ماذا بعد رمضان




الشيخ / سعيد بن هليل العمر








إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم, وعلى آله وآله وأصحابه وبعد :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً {1}}النساء.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً {71}}الأحزاب .
لقد كنا في موسم عظيم من مواسم الخير, وعبادةٍ من أجل العبادات, وركنٍ من أعظم أركان الإسلام, صام المسلمون وقاموا, وتهجدوا لياليه وصاموا أيامه, ازدحمت المساجد بالمصلين, وطرقت أبواب المساكين وأقبل المسلمون على رب العالمين إقبال الصادقين.
وما هي إلا أيام وليالي حتى ودعنا هذا الشهر العظيم وداع الحبيب لأحبابه, فطوبى لمن أحسن فيه واستمر, ويا خسارة من فرط فيه وضيع.
إن السعيد من اغتنم الموسم, موسماً بعد موسم, وشمَّر عن ساعد الجد واجتهد, وعلم أن العمر ليالي وأيام تنقضي, فأودعها صالح الأعمال, وتقرب إلى الله عز وجل طول عمره.
قال تعالى : { واعبُد ربك حتى يأتيك اليقين } وإن الشقي من ضيع المواسم وفرص العمر, أو اجتهد في موسم ثم انتكس ونكص على عقبيه . قال عليه الصلاة السلام: " إن أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه ".
أيها المسلمون :
لا تكونوا كالتي قال الله فيها: { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً}.
تحسنون في رمضان وتصومون وتصلون, وتتصدقون, وتزكون, وتزاحمون المصلين بالمساجد, وعند انقضاء رمضان, لا عين لكم ولا أثر ولا حس ولا خبر, فهذه حالة سيئة, وصاحبها على خطر, ويخش عليه من النكوص, قال أحد السلف : ( بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان ) .
إن رب الشهور واحد, وهو الله الذي لا إله إلا هو؛ الذي يراك حين تقوم , وتقلبك في السحر, الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء, الذي قال في كتابه : { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ {54}} الزمر .
اجتهدوا في طاعة ربكم في جميع الأوقات, فلئن انتهى الصيام الواجب, فصيام التطوع مشروع إلى الممات في حق المسلم.
قال عليه الصلاة والسلام: " من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كمن صام الدهر ".
ولئن انتهى القيام في رمضان, فالقيام في حق المسلم مشروع على الدوام, قالت عائشة رضي الله عنها: ( ما كان يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على إحدى عشر ركعة في رمضان ولا في غيره ).
وقال عليه الصلاة والسلام: " نعم الرجل عبد الله يعني ابن عمر لو كان يقوم الليل". وكان عليه الصلاة والسلام يقوم الليل حتى تتفطر قدماه .
والقيام دأب الصالحين لمناجاة رب العالمين , قال عليه الصلاة و السلام : " أيها الناس : أفشوا السلام, وأطمعوا الطعام, وصلوا الأرحام, وصلّوا والناس نيام " رواه الترمذي وغيره من حديث عبد الله بن سلام .
ولئن انتهى شهر رمضان, ففعل الخير لا ينتهي, فلقد كنتم بالأمس تطرقون أبواب المساكين لدفع صدقاتكم وزكاتكم إليهم , ولكن يجب أن نعلم أن من الصدقة ما يكون أعظم في غير رمضان, فدفعها في وقت الحاجة إليها, في غير رمضان أعظم من دفعها في رمضان, لأن الناس في رمضان يجتهدون فيه بأفعال الخير , فإذا انقضى توقفوا عن الإنفاق.
لكن يجب على المسلم أن يستمر في فعل الخير في جميع الأوقات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
{فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى {5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى {6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى {7} وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى {8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى {9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى {10} وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى {11} إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى {12} وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى {13} فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى {14}‏ لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى {15} الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى {16} وَسَيُجَنَّبُهَ ا الْأَتْقَى {17} الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى {18} وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى {19} إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى {20} وَلَسَوْفَ يَرْضَى {21}‏} سورة الليل .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه الغفور الرحيم .