الإيمان بالرسل (للأطفال)
أحمد الجوهري عبد الجواد




قصص أشبال الإيمان

(13) الإيمان بالرسل



أنا عنقود عنب.
حباتي جميلة كاللؤلؤ.
حلوة كالسكر.
مرصوصة كالعُقد.
ليست هذه هي محاسني فقط.

فلقد كان من مقادير الله الجميلة بالنسبة لي أنْ أمسَكَني بيده، وأكَل بعضَ حبَّاتي بفمه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ففي بداية الدعوة إلى الإسلام اشتدَّ أذى المشركين من أهل مكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج الرسول ليلتمس بلدًا غير مكة يدعو فيها إلى الإسلام، إلى أن يأذن الله لأهل مكة فتلين قلوبُهم، وقد اختار النبيُّ الطائفَ، وهي بلدة قريبة من مكة، وهي كذلك قرية عظيمةٌ مثل مكة، وخرج النبي إليها، يدعو أهلَها إلى الإسلام، لكنهم رفضوا، ولم يكتفوا بذلك، بل آذَوا هم أيضًا رسولَ الله أذًى شديدًا.

وفي الطريق وجد الرسولُ بستانَ عنب، فجلس يستريح في ظلِّه من التعب، فلما رأى صاحبُ البستانِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، دعا غلامًا له اسمه عدَّاس، فقال له‏‏:‏ خُذ قِطفًا من هذا العنب، فضَعْه في هذا الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل، فقُلْ له يأكل منه‏‏.‏‏

ففعل عدَّاس، فقطفني من فوق الشجرة، ثم أقبَلَ بي حتى وضعني بين يدَي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال له‏: ‏‏كُلْ، فلمَّا وضع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيه يدَه، قال:‏‏ ((بسم الله))، ثم أكَل.

هذه هي اللحظة التي لم تسعْني الدنيا كلُّها من الفرحة والسعادة، فلقد استقرَّت حبَّاتي بين يدَي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وامتدت يدُه الشريفةُ تقطِف بعضَ حبَّاتي ويأكلها.

وما أجمل ما سمعت حين قطف أولَ حبَّة، وقبل أن يضعها في فمه قال: ((بسم الله))؛ حتى إن الغلام "عدَّاسًا" حين سمع كلمة "بسم الله" تعجَّب، وقال‏‏:‏‏ "والله، إن هذا الكلامَ ما يقوله أهلُ هذه البلاد!".

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏‏:‏‏ ((ومِن أهل أيِّ البلاد أنت يا عدَّاس؟))،‏‏ قال: أنا رجل من أهل نِينَوَى؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏‏:‏‏ ((مِن قريةِ الرجل الصالح يُونُس بن متَّى؟))، فقال له عدَّاس‏‏:‏‏ وما يُدريك ما يونس بن متى‏‏؟‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏‏:‏ ((ذاك أخي؛ كان نبيًّا، وأنا نبيٌّ))، فأكَبَّ عدَّاس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبِّل رأسه ويدَيْه وقدمَيْه‏‏، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: أشهدُ أنك عبدُ الله ورسولُه.‏‏

وأسلم عدَّاس، وشهد أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
ويونس بن متَّى نبيٌّ من أنبياء الله، وهو الذي ذكره اللهُ تبارك وتعالى في سورةٍ باسمه في القرآن، وذكره في مواضعَ كثيرةٍ من القرآن؛ كقوله تعالى: ﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [القلم: 48 - 50].

ومثل يونس عليه السلام أنبياءُ كثيرون ذَكَرهم الله تعالى في القرآن؛ كيوسف وموسى وعيسى وإبراهيم ونوح وآدم، عليهم جميعًا الصلاة والسلام.

وهكذا فإن المسلم يؤمن بجميع الأنبياء والمرسَلين، بل الإيمان بهم ركنٌ من أركان الإيمان، ومحبتهم واجبة كمحبة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، والدفاع عنهم واجب، قال الله تعالى: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُون َ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285].

وفي هذه القصة الجميلة فوائد عظيمة، منها أن:
الإيمان بجميع الأنبياء واجبٌ على المسلم؛ فهو ركن من أركان الإيمان.
أرسل الله أنبياءَ ورسلًا كثيرين لا يعلم عددَهم إلا اللهُ، وبعضهم مذكور في القرآن والسُّنَّة.
نبيَّنا محمدًا صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء، وخاتم المرسلين، فلا نبيَّ بعده.