القرآن كتابي (قصة للأشبال)
أحمد الجوهري عبد الجواد



قصص أشبال الإيمان (5)



القرآن كتابي
بعث الله أنبياءَ ورسلًا كثيرين، أفضلُهم محمد صلى الله عليه وسلم، وأنزل كتبًا عديدة، أفضلُها القرآن الكريم، فهو يحوز فضلَ هذين الوجهين جميعًا، هو خير كتاب أنزله الله، وهو على خيرِ رسولٍ مِن رسل الله نزل.
وسأحكي لكم اليوم المشهدَ العظيم، الذي فيه نزل خيرُ كتاب على خير رسول صلى الله عليه وسلم، فافتحوا لي قلوبكم، وأعطوني أسماعكم؛ لأروي لكم هذا المشهد كما حدث في تلك الليلة العجيبة:
اسمي غارُ حراء.
لعلك سمعت باسمي هذا من قبل.
وسوف تعرفني جيدًا حين تنظر في صورتي، سترى مكانًا في قمَّة الجبل، يشبه غرفة صغيرة، أنا موجود في جبل النور، أحد جبال مكة المكرَّمة.
في الزمان البعيد، قبل أن يبعث الله نبيَّنا صلى الله عليه وسلم بالإسلام، كان نبيُّنا يأتي إليَّ، ويتعبَّد في داخلي، يتفكَّر في السماوات والأرض، ويدعو خالقَهما سبحانه.
وفي ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك، حدث أمر عجيب، لقد كان نبيُّنا محمد يصلِّي لله كعادته، يصلِّي لله ويتعبَّد، فجاءه ملَك عظيم من ملائكة الله، لقد هبط عليه من السماء، كان هذا الملك العظيم هو جبريل عليه السلام رئيس الملائكة، وهو أمينُ الوحي الذي ينزل بأوامر الله تعالى إلى أنبيائه ورسله، وهو الذي نزل بالقرآن على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لقد وقف جبريل عليه السلام أمام نبيِّنا، واحتضنه، وقال له:
اقرأ يا محمد!
فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال له: أنا لا أحسن القراءة، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم أمِّيًّا لا يقرأ ولا يكتب، ولم يقدِّر الله له تعلُّم القراءة والكتابة؛ حتى تكون معجزتُه هي أن يأتي بكتاب يَعجِزُ عن الإتيان بمثله جميعُ القرَّاء والكتَّاب، فيكون معجزته في أنَّه نبيٌّ من عند الله.
أكَّد جبريل على النبي الأمر، فقال له: اقرأ يا محمد!
وأكَّد النبي الجواب: أنا لا أحسن القراءة.
وعاد جبريل ليقول لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم: اقرأ!
والنبيُّ يقول نفس الجواب: أنا لا أحسن القراءة!
وبعد أن أكَّد جبريل على أن النبي لا يستطيع القراءة من عند نفسه، أخبره بالقرآن الذي جاءه من عند الله بقوله سبحانه: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5].
قرأ جبريل عليه السلام هذه الآيات على نبينا صلى الله عليه وسلم ثم انصرف، وقد ذهب النبي صلى الله عليه وسلم بعدها إلى بيته، وأخبر زوجه السيدة خديجةَ رضي الله عنها، فذهبت معه إلى ابن عمِّها ورقةَ بنِ نوفل، وكان عالمًا فأخبره النبيُّ بما رأى وما سمع، وقرأ عليه الآيات التي قرأها عليه جبريل، فابتسم ورقةُ رضي الله عنه، وطمْأن النبيَّ، وأخبره بأن هذا الملَك الذي جاءه بالقرآن هو ملَك الوحي جبريل، وأنه هو الذي كان ينزل على أنبياء الله ورسله، ومعنى ذلك أنه نبيُّ هذه الأمة.
هكذا يا أعزائي نزل القرآن على نبينا في ليلة القدر، في شهر مضان؛ كما قال الله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185] ، وكما قال لنا سبحانه: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 1 - 5].
إنَّ القرآن هدًى ورحمةٌ، وخير وبركة، وعزٌّ ورفعة، لمن حفظه، وداوَمَ على تلاوته، وقرأه بفهم، وعمل بما فيه من أوامر الله ونواهيه.
هذه قصتي؛ قصة غار حراء، في جبل النور.
أسعد غار في الدنيا، في أسعد جبل، بأكرم بلد، هي مكة المكرَّمة.
فوائد:
نستفيد من القصة أنَّ:
القرآن نزل على نبينا صلى الله عليه وسلم، فهو خير كتاب، ونزل على خير نبيٍّ.
القرآن كتاب الله وكلامُه.
القرآن الكريم نزل في شهر رمضان، في ليلة عظيمة، هي ليلة القدر.
من عمل بالقرآن الكريم، فقرأه وحفظه، ونفَّذ أوامره، عاش سعيدًا في الدنيا، ودخل الجنة في الآخرة.