مدخلاً إليه وأنموذجًا وعونًا له وعليه، وهي مشتملة على ذكر نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيرته وأعلامه وذكر أعلام الإسلام بعده إلى يومنا هذا"[71].

    - لقد طبعت هذه السيرة في القاهرة سنة 1357هـ تحت عنوان (الفصول في اختصار سيرة الرسول) دون تحقيق، ثم طبع الكتاب محققًا على يد محمد العيد الخطراوي، ومحي الدين مستو، بيروت، 1399هـ، ثم توالت طبعات هذا الكتاب.

    وأخرج عدد من الباحثين موضوعات الأنبياء والسيرة بما فيها الشمائل من البداية والنهاية في كتب مستقلة.

    فقد عمد مصطفى عبدالواحد إلى البداية والنهاية وحقق قسم السيرة في أربعة أجزاء ويذكر أنَّه اتجه إلى نشر السيرة النبوية لابن كثير، وهي ذلك القسم الذي أفرده ابن كثير لأخبار العرب في الجاهلية وسيرة النبي صلوات الله وسلامه عليه، وتاريخ دعوته حتى وفاته، على اعتبار أن هذا القسم هو السيرة النبوية (المطولة) التي أشار إليها ابن كثير في تفسيره[72].

    وفي رأي (إسماعيل عبدالعال) فإن هذا الكتاب المحقق ليس هو الذي أفرده ابن كثير في السيرة، وعبارته واضحة حين قال: "أفردناه موجزًا وبسيطًا وإذا كان الموجز منهما مستقلاً عن البداية والنهاية فإن البسيط يكون كذلك"[73].

    ونميل إلى القول بأن كتاب ابن كثير المفرد في السيرة والذي من سماته الإيجاز والتبسيط كما يقول ابن كثير[74] هو الفصول في سيرة الرسول ولعل مما يقوي ذلك أنه ورد في بعض طبعات التفسير المحققة قول ابن كثير: (الذي أفردناه موجزًا ومقتصًا)[75] والإيجاز والاقتصاص إنما ينطبقان فقط على كتاب الفصول وقد راجعت ثلاث طبعات للتفسير[76] إلا أنها لم تورد عبارة مطولة في وصف كتابه المفرد في السيرة وفي ثنايا كتاب البداية والنهاية وعندما يحيل ابن كثير إلى السيرة فمرادُه ذلك القسم من البداية والنهاية، ومن صور إحالاته إليه قوله: (كما سيأتي في بيان ذلك في السيرة) و(كما ذكرنا في السيرة وذكرنا بأسانيده في أول السيرة) و(تقدم بسطه وبيانه في أول السيرة)[77].

    كذلك نرجح أن يكون كتاب السيرة الذي خضع للإيجاز والاقتصاص هو كتاب السيرة الوارد في البداية والنهاية المتسم بطوله وجامعيته وشموله لجوانب السيرة كافة والمستوعب للروايات والآراء في مجال السيرة الجامع بين هيكل السيرة التاريخي وهيكلها عند كُتَّاب الشمائل والدلائل.

    كذلك أخرج مصطفى عبدالواحد شمائل الرسول ودلائل نبوته وفضائله وخصائصه في كتاب مستقل[78]، وكذلك فعل (عبدالقادر الأرنؤوط)[79]، وهناك باحثون ومحققون آخرون[80] أخرجوا أقسامًا من السيرة والمعجزات من البداية والنهاية وتلك المستخرجات وغيرها تتفاوت في مدى عنايتها بالأخبار والروايات التي يوردها ابن كثير وفي مدى وفائها بمتطلبات المنهج العلمي المتبع في أعمال التحقيق ومدى تمكن أولئك المحققين من تجاوز المرحلة الأولية المطلوبة في التحقيق أي تجاوز مجرد وضع المقدمات والفهارس العامة.


    مراجعات ابن كثير ونقده:


    يسير ابن كثير في سيرته على منهج جامعي الروايات من مختلف الموارد، أولئك الذين يروون في تصانيفهم جميع ما يروى في الباب أو الموضوع.

    وعند تشخيص أصول روايات ابن كثير نجد أنها تنتمي إلى مجموعة من المصادر المتنوعة فمنها مصادر عرفت بمنهجيتها الدقيقة وتمحيصها للروايات كالصحيحين للبخاري ومسلم، وفيها مصادر لا تخلو من روايات ضعيفة وأحاديث قال بعض العلماء بوضعها كالمسند للإمام أحمد وهو من أهم مصادر ابن كثير[81]، وهناك مصادر من كتب الدلائل[82] حملت روايات موضوعة واهية ومثلها كتب الهواتف[83] وكتب الفتن[84] والملاحم.


    أضف إلى ذلك كتب المغازي والسير وفيها المراسيل والمنقطعات وفيها ما ورد بدون إسناد، وبين ما جمعه ابن كثير آراء وأقوال لبعض كتاب السيرة والدلائل وغيرهم، وإزاء هذه الروايات والنقول كان لابد أن يُعنى ابن كثير بنقدها سندًا ومتنًا، ومجال دراستنا تلك إنما هو نقد المتن عند ابن كثير مع أن نقد الإسناد ودراسته وهو النقد الخارجي ليس مقطوع الصلة بالنقد الداخلي (نقد المتن) فاشتراط ضبط الراوي إنما يراد به صيانة متن الحديث، والوقوف على المتن ومعرفة سلامته أو نكارته سبيل للتحقق من ضبط الراوي[85]، ودُرَّاس رجال الأسانيد ركزوا على قضايا في شخصياتهم لها أثر على ما يروون، فتناولوا مسألة ضبط الراوي ويقظته، ورسوخ ما حفظ في ذاكرته، ونظروا إلى مجموعة من الاعتبارات الموضوعية، لا مجرد هيئة الراوي وعبادته ومن تلك الاعتبارات الخصائص الذهنية التي أشرنا إليها ومدى دقة الراوي وأهليته لحمل الرواية وكذلك اتجاهاته السياسية والفكرية، ولعل مما يعبر عن ذلك ما ورد عن الإمام مالك بن أنس وهو قوله: "لا يؤخذ العلم عن أربعة ومنهم رجل له فضل وصلاح وعبادة لا يعرف ما يحدث"، وروي عنه قوله أدركت عند هذه الأساطين سبعين (وأشار إلى مسجد رسول الله) كلهم يقولون: قال رسول الله: فما أخذت عنهم شيئًا وإن أحدهم لو ائتمن على بيت مال لكان أمينًا إلا أنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن[86].


    لقد أخضع ابن كثير قدرًا من رواياته في أبواب السيرة للمراجعة والنظر ومن جوانب تلك المراجعات شرح وتوضيح ما يحتاج إلى توضيح والتعقيب على ما يحتاج إلى تعقيب وشرح الألفاظ الغريبة في المتن ومن ذلك على سبيل المثال ما ورد في رواية ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يقض عني ديني ويكون خليفتي في أهلي) قال ابن كثير مفسرًا وشارحاً لذلك القول: يعني إذا مت وكأنه خشي إذا قام بإبلاغ الرسالة إلى مشركي العرب أن يقتلوه[87].

    كذلك وضح ابن كثير معاني بعض الألفاظ الواردة في باب كيف بدأ الوحي[88] وشرح غريب حديث أم معبد في صفة النبي صلى الله عليه وسلم[89].

    وفسر ما ذهب إليه ابن إسحاق من أن عدد المسلمين في الحديبية (700)[90] – مخالفاً بذلك الروايات الصحيحة – حيث أرجع ابن كثير ذلك إلى أن ابن إسحاق تبنى ذلك الرأي اعتماداً على أن عدد البدن (70) وكل منها عن عشرة على اختياره، وعقب على ذلك، بالقول إنه لا يلزم أن يكون كل من حضر الحديبية قد أهدى وأنهم جميعًا كانوا محرمين[91].

    إن مفهوم المراجعة يشمل صورًا عدة منها الشرح وتوضيح النص وتفسير اللفظ الغريب وغير ذلك من الصور، لكن أهم صور المراجعات ما يتصل بنقد مضمون المتن[92] ومحتواه فهو جهد دال على عقلية الناقد وتميزه واستيعابه لعلوم كثيرة وتجاوزه لدور الناقل الذي تغيب شخصيته وراء الأسانيد والمتون حيث راجع ابن كثير متون مرويات كثيرة مبديًا ملحوظاته عليها.

    ومن ذلك على سبيل المثال مراجعة رواية ابن جرير في إسلام سعد بن أبي وقاص وفيها أن محمد بن سعد بن أبي وقاص سأل والده أكان أبو بكر أولكم إسلامًا؟ قال: لا، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين[93]. وما ورد في تفسير قول عمرو بن عبسة السُلمي لقد رأيتني وأنا ربع الإسلام وأنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم من معك على هذا فقال: حر، وعبد، حيث فسر بعض الرواة قوله حر وعبد بأبي بكر وبلال رضي الله عنهما، وهو تفسير فيه نظر (عند ابن كثير) فقد أسلم جماعة قبل عمرو بن عبسة، كذلك راجع ابن كثير قول عمرو بن عبسة كما في الرواية (لقد رأيتني وأنا ربع الإسلام) وذكر أن المسلمين كانوا آنذاك يستسرون بإسلامهم لا يطلع على أمرهم كثيرًا أحد من قراباتهم دع الأجانب، دع أهل البادية الأعراب والله أعلم[94].

    ومن الروايات التي راجعها ابن كثير ونقدها رواية ابن إسحاق في هجرة أبي موسى الأشعري[95]، وخبر المؤاخاة بين النبي صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب[96]. والمؤاخاة بين جعفر بن أبي طالب ومعاذ بن جبل[97]، وكون غزوة ذات الرقاع قبل الخندق عند بعض كتاب المغازي والسير[98]، وما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن في حجة الوداع خشية أن يصد عن البيت، وأن النبي صلى الله عليه وسلم حج وأصحابه مشاةً من المدينة إلى مكة قد ربطوا أوساطهم[99] ومشيهم خليط من الهرولة ورواية أسماء بنت عميس في رد الشمس لعلي بن أبي طالب – رضي الله عنه -[100].

    وانتقد روايات وأقوالاً أوردها بعض كُتاب المغازي والسير مثل خبر تأخر هجرة سعد بن أبي وقاص إلى المدينة عند موسى بن عقبة[101] وخبر عروة في أنّ عثمان هو الذي زوج أم حبيبة بنت أبي سفيان من النبي صلى الله عليه وسلم، وهو خبر غريب – في رأي ابن كثير – لأنَّ عثمان كان قد رجع إلى مكة قبل ذلك ثم هاجر إلى المدينة وصحبته زوجته رقية بنت محمد صلى الله عليه وسلم[102].

    كذلك صحح ما ذهب إليه محمد بن إسحاق من أنّ سورة الضحى أول السور نزولاً بعد فتور الوحي للمرة الأولى وذكر أن الصواب سورة المدثر وإنما نزلت سورة الضحى بعد فترة أخرى[103].

    وصوب ابن كثير ما ذكره ابنُ إسحاق من أنّ هرقل اسم للملك عند الروم فذكر أنَّ اسم الملك عندهم قيصر[104] كذلك رد قول من زعم أن عمر بن الخطاب عندما أسلم كان تمام الأربعين من المسلمين حيث سبقه المهاجرون إلى الحبشة وكانوا فوق الثمانين[105]، وصوب وناقش آراء مجموعة من كتاب السيرة النبوية مثل ابن هشام (ت218هـ)[106] وأبو نعيم (ت430هـ)[107] والبيهقي (ت458هـ)[108] والسهيلي (ت581هـ)[109] والقاضي عياض (ت544هـ)[110]. هذا إلى جانب عدد كبير من الرواة والمحدثين والمؤرخين وقد لفت نظره انسياق بعضهم إلى جمع الروايات دون تمييز بين صحيحها وسقيمها وخص بذلك أبا جعفر الطبري (ت310هـ)[111] وابن عساكر علي بن الحسن بن هبة الله (ت571هـ) يقول عن الأخيرة: "العجب من الحافظ ابن عساكر مع جلالة قدره واطلاعه على بضاعة الحديث أكثر من غيره من أبناء عصره بل ومن تقدمه كيف يورد هذا وأحاديث كثيرة من هذا النمط ثم لا يبين حالها ولا يشير إلى شيء من ذلك إشارة لا ظاهرة ولا خفية))[112].

    لم تقتصر تعقيبات ابن كثير ومراجعاته على ما يرويه كتاب السيرة والمغازي وما يذكره المؤلفون والمصنفون في هذين الفنين، بل انتقد وراجع متونًا وردت في مصنفات حديثية، ومنها نصوص وردت في البخاري ومسلم أو أحدهما، كرواية شريك بن عبدالله في الإسراء[113] وما رواه مسلم من حديث المعتمر بن سليمان عن أبيه أنّ المسلمين – كانوا يوم هوازن (حنين) ستة آلاف، وإنما كانوا اثني عشر ألفًا[114] ورواية أبي هريرة في بدء الخلق[115] والتي أخرجها مسلم[116] وغيره، وهي رواية يرى بعض الأئمة أنها متلقاة عن كعب الأحبار ومما يقدح فيها أنه ليس فيها ذكر خلق السموات وفيها ذكر خلق الأرض وما فيها في سبعة أيام وهذا خلاف ما جاء في القرآن لأن الأرض خلقت في أربعة أيام ثم خلقت السموات في يومين[117].

    تأتي مراجعات ابن كثير لمتون هذه الروايات وغيرها تجسيداً لمقولة (صحة السند ليست موجبة لصحة الحديث)، يقول ابن كثير نفسه: (والحكم بالصحة أو الحسن على الإسناد لا يلزم منه الحكم بذلك على المتن إذ قد يكون شاذاً أو معللاً)[118] وفي تعقيبه على إحدى الروايات يذكر أن (هذا الإسناد جيد قوي لكن فيه نكارة من جهة قول الراوي)[119].

    ويبدو أن مكانة الصحيحين مما جعل ابن كثير – رحمه الله – يحاول توجيه بعض المآخذ إلى بعض الروايات التي أشكلت على العلماء وهي قليلة في الصحيحين ومن ذلك متن حديث شريك بن عبدالله بن أبي نمر عن أنس في الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم والعروج به.


    فعند قوله:


    "إنَّه جاءه ثلاث نفر وذلك قبل أن يوحى إليه"، وظاهر هذا الكلام يخالف ما عرف من أن الإسراء بعد البعثة النبوية. قال ابن كثير معلقًا على ذلك: الجواب أن مجيئهم أول مرة، كان قبل أن يوحى إليه فكانت تلك الليلة ولم يكن فيها شيء ثم جاءته الملائكة ليلة أخرى بعدما أوحى إليه فكان الإسراء قطعاً بعد الإيحاء[120].

    وفي قوله: (ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى) يذكر أَنَّ ذلك من فهم الراوي وقد أقحمه في الرواية[121].

    وفي قوله رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم استيقظت فإذا أنا في الحجر) قال ابن كثير: إن ذلك معدود في غلطات شريك أو محمول على أن الانتقال من حال إلى حال يسمى يقظة كما سيأتي في حديث عائشة[122].

    ومن ذلك أيضاً رواية ابن عباس في مسلم وفحواها أن أبا سفيان عرض على النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان[123].

    ومعلوم أن أبا سفيان إنما أسلم عام الفتح وقد جاء إلى المدينة قبيل الفتح وهو على الشرك وهي عند النبي صلى الله عليه وسلم كما إن أم حبيبة تزوزجت النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك، وبعد وفاة زوجها عبيد الله بن جحش بأرض الحبشة.

    وهذه الرواية من الأحاديث المشهورة بالإشكال كما يقول النووي[124] (ت676هـ)، لدرجة أن ابن حزم زعم أن عكرمة بن عمار وضعه.

    قال ابن كثير: وهذا القول منه لا يتابع عليه وبعد أن أورد أقوالاً في توجيه الرواية خلص إلى أنّ الأحسن في هذا أنه أراد أن يزوجه ابنته الأخرى عزة لما رأى في ذلك من الشرف له، واستعان بأختها أم حبيبة كما في الصحيحين، وإنما وهم الراوي هذا بتسمية أم حبيبة[125].



    وللموضوع تتمة
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,720

    افتراضي رد: مراجعات ابن كثير ونقده لمتون مرويات السيرة النبوية في كتابه البداية والنهاية

    مراجعات ابن كثير ونقده لمتون مرويات السيرة النبوية في كتابه البداية والنهاية
    عبدالرحمن بن علي السنيدي

    مقاييس ابن كثير في نقد المتن:














    راجع ابن كثير متون المرويات والأقوال في موضوع السيرة آخذًا بعين الاعتبار الخطوات التي كان العلماء يقومون بها وهم ينقدون النصوص والمرويات.


    ومن هذه القواعد عرض المتن على القرآن الكريم ثم على السنة المتواترة ثم على الإجماع ثم على العقل[126].


    إن ممارسة هذا الفن وقراءة النصوص واستظهارها عوامل مكنت العلماء الراسخين من رد روايات وأحاديث بالنظر إلى المروي وألفاظ الحديث، قال ابن دقيق العيد (ت207هـ): "وأهل الحديث كثيرًا ما يحكمون بذلك أي بالوضع باعتبار أمور ترجع إلى المروي وألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم، وحاصله يرجع إلى أَنَّه حصلت لهم لكثرة محاولة ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم هيئة نفاسية أو ملكة يعرفون بها ما يجوز من ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم وما لا يجوز أن يكون من ألفاظه"[127]، ويعد ابن القيم (وهو ممن نهل من المدرسة نفسها التي نهل منها ابن كثير) من أوائل العلماء الذين أصَّلوا بعض القواعد التي يمكن بواسطتها نقد متن الحديث[128].


    لم يُهْمِل العلماء المسلمون إذن نقد المتن من خلال استخدام بعض القواعد والمقاييس والتي رصدها بعض الباحثين أمثال، مسفر غرم الله الدميني في كتابه مقاييس نقد متون السنة[129]، وصاحب كتاب أصول منهج النقد عند أهل الحديث[130]، ومحمد طاهر الجوابي في كتابه (جهود المحدثين في نقد متن الحديث النبوي)[131] لكن هذا النوع من النقد ليس كلأً مباحاً لكل طالب وليس باباً مفتوحاً لكل طارق، قال ابن القيم في إجابة على سؤال فحواه هل يمكن معرفة الحديث الموضوع دون النظر في سنده: (إنما يعلم ذلك من تضلع في معرفة السنن الصحيحة واختلطت بلحمه ودمه. وصار له فيها ملكة، وصار له اختصاص شديد بمعرفة السنن والآثار، ومعرفة سيرة رسول الله وهديه فيما يأمر به وينهى عنه ويخبر عنه ويدعو إليه، ويحبه ويكرهه ويشرعه للأمة، بحيث كأنه مخالط للرسول صلى الله عليه وسلم كواحد من أصحابه)[132].


    على أي حال جاء نقد ابن كثير للمتن – كما سيتضح لاحقاً – في ضوء القواعد الموضوعة في هذا الباب، تلك القواعد التي جاءت حصيلة جهد تراكم عبر السنين والعصور، وفي السطور الآتية نأتي على أبرز المعايير التي سلكها ابن كثير وهو ينقد متون مروياته في مجال السيرة النبوية.



    1 – عرض الرواية على رواية أصح منها:



    ثمة روايات انتقدها ابن كثير مشيراً إلى معارضتها ماهو أصح منها كرواية ابن إسحاق في إسلام أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وفاته قال ابن كثير: بعد أن نقد الرواية من جهة الإسناد:


    (عارضه ماهو أصح منه وهو ما رواه البخاري رحمه الله...)، ثم ساق روايته وفيها حتى قال آخر شيء كلمهم به: على ملة عبدالمطلب[133]، ثم أورد روايات أخرى معارضة لمضمون رواية ابن إسحاق من الصحيحين ومسند الإمام أحمد ومسند البزار وسنن الترمذي ومغازي يونس بن بكير[134].


    كذلك راجع ابن كثير رواية ابن إسحاق وفيها أن أبا موسى الأشعري ممن هاجر من مكة إلى الحبشة، وما ورد في المسند عند الإمام أحمد من أن أبا موسى كان من المهاجرين إلى الحبشة من مكة وكذلك رواية أبي نعيم والبيهقي في الدلائل، وفيها عن أبي موسى: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننطلق مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض النجاشي) وهي مروية بإسناد صحيح، وقارن تلك الروايات برواية البخاري ومسلم في هجرة أبي موسى الأشعري وفيها أنهم بلغهم مخرج رسول الله (وهم باليمن فخرجوا مهاجرين في بضع وخمسين رجلاً في سفينة فألقتهم سفينتهم إلى النجاشي.


    ونقل ابن كثير عن البيهقي قوله: (ولعل الراوي قد وهم في قوله أمرنا رسول الله أنْ ننطلق والله أعلم)[135].


    وقد رد ابن كثير روايات لابن إسحاق وموسى بن عقبة، معارضاً إياها بروايات صاحبي الصحيح مثل رواية ابن إسحاق في وقت نزول سورة (الضحى)[136]، وقول موسى بن عقبة، عن جميع من استشهد يوم أحد من المهاجرين والأنصار إنهم تسعة وأربعون رجلاً.


    حيث عقب على ذلك بقوله: ثبت في الحديث الصحيح عند البخاري عن البراء أنهم قتلوا من المسلمين سبعين رجلاً[137].


    لا غرابة أن يستخدم ابن كثير هذا المقياس الأصيل الذي يتجلى في مراجعة الرواية في ضوء الروايات الأخرى في الموضوع نفسه، إذ إن لهذا المنهج أثراً في كشف مميزات المتن وعيوبه والإسناد، فالمقارنة بين الروايات سنداً ومتناً وسيلة لسبر غور الرواية[138] وتصنيفها بحسب ما يكتنفها من قوة أو ضعف ومن ثم الباسها المسمى المناسب لحالها.



    2 – استدعاء تاريخ التشريع:



    بوسعنا أن نجد في سيرة ابن كثير أمثلة تدل على متابعته لتواري التشريعات وما نزل من الأحكام، ويهمنا هنا أن نذكر أن ابن كثير بحكم ثقافته في هذا الجانب نقد بعض المتون مستخدماً معرفته بتواريخ نزول هذا الحكم أو ذاك.


    فقد ناقش ابن كثير رواية ابن هشام في خبر قدوم الأعشى الشاعر على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سياق أحداث العهد المكي، فمما ناقشه ابن كثير فيه ما جاء في الرواية أن أهل مكة ذكروا له أنّه يحرم الخمر، ومعلوم أن تحريمها بالمدينة بعد وقعة بني النضير.


    وفي الرواية أن الأعشى خرج إلى رسول الله يريد الإسلام وقال يمدح النبي قصيدة مطلعها:




    ألم تَغْتَمِضْ عيناك ليلة أَرمدَا وبِتَّ كما باتَ السليم مسهدا






    قال ابن هشام فلما كان قريباً من مكة اعترضه بعض المشركين من قريش فسأله عن أمره فأخبره أنه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم لِيُسلَم فقال له يا أبا بصير إنه يحرم الزنا فقال الأعشى: والله إن ذلك لأمر مالي فيه من أرب فقال يا أبا بصير: إنه يحرم الخمر فقال الأعشى: أما هذه فوالله إن في النفس منها لعلالات[139] ولكني منصرف فأتروى منها عامي هذا ثم آتيه فأسلم.


    قال ابن كثير: هكذا أورد ابن هشام هذه القصة هنا (في سياق أحداث العهد المكي) وهو كثير المؤاخذات لمحمد بن إسحاق رحمه الله، وهذا مما يؤاخذ به ابن هشام رحمه الله فالخمر إنما حرمت بالمدينة بعد وقعة النضير كما سيأتي بيانه فالظاهر أن عزم الأعشى على القدوم للإسلام إنما كان بعد الهجرة وفي شعره ما يدل على ذلك، وهو قوله:




    ألا أيُّهذا السائلي أينَ يَمَّمتْ فإِنَّ لها في أهلِ يَثرِب مَوعِدا






    وكان الأنسب والأليق بابن هشام أن يؤخر ذكر هذه القصة إلى ما بعد الهجرة ولا يوردها هنا والله أعلم[140].


    وعند البحث في تاريخ غزوة بني لحيان التي صلى فيها المسلمون صلاة الخوف بعسفان وقد ساقها بعض كتاب السيرة قبل غزوة الخندق.


    وهنا يستدعي ابن كثير تشريع صلاة الخوف، فيذكر أنَّ صلاة الخوف إنما شرعت بعد الخندق ولو كانت صلاة الخوف مشروعة يوم الخندق لفعلوها. وكأَنّ ابن كثير هنا يرجح ما ذكره ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي في أن غزوة بني لحيان إنما كانت سنة ست من الهجرة تلك القرينة التي أشرنا إليها[141].


    وكذلك تاريخ غزوة ذات الرقاع حيث يرى ابن إسحاق أنها في السنة الرابعة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بها صلاة الخوف[142].


    ويرى الواقدي أنها في محرم سنة خمس وقد ذهب البخاري إلى أنها في سنة سبع بعد خيبر[143] وفي معرض ترجيحه لكون ذات الرقاع بعد الخندق سنة خمس أشار ابن كثير إلى أن صلاة الخوف إنما شرعت بعد الخندق[144].


    ويستدعي ابن كثير تاريخ تشريع تحريم المسلمات على المشركين عندما يناقش قول ابن إسحاق، وكان رسول الله بمكة لا يُحل ولا يحرم مغلوباً على أمره وأنه لم يقدر على أن يفرق بين ابنته زينب وبين زوجها أبي العاص بن الربيع حيث يعقب ابن كثير على ذلك بالقول: إنما حرم الله المسلمات على المشركين عام الحديبية سنة ست من الهجرة[145].


    كذلك استدعى ابن كثير تاريخ تحريم الكلام في الصلاة وتاريخ فرض الحجاب عند مناقشته لبعض الروايات[146]، ورد ابن كثير رواية من روى أن ملكاً من وراء الحجاب أذن ليلة الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن هذا الملك قَدَّم النبي صلى الله عليه وسلم فأم بأهل السماء ومنهم آدم ونوح، لأَنَّهُ لو كان النبي سمع الأذان ليلة الإسراء لأوشك أَنْ يأمر به بعد الهجرة في الدعوة إلى الصلاة. والله أعلم[147]، ولا جدال في أَنَّ ابن كثير هنا وضع نصب عينيه ما ورد من روايات في تشريع الأذان بعد الهجرة وقد ورد فيها أنَّ المسلمين هموا أنْ يتخذوا ناقوساً ليضرب به للناس لجمعهم عند الصلاة، كما ورد، أنهم تشاوروا في المناداة للصلاة[148].



    3 – استدعاء الحقائق والمعلومات التاريخية:



    ثمة حقائق ومعلومات تاريخية، مشهورة مقررة عند كتاب السير والمغازي وغيرهم من المحدثين والمؤرخين يظهرها ابن كثير مواجهاً به روايات وأقوال، تنطق بضد ما يفهم من تلك الحقائق وقد مر بنا رواية شريك بن عبدالله ورواية ابن عباس في عرض أبي سفيان ابنته أم حبيبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.


    ومن الروايات التي أنكرها ابن كثير استناداً إلى أن أحوال النبي صلى الله عليه وسلم مشهورة ومعروفة تلك المرويات المنكرة التي لا تتوافق مع أحوال نبوية مقطوع بوقوعها بكيفية محددة ومن ذلك ما روي عن أبي سعيد أنه قال: حج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مشاة من المدينة إلى مكة قد ربطوا أوساطهم ومشيهم خليط من الهرولة قال ابن كثير – حديث منكر ضعيف الإسناد، ثم علق على ما قاله البزار[149]: (معناه أنهم كانوا في عمرة إن ثبت الحديث لأنه عليه السلام: إنما حج حجة واحدة وكان راكباً وبعض أصحابه مشاة).


    قلت (ابن كثير): (لم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من عُمره ماشياً لا في الحديبية ولا في القضاء ولا الجعرانة ولا في حجة الوداع وأحواله عليه الصلاة والسلام أشهر وأعرف من أن تخفى على الناس بل هذا الحديث منكر شاذ لا يثبت مثله)[150].


    كذلك عقب ابن كثير على رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: إنما قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع خشية أن يصد عن البيت، قال ابن كثير: هذا حديث غريب سنداً ومتناً، ثم انبرى يناقش متنه قائلاً: من الذي يصده عليه الصلاة والسلام وقد أظهر الله الإسلام وفتح البلد الحرام وقد نودي برحاب منى أيام الموسم الماضي أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان، وقد كان معه عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع قريب من أربعين ألفاً[151].


    وراجع ابن كثير رواية بعض المفسرين التي مالت إلى القول بأن أبا طالب هو المقصود بقوله تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ}.


    قال ابن كثير: وفيه نظر ثم اختار القول بأن المراد هم المشركين الذين ينهون الناس عن محمد، وأبو طالب لم يكن بهذه المثابة بل كان يصد الناس عن أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بكل ما يقدر عليه من فعال ومقال ونفس ومال ولكن مع هذا لم يقدر الله له الإيمان لما له تعالى في ذلك من الحكمة.


    وواضح من هذا الكلام أن ابن كثير يستند في تعقيبه على الرواية المذكورة إلى حقيقة مشهورة في مصادر السيرة الأصلية فحواها أن أبا طالب كان يذود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جانب قرائن أخرى منها أنّ الخطاب قصد به جماعة من المشركين المذمومين كما جاء في نهاية الآية[152].


    وثمة روايات عقب عليها ابن كثير لمناقضتها ومخالفتها لحقائق تاريخية مشهورة في مصادر السيرة والمغازي، كرواية مسلم في أن سعد بن عبادة هو المشير على رسول الله يوم بدر بالمضي لمواجهة قريش[153]، والصواب سعد بن معاذ ويذكر ابن كثير أن المشهور أن سعد بن عبادة رده صلى الله عليه وسلم من الطريق قيل لاستنابته على المدينة وقيل لدغته حية[154].


    وراجع قول أبي بكر بن أبي شيبة أن أول من كتب الوحي بين يدي رسول الله أبي بن كعب، قال ابن كثير: كأَنَّه يعني بالمدينة وإلا فالسور المكية لم يكن أبي بن كعب حال نزولها، وقد كتبها الصحابة بمكة[155].


    واعتبر ما ورد في رواية المعتمر بن سليمان عن أبيه عن السميط عن أنس، من أن عدد المسلمين يوم حنين كانوا ستة آلاف، وأنهم حاصروا الطائف (40) ليلة من غرائب هذه الرواية والصواب أنّ عدد المسلمين (اثنا عشر ألفاً) كما في الروايات المشهورة وأن حصار الطائف لم يصل إلى شهر بل كان دون العشرين ليلة[156].


    وفي كتاب دلائل النبوة في باب إخباره عليه الصلاة والسلام عن الغيوب المستقبلة عقب ابن كثير على رواية البيهقي بسنده إلى ثعلبة بن يزيد وفيها أن أصحاب علي – رضي الله عنه – سألوه، أن يستخلف فقال: (أترككم كما ترككم رسول الله).


    قال ابن كثير: المشهور أن علي لما طعن أوصى إلى أبنه الحسن وأمره أنْ يركب الجنود[157] وهو بهذا يلمح إلى بطلان تلك الرواية وتهافتها.


    ووقف ابن كثير كما وقف غيره من العلماء عند الكتاب المزعوم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع الجزية على اليهود الخيابرة، وهو كتاب اغتر به بعض العلماء ومنهم أبو علي بن خيرون فقال بإسقاط الجزية عنهم.


    يذكر ابن كثير أنه وقف على الكتاب فإذا هو مكذوب فإن فيه شهادة سعد بن معاذ وقد مات قبل خيبر وفيه شهادة معاوية بن أبي سفيان ولم يكن أسلم يومذاك، وفيه وضع الجزية ولم تكن قد شرعت بعد[158].


    وهكذا يضع ابن كثير يده على تناقضات يحملها هذا الكتاب المزعوم مع حقائق تاريخية مقررة مما يؤكد زيف الكتاب.



    4 – المحاكمة العقلية للمتون:



    في أثناء مراجعته لبعض المتون والأقوال يقوم ابن كثير بمحاكمة عقلية لبعض النصوص، التي يرد في متونها ألفاظ وعبارات لا تدخل، في دائرة التصور، وتأتي مراجعته تلك في ضوء ما اكتسبه من علوم وفي ضوء مسلمات عقلية يؤكدها الحس والمشاهدة، وهنا لابد من التنبيه إلى أن ما ثبت في الحديث من معجزات ونحوها لا تدخل أساساً تحت طائلة المراجعة والنظر، كما أن العقل الخالي من علوم الشرع ليس بوسعه النظر في المتون من هذه الزاوية.


    وضع ابن كثير عدداً من المتون تحت دائرة المراجعة العقلية، والتساؤل الذي يفضي إلى الرد والاستبعاد، ففي فصل "ذكر أول من أسلم ثم ذكر متقدمي الإسلام من الصحابة" يقول عن الحديث المنسوب إلى علي رضوان الله عليه (أنا الصديق الأكبر صليت قبل الناس بسبع سنين) الحديث منكر بكل حال، ولا يقوله علي رضي الله عنه وكيف يمكن أنْ يصلي قبل الناس بسبع سنين هذا لا يتصور أصلاً[159].


    ويقول ابن كثير تعليقاً على رواية أبي داود الطيالسي في حفر الخندق (كان الناس يحملون لبنة لبنة) حمل اللبن في حفر الخندق لا معنى له والظاهر أنَّه اشتبه على الناقل[160].


    ويراجع قول من قال: إن تأخير الصلاة يوم الخندق وقع نسياناً، فيذكر أنّه يبعد أن يقع هذا (النسيان) من جمع كبير، من شدة حرصهم على المحافظة على الصلاة، كيف وقد روي أنهم تركوا يومئذ الظهر والعصر والمغرب حتى صلوا الجميع في وقت العشاء؟[161].


    وحيث إن مجموعة من المصنفين في الخصائص والمعجزات انساقوا وراء الأحاديث غير الصحيحة والموضوعة، فثمة أحاديث وروايات نشط قلم ابن كثير في تفنيدها سنداً ومتناً، وكان من وسائله النقدية المناقشة العقلية وإثارة التساؤل حول الرواية وهذا ينطبق على رواية رد الشمس بعد مغيبها لعلي بن أبي طالب – رضي الله عنه – بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث تطرق إليها في باب (دلائل النبوة الحسية).


    وبعدما ذكر ابن كثير أن الحديث ضعيف ومنكر من جميع طرقه، قال: "ومثل هذا الحديث فيه خبر واحد إذا اتصل سنده، لأنه من باب ما تتوفر الدواعي على نقله فلابد من نقله بالتواتر والاستفاضة لا أقل من ذلك، ونحن لا ننكر هذا في قدرة الله تعالى"[162].


    ومما أورده ابن كثير التساؤل التالي إزاء متن الرواية المتضمن أن الموجب لرد الشمس هو فوات صلاة العصر على علي – رضي الله عنه -:


    (أيجوز أن ترد الشمس لأبي الحسن حين فاتته صلاة العصر ولا ترد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولجميع المهاجرين والأنصار وعلي فيهم حين فاتتهم صلاة الظهر والعصر والمغرب يوم الخندق؟ وأيضاً مرة أخرى حين عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار حين قفل من غزوة خيبر فذكر نومهم عن صلاة الصبح وصلاتهم لها بعد طلوع الشمس فلم يرد الليل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه – رضي الله عنهم -[163].


    وفي باب ما أخبر به (من الكائنات المستقبلة في حياته وبعدها فوقعت طبق ما أخبر سواءً بسواء) يقف ابن كثير مراجعاً للرواية الواردة عند أبي داود الطيالسي ومما جاء فيها رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لبني أمية يخطبون على منبره فساءه ذلك فنزلت {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} ونزلت {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} وفي الرواية حمل المقصود بألف شهر على مدة ملك بني أمية قال القاسم[164]: فحسبنا ذلك فإذا هو ألف شهر لا يزيد يوماً ولا ينقص[165].


    وهو حديثٌ منكر كما صرح بذلك الحافظ المزي وفي معرض نقده لمتن الرواية وضح ابن كثير أن مجموع سنوات الدولة الأموية لا يطابق ألف شهر كما يزعم الفضل بن القاسم وأشار إلى أنه يلزم مما ذكره أن تكون دولة عمر بن عبدالعزيز مذمومة وهذا لا يقوله أحد من أئمة الإسلام فإنهم مصرحون بأنه أحد الخلفاء الراشدين ونبه ابن كثير إلى أَنَّ تفضيل ليلة القدر – وهي ليلة عظيمة القدر – على دولتهم لا يلزم منه ذم تلك الدولة، فليتأمل هذا، فإنه دقيق يدل على أن الحديث في صحته نظر، لأَنَّه إنما سيق لذم أيامهم[166].


    ويراجع ابن كثير بعض مقررات واجتهادات العلماء قبله من كتاب السيرة مدخلاً إياها دائرة المناقشة العقلية.


    ومن ذلك: تعقيبه على السهيلي (ت185هـ) ذلك أنه بعد إيراده حديث (أحد جبل يحبنا ونحبه وهو على باب من أبواب الجنة، عير يبغضنا ونبغضه وهو على باب من أبواب النار).


    قال السهيلي مقوياً لهذا الحديث وقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام قال: (المرء مع من أحب) قال ابن كثير في (غزوة أحد) هذا من غريب صنع السهيلي فإن هذا الحديث إنما يراد به الناس ولا يسمى الجبل أمرءاً[167].


    ويرد على بعض أقوال كتاب السيرة قبله مما ينوه على اجتهادهم البيهقي عندما يقول (هذه الرواية تدل على أن قبورهم "الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه" مسطحة لأن الحصباء لا تثبت إلا على المسطح) يعقب ابن كثير: هذا عجيب من البيهقي رحمه الله فإنه ليس في الرواية ذكر الحصباء بالكلية وبتقدير ذلك فيمكن أن يكون مسطحاً وعليه الحصباء مغروزة بالطين ونحوه[168].



    5 – أقوال شيوخه:



    مر بنا القول بأن ابن كثير ينتمي إلى مدرسة شامية عنيت بعلوم الحديث والسنة وجعلت نقد الرواية في مقدمة أولوياتها، ولذلك لا غرابة أنّ يعول ابن كثير على آراء شيوخه من أعلام هذه المدرسة في نقد بعض الروايات، خاصة العلماء الثلاثة: ابن تيمية والمزي والذهبي.


    فقد أورد ابن كثير رأي ابن تيمية فيما ورد عند أبي داود وغيره أن من كتاب النبي صلى الله عليه وسلم – كاتب اسمه (السجل) وهو رأي يذهب إلى أن الخبر موضوع وإن كان في سنن أبي داود، وقد عرض ابن كثير هذا الرأي على شيخه المزي فقال: وأنا أقوله[169].


    قال ابن القيم: سمعت شيخنا أبا العباس بن تيمية، يقول هذا الحديث موضوع ولا يعرف لرسول الله كاتب اسمه السجل فقط، وليس في الصحابة من اسمه السجل وكتاب النبي صلى الله عليه وسلم معروفون، لم يكن فيهم من اسمه السجل[170].


    وأورد ابن كثير رأي شيخه المزي فيما أورده القاضي عياض في كتابه (الشفا) حيث ذكر أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم حمار يسمى (زياد بن شهاب وأن رسول الله كان يبعثه ليطلب بعض الصحابة) حيث أنكر المزي ذلك إنكاراً شديداً[171] كما عرض عليه ما أورده السهيلي من حكاية الحمار الذي كلم النبي صلى الله عليه وسلم وأنه من نسل سبعين حماراً كل منها ركبه نبي.


    فقال الشيخ المزي – رحمه الله – : (ليس له أصل وهو ضحكة)[172].


    وبعد أن يناقش رواية رد الشمس يذكر أن ممن صرح بوضعه شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي والعلامة أبو العباس ابن تيمية[173] وفي موضع آخر يقول (صرح بوضعه شيخاي الحافظان الكبيران أبو الحجاج المزي وأبو عبدالله الذهبي[174].







    وللموضوع تتمة


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,720

    افتراضي رد: مراجعات ابن كثير ونقده لمتون مرويات السيرة النبوية في كتابه البداية والنهاية

    مراجعات ابن كثير ونقده لمتون مرويات السيرة النبوية في كتابه البداية والنهاية
    عبدالرحمن بن علي السنيدي

    ما أهمل ابن كثير نقده من متون:


    بذل ابن كثير جهداً ملحوظاً في جمع مرويات السيرة من مصادر شتى كما بذل جهداً مماثلاً في نقد أسانيدها ومتونها، كما مر بنا ومع ذلك لابد من القول بأن هناك روايات ساقها ابن كثير دون مراجعة ونظر لم ينقد متونها ولم يوضح لنا رأيه فيها. مع أنه ينبه أحياناً إلى عيوب الإسناد وأحوال رجاله. والمتأمل في المرويات التي يسوقها ابن كثير يلمس حاجتها إلى وقفات نقدية استناداً إلى حقائق تاريخية وعقلية وأسلوبية.
    ومن ذلك ظاهرة الأشعار التي يرويها ابن إسحاق في السيرة في مرحلة ما قبل المبعث وفي مرحلة الدعوة بمكة وأبرزها قصيدة أبي طالب اللامية وقد أورد منها ما يزيد على (90) بيتاً وقال عنها: هذه قصيدة عظيمة بليغة جداً لا يستطيع أن يقولها إلا من نسبت إليه وهي أفحل من المعلقات السبع وأبلغ في تأدية المعنى منها جميعاً[175]، والذي نفهمه من هذا الكلام أن ابن كثير يؤيد نسبتها إلى أبي طالب لكنه لم يذكر قرائن أسلوبية ولغوية جلية تؤيد نسبتها إلى عصر السيرة المكية ولم يورد طرقاً أخرى للقصيدة مع أنه ذكر أن الأموي أوردها في مغازيه مطولة لكن هل رواها عن ابن إسحاق أم عن غيره[176].
    وهناك أشعار يرويها ابن إسحاق عن عبدالمطلب[177] وورقة بن نوفل[178] وأمية بن أبي الصلت[179] وهي في أمس الحاجة إلى قراءة نقدية من جانب ابن كثير ومعلوم أن ظاهرة الأشعار في السيرة من الظواهر التي استأثرت باهتمام قدماء النقاد اللغويين كابن سلام الجمحي (ت213هـ): الذي يذكر أن ابن إسحاق هجن الشعر وأفسده وحمله كلُ غثاء – وكان من علماء الناس بالسير فنقل الناس عنه الأشعار وكان يعتذر منها ويقول: لا علم لي بالشعر إنما أوتي به فأحمله. وانتقد بشكل خاص الشعر القديم المحمول عن عاد وثمود وأشعار الرجال الذين لم يقولوا شعراً قط.
    وفي موضع آخر يذكر أن قصيدة أبي طالب اللامية زيد فيها وطولت[180]، ويقول: ابن هشام مهذب سيرة ابن إسحاق... بعدما أورد القصيدة اللامية لأبي طالب هذا ما صح لي من القصيدة، وبعض أهل العلم ينكر أكثرها[181]، وكأن ابن سلام وابن هشام قد فتحا بذلك باب النقاش حول تلك القصيدة الطويلة وهو نقاش كان الأولى بكتاب السيرة المتأخرين كابن كثير الإسهام فيه. ويلحظ أن بعض الأشعار التي يوردها ابن كثير تتناقض مع وقائع تاريخية كالشعر المنسوب إلى العباس بن مرداس السلمي – رضي الله عنه – في باب هواتف الجان، حيث ينقل ابن كثير عن أبي نعيم خبر العباس وصنمه ضمار، حيث يذكر أنه سمع هاتفاً من جوف الصنم ثم سمع هاتفاً وهو في إبله بطرف العقيق، وذلك بعد رجوع الناس من الأحزاب وفي القصيدة:

    ووجهت وجهي نحو مكة قاصداً أبايع نبي الأكرمين المباركا[182]

    فكيف يذهب العباس بن مرداس إلى مكة ليبايع النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأحزاب كما جاء في هذا الخبر المزعوم المتناقض؟


    وثمة ظاهرة أخرى في كتب السيرة تأصلت قبل ابن كثير وأصبحت أساسية في كتب السيرة والدلائل وهي هواتف الجان المبشرة برسول الله وقد ألف فيها محمد بن جعفر الخرائطي (ت327هـ) وابن أبي الدنيا (ت281هـ)[183] وقد ورد عند ابن كثير أخبار أسطورية في هذا الباب، كرواية الخرائطي عن شيخه عبدالله بن محمد البلوي في قصة جارية دوس وغلامها اللذين أخبرا بخروج خير الأنبياء ومنع خبر السماء، وخبر ثلاثة نفر من قريش مع صنم لهم[184] وهي أخبار أسطورية يرويها وضاعون أمثال عبدالله البلوي وعمارة بن زيد[185] وخبر تنبؤ الكاهن سطيح لأربعة من قريش منهم هاشم بن عبد مناف بما يكون بعدهم وقد تنبأ بخروج فتى يدعو إلى الرشد ومن يلي بعده من الخلفاء[186] في عبارات مسجوعة متكلفة يظهر فيها أثر الوضع وعنصر الخيال، وأسلوب الأسطورة والحكاية الخرافية.
    والحق أنّ ابن كثير نبه إلى ما يلابس بعض الروايات من ضعف أو وضع ونكارة لكن يبدو أن الولع بالغريب واحتذاء الآخرين ومضامين بعض الأخبار المحتوية على فتن وملاحم قادمة، وطبيعية الاتجاه الجمعي الذي من أبرز مظاهره حشد أكبر قدر من الروايات ولو جاء ذلك على حساب التجويد المنهجي وتطبيق المعايير المعتبرة في الصناعة الحديثية كل هذه عوامل جرت ابن كثير إلى سياق بعض الأخبار الأسطورية وتضمينها كتابه فهو يقول بعد ذكره لإحدى حكايات سطيح: "هذا أثر غريب كتبناه لغرابته وما تضمن من الملاحم"[187]. ويقول في خبر قدوم هامة بن هيم حفيد إبليس المزعوم وهو خبرٌ موضوع"[188] حديث غريب جداً بل منكر أو موضوع لكن مخرجه عزيز أحببنا أن نورده كما أورده (يعني البيهقي)[189].
    ويقول عن حديث مخاطبة الحمار للنبي صلى الله عليه وسلم أنكره غير واحد من أئمة الحفاظ الكبار ثم يسوق الحديث[190] وهو خبر موضوع نبه إلى نكارته في موضوع سابق عند الحديث عن أفراس النبي صلى الله عليه وسلم ومراكيبه[191].
    كذلك ساق ابن كثير روايات هي بأمس الحاجة إلى نقد متونها... ففي موضوع المولد يورد ما رواه ابن إسحاق عن المرأة التي تعرضت لعبدالله والد النبي صلى الله عليه وسلم. كذلك يأتي برواية مشابهة عن تعرض امرأة أخرى من خثعم لعبدالله والد النبي صلى الله عليه وسلم[192] وهي حكايات نسجها وضاعون ثم إنها منكرة سنداً ومتناً ومن يقرأ رواياتها المختلفة يدرك مدى الاختلاف والاضطراب في سوقها ومثل ذلك الاضطراب والاختلاف ينبغي أن يطرح من دراسات السيرة الجادة[193].
    وفي المولد النبوي ذاته أورد ابن كثير (حديثاً غريباً مطولاً) ومما جاء فيه أنه لما حمل برسول الله صلى الله عليه وسلم، نطقت كل دابة كانت لقريش تلك الليلة: قد حمل برسول الله ورب الكعبة ومما جاء فيه أن الله فتح لمولده أبواب السماء وجناته في حديث طويل[194] أورده ابن كثير على ما فيه في نهاية سيرته معللاً ذلك بقوله (ليكون الختام نظير الافتتاح) فهل جاء اختفاء المقاييس النقدية لصالح اعتبارات تتعلق بمسألة التناسب بين الفصول والأبواب والرغبة في التماثل بين الافتتاح والختام؟
    وثمة أخبار أخرى كان مطلوباً تفعيل قواعد النقد الحديثي إزاءها وتجاوز صناعة النقل والجمع لتكون سيرة ابن كثير معبرة عن قواعد المنهج النقدي المشار إليه بشكل دقيق وصارم.
    إن تلك الأخبار يدفع بها الرواة والنقلة بغية شد انتباه العامة بهذه المواد القصصية الأسطورية وهو اتجاه فاسد، يؤدي إلى إفراغ السيرة النبوية من دلالاتها وقد نبه غير واحد من أئمة المسلمين إلى خطورة تلك الموضوعات، يذكر البيهقي أنّ الاعتماد على الآثار الصحيحة، وتمييز الصحيح من غيره مما يقطع الطريق على أهل البدع أن يجدوا مغمزاً فيما يعتمد عليه أهل السنة[195] كما مر بنا تساؤل الذهبي عندما يقول فلماذا يا قوم نتشبع بالموضوعات فيتطرق إلينا مقال ذوي الغل والحسد ولكن من لا يعلم معذور؟ كما يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم غنيٌّ بمدحه التنزيل والأحاديث المتواترة والآحاد النظيفة[196] وابن كثير نفسه يذكر أن هناك أخباراً في موضوع وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فيها نكارة وغرابة شديدة ولا سيما ما يورده القصاص المتأخرون وغيرهم فكثير منها موضوع لا محالة وفي الأحاديث الصحيحة والحسنة المروية في الكتب المشهورة غنية عن الأكاذيب وما لا يعرف سنده[197].

    الخاتمة:

    تناول البحث مراجعات ابن كثير ونقده لمتون مرويات السيرة النبوية من خلال استقراء ودراسة سيرته المضمنة في كتاب البداية والنهاية.
    وقد اتضح لنا أنَّ ابن كثير راجع متوناً كثيرة في مجال السيرة النبوية آخذاً بعين الاعتبار الخطوات التي كان العلماء يقومون بها وهم ينقدون النصوص والمرويات، ومما برز عند ابن كثير من معايير في باب نقد المتن استدعاء تاريخ التشريعات وزمن نزول الأحكام والمحاكمة العقلية للمتون.

    ومع أن البحث أبرز حقيقة وجود جهد لابن كثير في نقد المتون، إلا أنه ساق بعض الأخبار والروايات التي تساهل المؤلفون قبله في إيرادها ونقلها دون أن ينقد متنها وأن يرجع معطياتها.
    ـــــــــــــــ ــــــــــ
    [1] صلاح الدين المنجد: معجم ما ألف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. بيروت، دار الكتاب الجديد، ط1، 1402هـ، ص125، 143.
    [2] البداية والنهاية. تحقيق عبدالله التركي بالتعاون مع مؤسسة البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر. القاهرة، ط1، 1420هـ، ج9، ص308.
    [3] ابن كثير: المصدر السابق، ج18، ص372-373.
    [4] الصفدي: صلاح الدين خليل بن أيبك (ت764هـ): أعيان العصر وأعوان النصر، تحقيق: علي أبو زيد، دمشق: دار الفكر، ط1، 1418هـ، 5/653.
    [5] ج10، ص8-23.
    [6] انظر على سبيل المثال، 1/191، 199، 302/205.
    [7] المنجد: معجم ما ألف عن رسول الله، ص128، وعبدالغني هو عبدالغني بن عبدالواحد الجماعيلي، الإمام الحافظ (ت600هـ)، الذهبي: سير أعلام النبلاء، ج21، ص443، 448.
    [8] ابن رجب: زين الدين بن رجب الحنبلي (ت795هـ): الذيل على طبقات الحنابلة، بيروت، دار المعرفة، ج2، ص438.
    [9] محمد محمود حمدان، مقدمة تحقيق المغازي من تاريخ الإسلام للحافظ الذهبي، القاهرة، دار الكتاب العربي، ط1، 1405هـ، ص35، عبدالسلام تدمري، مقدمة تحقيق (السيرة النبوية) من تاريخ الإسلام، بيروت، 1407هـ، 2/581.
    [10] تاريخ الإسلام (السيرة النبوية) تحقيق، عبدالسلام تدمري، ص206.
    [11] عبدالرحمن بن غزوان، أبو نوح حَدَّث عنه أحمد له مناكير، توفي سنة (207هـ) ببغداد، الذهبي: ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق علي البجاوي، بيروت، دار المعرفة، ج2، ص581.
    [12] تاريخ الإسلام، السيرة النبوية، تحقيق عمر عبدالسلام تدمري، بيروت، 1407هـ، ص57.
    [13] بشار عواد معروف: الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام، القاهرة، مطبعة عيسى البابي الحلبي، ط1، القاهرة، ص456-457.
    [14] 3/254.
    [15] سير أعلام النبلاء، ج1، تحقيق شعيب الأرنؤوط، بيروت، 1414هـ، ص556.
    [16] سير أعلام النبلاء، ج2، تحقيق شعيب الأرنؤوط ومحمد نعيم عرقسوسي، ص216، بيروت، 1417هـ.
    [17] سير أعلام النبلاء، ج8، تحقيق شعيب الأرنؤوط ونذير حمدان، بيروت، 1417هـ، ص520.
    [18] البداية والنهاية، ص18، ص523، ويلاحظ أنه (ابن كثير) وصفه في الترجمة له بـ(صاحبنا الإمام).
    [19] بكر عبدالله أبو زيد: ابن قيم الجوزية حياته وآثاره، ص108، وانظر الندوي، الإمام ابن كثير سيرته ومؤلفاته ومنهجه في كتابة التاريخ، دمشق، دار ابن كثير، ط1، 1420هـ، ص57.
    [20] ابن كثير: البداية والنهاية، ص354.
    [21] فاروق حمادة: مصادر السيرة النبوية وتقويمها، الدار البيضاء، دار الثقافة، ط1، 1401هـ، ص108.
    [22] زاد المعاد، في هدي خير العباد تحقيق شعيب الأرنؤوط وعبدالقادر الأرنؤوط، 3/642.
    [23] زاد المعاد، 3/385.
    [24] زاد المعاد، 1/110.
    [25] المصدر نفسه، 3/390.
    [26] ومنهم: إسماعيل سالم عبدالعال: ابن كثير ومنهجه في التفسير، القاهرة... ط4، 1984م، ص39-84، مسعود الرحمن خان الندوي: الإمام ابن كثير سيرته ومؤلفاته ومنهجه في كتابة التاريخ، ص13-38، مصطفى عبدالواحد: مقدمة تحقيق السيرة النبوية لابن كثير، بيروت، دار المعرفة 1396هـ، 1/3-12.
    [27] البداية والنهاية، 18/42، ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، تحقيق محمد سيد جاد الحق، القاهرة، دار الكتب الحديثة، 1/399-400.
    [28] ابن كثير: البداية والنهاية 9/308.
    [29] ابن كثير: البداية والنهاية 8/316.
    [30] ابن كثير: المصدر نفسه، 18/427 وشمس الدين الداوردي: طبقات المفسرين. بيروت. دار الكتب العلمية، ط1، 1403هـ، 1/112.
    [31] ابن حجر: الدرر الكامنة 1/399-400.
    [32] ابن حجر العسقلاني: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، 1/399-400، ابن كثير: البداية والنهاية 18/428.
    [33] أبو بكر بن شهبة (851هـ): طبقات الشافعية، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1408هـ، 2/238.
    [34] البداية والنهاية، 18/23، 26/51، 53، 64، 95، مثلاً.
    [35] ابن شهبة: طبقات الشافعية 2/238.
    [36] البداية والنهاية 18/523.
    [37] طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق عبدالفتاح الحلو ومحمود محمد الطناحي، القاهرة، 1385هـ، 10/400.
    [38] البداية والنهاية، 18/759، 699، 719، الداوردي: طبقات المفسرين 1/112.
    [39] إسماعيل سالم عبدالعال: ابن كثير ومنهجه في التفسير، ص123.
    [40] ابن حجر: أحمد بن علي العسقلاني: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة: تحقيق محمد سيد جاد الحق، القاهرة، جـ1، ص399-400.
    [41] الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم: تحقيق محمد الخطراوي ومحيي الدين مستو، دمشق، دار الكلم الطيب، ط9، 1420هـ. ص79.
    [42] وهذه الطبعة هي التي سوف نعتمد عليها في دراستنا هذه وقد حققها، عبدالله بن عبدالمحسن التركي، بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر، القاهرة ط1، 1417هـ، وفي تقدير الباحث فإن هذه الطبعة قد عنيت بالكتاب خاصة قسم السيرة تحقيقاً وتخريجاً بشكل لم يتوفر في سابقاتها، ومن طبعات الكتاب السابقة طبعة دار السعادة بالقاهرة، 1348هـ، في (14) جزءاً كما ظهرت طبعات أخرى للكتاب في بيروت... ومنها طبعة دار المعرفة بتحقيق، عبدالرحمن اللادقي ومحمد غازي بيضون، ط1، 1416هـ. وطبعة المكتبة العصرية، بتحقيق عبدالحميد هنداوي، ط1، 1421هـ، للمزيد انظر: طبعات كتاب البداية والنهاية، في مقدمة تحقيق البداية والنهاية بدار هجر، ص34-39.
    [43] 3/353.
    [44] 3/495.
    [45] 4/5.
    [46] 4/165.
    [47] 4/371.
    [48] 4/443.
    [49] 4/510.
    [50] 5/5.
    [51] 7/232.
    [52] 7/404.
    [53] 8/61.
    [54] 9/201.
    [55] 8/301، 321.
    [56] 8/361.
    [57] البيهقي: دلائل النبوة 2/56، ابن كثير، البداية والنهاية 3/466، مثلاً.
    [58] انظر مثلاً: 6/495.
    [59] 8/534.
    [60] 8/385.
    [61] 8/539.
    [62] 8/549.
    [63] 8/549-557.
    [64] 8/558.
    [65] 8/589.
    [66] 8/604.
    [67] 9/144.
    [68] انظر: دلائل النبوة: لأبي نعيم الأصبهاني، فصل ذكر موازنة الأنبياء في فضائلهم بفضائل نبينا ومقابلة ما أوتوا من الآيات، ج2، ص587، وابن كثير: البداية والنهاية (باب التنبيه على ذكر معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم مماثلة لمعجزات جماعة من الأنبياء قبله) 9/305.
    [69] يصفه ابن كثير بأنه كتاب جليل حافل مشتمل على فوائد نفيسة اقتبس منه ابن كثير في أبواب الدلائل في عدة مواضع منها على سبيل المثال، 9/20، 309، 321، 338، 340، 355.
    [70] 9/411.
    [71] الفصول في سيرة الرسول، ص79-80.
    [72] مقدمة تحقيق السيرة النبوية لابن كثير، ص12-13.
    [73] ابن كثير ومنهجه في التفسير، ص52.
    [74] تفسير القرآن العظيم، القاهرة، دار الحديث، 1415هـ، ج3، ص460.
    [75] تفسير القرآن العظيم، تحقيق: سامي محمد السلامة، الرياض: دار طيبة، 1420هـ، 6/398.
    [76] بالإضافة إلى الطبعتين المشار إليها في الهامشين السابقتين، طبعة بتحقيق محمد أنس الخن، بيروت، 1421هـ، مؤسسة الرسالة، ص1053.
    [77] 3/298، 9/329، 385، 405.
    [78] طبع في القاهرة 1967م.
    [79] طبع في الرياض نشرته مكتبة العبيكان، ط1، 1422هـ.
    [80] من هؤلاء: كنعان: محمد بن أحمد: السيرة النبوية والمعجزات والمغازي النبوية، بيروت، مؤسسة المعارف، 1417هـ، الهلاوي، محمد عبدالعزيز: معجزات النبي للحافظ ابن كثير، القاهرة، 1419هـ، عبدالشافي: أحمد: السيرة النبوية، بيروت، دار الكتب العلمية (د،ت)، هذا بالإضافة إلى مستخرجات أخرى من كتاب البداية والنهاية.
    [81] انظر: مصطفى عبدالواحد، مقدمة تحقيق السيرة النبوية، 1/41.
    [82] من أبرزها دلائل النبوة للبيهقي، انظر 3/282، 301 مثلاً، وانظر كذلك فهارس البداية والنهاية، ص737-738-1244.
    [83] مثل كتاب هواتف الجان، لأبي بكر الخرائطي، البداية والنهاية 3/570.
    [84] ومنها كتابه نعيم بن حماد الخزاعي: الفتن والملاحم (9/172، 184، 210).
    [85] أصول منهج النقد عند أهل الحديث، مؤسسة الريان، بيروت، ط2، 1412هـ، ص89.
    [86] الخطيب البغدادي (ت463هـ): الكفاية في علم الرواية، بيروت، دار الكتاب العربي، 1405هـ، ص191-192.
    [87] 4/103.
    [88] 4/13، 14، 19.
    [89] 8/443-445.
    [90] ابن هشام: سيرة النبي صلى الله عليه وسلم 3/356.
    [91] ابن كثير: البداية والنهاية 6/224.
    [92] المتن هو غاية ما ينتهي إليه السند من الكلام وهو النص المروي. راجع السيوطي: جلال الدين السيوطي (ت911هـ): تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي تحقيق: عزت علي عطية وموسى محمد علي، القاهرة، دار الكتب الحديث، (د.ت) 1/44.
    [93] قال ابن كثير عنه منكراً إسناداً ومتناً 4/72.
    [94] 4/79، 80.
    [95] 4/172-174.
    [96] 4/562.
    [97] 4/559، 560.
    [98] 5/557.
    [99] 7/419-420.
    [100] 8/566-570.
    [101] 4/431-432.
    [102] 6/145.
    [103] 4/41، ويعني فتور الوحي هنا انقطاعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    [104] 4/192، وهنا لابد من الإشارة إلى أن ابن كثير أخطأ عندما ذكر أن بطليموس علمٌ على من يملك الهند (6/491).
    [105] 4/197.
    [106] 6/377.
    [107] 9/338-339.
    [108] 6/162.
    [109] 5/337.
    [110] 8/383.
    [111] 7/666.
    [112] 8/356.
    [113] 4/275 وشريك بن عبدالله بن أبي نمر تابعي صدوق قال ابن معين: لا بأس به، ووهاه ابن حزم لأجل حديثه في الإسراء، الذهبي: ميزان الاعتدال، 2/269-270.
    [114] 7/90/91، راجع مسلم. الجامع الصحيح، المكتبة الإسلامية، تركيا (د،ت)، 2/736، حديث رقم (1059) وهناك رواية أخرى عن مسلم تناقض رواية المعتمر بن سليمان عن أبيه عن السميط عن أنس وفيها أنهم كانوا عشرة آلاف ومعهم الطلقاء، مسلم، الجامع الصحيح 2/736، كتاب الزكاة.
    [115] 1/32.
    [116] مسلم الجامع الصحيح، 4/2149، كتاب صفات المنافقين رقم الحديث (2789).
    [117] 1/33، وراجع: ابن تيمية: مجموع الفتاوى 8/18، 19.
    [118] الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث، الرياض، دار الهدى (د.ت). ص17.
    [119] 7/226.
    [120] 4/275، انظر مسلم: الجامع الصحيح، كتاب الإيمان، باب الإسراء 1/181، قال الخطابي (ت:388هـ): ليس في هذا الكتاب (صحيح البخاري) حديث أشنع ظاهراً ولا أشنع مذاقاً من هذا الفصل يعني عبارة (ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى) فإنه يقتضي تحديد المسافة بين أحد المذكورين وبين الآخر وتمييز مكان كل واحد منهما هذا إلى ما في التدلي من التشبيه والتمثيل بالشيء الذي له تعلق من فوق إلى أسفل، ابن حجر العسقلاني فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 13/483.
    [121] 4/278.
    [122] ومما جاء فيه: (فرجعت مهموماً فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، وهذا هو موضع الدلالة) ابن كثير، البداية والنهاية، 4/282.
    [123] مسلم: الجامع الصحيح، 4/1954 كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي سفيان.
    [124] شرح النووي على صحيح مسلم، بيروت، دار الفكر، 16/63، 64.
    [125] 60/149.
    [126] الخطيب البغدادي: الكفاية في علم الرواية، ص170، عثمان موافي: منهج النقد التاريخي الإسلامي والمنهج الأوربي، الإسكندرية، 1984م، ص47-49.
    [127] الاقتراح في بيان الاصطلاح، تحقيق عامر حسن صبري، بيروت: دار البشائر، ط1، 1417هـ، ص228.
    [128] انظر: نقد المنقول والمحك المميز بين المردود والمقبول، تحقيق: حسن سماحي سويدان، بيروت، دار القادري، ط1، 1411هـ، وهذا الكتاب لابن القيم هو المشهور بالمنار المنيف في الصحيح والضعيف، انظر بكر أبو زيد: ابن القيم حياته وآثاره، الرياض، مكتبة المعارف، ط2، 1405هـ، ص194.
    [129] ط1، 1404، ص117، 164، 183، 195، 207، 221.
    [130] نشرته مؤسسة الريان، بيروت، ط2، 1412هـ، ص80.
    [131] نشرته مؤسسات عبدالكريم، تونس، ص456-457.
    [132] نقد المنقول والمحك المميز بين المردود والمقبول، تحقيق حسن السماحي سويدان، ص12.
    [133] 4/309.
    [134] 4/310، 311.
    [135] 4/174، 176-177.
    [136] 4/41.
    [137] 5/445.
    [138] العمري: محمد علي قاسم: دراسات في منهج النقد عند المحدثين، الأردن: دار النفائس، 1420هـ، ص30.
    [139] العَلَلُ: الشربة الثانية أو الشرب بعد الشرب تباعاً، الفيروزأبادي: مجد الدين محمد بن يعقوب (ت817هـ): القاموس المحيط، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط2، 1407هـ، ص1338.
    [140] ابن كثير: البداية والنهاية 4/253-254.
    [141] 5/553-557.
    [142] ابن هشام: سيرة النبي صلى الله عليه وسلم – 3/214.
    [143] المغازي، 2/560.
    [144] 5/560.
    [145] 5/206.
    [146] الفصول في سيرة الرسول – صلى الله عليه وسلم -، ص183.
    [147] ابن كثير، البداية والنهاية، 4/576.
    [148] انظر: إبراهيم العلي: صحيح السيرة النبوية، ص150، ابن حجر، فتح الباري، ج2، ص77، 78.
    [149] البزار: إسحاق بن عبدالله الكوفي له المسند (ت307هـ)، ابن كثير، البداية والنهاية، 14/813.
    [150] 7/419-420.
    [151] 7/479.
    [152] 4/314-315.
    [153] الجامع الصحيح، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة بدر، حديث (1779)، 3/1403-1404.
    [154] 5/227.
    [155] 8/322.
    [156] 7/90-91.
    [157] 9/207.
    [158] 6/355-356، راجع أيضاً: ابن القيم: نقد المنقول، ص90-92.
    [159] 4/66.
    [160] 4/538.
    [161] 6/54.
    [162] 8/569.
    [163] 8/570.
    [164] القاسم بن الفضل الحداني روى عنه ابن مهدي وأبو داود الطيالسي مات سنة 167هـ صدوق وثقه ابن مهدي والقطان وأحمد وابن معين، ابن حجر: تهذيب التهذيب 8/330، الذهبي: ميزان الاعتدال 3/377.
    [165] 9/271.
    [166] 9/271-273، هذا الحديث صحح إسناده الحاكم في مستدركه وقال الذهبي في تلخيص المستدرك (المطبوع بهامشه) روى عن يوسف، نوح بن قيس وما علمت أن أحداً تكلم فيه، والقاسم وثقوه رواه عنه أبو داود والتبوكي وما أدري آفته من أين؟ المستدرك، 3/171، ويقول الألباني في ضعيف سنن الترمذي عن هذا الحديث: ضعيف الإسناد مضطرب، ومتنه منكر، ضعيف سنن الترمذي، دمشق، نشر المكتب الإسلامي، ط1، 1411هـ/1991م، ص436، ح (366).
    [167] 5/338 وعير: جبل يشرف على المدينة من الجنوب وهو حد حرم المدينة من الجنوب (محمد محمد شُراب: المعالم الأثيرة في السنة والسيرة، دمشق: دار القلم، ط1، 1411هـ، ص203-204).
    [168] 8/154.
    [169] 8/340.
    [170] انظر: عبدالرحمن الفرايوائي: شيخ الإسلام ابن تيمية وجهوده في الحديث وعلومه، الرياض: دار العاصمة، ط1، 1416هـ، 2/510.
    [171] 8/383.
    [172] الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ص259.
    [173] 8/584.
    [174] 9/367.
    [175] 4/143 وقد استغرقت قصيدة أبي طالب تلك الصفحات (135-143).
    [176] ورد في الحديث الصحيح عن ابن عمر: من أبيات قصيدة أبي طالب بيتٌ واحدٌ هو قوله:

    وأبيض يستسقى الغَمامُ بوجهه ثمالُ اليتامى عصمةٌ للأرامل
    البخاري: الجامع الصحيح، كتاب الاستسقاء، 2/15.
    [177] 3/386.
    [178] 3/470-471.
    [179] 3/285، 296.
    [180] طبقات الشعراء، بيروت، دار الكتب العلمية، ط2، 1408هـ، ص13، 95.
    [181] ابن هشام: سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، 1/298.
    [182] 3/583.
    [183] انظر: المنجد: معجم ما ألف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ص61.
    [184] 3/575-577، 579.
    [185] الذهبي: ميزان الاعتدال، 3/491، 3/77.
    [186] 3/615-621.
    [187] 3/620.
    [188] ابن الجوزي: الموضوعات، تحقيق توفيق حمدان، بيروت، 1415هـ، 1/149، الذهبي: ميزان الاعتدال 1/186-188، الشوكاني: الفوائد المجموعة، ص125.
    [189] ج7، ص273.
    [190] 9/47، انظر: الذهبي: ميزان الاعتدال 4/34، قال ابن الجوزي: لعن الله واضعه فإنه لم يقصد إلا القدح في دين الإسلام، ابن الجوزي: الموضوعات 1/293-294.
    [191] 8/383.
    [192] ابن كثير: 3/390.
    [193] أكرم العُمري: السيرة النبوية الصحيحة. المدينة: مكتبة العلوم والحكم، 1412هـ، 1/95.
    [194] 9/408-410.
    [195] دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة 1/74.
    [196] سير أعلام النبلاء، ج2، ص276.
    [197] البداية والنهاية، ج8، ص78.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    2,967

    افتراضي رد: مراجعات ابن كثير ونقده لمتون مرويات السيرة النبوية في كتابه البداية والنهاية

    بحث قيم جداً ونفيس
    جزا الله كاتبه وناقله خير الجزاء
    الليبرالية: هي ان تتخذ من نفسك إلهاً ومن شهوتك معبوداً
    اللهم أنصر عبادك في سوريا وأغفر لنا خذلاننا لهم

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,720

    افتراضي رد: مراجعات ابن كثير ونقده لمتون مرويات السيرة النبوية في كتابه البداية والنهاية

    آمين وإياكم
    تقبل الله منا ومنكم

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •